الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا يخاف الفاسدون وناهبو المال العام في العراق من التظاهرات السلمية ؟

حسين كركوش

2015 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


مباشرة في اللحظة التي سقط فيها تمثال صدام حسين زُرعت في العراق وأينعت وأثمرت بسرعة فلكية ثقافة " الغنيمة " بطريقة سوقية ، و جماعية ، ومنفلتة وخطيرة في آن واحد.
ثقافة الغنيمة التي أعنيها هنا بالإمكان تلخيصها بجملة واحدة: استولِ على ما ليس لكَ. و [ ما ] هنا لا تعني المال وحده وإنما كل شيء.
ثقافة الغنيمة غرستها وسقتها وجعلتها تثمر قوات الاحتلال الأميركية ، سواء في عملية الاحتلال نفسها التي كانت عملية سطو لا تستند على أي قانون و لا على أي شرعية دولية ، أو عندما شجعت تلك القوات الأميركية العراقيين على نهب ممتلكات الدولة فور دخولها بغداد.

ثقافة الغنيمة تبنتها و سارت على نهجها الطبقة السياسية ، من حَكمَ منها لاحقا ومَن عارضَ ، كلها دون استثناء ، عندما استولت على ممتلكات الدولة وعقارات قادتها و مسؤوليها السابقين.

البعثيون في لحظة هزيمتهم تبنوا وطبقوا ، أيضا ، ثقافة الغنيمة عندما قاموا بحرق بعض بنايات الدولة و حرق وإتلاف مستمسكات و وثائق الدولة ، خصوصا فيما يتعلق بأجهزة مخابراتها ، باعتبار أن الدولة غنيمة كانوا قد غنموها وأصبحت ملكا لهم ، وها هم يتصرفون بالغنيمة مثلما يريدون.

الشعب ، من جانبه ، تبنى وطبق ثقافة الغنيمة عندما {حوسمَ} و نهب كل ما يستطيع نهبه. و رغم أن ما نهبه المواطنون كان ترهات لا اكثر ، و لاحقا قطع أراضي تجاوزوا عليها وبنوا فوقها ما يأويهم ، ألا أن الخطير في الأمر هو أن مشاهد طوابير العراقيين التي كانت تعرضها تلفزيونات العالم وهم يحملون ما نهبوه ، جعل العين العراقية والعقل العراقي يألفان النهب والسرقة ويتعايشان معهما ويعتبرانهما تصرفا سويا و مقبولا.

و هكذا ، منذ الأيام الأولى تورطت جميع الجهات في عمليات النهب.
جميع الجهات ، المهزومة والمنتصرة ، الغازية الأجنبية وأبناء البلد ، الإسلاموية والمدنية ، النخبوية والشعبية ، تبنت وطبقت ثقافة الغنيمة وشاركت في عمليات النهب.
عمليات النهب ما كانت تتم بتكتم وبخجل و على استحياء، إنما كانت تتم بتفاخر و في وضح النهار وبدون خوف ولا شعور بالتأنيب وبدون رادع. لأن الجميع كانوا على ثقة بأن ما كانوا يفعلونه هو الصحيح ولا صحيح غيره.

وكلما كان يوم يمر وكلما كانت الأوضاع تستتب كانت ثقافة الغنيمة ، هي أيضا ، تستتب و تترسخ أكثر وأكثر وتكتسح أي ثقافة أخرى وتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية المقبولة ، بعد أن تجاوزت نهب المال العام وشملت كل شيء ، بما في ذلك كتابة الدستور وقانون الانتخابات و المحاصصة وتوزيع المقاعد البرلمانية .

ثم شرعت ثقافة الغنيمة ، في كل مجالات الحياة ، تجد لها فلاسفة وتّنظيرين و وعاظ وأخلاقيين وفقهاء ، من الجميع ، يدافعون عنها ويشرعنونها و يبررونها ، لا على الصعيد المالي فحسب وإنما على جميع الأصعدة. وتم تغليفها وتأطيرها بأطر قومية و دينية و طائفية. والمبررات والتخريجات كانت كثيرة ومتنوعة : مال سايب مجهول الهوية ، مالُنا وقد رُدَ إلينا ، مال حرام أصلا و أستولنا عليه ، مال غير مُخّمس ... الخ.


الكل شارك في الغًنيمة. كل حسب حجمه و موقعه و قوته و شطارته.
القوات الأميركية كانت غنيمتها بلدا كاملا ببشره وبثرواته.
البعض غَنمَ دبابات وصواريخ وباعها. بعضهم غنمَ مصانع فككها وباعها خردة. البعض الأخر غَنمَ قصورا. البعض الآخر غنموا نفطا يهربونه ويقبضون ثمنه. آخرون غنموا وزارات و وظائف ومناصب.


ورغم مبادرات رادعة لبعض من أئمة الجوامع وخطباء المنابر في النهي عن نهب المال العام ومناشدتهم المواطنين في الكف عن النهب وإعادة ما نهبوه ، ألا أن الأمر كان قد فات. فقد تحول نهب المال إلى ممارسة أخلاقية مقبولة. وما يزال نهب المال العام مستمرا رغم دعوات ومناشدات المرجعية الدينية في النجف والمرجعيات الاخرى لتحريمه والكف عن ممارسته.

نهب المال العام لم يقتصر على طائفة معينة او قومية محددة أو حزب معين دون غيره. فقد تحول، مثلا، بيع وشراء بعض المناصب الوزارية المربحة قاسما يشترك به الجميع.

الأمر الآخر ، وهو اخطر من ثقافة الغنيمة ، هي ثقافة الولاء الاعمى الطائفي والحزبي والقومي والعشائري التي رافقت ثقافة الغنيمة واحتضنتها وبررتها وسكتت عنها ، تحت شعار: نسكت عن فلان لأنه من طائفتنا أو حزبنا أو قوميتنا أو عشيرتنا أو منطقتنا. ولأنه منا سنعيد انتخابه مهما فعل.

وما تزال الطائفة والقومية والعشيرة هي الحصون التي يتمترس خلفها ناهبو المال العام والفاسدون ، وتجعلهم لا يخشون على مستقبلهم السياسي حتى في ظل انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد معقول. فهم على يقين ان الناخبين سينتخبونهم مرة اخرى وأخرى ، وفقا للولاءات. وقد أكد هذا الأمر بعض الساسة عندما اندلعت تظاهرات الاحتجاج الحالية ضدهم إذ قالوا، بتحدي: انظروا كيف سنفوز مرة ثانية عندما ستجرى الانتخابات القادمة.

وللأسباب السابقة فان ناهبي المال العام والفاسدين ما عادوا يعبأون ، إطلاقا ، بالنقد الشعبي ولا بالتقريع ولا يخافون من التظاهر ضدهم ولا يستحون من الشتائم حتى لو كانت قبيحة جارحة وشخصية ، ولا تضايقهم الاحتجاجات والبرامج التلفزيونية والمقالات النقدية ولا تحرجهم الاتهامات حتى لو كانت صحيحة وموثقة ، لسبب بسيط هو أنهم على يقين أن الناخبين سيعيدون انتخابهم ثانية.

فالمرشح في جميع الدول الديمقراطية يعمل ما في وسعه لإقناع الناخب بحسن سيرته، و يحرص أن يكون عفيف اليد واللسان خوفا من رفض الناخبين له، ويظل يتوسل الناخبين توسلا حتى يُعيدوا انتخابه.

أما في العراق فالمرشح ليس بحاجة لفعل الشيء نفسه. لأن تعمق ثقافة الغنيمة ورسوخها وانتشارها واعتبارها تصرفا اخلاقيا مقبولا ، بالإضافة إلى يقين المرشح من إعادة انتخابه من قبل نفس الناخبين ، جعل ناهبي المال العام لا يتوسلون و لا يستحون ولا يخافون.
وليس اعتباطا أن يقال في الأمثال : إن لم تستح فأفعل ما شئت.

أمور ثلاثة فقط تُدخل الرعب لقلوب سراق المال العام والفاسدين وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على عمليات النهب ، و هي :

عندما يجدون أمامهم قوة أكثر بطشا منهم ؛ قوة فعلية خشنة وليست قوة معنوية ناعمة ، أو كما يقال في الامثال العراقية ، عندما يجدون أمامهم العين الحمرة ).

عندما يجدون أن خزينهم وقاعدتهم الانتخابية انقلبت ضدهم.

عندما يواجهون أجهزة قضائية نزيهة صارمة شجاعة وحرة، لأن القضاء النزيه يدخل في نطاق القوة الخشنة، وليست القوة الناعمة، بل هو أكثر تأثيرا من قوة السلاح.

من هنا نستطيع أن نفسر لماذا استولى الخوف على الفاسدين وناهبي المال العام حالما شاهدوا أن قواعدهم الانتخابية، ولنقل بعضا منها، تشارك في التظاهرات الحالية.
ونستطيع أن نفسر لماذا تحول الخوف إلى رعب عندما اشتدت مطالبة المتظاهرين بتغيير الجهاز القضائي الحالي واستبداله بقضاة أحرار وشجعان ونزيهين. فبعد رفع المتظاهرين لمطلب تغيير الجهاز القضائي تناست جميع القوى السياسية المُتَهمَة، هي أو حلفائها، بالفساد، خلافاتها وتنادت للدفاع عن الجهاز القضائي الحالي. وراح بعضهم أبعد من ذلك عندما زاروا رئيس الجهاز القضائي لشد عضده ، بالضد من موقف المرجعية المطالب بإصلاح القضاء. ومبرر الجميع هو أن التغيير القضائي في المرحلة الحالية يخلق الفوضى في البلاد. وهو كلام ليس صحيحا على الإطلاق.

و فيما يخص استخدام القوة الخشنة فان ناهبي المال العام والفاسدين يعرفون هذا الأمر ويدركونه جيدا، و قد احتاطوا له وتدربوا ويتدربون عليه. ولمواجهته فأنهم ظلوا يحتفظون بقوى مسلحة تنشط خارج القانون، سمها مليشيات أو عشائر أو عصابات أو جيوش غير نظامية أو أي تسمية أخرى، يستعينون بها لمواجهة الخطر، إن حدث.

لكن القوة ومهما كان نوعها لن تنفع عندما تتسع الهوة بين الحكام والمحكومين وتصل الأمور إلى طريق مسدود.

















مباشرة في اللحظة التي سقط فيها تمثال صدام حسين زُرعت في العراق وأينعت وأثمرت بسرعة فلكية ثقافة " الغنيمة " بطريقة سوقية ، و جماعية ، ومنفلتة وخطيرة في آن واحد.
ثقافة الغنيمة التي أعنيها هنا بالإمكان تلخيصها بجملة واحدة: استولِ على ما ليس لكَ. و [ ما ] هنا لا تعني المال وحده وإنما كل شيء.
ثقافة الغنيمة غرستها وسقتها وجعلتها تثمر قوات الاحتلال الأميركية ، سواء في عملية الاحتلال نفسها التي كانت عملية سطو لا تستند على أي قانون و لا على أي شرعية دولية ، أو عندما شجعت تلك القوات الأميركية العراقيين على نهب ممتلكات الدولة فور دخولها بغداد.

ثقافة الغنيمة تبنتها و سارت على نهجها الطبقة السياسية ، من حَكمَ منها لاحقا ومَن عارضَ ، كلها دون استثناء ، عندما استولت على ممتلكات الدولة وعقارات قادتها و مسؤوليها السابقين.

