الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رد فعل فلسطيني تحت السيطرة!!

عماد صلاح الدين

2015 / 11 / 2
القضية الفلسطينية


رد فعل فلسطيني تحت السيطرة!!
عماد صلاح الدين

يغلب على وسائل الإعلام الفلسطينية، والمتحدثين فيها، لغة الخطابة والشعارية والتضخيم والتهويل، بل والتبسيط من ناحية أخرى في تناولها للأحداث الجارية في الضفة الغربية والقدس، والتي تاه المراقبون والمحللون في تسميتها بهبة جماهيرية شبابية أو موجة انتفاضية أو انتفاضة.

لدينا مشكلة على العموم وعلى الخصوص، فيما يتعلق بنظرة النخب الثقافية والسياسية، بنظرتها إلى الأمور والوقائع نظرة علمية هادئة وفاحصة متأنية، وفي تقديري هذه مسالة عمومية تعاني منها عموم المنطقة العربية وحتى الإسلامية كدول عالمثالثية تعاني التخلف والجهل وعدم الوعي على مستوى الذات والحضور المجتمعي العام الرسمي وغير الرسمي. وتتبدى هذه الحالة أعلاه في غياب النظرة والتوجه العقلاني والمنطقي على مستوى الأساسيات والبديهيات، في غير مجال قبل الدخول الفعلي والفاعل فيه.

وكنت من السابق في دراسات ومقالات سابقة، قد حاولت التطرق إلى محاولة فهم وتفسير حالة غياب العقلانية والمنطقانية، بردها إلى تراكمية المشوه من التراث والهوية الدينية والقومية والأخلاقية في العالم العربي، واتساع رقعة ونوع ومساحات ديباجات تبرير التراجع والاستبداد والتخلف مرحلة تتلوها أخرى، وهكذا دواليك.

وهذا أعلاه، مس فيما مس الجوهر الأساسي للإنسان العربي في اعز منطلقاته وخصوصياته المطلقة له ذاتيا والمعمرة له ولمجتمعه موضوعيا؛ أخلاقيا ونهضويا وحضاريا، وهي هنا حريته وكرامته وإنسانيته وقدرته ورغبته الواعية والمدركة، في مراس اجرائيته واستمراره متطلعا نحو الهدف والمستقبل أو تقرير مصيره على كل حال.

ولا استطيع هنا، أن انفي دور الاستعمار والاحتلال الغربي الصهيوني، في معاناة الناس وتراكم اليأس والبؤس عليهم، ليس في فلسطين وحدها، بل في كافة أقطار العالم العربي، لكن أي موضوعي علمي لا يستطيع نفي قابليتنا للاستعمار والاحتلال والطرد والإجلاء وغيرها، بل وقابليتنا للاستبداد السياسي والأمني الممارس علينا من نظمنا العربية.

لأكثر من مرة، قلت إنها مشكلة الإنسان الفلسطيني والعربي في عملية بنائه، لأجل القدرة على الانعتاق من ذاته المريضة والمكبلة بقيود التخلف والجهل والماضي المشوه وجملة الديباجات التي لاعلاقة لها بصحيح دين أو أخلاق. ليس قليلا هذا التراكم السلبي الممتد عبر قرون، والذي أزاح شخصية الإنسان العربي والفلسطيني، وشبه ازاحهها تقريبا عن ذاتها والعلائق والحضور؛ تراكمات من التشوه الديني والحضاري، واستبداديات ممتدة ومتنوعة مورست عليه باسم الدين والقيمية والانضباط والالتزام والحساب في الدنيا والآخرة. وهو إن أردت متابعة سيرته ومساره تاريخيا ولقرون عديدة، تراه يخرج من استبداد وتخلف اقله مع نهاية الحقبة العثمانية في قرونها المتأخرة حتى مطلعية الربع الأول من القرن العشرين المنصرم، إلى استبداد واحتلال واستعمار آخر سواء داخليا أو خارجيا، أو معا بالتعالق والارتباط فيما بينهما حتى يومنا هذا.

الشعب الفلسطيني، وهو ما يهمني هنا كأولوية وطنية، ومنذ خضع للاحتلال الإسرائيلي عام 1948 لم يتم تنظيمه وتاطيره، في سياق مشروع وطني تحرري عماده صياغة وبناء الشخصية الإنسانية والوطنية حتى في ظل ظروف الاحتلال الاجلائي والعنصري؛ ذلك الإنسان السليم في الحد الأدنى على الأقل القادر والفاعل والمبادر على غير صعيد، وضمن ثقافة وطنية شاملة تعرف ما تريد وتعرف عدوها وطبيعته وارتباطاته الإقليمية والدولية.
لا أريد هنا تكرار المكرر عن طبيعة المشروع الصهيوني، ولا عن مشروع تقرير المصير الشامل للجميع بدونه، فقد سبق لي ولغيري الحديث عنه والإفاضة فيه، المشكلة في هذا السياق تبقى مشكلة إطلاق وتعميم مشروع إنسان ووطن على الجميع، للأسف المشاريع لا زالت خاصة لدينا نخبوية وحزبية وجماعاتية كما كانت من قبل قبلية وعائلية، كل شيء يخضع للاحتكار والاستبداد فيه، والتبريرات دائما جاهزة في هذا الإطار دينية أو شعبوية أو حتى التعلق بأهداب الوطنية من غير وطن ولا مواطن.

