الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا لو تغيرت قاعدة التضحية؟

ماجد ع محمد

2015 / 11 / 3
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


كان من عادة الاخوة الشيوعيين وعلى مدار سنوات طويلة رفع شعار "لا نخسر إلا قيودنا " وذلك في إشارة منهم الى أنهم في حالات الاضراب أو المظاهرات أو الحرمان من قبل السلطات الحاكمة لن يخسروا شيئاً عند وقوفهم بوجه مضطهديهم، طالما أنهم بالأصل لا يمتلكون شيئاً يخشون منه أو يندمون عليه، إن كان في حالة تأجيج الصراع مع الطبقات المستغلة، أو تزايد حدة الاحتجاجات اليومية مع السلطات الحاكمة أو حين زجهم في أقبية الأفرع الأمنية.
وبما أن الطبقات الدنيا تعودت على أن تكون القرابين الحاضرة في أي وقتٍ كان أمام مذبح التغيير في أية بقعة جغرافية كانت في العالم كله سابقاً وحالياً في الشرق الاوسط، أو أوان السعي المحموم لدى قادة الرأي ومتنوري المجتمعات لنيل الحرية التي يتشدقون بها ملء أفواههم، ومعلوم أنه على مر التاريخ كانت الطبقات الدنيا ضحية مشاريع الاثرياء وأحابيل الساسة وغايات المثقفين في حالتي الخراب والإعمار، وكان في كل مفصل قاسٍ على الفئات الفقيرة في المجتمع أن تكون الأدوات الجاهزة في حال العمل على قلب أي نظامٍ سياسي، وعلى الطبقات نفسها تحمل القسط الأكبر من عبء التغيير في أي بلدٍ كان، ففي الثورة عليهم أن يكونوا الوقود الحاضرة لتسيير مركبة التحولات الكبرى، والعدد الأكبر من الذبائح في الثورات أو الانقلابات أو الحروبِ هو حصراً منهم، كما أن في حال إعادة إعمار أي بلد عقب الخراب والدمار يتم الاتكال عليهم، حتى يتم رفع عوارض البلد من جديد فوق أكتافهم، حيث يُجبل اسمنت أساسات المباني المهدمة من عرق جباههم.
ولكن ماذا سيكون عليه الحال لو تم قلب المعادلة وكفت الطبقات المعدمة عن أن تبقى بمثابة القرابين الدائمة للأثرياء والساسة والمثقفين؟ وتركوا هم التضحية لمن أرادوا أن يقلبوا أنظمة الحكم، ولجأوا نحو الملاذات الآمنة كما يفعل عادة دعاة التغيير ومن ينفخون في نار الثورات عن بُعد من الساسة والمثقفين، طالما أن قوانين العصر ومجال الهروب عن أداء أي واجبٍ في متناول الكل في الوقت الراهن بخلاف القرون الغابرة، والتهرب عن دفع الضرائب الباهظة في متناول الفقير كما يفلح فيها كعادته ميسوري الحال، وبدلاً من أن يبقى أصحاب الدخل المحدود معدات بشرية جاهزة تُدفع بها الى ساحات الوغى بوعي أو بدونه، يقتدون هذه المرة بسلوك من يسوقونهم الى ساحات الخراب أو البناء، ويتركون هم قلب االنُظم السياسية الى المشغول بها ومن يود هدمها أو الاتيان ببدائل لها، طالما أن حالهم ـ أي الشرائح الدنيا ـ لن يكون أفضل مما كان عليه في السابق، باعتبار أن ما من برنامجٍ واضح أو مشروعٍ صريح وحقيقي لدى معظم الساعين الى هدم الأنظمة البالية، وما من دلائل تشير الى ضمان حقوقهم إذا ما تم تقويض بنيان الدول أو الحكومات بأجسادهم.
وبما أن طرق خلاص الذات مفتوحٌ أمام الكل في العصر الراهن بفضل القوانين الانسانية للكثير من الدول الغربية، فلما لا يخطر على بال المعدم في البلد تتبع خطوات الميسور والسياسي والمثقف في خلاص الذات، وترك المعنيين بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ليتحملوا وزر أهدافهم وغاياتهم الكبرى في التخلص من الحكومات، فيما تعمل الشرائح المنهكة ولو لمرة واحدة بنقيض المعتادِ والكف عن قصة بقائهم وقوداً بشرية وأدوات في حالتي الخراب والبناء، وذلك في هذه المنطقة التي لا تزال تحتاج الى من يكون أحطاب نيرانها المؤججة، فصحيحٌ بأنهم لا يخسرون غير قيودهم إذا ما ثاروا ضد المستبدين، ولكن بما أن ما من دكتاتورية بروليتارية تلوح في الأفق أمامهم إذا ما فعلاً حققوا النصر المبين، فما الجدوى من صنيعنا قد يقول قائلٌ منهم؟ وقد يخطر على بال الكثير منهم بعد الهجرة العظيمة ويقولون ما الفائدة المرجوة من نضالاتنا في المستقبل؟ لذا وبخلاف عجلة التاريخ التي دائماً ما جعلتهم القرابين الحاضرة أمام مفاصلها، فماذا لو تركوا هَم الكفاح والنضال للأثرياء والساسة والمثقفين؟ وعملوا ولو لمرة واحدة بعكس ما تناط بهم المهمات الكبرى وما في العادة يُخطط ويُرسم لهم من قِبل المذكورين، بل وينضموا كباقي الفئات الى صفوف الانتهازيين، ويتركوا هم تحرير الأوطان لمن يريد أن يحكمها بدل السالفين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يجني البريطانيون ثمار اختيارهم السياسي بعد فوز حزب العمال


.. البارون واجيد خان: حزب العمال البريطاني حريص على السلام في ا




.. ديفيد لامي من أصغر نواب حزب العمال إلى وزير خارجية بريطانيا


.. بعد اكتساح حزب العمال.. لماذا توجهت بوصلة الناخبين في بريطان




.. كل يوم - شردي :حزب العمال في المملكة المتحدة أقرب إلي المصا