البعثيون في لحظة هزيمتهم تبنوا وطبقوا ، أيضا ، ثقافة الغنيمة عندما قاموا بحرق بعض بنايات الدولة و حرق وإتلاف مستمسكات و وثائق الدولة ، خصوصا فيما يتعلق بأجهزة مخابراتها ، باعتبار أن الدولة غنيمة كانوا قد غنموها وأصبحت ملكا لهم ، وها هم يتصرفون بالغنيمة مثلما يريدون.

الشعب ، من جانبه ، تبنى وطبق ثقافة الغنيمة عندما {حوسمَ} و نهب كل ما يستطيع نهبه. و رغم أن ما نهبه المواطنون كان ترهات لا اكثر ، و لاحقا قطع أراضي تجاوزوا عليها وبنوا فوقها ما يأويهم ، ألا أن الخطير في الأمر هو أن مشاهد طوابير العراقيين التي كانت تعرضها تلفزيونات العالم وهم يحملون ما نهبوه ، جعل العين العراقية والعقل العراقي يألفان النهب والسرقة ويتعايشان معهما ويعتبرانهما تصرفا سويا و مقبولا.

و هكذا ، منذ الأيام الأولى تورطت جميع الجهات في عمليات النهب.
جميع الجهات ، المهزومة والمنتصرة ، الغازية الأجنبية وأبناء البلد ، الإسلاموية والمدنية ، النخبوية والشعبية ، تبنت وطبقت ثقافة الغنيمة وشاركت في عمليات النهب.
عمليات النهب ما كانت تتم بتكتم وبخجل و على استحياء، إنما كانت تتم بتفاخر و في وضح النهار وبدون خوف ولا شعور بالتأنيب وبدون رادع. لأن الجميع كانوا على ثقة بأن ما كانوا يفعلونه هو الصحيح ولا صحيح غيره.

وكلما كان يوم يمر وكلما كانت الأوضاع تستتب كانت ثقافة الغنيمة ، هي أيضا ، تستتب و تترسخ أكثر وأكثر وتكتسح أي ثقافة أخرى وتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية المقبولة ، بعد أن تجاوزت نهب المال العام وشملت كل شيء ، بما في ذلك كتابة الدستور وقانون الانتخابات و المحاصصة وتوزيع المقاعد البرلمانية .

ثم شرعت ثقافة الغنيمة ، في كل مجالات الحياة ، تجد لها فلاسفة وتّنظيرين و وعاظ وأخلاقيين وفقهاء ، من الجميع ، يدافعون عنها ويشرعنونها و يبررونها ، لا على الصعيد المالي فحسب وإنما على جميع الأصعدة. وتم تغليفها وتأطيرها بأطر قومية و دينية و طائفية. والمبررات والتخريجات كانت كثيرة ومتنوعة : مال سايب مجهول الهوية ، مالُنا وقد رُدَ إلينا ، مال حرام أصلا و أستولنا عليه ، مال غير مُخّمس ... الخ.


الكل شارك في الغًنيمة. كل حسب حجمه و موقعه و قوته و شطارته.
القوات الأميركية كانت غنيمتها بلدا كاملا ببشره وبثرواته.
البعض غَنمَ دبابات وصواريخ وباعها. بعضهم غنمَ مصانع فككها وباعها خردة. البعض الأخر غَنمَ قصورا. البعض الآخر غنموا نفطا يهربونه ويقبضون ثمنه. آخرون غنموا وزارات و وظائف ومناصب.


ورغم مبادرات رادعة لبعض من أئمة الجوامع وخطباء المنابر في النهي عن نهب المال العام ومناشدتهم المواطنين في الكف عن النهب وإعادة ما نهبوه ، ألا أن الأمر كان قد فات. فقد تحول نهب المال إلى ممارسة أخلاقية مقبولة. وما يزال نهب المال العام مستمرا رغم دعوات ومناشدات المرجعية الدينية في النجف والمرجعيات الاخرى لتحريمه والكف عن ممارسته.

نهب المال العام لم يقتصر على طائفة معينة او قومية محددة أو حزب معين دون غيره. فقد تحول، مثلا، بيع وشراء بعض المناصب الوزارية المربحة قاسما يشترك به الجميع.

الأمر الآخر ، وهو اخطر من ثقافة الغنيمة ، هي ثقافة الولاء الاعمى الطائفي والحزبي والقومي والعشائري التي رافقت ثقافة الغنيمة واحتضنتها وبررتها وسكتت عنها ، تحت شعار: نسكت عن فلان لأنه من طائفتنا أو حزبنا أو قوميتنا أو عشيرتنا أو منطقتنا. ولأنه منا سنعيد انتخابه مهما فعل.

وما تزال الطائفة والقومية والعشيرة هي الحصون التي يتمترس خلفها ناهبو المال العام والفاسدون ، وتجعلهم لا يخشون على مستقبلهم السياسي حتى في ظل انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد معقول. فهم على يقين ان الناخبين سينتخبونهم مرة اخرى وأخرى ، وفقا للولاءات. وقد أكد هذا الأمر بعض الساسة عندما اندلعت تظاهرات الاحتجاج الحالية ضدهم إذ قالوا، بتحدي: انظروا كيف سنفوز مرة ثانية عندما ستجرى الانتخابات القادمة.

وللأسباب السابقة فان ناهبي المال العام والفاسدين ما عادوا يعبأون ، إطلاقا ، بالنقد الشعبي ولا بالتقريع ولا يخافون من التظاهر ضدهم ولا يستحون من الشتائم حتى لو كانت قبيحة جارحة وشخصية ، ولا تضايقهم الاحتجاجات والبرامج التلفزيونية والمقالات النقدية ولا تحرجهم الاتهامات حتى لو كانت صحيحة وموثقة ، لسبب بسيط هو أنهم على يقين أن الناخبين سيعيدون انتخابهم ثانية.

فالمرشح في جميع الدول الديمقراطية يعمل ما في وسعه لإقناع الناخب بحسن سيرته، و يحرص أن يكون عفيف اليد واللسان خوفا من رفض الناخبين له، ويظل يتوسل الناخبين توسلا حتى يُعيدوا انتخابه.

أما في العراق فالمرشح ليس بحاجة لفعل الشيء نفسه. لأن تعمق ثقافة الغنيمة ورسوخها وانتشارها واعتبارها تصرفا اخلاقيا مقبولا ، بالإضافة إلى يقين المرشح من إعادة انتخابه من قبل نفس الناخبين ، جعل ناهبي المال العام لا يتوسلون و لا يستحون ولا يخافون.
وليس اعتباطا أن يقال في الأمثال : إن لم تستح فأفعل ما شئت.

أمور ثلاثة فقط تُدخل الرعب لقلوب سراق المال العام والفاسدين وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على عمليات النهب ، و هي :

عندما يجدون أمامهم قوة أكثر بطشا منهم ؛ قوة فعلية خشنة وليست قوة معنوية ناعمة ، أو كما يقال في الامثال العراقية ، عندما يجدون أمامهم العين الحمرة ).

عندما يجدون أن خزينهم وقاعدتهم الانتخابية انقلبت ضدهم.

عندما يواجهون أجهزة قضائية نزيهة صارمة شجاعة وحرة، لأن القضاء النزيه يدخل في نطاق القوة الخشنة، وليست القوة الناعمة، بل هو أكثر تأثيرا من قوة السلاح.

من هنا نستطيع أن نفسر لماذا استولى الخوف على الفاسدين وناهبي المال العام حالما شاهدوا أن قواعدهم الانتخابية، ولنقل بعضا منها، تشارك في التظاهرات الحالية.
ونستطيع أن نفسر لماذا تحول الخوف إلى رعب عندما اشتدت مطالبة المتظاهرين بتغيير الجهاز القضائي الحالي واستبداله بقضاة أحرار وشجعان ونزيهين. فبعد رفع المتظاهرين لمطلب تغيير الجهاز القضائي تناست جميع القوى السياسية المُتَهمَة، هي أو حلفائها، بالفساد، خلافاتها وتنادت للدفاع عن الجهاز القضائي الحالي. وراح بعضهم أبعد من ذلك عندما زاروا رئيس الجهاز القضائي لشد عضده ، بالضد من موقف المرجعية المطالب بإصلاح القضاء. ومبرر الجميع هو أن التغيير القضائي في المرحلة الحالية يخلق الفوضى في البلاد. وهو كلام ليس صحيحا على الإطلاق.

و فيما يخص استخدام القوة الخشنة فان ناهبي المال العام والفاسدين يعرفون هذا الأمر ويدركونه جيدا، و قد احتاطوا له وتدربوا ويتدربون عليه. ولمواجهته فأنهم ظلوا يحتفظون بقوى مسلحة تنشط خارج القانون، سمها مليشيات أو عشائر أو عصابات أو جيوش غير نظامية أو أي تسمية أخرى، يستعينون بها لمواجهة الخطر، إن حدث.

لكن القوة ومهما كان نوعها لن تنفع عندما تتسع الهوة بين الحكام والمحكومين وتصل الأمور إلى طريق مسدود.


























مباشرة في اللحظة التي سقط فيها تمثال صدام حسين زُرعت في العراق وأينعت وأثمرت بسرعة فلكية ثقافة " الغنيمة " بطريقة سوقية ، و جماعية ، ومنفلتة وخطيرة في آن واحد.
ثقافة الغنيمة التي أعنيها هنا بالإمكان تلخيصها بجملة واحدة: استولِ على ما ليس لكَ. و [ ما ] هنا لا تعني المال وحده وإنما كل شيء.
ثقافة الغنيمة غرستها وسقتها وجعلتها تثمر قوات الاحتلال الأميركية ، سواء في عملية الاحتلال نفسها التي كانت عملية سطو لا تستند على أي قانون و لا على أي شرعية دولية ، أو عندما شجعت تلك القوات الأميركية العراقيين على نهب ممتلكات الدولة فور دخولها بغداد.

ثقافة الغنيمة تبنتها و سارت على نهجها الطبقة السياسية ، من حَكمَ منها لاحقا ومَن عارضَ ، كلها دون استثناء ، عندما استولت على ممتلكات الدولة وعقارات قادتها و مسؤوليها السابقين.

البعثيون في لحظة هزيمتهم تبنوا وطبقوا ، أيضا ، ثقافة الغنيمة عندما قاموا بحرق بعض بنايات الدولة و حرق وإتلاف مستمسكات و وثائق الدولة ، خصوصا فيما يتعلق بأجهزة مخابراتها ، باعتبار أن الدولة غنيمة كانوا قد غنموها وأصبحت ملكا لهم ، وها هم يتصرفون بالغنيمة مثلما يريدون.

الشعب ، من جانبه ، تبنى وطبق ثقافة الغنيمة عندما {حوسمَ} و نهب كل ما يستطيع نهبه. و رغم أن ما نهبه المواطنون كان ترهات لا اكثر ، و لاحقا قطع أراضي تجاوزوا عليها وبنوا فوقها ما يأويهم ، ألا أن الخطير في الأمر هو أن مشاهد طوابير العراقيين التي كانت تعرضها تلفزيونات العالم وهم يحملون ما نهبوه ، جعل العين العراقية والعقل العراقي يألفان النهب والسرقة ويتعايشان معهما ويعتبرانهما تصرفا سويا و مقبولا.