ثم يأتيك بعد كل ذلك من يقول لك أن هناك وعي لدى الناس، وان الشباب في الانتفاضة الجديدة انتفاضة القدس الثالثة يعرفون ما يريدون، وأنهم جيل النصر والتحرير، وما إلى ذلك.
والشباب في الوقت نفسه لا يميزون بين الإسرائيلي المستوطن الاستعماري الامبريالي وما بين اليهودي واليهودية وتراثهما، وانه لا علاقة فيما يخص مشروع التحرير ومواجهة المستعمر إلا مشروعه الظالم، وبالتالي لا علاقة للموضوع بدين أو يهود أو يهودية أو حتى ابن يهودية!!!.

لقد عملت أطراف محلية وإقليمية ودولية، في المقدم منها أمريكا وبعض الدول الغربية، بالإضافة إلى إسرائيل وبموافقة بعض الفلسطينيين والعرب، على مشروع حوسلة الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية(الحوسلة تحويل الإنسان إلى شيء) ضمن أبعاد اقتصادية وأمنية استهلاكية وخدماتية، منذ أكثر من ثماني سنوات، تحديدا بعد أحداث قطاع غزة عام 2007 بين حماس والسلطة الفلسطينية. ولقد أدت هذه الحوسلة التحويلية عبر تلك السنوات إلى تحويل سكان القطاع الأوسط من فلسطين إلى أفراد وجماعات مصلحية لها هموم خاصة تم رسمها لها بحيث لا تستطيع الانفكاك منها، من خلال سياسات أمنية ومالية خطيرة؛ إن على صعيد القروض الربوية، أو التضخم الهائل في الأسعار والرسوم والضرائب وغيرها، لتخلق بالتالي الإنسان الفلسطيني الجديد المنزوع من العافية الأخلاقية والوطنية، وحتى من القدرة على الصبر في السعي والجد والاجتهاد لتدبير أمره، في ظل منظومة استهلاكية خطيرة أوجدت الإنسان المتواكل الكسول الذي يريد كل شيء، ولا يريد أن يبذل جهدا في العمل والإنتاجية حقيقيا.

وبرأيي، أن هذه الأطراف استطاعت بالفعل ونجحت في محاولة احتواء الفلسطيني وخلق الفلسطيني الجديد منه إلى حد لا أقول ما وإنما إلى حد خطير، بحيث يكون هذا الفلسطيني في الضفة الغربية دائما تحت السيطرة، وان ما يبدر منه سواء في مواجهة السلطة الفلسطينية أو في مواجهة إسرائيل مجرد ردات فعل وان تضخمت في لحظات ما أو في موجات بعينها أو حتى إن أراد البعض المبالغة في تضخيمها عن وعي أو غير وعي، هذا طبعا على رغم كل كلام جميل من قيادة المفاوضات الفلسطينية بالتهديد والتلويح في مواجهة إسرائيل، أو كلام مستفز إعلاميا من القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية بخصوص السلطة الفلسطينية وقيادتها، أو أن انتفاضة السكاكين خلقت رعبا لدى الإسرائيليين لو كان ذلك عام 1948 لما قام كيانها من الأساس .

لقد سبق لي أن كتبت مقالا بعنوان الاستهلاكية تحت الاحتلال ستؤدي إلى الانفجار، والسبب في ذلك أن الاستهلاكية المستفزة لا تناسب أوضاع الدولة العادية، حتى تلك الساعية إلى النهوض كما في دول البريكس مثلا فما بالك بشعب وسلطة تحت احتلال غير عادي وإقصائي إجلائي!!

وبالفعل حدث انفجار لشريحة من الشباب الفلسطيني، وليس كل الشباب كما يتوهم البعض أو يروج له كثيرون من السياسيين أو النخب، وهو انفجار محدود؛ لأنه تم العمل حقيقة على احتواء الإنسان الفلسطيني في سياق منظومة أمنية وخدمية ومالية، بحيث أن البقية الغالبة من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية لا زالت غارقة حتى أذنيها بهمومها الخاصة الناتجة عن سياسة الاحتواء والتدجين في آن معا.

وما ساعد على هذا الانفجار كذلك هو حالة الاكتساح الإسرائيلي الاستيطاني الكبير للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس بحيث أنها وصلت إلى مستويات خطيرة جدا خصوصا فيما يتعلق بالاستيطان واستهداف القدس والمسجد الأقصى، كان الفلسطينيون سيتحركون لأجلها أبكر بكثير وبمستوى اكبر وعلى قطاعات أوسع لولا سياسة الصياغة المنفذة على الفلسطينيين منذ ثماني سنوات على التوالي.

