الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
اللحظات الحتفية على عتبات المطلق
هيثم بن محمد شطورو
2015 / 11 / 1الادب والفن
يتدفـق الوجود عبر معـنى الخـلود. الخيط الرابط بين الوجود الحي و المعنى الأبدي هو ما يمكن صياغته عبر مساحات الوعي النـقدي لمجمل تمظهرات الحياة. فكر بكل شفافية مع نـفـسك و ستجد ان الحقيقة داخلك. انك تسير حتما نحو حتـفـك و لكن ما هو الحتـف ان لم يكن النـقطة الزمكانية التي تـتحقـق فيها عملية الانـتـقال القصوى من النسبي الملتبس بالمحـددات المادية الى المطلق الرحب خارج فـضاءات الزمكان التي تـتخللنا.
انظر اليه في ساعاته الاخيرة مسجونا في البدن المتهاوي المسجون بدوره بين الآلات الطبـية في قاعة الانعاش في المستـشفى. اي انعاش في لحظات الحتـف سوى في كونه تحديدا لمجال رؤيا جديد يتجه بالعينين الزائغـتين في اتجاه الامام المتعالي، في اتجاه العالم الآخر. اللحظة الحتـفية تـنبؤ بشعور يتماوج بفعل الدفاعات الدماغية عن مبدأ الحياة بين ذكريات الطفولة المنسية التي تـتـلاحق صورها آنـذاك. الشيخ الهرم المنـتهـية صلاحية جسده المادي و الذي تعتـب روحه عالم المطلق تـتـدفـق حياة اخرى تبتدئ بملاقـاة أبـيه و أمه و أخوانه الميتين يتراقصون امامه بوجوه نورانية تختـلط مع لحظات مسترسلة من الحياة السابقة. لحظات الطفولة. لماذا الطفولة؟ لأنها وحدها زمن النـقاء الروحي قبل ان تـنغـمس الحياة في الاحتجابات عن الروح الكلي..
انها لحظات الصراع القصوى بين مبدأ غريزة حفـظ البقاء التي تجعل من الصرصار يهرول هاربا من ضربة حذاءك و بين مبدأ الوعي الذي هو الروح الانهائية. انها اللحظات الحتـفية لعنصر الطبيعة و لكنها لحظات الرجوع الحتمي الى الروح المطلق، روح العالم.
"يا نـفـسا عـودي الى ربك راضية مرضية". انها النفـس التي جاهدت في حياة وعيها للالتـقاء بروح العالم. النفـس السائرة نحو الحقيقة المطلقة. النفـس المناضلة ضد اشكال الزيف التي تعترضها. النفـس التي فكرت في الآخر كما تـفـكر في نـفسها باعتبار الآخر و أنا إلا نحن جميعا كانسان وحيوان و طبيعة و وجود و كل ما عليها فان إلا وجه ربك الدائم الأبدي. النـفـس الواعية بوحدة الوجود و ان عمق الوعي و عمق الحياة لا يتمثـل إلا في النضال في طريق المساواة بين البشر و المساواة مع الحيوان و النبات و حتى مع طفيليات البحر. اننا مبدأ واحد و ان الاتجاه نحو الروح ما هو إلا اتجاه في الاحاطة بكل الوجود بالعمل على خيريته و اسعاده. الانسان وحده بما انه نـفـس اي اضافة الى الروح المشتركة مع الكون فهو نفس مفكرة و شاعرة مثلما اوضح ذلك الفيلسوف العظيم ابو حيان التوحيدي في كتابه "المقابسات".
و ربما هذا ما يطلبه الرب من الانسان حيث جعله خليفة له في الارض. خليفة على اي مستوى ان لم يكن على مستوى الرحمة و الاحاطة الرحيمة بالوجود و الوقـوف موقف المسؤولية تجاهه. الرحمان الرحيم الذي ليس لرحمته حدود هل يخلف غير الرحمة؟
هذا الشيخ في لحظاته الحتـفية اتجهت عيناه الى الامام المرتـفع في ثاني ايام وجوده في الانعاش الاخير. انعاش اللحظات الدنيوية الغائبة تعدادها و مللها عنده لأنه بكل بساطة شعور يتماوج في اللذة الكونية التي لا تكون إلا في الجسد المتهاوي في لحظاته الحتـفية. اقصى درجات الوعي لا تظهر إلا في اللحظات الحتـفية. الشيخ المناضل ضد الامبريالية و الصهيونية و الجهل في حياته. الشيخ العاشق للفلسفة الحامل طيلة حياته هموم الانسانية في الواقع التشيـيئي الشيطاني للبشر من اجل استغلالهم باسم الرب و المسيح و محمد. الشيخ ذو التـفكير الارسطي الرشدي الهيغلي المناضل ضد زمن القهر العربي.. انه في لحظات حتـفية الجسد و تعـلق العينين بالأرفع و الاتجاه الى العالم الأرحب. عالم الحرية المطلق و عالم الاستـهزاء الكلي بفضاعات البشر و حـقارته و غروره و جهله. انه يتحد مع روح العالم..
"يا نفس عودي الى ربك راضية مرضية".
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن
.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •
.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر
.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا
.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى