الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات على هامش ندوة -الثقافة الجديدة- بشأن دور المثقف في الحراك الشعبي

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2015 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية



كتبت مداخلة في موضوع الندوة التي نظمتها مجلة "الثقافة الجديدة" حول (المثقفون والحراك الشعبي) والتي عقدت اليوم 31/10/2015 . ولم يتسنى لي القاءها بسبب نظام ادارة الندوة الذي لا يفتح باب الحوار والمداخلات الا بعد ان يتم قراءة الاوراق المعدة سلفا من قبل بعض الاساتذة الافاضل.
ومع ان مداخلتي كانت تتركز حول جانب محدد من موضوع الندوة، الا ان الافكار التي عرضت في اوراق الندوة كانت تحتاج لمداخلة اكبر من تلك التي اعددتها، فقد اهملت الاوراق المقدمة جوانب اساسية في موضوع الندوة، ولم يعطي المحاضرون اي تصور واضح عن ما يعنوه "بالمثقف"، فهو عند البعض حامل الشهادة والمتعلم وما الى ذلك من تعريفات تعطي لموضوع الندوة وجهة اخرى، غير تلك التي كان يجب ان تكون.
فالحديث عن المتعلمين وحاملي الشهادات والاكاديميين، هو حديث عن شريحة بعينها داخل المجتمع العراقي، تؤدي وضيفتها المحددة في هيكلية الدولة وتتأثر بالقوانين التي تمس ادائها المهني ومكسبها المالي. وهذه الشريحة لا علاقة لها بالمثقف الموسوعي الذي يشكل طليعة فكرية ملهمة للجماهير ومؤثرة في تشكيل ما يعرف بالرأي العام.
فاذا كان حديثنا عن المثقف الموسوعي المؤثر في صناعة الرأي الشعبي، يتعين علينا ان نشخص الفروق والتنوع داخل هذه الشريحة الاجتماعية. ولكي يكون تصنيفنا منسجما مع موضوع الندوة فانه لا بأس من الاشارة الى ثلاث فئات من المثقفين، بحسب انتمائهم لثقافتهم وطبيعة استخدامهم لها.
واول هذه الفئات هي فئة المثقف العضوي او الحقيقي (الانتلجنت)، اي المثقف الموسوعي الذي تنعكس ثقافته على سلوكه واسلوب حياته. وهم اليوم قلة في مجتمعنا العراقي، لذا فان تأثيرهم في التظاهرات في بغداد والمدن العراقية الاخرى يبقى محدودا. علما بان حجم القدرة الكامنة لتأثير ممثلي هذه الفئة في الجماهير وفي السلطة السياسية كبيرا للغاية. ويذكرنا التاريخ الفرنسي الحديث، أن مشاركة الفيلسوف الفرنسي الكبير جان بول سارتر وغيره في تظاهرات باريس في نهاية ستينات القرن الماضي كان له اثره البالغ في حجم التظاهرات وعلى نتائج تلك التظاهرات.
أما الفئة الثانية من المثقفين، فهي فئة المثقف المبدع الذي يستخدم الثقافة الانسانية كمنطلق للتغيير والتجديد. وهي الفئة المنسية والمهملة من قبل المؤسسات الثقافية الاجتماعية والحكومية على حد سواء بسبب صعوبة تأطيرها وعجز الانظمة البيروقراطية في هذه المؤسسات عن استيعابها وادارة ابداعها. على ان هذه الفئة بالذات هي الاكثر نشاطا والاوسع تأثيرا في الوعي الجماهيري.
واخيرا فهناك فئة المثقف المحافظ الذي يؤمن بالشكليات اللفظية للفكر الموروث أو بهيكلية الفكر الموروث، ولا يتجاوز النصوص الا في حدود تفسيرات النص. وهؤلاء هم اغلبية المثقفين العراقيين الذين ينتشرون في مؤسسات الثقافة الاجتماعية والحكومية.