لقد تم إيصال شريحة من الشباب، وهي الغالبة منهم بحكم أنها الأكثر فقرا وبطالة واستهدافا، إلى حالة اللاأمل وفقدان السيطرة، لكن في إطار من الانفعال والتوتر الشديدين، حين وجد هؤلاء الشباب أن فرصة تقرير مصيرهم الذاتي تكاد تكون منعدمة، وان فرصة تقرير المصير السياسي والوطني من نفس الحال والمآل، بحيث تلاقى الخاص والعام ليشكل بؤرة انفجار رد فعلي، وليس مبادئا أو مبادرا بالمعنى الايجابي للكلمة.

ومعروف في العلوم النفسية والاجتماعية، أن حالة الإحباط الشديد أو الملازم، يتولد عنها رد فعل شديد ولو بعد حين، لكنه رد فعل سلبي لا ينبني عليه اتخاذ خطوات في الاتجاه الصحيح، بل إن الإنسان هنا يلزمه التصحيح بالعلاج النفسي والمتابعة والتوجيه، حتى يعود له توازنه وثقته بنفسه، فيمضي بعد ذلك على الطريق الصحيح المؤدي إلى الهدف المطلوب ايجابيا.

ولذلك، نجد أن الانفجار، جاء من شريحة الشباب المذكورة أعلاه، ولم يأت من مكونات المجتمع الأخرى الغرقي بمخرج السياسة المالية والخدمية والأمنية والاستهلاكية، التي اشتغل عليها أهل الشرق والغرب، بخصوص الضفة الغربية المحتلة؛ فالشباب أحاطهم الإحباط اسريا من اتجاهين في هذه الحالة؛ حالة رب الأسرة أو المعيل العاجز عن الانعتاق من غمرة الديون والربوية والاستهلاكية، ومن ثم القيام بواجباته تجاه أبنائه، وحالة البطالة العالية من الجهة الأخرى.

ولذلك يلاحظ الجميع كيف أن السلطة الفلسطينية غير متوترة من هذا الانفجار، الذي تعرف حدوده، وانه قابل للسيطرة، بعد استنفاد هؤلاء الشباب لما عندهم من كبت، وإسرائيل في المقابل غير مصعدة إلى ابعد الحدود، لأنها تدرك حجم ونوع الاحتواء، الذي تم على القطاع العريض من الفلسطينيين.

وان سأل البعض عن هذه الاندفاعة والجرأة وعدد عمليات الطعن والدهس التي لم يكن لها مثيلا أو مساويا في كل حراكات وانتفاضات الشعب الفلسطيني في الحالة التاريخية المعاصرة.

فأقول أيضا أن حالة الاحتواء والاكتساح الإسرائيلي لم يسبق لهما مثيلا في الحالة الفلسطينية المعاصرة منذ مئة عام تقريبا، مما خلق رد فعل عند شريحة من الشباب إلى حد التهور، بعد تشكل حالة فقدان الأمل المحبط في المقابل.

إن التحرير وتقرير المصير يحتاجان إلى إنسان يملك الحد الأدنى من التحرر الذاتي والقدرة على الفاعلية والمبادرة. والمشكلة، أننا وعبر تاريخ القضية الفلسطينية الحديث عبدنا القبلية والعائلية ومن ثم الحزبية والفصائلية ومن ثم المصلحة الشخصية والأمن الشخصي اللذين يقدم وطن بأكمله قربانا لهما.

ولذلك، فان الفلسطيني اليوم، سواء في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، أو في الداخل، بحاجة إلى إعادة الأمل إليه، من خلال مشروع وطني حقيقي، عماده الوحدة الوطنية، ومنهجه بناء الإنسان السليم الفاعل، ولو في حدوده الدنيا؛ في الصحة والاجتماع والثقافة والعلم والعمل والإيمان والرؤية والأمل، وهدفه القضاء على المشروع الصهيوني ذي الصيغة الاجلائية والفصل العنصري، لصالح وطن للجميع؛ متحررا من الاحتلال والاستعمار، وعائدا إليه جميع لاجئيه، ومستوعبا من يريد العيش بسلام، وضمن منظومة حقوق وواجبات وطنية متبادلة، في ظل نظام ديمقراطي تداولي سلمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من إدارة الطيران الأميركية بسبب -عيب كارثي- في 300 طائ


.. استشهاد 6 فلسطينيين بينهم طفلتان إثر قصف إسرائيلي على منطقة




.. كيف سيكون رد الفعل الإسرائيلي على إعلان القسام أسر جنود في ج


.. قوات الاحتلال تعتقل طفلين من باب الساهرة بالقدس المحتلة




.. شاهد: الأمواج العاتية تُحدث أضراراً بسفن للبحرية الأمريكية ت