الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل غير مشفرة !

السيد شبل

2015 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


هناك فرق بين الانتقاد وبين التحريض؛ وبين التحذير من المسار الخاطيء وبين زراعة اليأس؛ وبين المعارضة للنظام وبين استثوار الشعب عليه؛ وبين المجابهة وبين المطالبة بالإسقاط؛ وبين نقد قاسي للخطأ وبين التماهي مع مشاريع معارضة مشبوهة بلا أي ذرة خجل!.

الرسالة الأولى:
معارضة للنظام لا استثوار للجماهير.. مجابهة للسلطة لا دعوة للإسقاط

التعامل مع الحقائق يُغني عن كثير إضاعة وقت؛ وإغفال التفاصيل قبل الشروع في إصدار حكم والتعامل مع الأطروحات كمسلّمات يفضي إلى نتائج خاطئة؛ وتجاهل ما جرى في الماضي وما آلت إليه تجارب سابقة يؤدي إلى أخطاء مضاعفة وخواتيم كارثية.

هذه المقدمة مطلوبة قبل أن نقول أن هناك بون شاسع بين المعارضة والهجوم والنقد والنصح والتحذير من جهة، وبين استثوار الجماهير وحثهم على الانتفاضة والمطالبة بالإسقاط من جهة أخرى، وإن كان التلويح بالهبة الشعبية مطلوب كوسيلة من وسائل الضغط، لكن شرط توافر الظروف الموضوعية والحكمة عند الاستخدام.

فالمعارضة لا تحتاج أكثر من شخصية مخلصة (تطهرت من كل الآثام التي تصف بها خصومها) لديها دراية ومتابعة وحسن تحليل للأحداث من حولها، وبناءًا عليه تُخرج منتجها النهائي سواء في صورة نصح أو تحذير أو لوم أو هجوم؛ أما الثورة فهي هبة شعبية أو نخبوية (سياسية أو عسكرية، على التغليب بينهما) تبغي قلب الأوضاع رأسًا على عقب والإطاحة والاستبدال.

وفي ظل الظروف الحالية التي يعيش فيها الوطن (مصر) داخليًا وخارجيًا، وفي ظل عدم كون الأجواء مناسبة للدعوة للهبة الشعبية بافتقاد البديل، وفي ضوء فساد الجبهة الواسعة التي تشمل حركات وجماعات معارضة، وفي أجواء قوى استكبار عالمية تهدف لتفتيت دول العالم الثالث إلى كينونات قزمية؛ يكون الحاث عليها والداعي إليها جانح لا مصلح، ويخدم أغراضه النفسية وأجنداته وأطماعه الشخصية لا أكثر؛ وهذا التأصيل يراعي اعتبارات اللحظة الراهنة، ولكل حادث حديث.

فالشعب المصري الذي أُختطفت انتفاضته الثورية ضد مبارك، واصطدم بأهوال ومصائب ترتبت على غياب الدولة وانحسار سلطاتها للدرجة التي صارت هي ذاتها ككيان مهددة بالتفكك والانهيار، لن يكرر التجربة. وهو على وعي تام بأن النخب التي خانته ووجهت انتفاضته الشرعية والضرورية إلى اتجاهات غير شرعية وثانوية يدور أغلبها لصالح خدمة مخططات خارجية شيطانية، ستخونه من جديد إن هو سلّم إليها، واشترك في حراك تقطف هي ثماره (خاصة أن النخبة لم يصيبها تغيير كبير).

الأجواء مختلفة عن يناير 2011 ويونيو 2013، وامتزاج النظام بالمؤسسة العسكرية مختلف عن الوضع حتى في زمان حسني مبارك، وفك الالتباس بينهما يكاد يكون مستحيلاً (وإن كنا لا نوافق على وجود هذا الامتزاج، لأنه يضع الجيش في حرج لا نرجوه له)؛ وهذا كله يصعب المهمة ويجعلها أقرب للدعوة إلى الخراب والانتحار.

ولكن ما الحل..

ما دامت مسألة كون النظام لا يرى لنفسه موطئ قدم خارج مظلة السياسات الساداتية والمباركية.. باتت في حكم المسلّم بها؛ ويومًا بعد يوم تتعزز الفرضيات القائلة بأنه صورة لأوضاع ما قبل 2011، وأنه يؤدي أداء المريد المقلّد لمشايخه، هؤلاء الذين حكموا البلاد لأربعة عقود مضت، ويعيد استتنساخ سياساتهم التي أفسدت وأفقرت وأمرضت وأذلت؟.