و هكذا ، منذ الأيام الأولى تورطت جميع الجهات في عمليات النهب.
جميع الجهات ، المهزومة والمنتصرة ، الغازية الأجنبية وأبناء البلد ، الإسلاموية والمدنية ، النخبوية والشعبية ، تبنت وطبقت ثقافة الغنيمة وشاركت في عمليات النهب.
عمليات النهب ما كانت تتم بتكتم وبخجل و على استحياء، إنما كانت تتم بتفاخر و في وضح النهار وبدون خوف ولا شعور بالتأنيب وبدون رادع. لأن الجميع كانوا على ثقة بأن ما كانوا يفعلونه هو الصحيح ولا صحيح غيره.

وكلما كان يوم يمر وكلما كانت الأوضاع تستتب كانت ثقافة الغنيمة ، هي أيضا ، تستتب و تترسخ أكثر وأكثر وتكتسح أي ثقافة أخرى وتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية المقبولة ، بعد أن تجاوزت نهب المال العام وشملت كل شيء ، بما في ذلك كتابة الدستور وقانون الانتخابات و المحاصصة وتوزيع المقاعد البرلمانية .

ثم شرعت ثقافة الغنيمة ، في كل مجالات الحياة ، تجد لها فلاسفة وتّنظيرين و وعاظ وأخلاقيين وفقهاء ، من الجميع ، يدافعون عنها ويشرعنونها و يبررونها ، لا على الصعيد المالي فحسب وإنما على جميع الأصعدة. وتم تغليفها وتأطيرها بأطر قومية و دينية و طائفية. والمبررات والتخريجات كانت كثيرة ومتنوعة : مال سايب مجهول الهوية ، مالُنا وقد رُدَ إلينا ، مال حرام أصلا و أستولنا عليه ، مال غير مُخّمس ... الخ.


الكل شارك في الغًنيمة. كل حسب حجمه و موقعه و قوته و شطارته.
القوات الأميركية كانت غنيمتها بلدا كاملا ببشره وبثرواته.
البعض غَنمَ دبابات وصواريخ وباعها. بعضهم غنمَ مصانع فككها وباعها خردة. البعض الأخر غَنمَ قصورا. البعض الآخر غنموا نفطا يهربونه ويقبضون ثمنه. آخرون غنموا وزارات و وظائف ومناصب.


ورغم مبادرات رادعة لبعض من أئمة الجوامع وخطباء المنابر في النهي عن نهب المال العام ومناشدتهم المواطنين في الكف عن النهب وإعادة ما نهبوه ، ألا أن الأمر كان قد فات. فقد تحول نهب المال إلى ممارسة أخلاقية مقبولة. وما يزال نهب المال العام مستمرا رغم دعوات ومناشدات المرجعية الدينية في النجف والمرجعيات الاخرى لتحريمه والكف عن ممارسته.

نهب المال العام لم يقتصر على طائفة معينة او قومية محددة أو حزب معين دون غيره. فقد تحول، مثلا، بيع وشراء بعض المناصب الوزارية المربحة قاسما يشترك به الجميع.

الأمر الآخر ، وهو اخطر من ثقافة الغنيمة ، هي ثقافة الولاء الاعمى الطائفي والحزبي والقومي والعشائري التي رافقت ثقافة الغنيمة واحتضنتها وبررتها وسكتت عنها ، تحت شعار: نسكت عن فلان لأنه من طائفتنا أو حزبنا أو قوميتنا أو عشيرتنا أو منطقتنا. ولأنه منا سنعيد انتخابه مهما فعل.

وما تزال الطائفة والقومية والعشيرة هي الحصون التي يتمترس خلفها ناهبو المال العام والفاسدون ، وتجعلهم لا يخشون على مستقبلهم السياسي حتى في ظل انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد معقول. فهم على يقين ان الناخبين سينتخبونهم مرة اخرى وأخرى ، وفقا للولاءات. وقد أكد هذا الأمر بعض الساسة عندما اندلعت تظاهرات الاحتجاج الحالية ضدهم إذ قالوا، بتحدي: انظروا كيف سنفوز مرة ثانية عندما ستجرى الانتخابات القادمة.

وللأسباب السابقة فان ناهبي المال العام والفاسدين ما عادوا يعبأون ، إطلاقا ، بالنقد الشعبي ولا بالتقريع ولا يخافون من التظاهر ضدهم ولا يستحون من الشتائم حتى لو كانت قبيحة جارحة وشخصية ، ولا تضايقهم الاحتجاجات والبرامج التلفزيونية والمقالات النقدية ولا تحرجهم الاتهامات حتى لو كانت صحيحة وموثقة ، لسبب بسيط هو أنهم على يقين أن الناخبين سيعيدون انتخابهم ثانية.

فالمرشح في جميع الدول الديمقراطية يعمل ما في وسعه لإقناع الناخب بحسن سيرته، و يحرص أن يكون عفيف اليد واللسان خوفا من رفض الناخبين له، ويظل يتوسل الناخبين توسلا حتى يُعيدوا انتخابه.

أما في العراق فالمرشح ليس بحاجة لفعل الشيء نفسه. لأن تعمق ثقافة الغنيمة ورسوخها وانتشارها واعتبارها تصرفا اخلاقيا مقبولا ، بالإضافة إلى يقين المرشح من إعادة انتخابه من قبل نفس الناخبين ، جعل ناهبي المال العام لا يتوسلون و لا يستحون ولا يخافون.
وليس اعتباطا أن يقال في الأمثال : إن لم تستح فأفعل ما شئت.

أمور ثلاثة فقط تُدخل الرعب لقلوب سراق المال العام والفاسدين وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على عمليات النهب ، و هي :

عندما يجدون أمامهم قوة أكثر بطشا منهم ؛ قوة فعلية خشنة وليست قوة معنوية ناعمة ، أو كما يقال في الامثال العراقية ، عندما يجدون أمامهم العين الحمرة ).

عندما يجدون أن خزينهم وقاعدتهم الانتخابية انقلبت ضدهم.

عندما يواجهون أجهزة قضائية نزيهة صارمة شجاعة وحرة، لأن القضاء النزيه يدخل في نطاق القوة الخشنة، وليست القوة الناعمة، بل هو أكثر تأثيرا من قوة السلاح.

من هنا نستطيع أن نفسر لماذا استولى الخوف على الفاسدين وناهبي المال العام حالما شاهدوا أن قواعدهم الانتخابية، ولنقل بعضا منها، تشارك في التظاهرات الحالية.
ونستطيع أن نفسر لماذا تحول الخوف إلى رعب عندما اشتدت مطالبة المتظاهرين بتغيير الجهاز القضائي الحالي واستبداله بقضاة أحرار وشجعان ونزيهين. فبعد رفع المتظاهرين لمطلب تغيير الجهاز القضائي تناست جميع القوى السياسية المُتَهمَة، هي أو حلفائها، بالفساد، خلافاتها وتنادت للدفاع عن الجهاز القضائي الحالي. وراح بعضهم أبعد من ذلك عندما زاروا رئيس الجهاز القضائي لشد عضده ، بالضد من موقف المرجعية المطالب بإصلاح القضاء. ومبرر الجميع هو أن التغيير القضائي في المرحلة الحالية يخلق الفوضى في البلاد. وهو كلام ليس صحيحا على الإطلاق.

و فيما يخص استخدام القوة الخشنة فان ناهبي المال العام والفاسدين يعرفون هذا الأمر ويدركونه جيدا، و قد احتاطوا له وتدربوا ويتدربون عليه. ولمواجهته فأنهم ظلوا يحتفظون بقوى مسلحة تنشط خارج القانون، سمها مليشيات أو عشائر أو عصابات أو جيوش غير نظامية أو أي تسمية أخرى، يستعينون بها لمواجهة الخطر، إن حدث.

لكن القوة ومهما كان نوعها لن تنفع عندما تتسع الهوة بين الحكام والمحكومين وتصل الأمور إلى طريق مسدود.

























مباشرة في اللحظة التي سقط فيها تمثال صدام حسين زُرعت في العراق وأينعت وأثمرت بسرعة فلكية ثقافة " الغنيمة " بطريقة سوقية ، و جماعية ، ومنفلتة وخطيرة في آن واحد.
ثقافة الغنيمة التي أعنيها هنا بالإمكان تلخيصها بجملة واحدة: استولِ على ما ليس لكَ. و [ ما ] هنا لا تعني المال وحده وإنما كل شيء.
ثقافة الغنيمة غرستها وسقتها وجعلتها تثمر قوات الاحتلال الأميركية ، سواء في عملية الاحتلال نفسها التي كانت عملية سطو لا تستند على أي قانون و لا على أي شرعية دولية ، أو عندما شجعت تلك القوات الأميركية العراقيين على نهب ممتلكات الدولة فور دخولها بغداد.

ثقافة الغنيمة تبنتها و سارت على نهجها الطبقة السياسية ، من حَكمَ منها لاحقا ومَن عارضَ ، كلها دون استثناء ، عندما استولت على ممتلكات الدولة وعقارات قادتها و مسؤوليها السابقين.

البعثيون في لحظة هزيمتهم تبنوا وطبقوا ، أيضا ، ثقافة الغنيمة عندما قاموا بحرق بعض بنايات الدولة و حرق وإتلاف مستمسكات و وثائق الدولة ، خصوصا فيما يتعلق بأجهزة مخابراتها ، باعتبار أن الدولة غنيمة كانوا قد غنموها وأصبحت ملكا لهم ، وها هم يتصرفون بالغنيمة مثلما يريدون.

الشعب ، من جانبه ، تبنى وطبق ثقافة الغنيمة عندما {حوسمَ} و نهب كل ما يستطيع نهبه. و رغم أن ما نهبه المواطنون كان ترهات لا اكثر ، و لاحقا قطع أراضي تجاوزوا عليها وبنوا فوقها ما يأويهم ، ألا أن الخطير في الأمر هو أن مشاهد طوابير العراقيين التي كانت تعرضها تلفزيونات العالم وهم يحملون ما نهبوه ، جعل العين العراقية والعقل العراقي يألفان النهب والسرقة ويتعايشان معهما ويعتبرانهما تصرفا سويا و مقبولا.

و هكذا ، منذ الأيام الأولى تورطت جميع الجهات في عمليات النهب.
جميع الجهات ، المهزومة والمنتصرة ، الغازية الأجنبية وأبناء البلد ، الإسلاموية والمدنية ، النخبوية والشعبية ، تبنت وطبقت ثقافة الغنيمة وشاركت في عمليات النهب.
عمليات النهب ما كانت تتم بتكتم وبخجل و على استحياء، إنما كانت تتم بتفاخر و في وضح النهار وبدون خوف ولا شعور بالتأنيب وبدون رادع. لأن الجميع كانوا على ثقة بأن ما كانوا يفعلونه هو الصحيح ولا صحيح غيره.

وكلما كان يوم يمر وكلما كانت الأوضاع تستتب كانت ثقافة الغنيمة ، هي أيضا ، تستتب و تترسخ أكثر وأكثر وتكتسح أي ثقافة أخرى وتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية المقبولة ، بعد أن تجاوزت نهب المال العام وشملت كل شيء ، بما في ذلك كتابة الدستور وقانون الانتخابات و المحاصصة وتوزيع المقاعد البرلمانية .

ثم شرعت ثقافة الغنيمة ، في كل مجالات الحياة ، تجد لها فلاسفة وتّنظيرين و وعاظ وأخلاقيين وفقهاء ، من الجميع ، يدافعون عنها ويشرعنونها و يبررونها ، لا على الصعيد المالي فحسب وإنما على جميع الأصعدة. وتم تغليفها وتأطيرها بأطر قومية و دينية و طائفية. والمبررات والتخريجات كانت كثيرة ومتنوعة : مال سايب مجهول الهوية ، مالُنا وقد رُدَ إلينا ، مال حرام أصلا و أستولنا عليه ، مال غير مُخّمس ... الخ.