والمثقف المحافظ (التسمية هنا مجازا) لا يختلف في موقفه اليوم كثيرا عن موقفه ابان الخلافة العباسية. فموقفه من عامة الناس بقت محكومة بموقف السلطة، سواء كانت سلطة الحاكم او السلطة الحزبية او السياسية او الوظيفية منه، من جهة، وموقفه بالتبعية من السلطة بتصنيفاتها المختلفة. أما الجماهير، فهي الامتداد الالحاقي لتلك المواقف، وهي التي يتعين عليها الاعجاب بأفكار المثقف ومساندته في تحقيق مشاريعه.
وهذه الفئة من المثقفين، اي فئة المثقفين المحافظين، هي الفئة المريحة للمؤسسات الثقافية الاجتماعية والحكومية، لذا فهي الاكثر حظوة عند تلك المؤسسات. ونيل هذه الفئة للحظوة عند تلك المؤسسات تفسره، كما ذكرنا، ليس فقط مطواعيتها الفكرية، بل وسهولة التعامل معها من قبل الاجهزة البيروقراطية الادارية في تلك المؤسسات. وان صلحت هذه الفئة لتعزيز الثقل الفكري والاجتماعي والسياسي للمؤسسات الثقافية التابعة للسلطة، فإنها لا تصلح الا كوظيفة هامشية في مؤسسات الثقافة القريبة من حركات التغيير والاصلاح السياسية والاجتماعية.
وبالتالي فانه ليس من سبيل امام حركات التغيير، التي تعتمد الجماهير الشعبية اساسا للتغيير والاصلاح، من اجل تطوير نشاطها الجماهيري وتوجيهه نحو الشباب الباحث عن بدائل فكرية تجديدية، الا تصحيح العلاقة مع ممثلي الفئة الثانية من المثقفين، حسب التصنيف اعلاه، ورفع الحيف عنهم بمساعدتهم في ايصال افكارهم لأوسع شرائح المجتمع.
ومن هنا، فان عزلة المثقف العراقي وضعف مساهمته في الحراك الجماهيري، تتحمل مسؤوليته بالدرجة الاولى كل المؤسسات الثقافية والاعلامية القريبة من الاوساط السياسية والاجتماعية اليسارية والديمقراطية التي من مصلحتها اليوم تطوير الحراك الجماهيري وكسر محدوديته من حيث النشاط ومن حيث التأثير.
لذا، لابد اليوم من وضع تصور جديد للعلاقة بين مؤسسات الثقافة الاجتماعية، خاصة تلك التي تؤمن بفكر التغيير والاصلاح، من جهة، وفئة المثقفين العراقيين المبدعين، في اي من حقول الثقافة، التي عانت الاهمال والعزل من قبل كوادر الجهاز البيروقراطي لتلك المؤسسات. فبدون الانفتاح على المثقفين العراقيين يصبح الوصول الى القاعدة المفترضة، لقوى التغيير والاصلاح، في الشارع العراقي والتأثير فيها مجرد احلام لن يكتب لها ان تتحقق بذات وسائل الربع الثالث من القرن الماضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه مقدمة جيده تتطلب التطوير والتفصيل والتطبيقيه
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2015 / 10 / 31 - 22:11 )
تحيه للاستاذ الكاتب على ورقته البحثية اعلاه ونظرا للعلاقة المباشرة والشديده
فاءن موضوع ونص الورقه له طابع-أي تطبيقي-من اجل سلوك سياسة مؤديه الى
بروز او خلق المثقف الموسوعي-رغم ترددي فيما يتعلق بهذا الصنف الذي يمكن ان يكون من الماضي الطيب-وبالاخص في فيما يتعلق بالصنف الثاني المبدع في الثقافة والفكر والذي بعمومه -وعلى الاقل بالجزء المؤثر منه يجب ان يكون عضويا لاننا نهتم بالقضية الاساسية العملية في التاءثير في المجتمع وخلق وتطوير الراءي العام بالشكل المؤدي الى خلق القوة الاجتماعية الجماهيرية ليس فقط في الحراك المدني الحالي وانما في دينمكة المجتمع العراقي واحداث نقله تاريخيه متواصله صوب التقدم والازدهار وشكرا

اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن