الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيات الحضارى

ياسر العدل

2005 / 10 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


فى كل يوم انفجر غيظا من رصد مفردات واقعنا الحضارى، كثير من أساتذة جامعاتنا ومثقفونا المنوط بهم أفكار التطور يبتلعون وقائع التخلف الفكرى ويمارسون البيات الحضارى، ومع أول هزة للتطور يتقاعسون عن الإمساك بموضوعية الفكر ويعانون من هشاشة إرادة التغيير، ولأن طبيعة البناء الثقافى للناس يحدد مدى قابليتهم للانقياد وخضوعهم للحكام، ولأن الحكومات المتعاقبة فى مصر منذ بداية الخمسينات فى القرن الماضى، وحتى الآن، تسعى لأن يدوم لها أمر القياد وتسليم العباد، فإنها تكالبت على تسخير إمكانيات المجتمع لتخدم رغبتها فى ممارسة الحكم غير الديمقراطى، وأنتجت مواد ثقافية مهينة على مستويين :
المستوى الأول ينتج ثقافة فردية متخصصة تصل لصاحبها بالتخصيص، تصنعها مدارس الحكومة وجامعاتها، على هذا المستوى كسرت حكوماتنا المتعاقبة حاجز استقلال الجامعات وجعلتها كتاتيب لتحفيظ الأدعية المستجابة عند السلطة، والمستوى الثانى ينتج ثقافة شعبية عامة تصل للناس دون تخصيص مباشر، تصنعها أجهزة الدعاية والإعلام الحكومية، وعلى هذا المستوى حاصرت حكوماتنا المتعاقبة معظم منابر الفكر، وحالت دون نشوء أحزاب حقيقية أو جمعيات أهلية مستقلة، وانفردت أجهزتها الإدارية بتأميم العقل المصرى فى اطر من مسلمات ترى أن حكامنا فوق الحساب وبعيدون عن المسائلة، وأصبحت ثقافتنا المعاصرة نتاجا حكوميا متخلفا يعانى من اهتزاز القيم وانهيار النسق العام للشخصية المصرية.
هكذا نعيش أزمة ثقافية تتمثل فى فقد المعايير الموضوعية والحضارية للحكم على القيم، وغلبة شريعة القبيلة على حرية الأفراد، واختلاط الفكر الموضوعى مع الرؤى الشخصية، وتفسير الوجود الحقيقى للأشياء بوجود مواز لأشياء أسطورية، وانحشار عقولنا فى دوائر من ضيق الأفق الفكرى وتراجع قلوبنا عن إرادة التغيير.
أزمتنا الثقافية يمكن حل بعض مشكلاتها المادية بأساليب منخفضة التكلفة، فجامعاتنا ومقار الأحزاب والمقاهى ودور العبادة والمصانع، تستخدم موسميا لإلقاء المواعظ والسمر والحملات الانتخابية، وبهذه المقار يوجد أكثر من مكان يصلح لأنشطة المسارح ودور العرض السينمائى وقاعات المحاضرات، فلماذا لا تستخدم هذه الأماكن ليتم تفعيل ديمقراطية النشاط الثقافى بين جموع الناس؟ بدلا من غلق دور العبادة والعلم ومقار الأحزاب، واقتصار دورها على تلقين الناس، أدعية الصبر وشكر أصحاب النعم.
فى بلادنا كثير من القادرين مادياً على التبرع، من باب الإيمان وتكفير الذنوب أو من باب التجارة والدعاية وتكفير الذنوب أو من البابين معا، لدينا ثراة قادرين على تبنى أنشطة ثقافية مختلفة، لكن جهودهم تجهض من ضبابية الفهم الحكومى لمعايير التطور الحضارى، وتجهض ومن سلبية المشاركة لكثير من المثقفين فى ساحة العمل الثقافى، باعتبارهم أكثر الناس اقترابا من الفكر الإبداعى، ومن التخاذل الفكرى لكثير من أساتذة الجامعات باعتبارهم أكثر الناس اقترابا من الفكر الموضوعى.
ومع أزمتنا الثقافية، يبقى كثير من أهل مصر على طريق التحول الحضارى، يتجرعون شظف العيش تحت سطوة الخوف، يخشون حرية البوح وفعلة الحب المكين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