الكل شارك في الغًنيمة. كل حسب حجمه و موقعه و قوته و شطارته.
القوات الأميركية كانت غنيمتها بلدا كاملا ببشره وبثرواته.
البعض غَنمَ دبابات وصواريخ وباعها. بعضهم غنمَ مصانع فككها وباعها خردة. البعض الأخر غَنمَ قصورا. البعض الآخر غنموا نفطا يهربونه ويقبضون ثمنه. آخرون غنموا وزارات و وظائف ومناصب.


ورغم مبادرات رادعة لبعض من أئمة الجوامع وخطباء المنابر في النهي عن نهب المال العام ومناشدتهم المواطنين في الكف عن النهب وإعادة ما نهبوه ، ألا أن الأمر كان قد فات. فقد تحول نهب المال إلى ممارسة أخلاقية مقبولة. وما يزال نهب المال العام مستمرا رغم دعوات ومناشدات المرجعية الدينية في النجف والمرجعيات الاخرى لتحريمه والكف عن ممارسته.

نهب المال العام لم يقتصر على طائفة معينة او قومية محددة أو حزب معين دون غيره. فقد تحول، مثلا، بيع وشراء بعض المناصب الوزارية المربحة قاسما يشترك به الجميع.

الأمر الآخر ، وهو اخطر من ثقافة الغنيمة ، هي ثقافة الولاء الاعمى الطائفي والحزبي والقومي والعشائري التي رافقت ثقافة الغنيمة واحتضنتها وبررتها وسكتت عنها ، تحت شعار: نسكت عن فلان لأنه من طائفتنا أو حزبنا أو قوميتنا أو عشيرتنا أو منطقتنا. ولأنه منا سنعيد انتخابه مهما فعل.

وما تزال الطائفة والقومية والعشيرة هي الحصون التي يتمترس خلفها ناهبو المال العام والفاسدون ، وتجعلهم لا يخشون على مستقبلهم السياسي حتى في ظل انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد معقول. فهم على يقين ان الناخبين سينتخبونهم مرة اخرى وأخرى ، وفقا للولاءات. وقد أكد هذا الأمر بعض الساسة عندما اندلعت تظاهرات الاحتجاج الحالية ضدهم إذ قالوا، بتحدي: انظروا كيف سنفوز مرة ثانية عندما ستجرى الانتخابات القادمة.

وللأسباب السابقة فان ناهبي المال العام والفاسدين ما عادوا يعبأون ، إطلاقا ، بالنقد الشعبي ولا بالتقريع ولا يخافون من التظاهر ضدهم ولا يستحون من الشتائم حتى لو كانت قبيحة جارحة وشخصية ، ولا تضايقهم الاحتجاجات والبرامج التلفزيونية والمقالات النقدية ولا تحرجهم الاتهامات حتى لو كانت صحيحة وموثقة ، لسبب بسيط هو أنهم على يقين أن الناخبين سيعيدون انتخابهم ثانية.

فالمرشح في جميع الدول الديمقراطية يعمل ما في وسعه لإقناع الناخب بحسن سيرته، و يحرص أن يكون عفيف اليد واللسان خوفا من رفض الناخبين له، ويظل يتوسل الناخبين توسلا حتى يُعيدوا انتخابه.

أما في العراق فالمرشح ليس بحاجة لفعل الشيء نفسه. لأن تعمق ثقافة الغنيمة ورسوخها وانتشارها واعتبارها تصرفا اخلاقيا مقبولا ، بالإضافة إلى يقين المرشح من إعادة انتخابه من قبل نفس الناخبين ، جعل ناهبي المال العام لا يتوسلون و لا يستحون ولا يخافون.
وليس اعتباطا أن يقال في الأمثال : إن لم تستح فأفعل ما شئت.

أمور ثلاثة فقط تُدخل الرعب لقلوب سراق المال العام والفاسدين وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على عمليات النهب ، و هي :

عندما يجدون أمامهم قوة أكثر بطشا منهم ؛ قوة فعلية خشنة وليست قوة معنوية ناعمة ، أو كما يقال في الامثال العراقية ، عندما يجدون أمامهم العين الحمرة ).

عندما يجدون أن خزينهم وقاعدتهم الانتخابية انقلبت ضدهم.

عندما يواجهون أجهزة قضائية نزيهة صارمة شجاعة وحرة، لأن القضاء النزيه يدخل في نطاق القوة الخشنة، وليست القوة الناعمة، بل هو أكثر تأثيرا من قوة السلاح.

من هنا نستطيع أن نفسر لماذا استولى الخوف على الفاسدين وناهبي المال العام حالما شاهدوا أن قواعدهم الانتخابية، ولنقل بعضا منها، تشارك في التظاهرات الحالية.
ونستطيع أن نفسر لماذا تحول الخوف إلى رعب عندما اشتدت مطالبة المتظاهرين بتغيير الجهاز القضائي الحالي واستبداله بقضاة أحرار وشجعان ونزيهين. فبعد رفع المتظاهرين لمطلب تغيير الجهاز القضائي تناست جميع القوى السياسية المُتَهمَة، هي أو حلفائها، بالفساد، خلافاتها وتنادت للدفاع عن الجهاز القضائي الحالي. وراح بعضهم أبعد من ذلك عندما زاروا رئيس الجهاز القضائي لشد عضده ، بالضد من موقف المرجعية المطالب بإصلاح القضاء. ومبرر الجميع هو أن التغيير القضائي في المرحلة الحالية يخلق الفوضى في البلاد. وهو كلام ليس صحيحا على الإطلاق.

و فيما يخص استخدام القوة الخشنة فان ناهبي المال العام والفاسدين يعرفون هذا الأمر ويدركونه جيدا، و قد احتاطوا له وتدربوا ويتدربون عليه. ولمواجهته فأنهم ظلوا يحتفظون بقوى مسلحة تنشط خارج القانون، سمها مليشيات أو عشائر أو عصابات أو جيوش غير نظامية أو أي تسمية أخرى، يستعينون بها لمواجهة الخطر، إن حدث.

لكن القوة ومهما كان نوعها لن تنفع عندما تتسع الهوة بين الحكام والمحكومين وتصل الأمور إلى طريق مسدود.

























مباشرة في اللحظة التي سقط فيها تمثال صدام حسين زُرعت في العراق وأينعت وأثمرت بسرعة فلكية ثقافة " الغنيمة " بطريقة سوقية ، و جماعية ، ومنفلتة وخطيرة في آن واحد.
ثقافة الغنيمة التي أعنيها هنا بالإمكان تلخيصها بجملة واحدة: استولِ على ما ليس لكَ. و [ ما ] هنا لا تعني المال وحده وإنما كل شيء.
ثقافة الغنيمة غرستها وسقتها وجعلتها تثمر قوات الاحتلال الأميركية ، سواء في عملية الاحتلال نفسها التي كانت عملية سطو لا تستند على أي قانون و لا على أي شرعية دولية ، أو عندما شجعت تلك القوات الأميركية العراقيين على نهب ممتلكات الدولة فور دخولها بغداد.

ثقافة الغنيمة تبنتها و سارت على نهجها الطبقة السياسية ، من حَكمَ منها لاحقا ومَن عارضَ ، كلها دون استثناء ، عندما استولت على ممتلكات الدولة وعقارات قادتها و مسؤوليها السابقين.

البعثيون في لحظة هزيمتهم تبنوا وطبقوا ، أيضا ، ثقافة الغنيمة عندما قاموا بحرق بعض بنايات الدولة و حرق وإتلاف مستمسكات و وثائق الدولة ، خصوصا فيما يتعلق بأجهزة مخابراتها ، باعتبار أن الدولة غنيمة كانوا قد غنموها وأصبحت ملكا لهم ، وها هم يتصرفون بالغنيمة مثلما يريدون.

الشعب ، من جانبه ، تبنى وطبق ثقافة الغنيمة عندما {حوسمَ} و نهب كل ما يستطيع نهبه. و رغم أن ما نهبه المواطنون كان ترهات لا اكثر ، و لاحقا قطع أراضي تجاوزوا عليها وبنوا فوقها ما يأويهم ، ألا أن الخطير في الأمر هو أن مشاهد طوابير العراقيين التي كانت تعرضها تلفزيونات العالم وهم يحملون ما نهبوه ، جعل العين العراقية والعقل العراقي يألفان النهب والسرقة ويتعايشان معهما ويعتبرانهما تصرفا سويا و مقبولا.

و هكذا ، منذ الأيام الأولى تورطت جميع الجهات في عمليات النهب.
جميع الجهات ، المهزومة والمنتصرة ، الغازية الأجنبية وأبناء البلد ، الإسلاموية والمدنية ، النخبوية والشعبية ، تبنت وطبقت ثقافة الغنيمة وشاركت في عمليات النهب.
عمليات النهب ما كانت تتم بتكتم وبخجل و على استحياء، إنما كانت تتم بتفاخر و في وضح النهار وبدون خوف ولا شعور بالتأنيب وبدون رادع. لأن الجميع كانوا على ثقة بأن ما كانوا يفعلونه هو الصحيح ولا صحيح غيره.

وكلما كان يوم يمر وكلما كانت الأوضاع تستتب كانت ثقافة الغنيمة ، هي أيضا ، تستتب و تترسخ أكثر وأكثر وتكتسح أي ثقافة أخرى وتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية المقبولة ، بعد أن تجاوزت نهب المال العام وشملت كل شيء ، بما في ذلك كتابة الدستور وقانون الانتخابات و المحاصصة وتوزيع المقاعد البرلمانية .

ثم شرعت ثقافة الغنيمة ، في كل مجالات الحياة ، تجد لها فلاسفة وتّنظيرين و وعاظ وأخلاقيين وفقهاء ، من الجميع ، يدافعون عنها ويشرعنونها و يبررونها ، لا على الصعيد المالي فحسب وإنما على جميع الأصعدة. وتم تغليفها وتأطيرها بأطر قومية و دينية و طائفية. والمبررات والتخريجات كانت كثيرة ومتنوعة : مال سايب مجهول الهوية ، مالُنا وقد رُدَ إلينا ، مال حرام أصلا و أستولنا عليه ، مال غير مُخّمس ... الخ.


الكل شارك في الغًنيمة. كل حسب حجمه و موقعه و قوته و شطارته.
القوات الأميركية كانت غنيمتها بلدا كاملا ببشره وبثرواته.
البعض غَنمَ دبابات وصواريخ وباعها. بعضهم غنمَ مصانع فككها وباعها خردة. البعض الأخر غَنمَ قصورا. البعض الآخر غنموا نفطا يهربونه ويقبضون ثمنه. آخرون غنموا وزارات و وظائف ومناصب.


ورغم مبادرات رادعة لبعض من أئمة الجوامع وخطباء المنابر في النهي عن نهب المال العام ومناشدتهم المواطنين في الكف عن النهب وإعادة ما نهبوه ، ألا أن الأمر كان قد فات. فقد تحول نهب المال إلى ممارسة أخلاقية مقبولة. وما يزال نهب المال العام مستمرا رغم دعوات ومناشدات المرجعية الدينية في النجف والمرجعيات الاخرى لتحريمه والكف عن ممارسته.

نهب المال العام لم يقتصر على طائفة معينة او قومية محددة أو حزب معين دون غيره. فقد تحول، مثلا، بيع وشراء بعض المناصب الوزارية المربحة قاسما يشترك به الجميع.

الأمر الآخر ، وهو اخطر من ثقافة الغنيمة ، هي ثقافة الولاء الاعمى الطائفي والحزبي والقومي والعشائري التي رافقت ثقافة الغنيمة واحتضنتها وبررتها وسكتت عنها ، تحت شعار: نسكت عن فلان لأنه من طائفتنا أو حزبنا أو قوميتنا أو عشيرتنا أو منطقتنا. ولأنه منا سنعيد انتخابه مهما فعل.

وما تزال الطائفة والقومية والعشيرة هي الحصون التي يتمترس خلفها ناهبو المال العام والفاسدون ، وتجعلهم لا يخشون على مستقبلهم السياسي حتى في ظل انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد معقول. فهم على يقين ان الناخبين سينتخبونهم مرة اخرى وأخرى ، وفقا للولاءات. وقد أكد هذا الأمر بعض الساسة عندما اندلعت تظاهرات الاحتجاج الحالية ضدهم إذ قالوا، بتحدي: انظروا كيف سنفوز مرة ثانية عندما ستجرى الانتخابات القادمة.

وللأسباب السابقة فان ناهبي المال العام والفاسدين ما عادوا يعبأون ، إطلاقا ، بالنقد الشعبي ولا بالتقريع ولا يخافون من التظاهر ضدهم ولا يستحون من الشتائم حتى لو كانت قبيحة جارحة وشخصية ، ولا تضايقهم الاحتجاجات والبرامج التلفزيونية والمقالات النقدية ولا تحرجهم الاتهامات حتى لو كانت صحيحة وموثقة ، لسبب بسيط هو أنهم على يقين أن الناخبين سيعيدون انتخابهم ثانية.

فالمرشح في جميع الدول الديمقراطية يعمل ما في وسعه لإقناع الناخب بحسن سيرته، و يحرص أن يكون عفيف اليد واللسان خوفا من رفض الناخبين له، ويظل يتوسل الناخبين توسلا حتى يُعيدوا انتخابه.

أما في العراق فالمرشح ليس بحاجة لفعل الشيء نفسه. لأن تعمق ثقافة الغنيمة ورسوخها وانتشارها واعتبارها تصرفا اخلاقيا مقبولا ، بالإضافة إلى يقين المرشح من إعادة انتخابه من قبل نفس الناخبين ، جعل ناهبي المال العام لا يتوسلون و لا يستحون ولا يخافون.
وليس اعتباطا أن يقال في الأمثال : إن لم تستح فأفعل ما شئت.

أمور ثلاثة فقط تُدخل الرعب لقلوب سراق المال العام والفاسدين وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على عمليات النهب ، و هي :

عندما يجدون أمامهم قوة أكثر بطشا منهم ؛ قوة فعلية خشنة وليست قوة معنوية ناعمة ، أو كما يقال في الامثال العراقية ، عندما يجدون أمامهم العين الحمرة ).

عندما يجدون أن خزينهم وقاعدتهم الانتخابية انقلبت ضدهم.

عندما يواجهون أجهزة قضائية نزيهة صارمة شجاعة وحرة، لأن القضاء النزيه يدخل في نطاق القوة الخشنة، وليست القوة الناعمة، بل هو أكثر تأثيرا من قوة السلاح.

من هنا نستطيع أن نفسر لماذا استولى الخوف على الفاسدين وناهبي المال العام حالما شاهدوا أن قواعدهم الانتخابية، ولنقل بعضا منها، تشارك في التظاهرات الحالية.
ونستطيع أن نفسر لماذا تحول الخوف إلى رعب عندما اشتدت مطالبة المتظاهرين بتغيير الجهاز القضائي الحالي واستبداله بقضاة أحرار وشجعان ونزيهين. فبعد رفع المتظاهرين لمطلب تغيير الجهاز القضائي تناست جميع القوى السياسية المُتَهمَة، هي أو حلفائها، بالفساد، خلافاتها وتنادت للدفاع عن الجهاز القضائي الحالي. وراح بعضهم أبعد من ذلك عندما زاروا رئيس الجهاز القضائي لشد عضده ، بالضد من موقف المرجعية المطالب بإصلاح القضاء. ومبرر الجميع هو أن التغيير القضائي في المرحلة الحالية يخلق الفوضى في البلاد. وهو كلام ليس صحيحا على الإطلاق.

و فيما يخص استخدام القوة الخشنة فان ناهبي المال العام والفاسدين يعرفون هذا الأمر ويدركونه جيدا، و قد احتاطوا له وتدربوا ويتدربون عليه. ولمواجهته فأنهم ظلوا يحتفظون بقوى مسلحة تنشط خارج القانون، سمها مليشيات أو عشائر أو عصابات أو جيوش غير نظامية أو أي تسمية أخرى، يستعينون بها لمواجهة الخطر، إن حدث.

لكن القوة ومهما كان نوعها لن تنفع عندما تتسع الهوة بين الحكام والمحكومين وتصل الأمور إلى طريق مسدود.

























مباشرة في اللحظة التي سقط فيها تمثال صدام حسين زُرعت في العراق وأينعت وأثمرت بسرعة فلكية ثقافة " الغنيمة " بطريقة سوقية ، و جماعية ، ومنفلتة وخطيرة في آن واحد.
ثقافة الغنيمة التي أعنيها هنا بالإمكان تلخيصها بجملة واحدة: استولِ على ما ليس لكَ. و [ ما ] هنا لا تعني المال وحده وإنما كل شيء.
ثقافة الغنيمة غرستها وسقتها وجعلتها تثمر قوات الاحتلال الأميركية ، سواء في عملية الاحتلال نفسها التي كانت عملية سطو لا تستند على أي قانون و لا على أي شرعية دولية ، أو عندما شجعت تلك القوات الأميركية العراقيين على نهب ممتلكات الدولة فور دخولها بغداد.

ثقافة الغنيمة تبنتها و سارت على نهجها الطبقة السياسية ، من حَكمَ منها لاحقا ومَن عارضَ ، كلها دون استثناء ، عندما استولت على ممتلكات الدولة وعقارات قادتها و مسؤوليها السابقين.

البعثيون في لحظة هزيمتهم تبنوا وطبقوا ، أيضا ، ثقافة الغنيمة عندما قاموا بحرق بعض بنايات الدولة و حرق وإتلاف مستمسكات و وثائق الدولة ، خصوصا فيما يتعلق بأجهزة مخابراتها ، باعتبار أن الدولة غنيمة كانوا قد غنموها وأصبحت ملكا لهم ، وها هم يتصرفون بالغنيمة مثلما يريدون.

الشعب ، من جانبه ، تبنى وطبق ثقافة الغنيمة عندما {حوسمَ} و نهب كل ما يستطيع نهبه. و رغم أن ما نهبه المواطنون كان ترهات لا اكثر ، و لاحقا قطع أراضي تجاوزوا عليها وبنوا فوقها ما يأويهم ، ألا أن الخطير في الأمر هو أن مشاهد طوابير العراقيين التي كانت تعرضها تلفزيونات العالم وهم يحملون ما نهبوه ، جعل العين العراقية والعقل العراقي يألفان النهب والسرقة ويتعايشان معهما ويعتبرانهما تصرفا سويا و مقبولا.

و هكذا ، منذ الأيام الأولى تورطت جميع الجهات في عمليات النهب.
جميع الجهات ، المهزومة والمنتصرة ، الغازية الأجنبية وأبناء البلد ، الإسلاموية والمدنية ، النخبوية والشعبية ، تبنت وطبقت ثقافة الغنيمة وشاركت في عمليات النهب.
عمليات النهب ما كانت تتم بتكتم وبخجل و على استحياء، إنما كانت تتم بتفاخر و في وضح النهار وبدون خوف ولا شعور بالتأنيب وبدون رادع. لأن الجميع كانوا على ثقة بأن ما كانوا يفعلونه هو الصحيح ولا صحيح غيره.

وكلما كان يوم يمر وكلما كانت الأوضاع تستتب كانت ثقافة الغنيمة ، هي أيضا ، تستتب و تترسخ أكثر وأكثر وتكتسح أي ثقافة أخرى وتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية المقبولة ، بعد أن تجاوزت نهب المال العام وشملت كل شيء ، بما في ذلك كتابة الدستور وقانون الانتخابات و المحاصصة وتوزيع المقاعد البرلمانية .

ثم شرعت ثقافة الغنيمة ، في كل مجالات الحياة ، تجد لها فلاسفة وتّنظيرين و وعاظ وأخلاقيين وفقهاء ، من الجميع ، يدافعون عنها ويشرعنونها و يبررونها ، لا على الصعيد المالي فحسب وإنما على جميع الأصعدة. وتم تغليفها وتأطيرها بأطر قومية و دينية و طائفية. والمبررات والتخريجات كانت كثيرة ومتنوعة : مال سايب مجهول الهوية ، مالُنا وقد رُدَ إلينا ، مال حرام أصلا و أستولنا عليه ، مال غير مُخّمس ... الخ.


الكل شارك في الغًنيمة. كل حسب حجمه و موقعه و قوته و شطارته.
القوات الأميركية كانت غنيمتها بلدا كاملا ببشره وبثرواته.
البعض غَنمَ دبابات وصواريخ وباعها. بعضهم غنمَ مصانع فككها وباعها خردة. البعض الأخر غَنمَ قصورا. البعض الآخر غنموا نفطا يهربونه ويقبضون ثمنه. آخرون غنموا وزارات و وظائف ومناصب.


ورغم مبادرات رادعة لبعض من أئمة الجوامع وخطباء المنابر في النهي عن نهب المال العام ومناشدتهم المواطنين في الكف عن النهب وإعادة ما نهبوه ، ألا أن الأمر كان قد فات. فقد تحول نهب المال إلى ممارسة أخلاقية مقبولة. وما يزال نهب المال العام مستمرا رغم دعوات ومناشدات المرجعية الدينية في النجف والمرجعيات الاخرى لتحريمه والكف عن ممارسته.

نهب المال العام لم يقتصر على طائفة معينة او قومية محددة أو حزب معين دون غيره. فقد تحول، مثلا، بيع وشراء بعض المناصب الوزارية المربحة قاسما يشترك به الجميع.

الأمر الآخر ، وهو اخطر من ثقافة الغنيمة ، هي ثقافة الولاء الاعمى الطائفي والحزبي والقومي والعشائري التي رافقت ثقافة الغنيمة واحتضنتها وبررتها وسكتت عنها ، تحت شعار: نسكت عن فلان لأنه من طائفتنا أو حزبنا أو قوميتنا أو عشيرتنا أو منطقتنا. ولأنه منا سنعيد انتخابه مهما فعل.

وما تزال الطائفة والقومية والعشيرة هي الحصون التي يتمترس خلفها ناهبو المال العام والفاسدون ، وتجعلهم لا يخشون على مستقبلهم السياسي حتى في ظل انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد معقول. فهم على يقين ان الناخبين سينتخبونهم مرة اخرى وأخرى ، وفقا للولاءات. وقد أكد هذا الأمر بعض الساسة عندما اندلعت تظاهرات الاحتجاج الحالية ضدهم إذ قالوا، بتحدي: انظروا كيف سنفوز مرة ثانية عندما ستجرى الانتخابات القادمة.