لا نجد حلًا لهذه المعضلة سوى التعسكر في خندق المعارضة التقويمية، والإمساك عن أي تبرير (مهما كانت دوافعه) يساعد النظام الحالي على الارتداد عن مهامه الوطنية في الداخل والخارج، والشروع في إطلاق خطاب معارض يحذره من اختيار سبيل "الاقتصاد الحر" الذي يتخذه لنفسه سبيلًا على المستوى الاقتصادي، ويدفعه في الآن ذاته نحو تصحيح رؤيته خاصة في ملفات كدعم محدودي الدخل والأسر الفقيرة، مع الإلحاح على تصويب بوصلته لينحاز إلى معسكر المقاومة المناوئ لسياسات البيت الأبيض، وأن يُفصح عن محددات سياساته الخارجية في ضوء "نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا"، فأي تقاعس من جانب النظام في الكشف عن هويته ومعسكره، إقليمًا ودوليًا، هو درب من دروب النفاق وإضاعة الوقت، وعليه أن يعي أن لا فكاك لمصر عن دوائرها الثلاث العربية والإسلامية والأفريقية، وأنها محكومة بهذه الدوائر الثلاث، تقوم بقيامتها وتخسر لخسراتها.

كذا يجب أن يدخل ضمن دائرة الفهم أن النخبة الوطنية، بمرور الوقت، ستضغط أكثر في اتجاه مطالبها، وهذا حق والتراخي فيه قلة ضمير؛ خاصة بعد استقرار الأوضاع داخليًا إلى حد مرضي (نسبيًا بالطبع)؛ وأن تحصين البلد داخليًا (ضد المؤامرات..) لن يتم إلا بتمزيق العباءة الأمريكية بالكامل وليس مجرد التفلّت المتواضع منها، بالإضافة إلى التمايز الواضح عن وكلاء المشروع الغربي المحليين (النخبة السياسية الممولة، ورجال الأعمال)، والأقليمين وعلى رأسهم (السعودية).

كذا يجب أن يشمل الخطاب المعارض إشارة واضحة إلى أن الرصيد الذي يمتلكه النظام بعد إقصاء المتأسلمين عن المشهد، وانتشال البلد من سيناريو التقسيم والفوضى (الشرق الأوسط الجديد) -بمؤازرة شعبية-، لن يصمد للأبد، وفي حال لم يتم تدعيمه، لن يصير له الاعتبار، والتاريخ يشهد.. (وانتفاضة 77) كافية كعبرة!.

ولا نأمل هنا أن يكون الخطاب خجولاً أو أنيسًا (كما يوحي سياق الكلام عند من استهواهم الوقوف عند ظاهر الألفاظ واقتطاع الجمل والفقرات من سياقها) بل نرجوه خطاباً قاسياً وواضحاً بل وعنيفاً في حال اقتضى الأمر، وأن يكون ظاهره النصح وباطنه التحذير. وأن يكون كله انحياز للوطن، لا اعتبار فيه للنظام.. فلا هو شفقة عليه ولا تربص به.

.. ولكن بالشرط الذي حددناه في الفقرات الأولى، وهو أن يكون محكومًا بالظروف الموضوعية لا انفكاك له منها ولا جنوح له عنها.

الرسالة الثانية:

معارضة المعارضة.. من أجل تنقية الثوب!

كون المعارضة التي ننشدها تأتي على يد نخب وطنية فهذا يفوت كثيراً من حظوظ المعارضات المشبوهة والمدعومة من جهات خارجية، والتي تنشد تصدر المشهد من جديد، وتسعى لإنفاذ مخططات نجح العقل الجمعي المصري في إفشالها عند بلوغها ذروتها.. وهذا يسوقنا لحتمية إنتاج خطاب معارض للنظام معارض في الآن ذاته لأغلبية صنوف المعارضة الحالية، المتشرذمة حتى من ناحية المرجعية (إخوان - ليبراليين -لاسلطويين).

فهل هذا مستحيل؟

نقول بكل ثقة وعزم، لا، بشرط حضور الإخلاص والتوازن والابتعاد عن الأهواء وإحكام صباغة الخطاب، حيث يصح نقد وتوبيخ النظام فيما يبدو ظاهرًا من أخطاء على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي الآن ذاته إعتماداً على ذات الطرح "المعارض" كشف إزدواجية سائر صنوف المعارضة الأخرى باعتبارها لا تمثل سوى وجهاً آخر من ذات السياسات المنحرفة.

فإن كان النظام قد انبطح أمام الإدارة الأمريكية والمؤسسات التي تدور في فلكها كالبنك الدولي مثلًا في موقف وأكثر، فقد سبقوه وتموّلوا عبر مراكز بحثية ومؤسسات حقوقية وإعلامية تنفق عليها دوائر حكومية وأجهزة مخابرات غربية؛ وإن كان النظام قد تقاعس عن نصرة القضية الفلسطينية، بل وألقى عبئها بالكلية عن كاهله، فقد سبقوه إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني في أكثر من مناسبة، وأمسكوا عن دعم حملات المقاطعة، ولم يعطوا للدعوات المطالبة بإسقاط "كامب ديفيد" القدر اللازم من الاهتمام؛ وإن كان النظام قد انتكس في ملف العدالة الاجتماعية وخيّب آمال من راهنوا عليه، فقد سبقوه إلى محاربة القطاع العام، ورحبوا بالانقضاض على سائر المتكسبات الاشتراكية (مصانع - وظائف - تعليم وسكن وعلاج مجاني) التي حصلت عليها الطبقات الشعبية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي؛ وإن كان النظام قد تعثر في إقامة علاقات عربية قوية ومتينة خاصة مع معسكر الممانعة، فقد سبقوه ورحبوا بتدخل الناتو في ليبيا ورورجوا لمشروع هدم وتفيت الدولة السورية؛ وإن كانت يد النظام مرتعشة في مواجهة سلطة رجال الأعمال وفرض مزيد من الضرائب، فقد سبقوه وحاربوا كل الدعوات التي نادت بالتقليل من الاستهلاك الترفي والحد من الانخراط في النشاطات الرأسمالية والإمساك عن التورط في خدمة طبقة ناهبة ومسيطرة على مقدرات البلد لعشرات السنوات، واعتبروها حرماًنا للناس من حقها في الاستمتاع بالملذات (!)؛ وإن كانت القيادة السياسية تبتز الجماهير اليوم بشعارات الاستقرار والحفاظ على الدولة، فقد سبقوه إلى الابتزاز بشعارات القصاص والثأر للدماء.. وقس على ذلك الكثير.

