الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انظروا من يتكلم!!

نور الدين بدران

2005 / 10 / 28
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


إن الرسم الكاريكاتوري أعلاه يعبر بكل دقة وبكل أسف عن واقعنا السوري اليوم.
في التلفزيون والإذاعة والصحافة،في الشارع وفي الرؤوس الساخنة،التي بالغت في تضييق أفقها المحدود أصلاً، حيث اختفى العالم كله، وحل محله مرآة الذات،فتلك الرؤوس التي صدقت لعبتها لم تعد ترى سوى ذاتها،حيث بات خطابها موجهاً إلى تلك الذات المتضخمة بشكل أسطوري وتراجيدي.
أقتطف هنا من لوحة الهلوسة تلك هذا المقطع الذي يختم "بيان مركز المراقبة في موقع سوريا للقضاء والمحاماة":
"نطالب بتنحي لجنة التحقيق الدولية عن مهمة التحقيق في قضية اغتيال الحريري لعدم نزاهتها وحيادها ونطالب بإعادة القضية إلى قاضيها الطبيعي أي القضاء اللبناني لأنه على الرغم من كل ما يؤخذ عليه فإنه يظل أنزه وأشرف وأكثر استقلالاً من قضاة الأمم المتحدة التابعين لمشيئة الولايات المتحدة وأغراضها الاستعمارية."
خاتمة البيان المذكور هذه،تتناقض جذرياً مع عنوانه:"شكوك حول نزاهة رئيس لجنة التحقيق الدولية وحياديته"، فالشكوك أصبحت في الخاتمة "عدم نزاهة" أما رئيس لجنة التحقيق فقد صار "قضاة الأمم المتحدة".
هذه هي الذهنية الشمولية العدمية صاحبة كل شيء أو لاشيء.
إذا تجاوزنا ذلك، وتقدمنا قليلاً،رأينا مثالاً نادراً على ملكيين أكثر من الملك،حيث وزارة الخارجية السورية رفضت التقرير وشككت بمصداقيته بل أعدمته، لكنها أعلنت أنها مستعدة للتعاون مع لجنة التحقيق من جديد، ولم تأت على ذكر الأمم المتحدة وقضاتها،ولا تعليق لي سوى هذه العبارة:انظروا من يتكلم على النزاهة والقضاء المستقل والشرف!!
المضحك المبكي أن البيان المذكور، رغم غمزه الواضح من قناة القضاء اللبناني، شقيقه الأصغر في الفساد، يطالب بوضع قضية التحقيق بين يديه،وهي مفارقة وأية مفارقة...


يبدو أنه كلما اتجهنا نحو قاعدة هرم النظام الاستبدادي،اكتشفنا أعاجيب جديدة،كأولئك الصحفيين المستكتبين بإملاءات أمنية مباشرة أو غير مباشرة،حيث لا يتورعون عن مهاجمة أعرق وأعظم ما أبدعته الإنسانية في النظم السياسية والحقوقية(رغم الملاحظات الكثيرة والانتقادات العميقة ومن أصحابها أساساً)،وبجرة قلم يشطبون كل ما ابتكرته شعوبها ودفعت الثمن من دمها وعرقها عبر أجيال وأجيال،لهذا لا يستأهل المقام إشارة إلى أحد من أولئك الموظفين والمرتزقين باسم الوطن والوطنية.
لذلك لا يستغربن أحد بعد اليوم إذا سمع مختار إحدى القرى السورية النائية،أو شيخ إحدى عشائر البدو،يرفع عقيرته مطالباً بإقالة كوفي عنان،أو حل مجلس الأمن.
لكن المغزى السياسي لتلك اللوحة العجائبية،أن مواجهة البيروقراطية المستبدة،لا يتم إلا في النفي التام للآخر،بقتله أو بسجنه أو إذا لم تتمكن من إعدامه مادياً،فبإعدامه نظرياً عبر ألف تهمة وتهمة،ولكن المغزى التاريخي لمنطق المستبد،هو الانتحار الجماعي، أو نحر الأمة والوطن،وهو العمل على إبداع شكل جديد من أشكال الانقراض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