وللأسباب السابقة فان ناهبي المال العام والفاسدين ما عادوا يعبأون ، إطلاقا ، بالنقد الشعبي ولا بالتقريع ولا يخافون من التظاهر ضدهم ولا يستحون من الشتائم حتى لو كانت قبيحة جارحة وشخصية ، ولا تضايقهم الاحتجاجات والبرامج التلفزيونية والمقالات النقدية ولا تحرجهم الاتهامات حتى لو كانت صحيحة وموثقة ، لسبب بسيط هو أنهم على يقين أن الناخبين سيعيدون انتخابهم ثانية.

فالمرشح في جميع الدول الديمقراطية يعمل ما في وسعه لإقناع الناخب بحسن سيرته، و يحرص أن يكون عفيف اليد واللسان خوفا من رفض الناخبين له، ويظل يتوسل الناخبين توسلا حتى يُعيدوا انتخابه.

أما في العراق فالمرشح ليس بحاجة لفعل الشيء نفسه. لأن تعمق ثقافة الغنيمة ورسوخها وانتشارها واعتبارها تصرفا اخلاقيا مقبولا ، بالإضافة إلى يقين المرشح من إعادة انتخابه من قبل نفس الناخبين ، جعل ناهبي المال العام لا يتوسلون و لا يستحون ولا يخافون.
وليس اعتباطا أن يقال في الأمثال : إن لم تستح فأفعل ما شئت.

أمور ثلاثة فقط تُدخل الرعب لقلوب سراق المال العام والفاسدين وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على عمليات النهب ، و هي :

عندما يجدون أمامهم قوة أكثر بطشا منهم ؛ قوة فعلية خشنة وليست قوة معنوية ناعمة ، أو كما يقال في الامثال العراقية ، عندما يجدون أمامهم العين الحمرة ).

عندما يجدون أن خزينهم وقاعدتهم الانتخابية انقلبت ضدهم.

عندما يواجهون أجهزة قضائية نزيهة صارمة شجاعة وحرة، لأن القضاء النزيه يدخل في نطاق القوة الخشنة، وليست القوة الناعمة، بل هو أكثر تأثيرا من قوة السلاح.

من هنا نستطيع أن نفسر لماذا استولى الخوف على الفاسدين وناهبي المال العام حالما شاهدوا أن قواعدهم الانتخابية، ولنقل بعضا منها، تشارك في التظاهرات الحالية.
ونستطيع أن نفسر لماذا تحول الخوف إلى رعب عندما اشتدت مطالبة المتظاهرين بتغيير الجهاز القضائي الحالي واستبداله بقضاة أحرار وشجعان ونزيهين. فبعد رفع المتظاهرين لمطلب تغيير الجهاز القضائي تناست جميع القوى السياسية المُتَهمَة، هي أو حلفائها، بالفساد، خلافاتها وتنادت للدفاع عن الجهاز القضائي الحالي. وراح بعضهم أبعد من ذلك عندما زاروا رئيس الجهاز القضائي لشد عضده ، بالضد من موقف المرجعية المطالب بإصلاح القضاء. ومبرر الجميع هو أن التغيير القضائي في المرحلة الحالية يخلق الفوضى في البلاد. وهو كلام ليس صحيحا على الإطلاق.

و فيما يخص استخدام القوة الخشنة فان ناهبي المال العام والفاسدين يعرفون هذا الأمر ويدركونه جيدا، و قد احتاطوا له وتدربوا ويتدربون عليه. ولمواجهته فأنهم ظلوا يحتفظون بقوى مسلحة تنشط خارج القانون، سمها مليشيات أو عشائر أو عصابات أو جيوش غير نظامية أو أي تسمية أخرى، يستعينون بها لمواجهة الخطر، إن حدث.

لكن القوة ومهما كان نوعها لن تنفع عندما تتسع الهوة بين الحكام والمحكومين وتصل الأمور إلى طريق مسدود.
























مباشرة في اللحظة التي سقط فيها تمثال صدام حسين زُرعت في العراق وأينعت وأثمرت بسرعة فلكية ثقافة " الغنيمة " بطريقة سوقية ، و جماعية ، ومنفلتة وخطيرة في آن واحد.
ثقافة الغنيمة التي أعنيها هنا بالإمكان تلخيصها بجملة واحدة: استولِ على ما ليس لكَ. و [ ما ] هنا لا تعني المال وحده وإنما كل شيء.
ثقافة الغنيمة غرستها وسقتها وجعلتها تثمر قوات الاحتلال الأميركية ، سواء في عملية الاحتلال نفسها التي كانت عملية سطو لا تستند على أي قانون و لا على أي شرعية دولية ، أو عندما شجعت تلك القوات الأميركية العراقيين على نهب ممتلكات الدولة فور دخولها بغداد.

ثقافة الغنيمة تبنتها و سارت على نهجها الطبقة السياسية ، من حَكمَ منها لاحقا ومَن عارضَ ، كلها دون استثناء ، عندما استولت على ممتلكات الدولة وعقارات قادتها و مسؤوليها السابقين.

البعثيون في لحظة هزيمتهم تبنوا وطبقوا ، أيضا ، ثقافة الغنيمة عندما قاموا بحرق بعض بنايات الدولة و حرق وإتلاف مستمسكات و وثائق الدولة ، خصوصا فيما يتعلق بأجهزة مخابراتها ، باعتبار أن الدولة غنيمة كانوا قد غنموها وأصبحت ملكا لهم ، وها هم يتصرفون بالغنيمة مثلما يريدون.

الشعب ، من جانبه ، تبنى وطبق ثقافة الغنيمة عندما {حوسمَ} و نهب كل ما يستطيع نهبه. و رغم أن ما نهبه المواطنون كان ترهات لا اكثر ، و لاحقا قطع أراضي تجاوزوا عليها وبنوا فوقها ما يأويهم ، ألا أن الخطير في الأمر هو أن مشاهد طوابير العراقيين التي كانت تعرضها تلفزيونات العالم وهم يحملون ما نهبوه ، جعل العين العراقية والعقل العراقي يألفان النهب والسرقة ويتعايشان معهما ويعتبرانهما تصرفا سويا و مقبولا.

و هكذا ، منذ الأيام الأولى تورطت جميع الجهات في عمليات النهب.
جميع الجهات ، المهزومة والمنتصرة ، الغازية الأجنبية وأبناء البلد ، الإسلاموية والمدنية ، النخبوية والشعبية ، تبنت وطبقت ثقافة الغنيمة وشاركت في عمليات النهب.
عمليات النهب ما كانت تتم بتكتم وبخجل و على استحياء، إنما كانت تتم بتفاخر و في وضح النهار وبدون خوف ولا شعور بالتأنيب وبدون رادع. لأن الجميع كانوا على ثقة بأن ما كانوا يفعلونه هو الصحيح ولا صحيح غيره.

وكلما كان يوم يمر وكلما كانت الأوضاع تستتب كانت ثقافة الغنيمة ، هي أيضا ، تستتب و تترسخ أكثر وأكثر وتكتسح أي ثقافة أخرى وتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية المقبولة ، بعد أن تجاوزت نهب المال العام وشملت كل شيء ، بما في ذلك كتابة الدستور وقانون الانتخابات و المحاصصة وتوزيع المقاعد البرلمانية .

ثم شرعت ثقافة الغنيمة ، في كل مجالات الحياة ، تجد لها فلاسفة وتّنظيرين و وعاظ وأخلاقيين وفقهاء ، من الجميع ، يدافعون عنها ويشرعنونها و يبررونها ، لا على الصعيد المالي فحسب وإنما على جميع الأصعدة. وتم تغليفها وتأطيرها بأطر قومية و دينية و طائفية. والمبررات والتخريجات كانت كثيرة ومتنوعة : مال سايب مجهول الهوية ، مالُنا وقد رُدَ إلينا ، مال حرام أصلا و أستولنا عليه ، مال غير مُخّمس ... الخ.


الكل شارك في الغًنيمة. كل حسب حجمه و موقعه و قوته و شطارته.
القوات الأميركية كانت غنيمتها بلدا كاملا ببشره وبثرواته.
البعض غَنمَ دبابات وصواريخ وباعها. بعضهم غنمَ مصانع فككها وباعها خردة. البعض الأخر غَنمَ قصورا. البعض الآخر غنموا نفطا يهربونه ويقبضون ثمنه. آخرون غنموا وزارات و وظائف ومناصب.


ورغم مبادرات رادعة لبعض من أئمة الجوامع وخطباء المنابر في النهي عن نهب المال العام ومناشدتهم المواطنين في الكف عن النهب وإعادة ما نهبوه ، ألا أن الأمر كان قد فات. فقد تحول نهب المال إلى ممارسة أخلاقية مقبولة. وما يزال نهب المال العام مستمرا رغم دعوات ومناشدات المرجعية الدينية في النجف والمرجعيات الاخرى لتحريمه والكف عن ممارسته.

نهب المال العام لم يقتصر على طائفة معينة او قومية محددة أو حزب معين دون غيره. فقد تحول، مثلا، بيع وشراء بعض المناصب الوزارية المربحة قاسما يشترك به الجميع.

الأمر الآخر ، وهو اخطر من ثقافة الغنيمة ، هي ثقافة الولاء الاعمى الطائفي والحزبي والقومي والعشائري التي رافقت ثقافة الغنيمة واحتضنتها وبررتها وسكتت عنها ، تحت شعار: نسكت عن فلان لأنه من طائفتنا أو حزبنا أو قوميتنا أو عشيرتنا أو منطقتنا. ولأنه منا سنعيد انتخابه مهما فعل.

وما تزال الطائفة والقومية والعشيرة هي الحصون التي يتمترس خلفها ناهبو المال العام والفاسدون ، وتجعلهم لا يخشون على مستقبلهم السياسي حتى في ظل انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد معقول. فهم على يقين ان الناخبين سينتخبونهم مرة اخرى وأخرى ، وفقا للولاءات. وقد أكد هذا الأمر بعض الساسة عندما اندلعت تظاهرات الاحتجاج الحالية ضدهم إذ قالوا، بتحدي: انظروا كيف سنفوز مرة ثانية عندما ستجرى الانتخابات القادمة.

وللأسباب السابقة فان ناهبي المال العام والفاسدين ما عادوا يعبأون ، إطلاقا ، بالنقد الشعبي ولا بالتقريع ولا يخافون من التظاهر ضدهم ولا يستحون من الشتائم حتى لو كانت قبيحة جارحة وشخصية ، ولا تضايقهم الاحتجاجات والبرامج التلفزيونية والمقالات النقدية ولا تحرجهم الاتهامات حتى لو كانت صحيحة وموثقة ، لسبب بسيط هو أنهم على يقين أن الناخبين سيعيدون انتخابهم ثانية.

فالمرشح في جميع الدول الديمقراطية يعمل ما في وسعه لإقناع الناخب بحسن سيرته، و يحرص أن يكون عفيف اليد واللسان خوفا من رفض الناخبين له، ويظل يتوسل الناخبين توسلا حتى يُعيدوا انتخابه.

أما في العراق فالمرشح ليس بحاجة لفعل الشيء نفسه. لأن تعمق ثقافة الغنيمة ورسوخها وانتشارها واعتبارها تصرفا اخلاقيا مقبولا ، بالإضافة إلى يقين المرشح من إعادة انتخابه من قبل نفس الناخبين ، جعل ناهبي المال العام لا يتوسلون و لا يستحون ولا يخافون.
وليس اعتباطا أن يقال في الأمثال : إن لم تستح فأفعل ما شئت.