إذن ففي عين توبيخ النظام، تستطيع وبكل أريحية، تعرية صنوف المرتزقة التي ترتدي ثوب المعارضة، بدون أن يرتجف القلم أو ترتبك الأطروحات!.. وإن كان هذا يتطلب ميزاناً دقيقاً فلنمتلكه، وإن كان هذا المنهح يحتاج إلى رؤية شاملة وتحليلية دقيقة فلنتحلى بها.

وقد يصر البعض على أن هذا الطرح، حتمًا، سيُلحق مكاسب بأحد الطرفين بين حين وآخر؟. نقول، إن ما سيكسبه أحد المعسكرين، سيخسره فيما بعد.. ما دام الطرح بقي على شموليته وتوازنه، وأن كل مكسب سيتم تحصيله من ورائه هامشي وثانوي، بالنسبة للمكسب الذي يتحقق جراء الانتصار للمبدإ والانحياز إلى القضية الوطنية والمصلحة الشعبية. وسيظل الرابح الأكبر من وراء ذلك هو الشعب. فقد هاجمت النخبة وطنية نيابة عنه النظام الذي يتبنى سياسات أفقرته وأحوجته لعقود مضت، وفي ذات الوقت فوتت الفرصة على معارضة مشبوهة كانت تنوي التجارة بأحلامه وتوظيف نضالاته.

وعبر إحكام الخطاب، سيتم تقويض فرص استفادة النظام من هذا الطرح بالتركيز على جزئية أن سياساته وإجراءاته غير المنضبطة وغير الواعية هي التي تقدم المادة الخام لسائر وسائل الإعلام المشبوهة لتزايد بها وتتاجر فيها، وتهد البلد على أدمغة ساكنيها، وبهذا، وعبر طرح دقيق ومتأني، سيتم وضع جميع خصوم القضية الوطنية في جبهة واحدة سواء أكان هؤلاء الخصوم على رأس السلطة أو في المعارضة (اسمًا لا مسمى).

خاتمة:

إن المخلصين الصادقين لمبادئهم بلا أي اعتبار للشخوص بمنأى عن أفعالهم وتصرفاتهم، عليهم أن يلقوا عن أكتافهم عبء التبرير لسياسات النظام الحالي، وأن يعلنوا موقفهم بالشكل الذي لا يتطلب تأويل، وأن يعيدوا الاعتبار للقوى الشعبية التي تميز على أساس فطري سليم، وأن يعوا أنها تنتظر من يقودها بدون ابتزاز أو افتعال أو مزايدات أو تطرف او تخاذل. وأن يصدّقوا في إمكانية إنتاج خطاب معارض وقاسي في نقد الخطأ، دون الانزلاق للأفخاخ المنصوبة في كل جانب. وعلى من لا يرى منهم إمكانية ذلك (أو تُعجره الصياغة عن الإتيان بذلك)، فعليه أن يتنحى عن المشهد، لأنه يضر من يزعم دعمه، سواء شخص أو مبدأ.

إن أول ما ستفعله الجماهير في حال تبينت تلف وجنوح الصراع السياسي الدائر، هو العزوف عن تأييد كل الأطراف، والعودة إلى المربع رقم واحد، فهي قادرة على التفرقة بين الخطر وبين الابتزاز باسم الخطر (سواء أكان مؤامرة أم استبداد).. وهذه القوى الجماهيرية الجبارة تحتاج إلى من يمثلها في هذه اللعبة، فيكشف كل معسكر أمام نفسه ويواجهه بما فيه، ولا نرى أحد تقدم لهذه المهمة منذ ما قبل يناير 2011 وصاعدًا، ولعل خلو هذا الكرسي كان من أهم أسباب انتكاسة الانتفاضة الشعبية وخسارتها لأهدافها، بعد أن تُركت فريسة بين يدي نخبة اكتستب من (ربيب جورج سورس وهنري كسينجر) كل خصاله السيئة، فحرفتها عن أهدافها، وجعلت واحدة من أشرف وأنبل الهبّات الشعبية في التاريخ المصري، ألعوبة في أيدي أجهزة المخابرات الدولية توظفها كيفما تشاء!.

ولله الأمر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-