أمور ثلاثة فقط تُدخل الرعب لقلوب سراق المال العام والفاسدين وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على عمليات النهب ، و هي :

عندما يجدون أمامهم قوة أكثر بطشا منهم ؛ قوة فعلية خشنة وليست قوة معنوية ناعمة ، أو كما يقال في الامثال العراقية ، عندما يجدون أمامهم العين الحمرة ).

عندما يجدون أن خزينهم وقاعدتهم الانتخابية انقلبت ضدهم.

عندما يواجهون أجهزة قضائية نزيهة صارمة شجاعة وحرة، لأن القضاء النزيه يدخل في نطاق القوة الخشنة، وليست القوة الناعمة، بل هو أكثر تأثيرا من قوة السلاح.

من هنا نستطيع أن نفسر لماذا استولى الخوف على الفاسدين وناهبي المال العام حالما شاهدوا أن قواعدهم الانتخابية، ولنقل بعضا منها، تشارك في التظاهرات الحالية.
ونستطيع أن نفسر لماذا تحول الخوف إلى رعب عندما اشتدت مطالبة المتظاهرين بتغيير الجهاز القضائي الحالي واستبداله بقضاة أحرار وشجعان ونزيهين. فبعد رفع المتظاهرين لمطلب تغيير الجهاز القضائي تناست جميع القوى السياسية المُتَهمَة، هي أو حلفائها، بالفساد، خلافاتها وتنادت للدفاع عن الجهاز القضائي الحالي. وراح بعضهم أبعد من ذلك عندما زاروا رئيس الجهاز القضائي لشد عضده ، بالضد من موقف المرجعية المطالب بإصلاح القضاء. ومبرر الجميع هو أن التغيير القضائي في المرحلة الحالية يخلق الفوضى في البلاد. وهو كلام ليس صحيحا على الإطلاق.

و فيما يخص استخدام القوة الخشنة فان ناهبي المال العام والفاسدين يعرفون هذا الأمر ويدركونه جيدا، و قد احتاطوا له وتدربوا ويتدربون عليه. ولمواجهته فأنهم ظلوا يحتفظون بقوى مسلحة تنشط خارج القانون، سمها مليشيات أو عشائر أو عصابات أو جيوش غير نظامية أو أي تسمية أخرى، يستعينون بها لمواجهة الخطر، إن حدث.

لكن القوة ومهما كان نوعها لن تنفع عندما تتسع الهوة بين الحكام والمحكومين وتصل الأمور إلى طريق مسدود.






















مباشرة في اللحظة التي سقط فيها تمثال صدام حسين زُرعت في العراق وأينعت وأثمرت بسرعة فلكية ثقافة " الغنيمة " بطريقة سوقية ، و جماعية ، ومنفلتة وخطيرة في آن واحد.
ثقافة الغنيمة التي أعنيها هنا بالإمكان تلخيصها بجملة واحدة: استولِ على ما ليس لكَ. و [ ما ] هنا لا تعني المال وحده وإنما كل شيء.
ثقافة الغنيمة غرستها وسقتها وجعلتها تثمر قوات الاحتلال الأميركية ، سواء في عملية الاحتلال نفسها التي كانت عملية سطو لا تستند على أي قانون و لا على أي شرعية دولية ، أو عندما شجعت تلك القوات الأميركية العراقيين على نهب ممتلكات الدولة فور دخولها بغداد.

ثقافة الغنيمة تبنتها و سارت على نهجها الطبقة السياسية ، من حَكمَ منها لاحقا ومَن عارضَ ، كلها دون استثناء ، عندما استولت على ممتلكات الدولة وعقارات قادتها و مسؤوليها السابقين.

البعثيون في لحظة هزيمتهم تبنوا وطبقوا ، أيضا ، ثقافة الغنيمة عندما قاموا بحرق بعض بنايات الدولة و حرق وإتلاف مستمسكات و وثائق الدولة ، خصوصا فيما يتعلق بأجهزة مخابراتها ، باعتبار أن الدولة غنيمة كانوا قد غنموها وأصبحت ملكا لهم ، وها هم يتصرفون بالغنيمة مثلما يريدون.

الشعب ، من جانبه ، تبنى وطبق ثقافة الغنيمة عندما {حوسمَ} و نهب كل ما يستطيع نهبه. و رغم أن ما نهبه المواطنون كان ترهات لا اكثر ، و لاحقا قطع أراضي تجاوزوا عليها وبنوا فوقها ما يأويهم ، ألا أن الخطير في الأمر هو أن مشاهد طوابير العراقيين التي كانت تعرضها تلفزيونات العالم وهم يحملون ما نهبوه ، جعل العين العراقية والعقل العراقي يألفان النهب والسرقة ويتعايشان معهما ويعتبرانهما تصرفا سويا و مقبولا.

و هكذا ، منذ الأيام الأولى تورطت جميع الجهات في عمليات النهب.
جميع الجهات ، المهزومة والمنتصرة ، الغازية الأجنبية وأبناء البلد ، الإسلاموية والمدنية ، النخبوية والشعبية ، تبنت وطبقت ثقافة الغنيمة وشاركت في عمليات النهب.
عمليات النهب ما كانت تتم بتكتم وبخجل و على استحياء، إنما كانت تتم بتفاخر و في وضح النهار وبدون خوف ولا شعور بالتأنيب وبدون رادع. لأن الجميع كانوا على ثقة بأن ما كانوا يفعلونه هو الصحيح ولا صحيح غيره.

وكلما كان يوم يمر وكلما كانت الأوضاع تستتب كانت ثقافة الغنيمة ، هي أيضا ، تستتب و تترسخ أكثر وأكثر وتكتسح أي ثقافة أخرى وتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية المقبولة ، بعد أن تجاوزت نهب المال العام وشملت كل شيء ، بما في ذلك كتابة الدستور وقانون الانتخابات و المحاصصة وتوزيع المقاعد البرلمانية .

ثم شرعت ثقافة الغنيمة ، في كل مجالات الحياة ، تجد لها فلاسفة وتّنظيرين و وعاظ وأخلاقيين وفقهاء ، من الجميع ، يدافعون عنها ويشرعنونها و يبررونها ، لا على الصعيد المالي فحسب وإنما على جميع الأصعدة. وتم تغليفها وتأطيرها بأطر قومية و دينية و طائفية. والمبررات والتخريجات كانت كثيرة ومتنوعة : مال سايب مجهول الهوية ، مالُنا وقد رُدَ إلينا ، مال حرام أصلا و أستولنا عليه ، مال غير مُخّمس ... الخ.


الكل شارك في الغًنيمة. كل حسب حجمه و موقعه و قوته و شطارته.
القوات الأميركية كانت غنيمتها بلدا كاملا ببشره وبثرواته.
البعض غَنمَ دبابات وصواريخ وباعها. بعضهم غنمَ مصانع فككها وباعها خردة. البعض الأخر غَنمَ قصورا. البعض الآخر غنموا نفطا يهربونه ويقبضون ثمنه. آخرون غنموا وزارات و وظائف ومناصب.


ورغم مبادرات رادعة لبعض من أئمة الجوامع وخطباء المنابر في النهي عن نهب المال العام ومناشدتهم المواطنين في الكف عن النهب وإعادة ما نهبوه ، ألا أن الأمر كان قد فات. فقد تحول نهب المال إلى ممارسة أخلاقية مقبولة. وما يزال نهب المال العام مستمرا رغم دعوات ومناشدات المرجعية الدينية في النجف والمرجعيات الاخرى لتحريمه والكف عن ممارسته.

نهب المال العام لم يقتصر على طائفة معينة او قومية محددة أو حزب معين دون غيره. فقد تحول، مثلا، بيع وشراء بعض المناصب الوزارية المربحة قاسما يشترك به الجميع.

الأمر الآخر ، وهو اخطر من ثقافة الغنيمة ، هي ثقافة الولاء الاعمى الطائفي والحزبي والقومي والعشائري التي رافقت ثقافة الغنيمة واحتضنتها وبررتها وسكتت عنها ، تحت شعار: نسكت عن فلان لأنه من طائفتنا أو حزبنا أو قوميتنا أو عشيرتنا أو منطقتنا. ولأنه منا سنعيد انتخابه مهما فعل.

وما تزال الطائفة والقومية والعشيرة هي الحصون التي يتمترس خلفها ناهبو المال العام والفاسدون ، وتجعلهم لا يخشون على مستقبلهم السياسي حتى في ظل انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد معقول. فهم على يقين ان الناخبين سينتخبونهم مرة اخرى وأخرى ، وفقا للولاءات. وقد أكد هذا الأمر بعض الساسة عندما اندلعت تظاهرات الاحتجاج الحالية ضدهم إذ قالوا، بتحدي: انظروا كيف سنفوز مرة ثانية عندما ستجرى الانتخابات القادمة.

وللأسباب السابقة فان ناهبي المال العام والفاسدين ما عادوا يعبأون ، إطلاقا ، بالنقد الشعبي ولا بالتقريع ولا يخافون من التظاهر ضدهم ولا يستحون من الشتائم حتى لو كانت قبيحة جارحة وشخصية ، ولا تضايقهم الاحتجاجات والبرامج التلفزيونية والمقالات النقدية ولا تحرجهم الاتهامات حتى لو كانت صحيحة وموثقة ، لسبب بسيط هو أنهم على يقين أن الناخبين سيعيدون انتخابهم ثانية.

فالمرشح في جميع الدول الديمقراطية يعمل ما في وسعه لإقناع الناخب بحسن سيرته، و يحرص أن يكون عفيف اليد واللسان خوفا من رفض الناخبين له، ويظل يتوسل الناخبين توسلا حتى يُعيدوا انتخابه.

أما في العراق فالمرشح ليس بحاجة لفعل الشيء نفسه. لأن تعمق ثقافة الغنيمة ورسوخها وانتشارها واعتبارها تصرفا اخلاقيا مقبولا ، بالإضافة إلى يقين المرشح من إعادة انتخابه من قبل نفس الناخبين ، جعل ناهبي المال العام لا يتوسلون و لا يستحون ولا يخافون.
وليس اعتباطا أن يقال في الأمثال : إن لم تستح فأفعل ما شئت.

أمور ثلاثة فقط تُدخل الرعب لقلوب سراق المال العام والفاسدين وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على عمليات النهب ، و هي :

عندما يجدون أمامهم قوة أكثر بطشا منهم ؛ قوة فعلية خشنة وليست قوة معنوية ناعمة ، أو كما يقال في الامثال العراقية ، عندما يجدون أمامهم العين الحمرة ).

عندما يجدون أن خزينهم وقاعدتهم الانتخابية انقلبت ضدهم.

عندما يواجهون أجهزة قضائية نزيهة صارمة شجاعة وحرة، لأن القضاء النزيه يدخل في نطاق القوة الخشنة، وليست القوة الناعمة، بل هو أكثر تأثيرا من قوة السلاح.

من هنا نستطيع أن نفسر لماذا استولى الخوف على الفاسدين وناهبي المال العام حالما شاهدوا أن قواعدهم الانتخابية، ولنقل بعضا منها، تشارك في التظاهرات الحالية.
ونستطيع أن نفسر لماذا تحول الخوف إلى رعب عندما اشتدت مطالبة المتظاهرين بتغيير الجهاز القضائي الحالي واستبداله بقضاة أحرار وشجعان ونزيهين. فبعد رفع المتظاهرين لمطلب تغيير الجهاز القضائي تناست جميع القوى السياسية المُتَهمَة، هي أو حلفائها، بالفساد، خلافاتها وتنادت للدفاع عن الجهاز القضائي الحالي. وراح بعضهم أبعد من ذلك عندما زاروا رئيس الجهاز القضائي لشد عضده ، بالضد من موقف المرجعية المطالب بإصلاح القضاء. ومبرر الجميع هو أن التغيير القضائي في المرحلة الحالية يخلق الفوضى في البلاد. وهو كلام ليس صحيحا على الإطلاق.

و فيما يخص استخدام القوة الخشنة فان ناهبي المال العام والفاسدين يعرفون هذا الأمر ويدركونه جيدا، و قد احتاطوا له وتدربوا ويتدربون عليه. ولمواجهته فأنهم ظلوا يحتفظون بقوى مسلحة تنشط خارج القانون، سمها مليشيات أو عشائر أو عصابات أو جيوش غير نظامية أو أي تسمية أخرى، يستعينون بها لمواجهة الخطر، إن حدث.

لكن القوة ومهما كان نوعها لن تنفع عندما تتسع الهوة بين الحكام والمحكومين وتصل الأمور إلى طريق مسدود.







مباشرة في اللحظة التي سقط فيها تمثال صدام حسين زُرعت في العراق وأينعت وأثمرت بسرعة فلكية ثقافة " الغنيمة " بطريقة سوقية ، و جماعية ، ومنفلتة وخطيرة في آن واحد.
ثقافة الغنيمة التي أعنيها هنا بالإمكان تلخيصها بجملة واحدة: استولِ على ما ليس لكَ. و [ ما ] هنا لا تعني المال وحده وإنما كل شيء.
ثقافة الغنيمة غرستها وسقتها وجعلتها تثمر قوات الاحتلال الأميركية ، سواء في عملية الاحتلال نفسها التي كانت عملية سطو لا تستند على أي قانون و لا على أي شرعية دولية ، أو عندما شجعت تلك القوات الأميركية العراقيين على نهب ممتلكات الدولة فور دخولها بغداد.




ثقافة الغنيمة تبنتها و سارت على نهجها الطبقة السياسية ، من حَكمَ منها لاحقا ومَن عارضَ ، كلها دون استثناء ، عندما استولت على ممتلكات الدولة وعقارات قادتها و مسؤوليها السابقين.

البعثيون في لحظة هزيمتهم تبنوا وطبقوا ، أيضا ، ثقافة الغنيمة عندما قاموا بحرق بعض بنايات الدولة و حرق وإتلاف مستمسكات و وثائق الدولة ، خصوصا فيما يتعلق بأجهزة مخابراتها ، باعتبار أن الدولة غنيمة كانوا قد غنموها وأصبحت ملكا لهم ، وها هم يتصرفون بالغنيمة مثلما يريدون.


الشعب ، من جانبه ، تبنى وطبق ثقافة الغنيمة عندما {حوسمَ} و نهب كل ما يستطيع نهبه. و رغم أن ما نهبه المواطنون كان ترهات لا اكثر ، و لاحقا قطع أراضي تجاوزوا عليها وبنوا فوقها ما يأويهم ، ألا أن الخطير في الأمر هو أن مشاهد طوابير العراقيين التي كانت تعرضها تلفزيونات العالم وهم يحملون ما نهبوه ، جعل العين العراقية والعقل العراقي يألفان النهب والسرقة ويتعايشان معهما ويعتبرانهما تصرفا سويا و مقبولا.
و هكذا ، منذ الأيام الأولى تورطت جميع الجهات في عمليات النهب.
جميع الجهات ، المهزومة والمنتصرة ، الغازية الأجنبية وأبناء البلد ، الإسلاموية والمدنية ، النخبوية والشعبية ، تبنت وطبقت ثقافة الغنيمة وشاركت في عمليات النهب.
عمليات النهب ما كانت تتم بتكتم وبخجل و على استحياء، إنما كانت تتم بتفاخر و في وضح النهار وبدون خوف ولا شعور بالتأنيب وبدون رادع. لأن الجميع كانوا على ثقة بأن ما كانوا يفعلونه هو الصحيح ولا صحيح غيره.

وكلما كان يوم يمر وكلما كانت الأوضاع تستتب كانت ثقافة الغنيمة ، هي أيضا ، تستتب و تترسخ أكثر وأكثر وتكتسح أي ثقافة أخرى وتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية المقبولة ، بعد أن تجاوزت نهب المال العام وشملت كل شيء ، بما في ذلك كتابة الدستور وقانون الانتخابات و المحاصصة وتوزيع المقاعد البرلمانية .




ثم شرعت ثقافة الغنيمة ، في كل مجالات الحياة ، تجد لها فلاسفة وتّنظيرين و وعاظ وأخلاقيين وفقهاء ، من الجميع ، يدافعون عنها ويشرعنونها و يبررونها ، لا على الصعيد المالي فحسب وإنما على جميع الأصعدة. وتم تغليفها وتأطيرها بأطر قومية و دينية و طائفية. والمبررات والتخريجات كانت كثيرة ومتنوعة : مال سايب مجهول الهوية ، مالُنا وقد رُدَ إلينا ، مال حرام أصلا و أستولنا عليه ، مال غير مُخّمس ... الخ.


الكل شارك في الغًنيمة. كل حسب حجمه و موقعه و قوته و شطارته.
القوات الأميركية كانت غنيمتها بلدا كاملا ببشره وبثرواته.


البعض غَنمَ دبابات وصواريخ وباعها. بعضهم غنمَ مصانع فككها وباعها خردة. البعض الأخر غَنمَ قصورا. البعض الآخر غنموا نفطا يهربونه ويقبضون ثمنه. آخرون غنموا وزارات و وظائف ومناصب.


ورغم مبادرات رادعة لبعض من أئمة الجوامع وخطباء المنابر في النهي عن نهب المال العام ومناشدتهم المواطنين في الكف عن النهب وإعادة ما نهبوه ، ألا أن الأمر كان قد فات. فقد تحول نهب المال إلى ممارسة أخلاقية مقبولة. وما يزال نهب المال العام مستمرا رغم دعوات ومناشدات المرجعية الدينية في النجف والمرجعيات الاخرى لتحريمه والكف عن ممارسته.

نهب المال العام لم يقتصر على طائفة معينة او قومية محددة أو حزب معين دون غيره. فقد تحول، مثلا، بيع وشراء بعض المناصب الوزارية المربحة قاسما يشترك به الجميع.

الأمر الآخر ، وهو اخطر من ثقافة الغنيمة ، هي ثقافة الولاء الاعمى الطائفي والحزبي والقومي والعشائري التي رافقت ثقافة الغنيمة واحتضنتها وبررتها وسكتت عنها ، تحت شعار: نسكت عن فلان لأنه من طائفتنا أو حزبنا أو قوميتنا أو عشيرتنا أو منطقتنا. ولأنه منا سنعيد انتخابه مهما فعل.

وما تزال الطائفة والقومية والعشيرة هي الحصون التي يتمترس خلفها ناهبو المال العام والفاسدون ، وتجعلهم لا يخشون على مستقبلهم السياسي حتى في ظل انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد معقول. فهم على يقين ان الناخبين سينتخبونهم مرة اخرى وأخرى ، وفقا للولاءات. وقد أكد هذا الأمر بعض الساسة عندما اندلعت تظاهرات الاحتجاج الحالية ضدهم إذ قالوا، بتحدي: انظروا كيف سنفوز مرة ثانية عندما ستجرى الانتخابات القادمة.

وللأسباب السابقة فان ناهبي المال العام والفاسدين ما عادوا يعبأون ، إطلاقا ، بالنقد الشعبي ولا بالتقريع ولا يخافون من التظاهر ضدهم ولا يستحون من الشتائم حتى لو كانت قبيحة جارحة وشخصية ، ولا تضايقهم الاحتجاجات والبرامج التلفزيونية والمقالات النقدية ولا تحرجهم الاتهامات حتى لو كانت صحيحة وموثقة ، لسبب بسيط هو أنهم على يقين أن الناخبين سيعيدون انتخابهم ثانية.

فالمرشح في جميع الدول الديمقراطية يعمل ما في وسعه لإقناع الناخب بحسن سيرته، و يحرص أن يكون عفيف اليد واللسان خوفا من رفض الناخبين له، ويظل يتوسل الناخبين توسلا حتى يُعيدوا انتخابه.

أما في العراق فالمرشح ليس بحاجة لفعل الشيء نفسه. لأن تعمق ثقافة الغنيمة ورسوخها وانتشارها واعتبارها تصرفا اخلاقيا مقبولا ، بالإضافة إلى يقين المرشح من إعادة انتخابه من قبل نفس الناخبين ، جعل ناهبي المال العام لا يتوسلون و لا يستحون ولا يخافون.
وليس اعتباطا أن يقال في الأمثال : إن لم تستح فأفعل ما شئت.

أمور ثلاثة فقط تُدخل الرعب لقلوب سراق المال العام والفاسدين وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على عمليات النهب ، و هي :

عندما يجدون أمامهم قوة أكثر بطشا منهم ؛ قوة فعلية خشنة وليست قوة معنوية ناعمة ، أو كما يقال في الامثال العراقية ، عندما يجدون أمامهم العين الحمرة ).

عندما يجدون أن خزينهم وقاعدتهم الانتخابية انقلبت ضدهم.

عندما يواجهون أجهزة قضائية نزيهة صارمة شجاعة وحرة، لأن القضاء النزيه يدخل في نطاق القوة الخشنة، وليست القوة الناعمة، بل هو أكثر تأثيرا من قوة السلاح.

من هنا نستطيع أن نفسر لماذا استولى الخوف على الفاسدين وناهبي المال العام حالما شاهدوا أن قواعدهم الانتخابية، ولنقل بعضا منها، تشارك في التظاهرات الحالية.
ونستطيع أن نفسر لماذا تحول الخوف إلى رعب عندما اشتدت مطالبة المتظاهرين بتغيير الجهاز القضائي الحالي واستبداله بقضاة أحرار وشجعان ونزيهين. فبعد رفع المتظاهرين لمطلب تغيير الجهاز القضائي تناست جميع القوى السياسية المُتَهمَة، هي أو حلفائها، بالفساد، خلافاتها وتنادت للدفاع عن الجهاز القضائي الحالي. وراح بعضهم أبعد من ذلك عندما زاروا رئيس الجهاز القضائي لشد عضده ، بالضد من موقف المرجعية المطالب بإصلاح القضاء. ومبرر الجميع هو أن التغيير القضائي في المرحلة الحالية يخلق الفوضى في البلاد. وهو كلام ليس صحيحا على الإطلاق.

و فيما يخص استخدام القوة الخشنة فان ناهبي المال العام والفاسدين يعرفون هذا الأمر ويدركونه جيدا، و قد احتاطوا له وتدربوا ويتدربون عليه. ولمواجهته فأنهم ظلوا يحتفظون بقوى مسلحة تنشط خارج القانون، سمها مليشيات أو عشائر أو عصابات أو جيوش غير نظامية أو أي تسمية أخرى، يستعينون بها لمواجهة الخطر، إن حدث.

لكن القوة ومهما كان نوعها لن تنفع عندما تتسع الهوة بين الحكام والمحكومين وتصل الأمور إلى طريق مسدود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة