الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم من مدينتي بديوي خلف الندا

قحطان محمد صالح الهيتي

2015 / 11 / 4
سيرة ذاتية


-
ما دفعني للكتابة عن هذا الرجل هوعَمله الصالح المتميز الذي قدمه لأبناء مدينته والذي لا يمكن لمن عاصره أن ينساه أو ألا يذكره بالخير، فبعد أن ترك هذا الطالب المتفوق باللغة الإنكليزية والرياضيات والناجح الأول على مدرسته في المرحلة الابتدائية، والأبن المدلل لوالد ملاّك وتاجر الدراسة قام في عام 1953 بفتح صيدلية في المدينة، كانت الأولى في هيت والثانية في لواء الدليم، واستمر بعمله بها حتى عام 1976 بعد أن صار لزاما على من يمتهن هذه المهنة أن يكون حاصلا على شهادة جامعية. فهو علم من أعلام مدينتي الذين افتخر بهم لأنه قام بعمل متميز قدم من خلاله خدمات جليلة لأبناء مدينته وأبناء القرى التابعة اليها في وقت كانوا بأمس الحاجة فيه الى الدواء.
-
اكتب عنه لأنه بقي (نافعا) للناس (باسما) في وجوههم حتى بعد أن استشهد ولداه . اكتب عنه لأنه أبو (نافع) وأبو (باسم) الذين قدما روحيهما قرباناً وفداءً للعراق والعراقيين.
-
أسمه ونشأته
-
هو بديوي خلف ندا منصور الأشعب العبيدي الهيتي، ولد في هيت في عام 1924 وفيها تربى ونشأ وكبُر في بيت من بيوتها الكريمة تحت رعاية والد يُعد واحدا من تجار ومُلاك هيت المعروفين في وقته، فلم يُعَانِ بديوي من شظف العيش ولم يعمل أجيرا في يوم من الأيام، ولكنه كان محبا للكادحين.
-
تحصيله العلمي
-
في عام 1930 دخل مدرسة هيت الابتدائية للبنين وأكمل دراسته فيها وتخرج منها في عام 1936 وكان الأول على مدرسته، وكان من بين المعلمين الذين علموه الرئيس العراقي الأسبق احمد حسن البكر الذي كان معلما في المدرسة المذكورة قبل دخوله الكلية العسكرية في عام 1938 والشيخ ضياء الدين محمد سعيد الخطيب، وعبد الله السيد أحمد (عبد الله أفندي) ، وشاكر محمود الهيتي، وعبد الحميد الهيتي، وحمزة فتيان الراوي، وعبد الوهاب منصور الشايع.
-
بعدها درس في متوسطة الرمادي للبنين وأنهى دراسته فيها في عام 1939، وبالرغم من تفوقه في مادتي اللغة الإنكليزية والرياضيات الا أنه اكتفى بهذه المرحلة الدراسية ولم يواصل تعليمه الثانوي والجامعي، حيث انصرف لمزاولة بعض الأعمال التجارية مع والده قبل أن يمتهن الصيدلة فيبرع فيها بشهادة من عاصره من الأطباء مثل : لبيب حسو و محمد علي فاضل و علاء المشاط ووليد الهيتي وآخرون.
-
عمله
-
بالرغم من معيشته المترفة بعض الشي، فقد أحس بالوجع والألم الذي يعانيه المرضى في مدينته، فكان قراره أن فتح صيدلة فيها جعلها نموذجا راقيا متميزا في حينه، فقد كانت رفوفها من الخشب الصاج مرتبة بشكل ينسجم مع طبيعة المهنة ومجهزة بالأجهزة اللازمة لحفظ الأدوية . وكان عليه أن يتعلم الكثير في هذه المهنة وأن يعرف أسماء الأدوية بشكل صحيح لأن الوقوع في الخطأ الطبي جريمة يحاسب عليها القانون، وكان أهلا لذلك فقد تعلم اسرار المهنة وحفظ أسماء الأدوية ولم يرتكب أي خطأ في خلال مسيرته العملية التي امتدت ثلاثة وعشرين عاما.
-
لقد كان عليه أن يوفر الدواء مهما كلفه ذلك من جهد ومال، لأن أهل مدينته وضعوا ثقتهم به وهم ليسوا على استعداد لأن يتقبلوا أي تبرير بعدم توفر الدواء الذي يصفه لهم الطبيب الوحيد في المدينة ولا يوفره لهم الحاج بديوي. فلا عذر له أمام من حمل ورقة الوصفة الطبية وجاء اليه ولم يجد الدواء عنده، وكيف يستطيع أن يقول لأحدهم بأن الدواء غير متوفر وهو لا يعرف أن يلقي بعواقب الأمور على الغير، ومن الذين لا يمكن لهم أن يتنصلوا من واجاباتهم؟ لقد كان عليه أن يوفر الدواء وأن يجهزه (عند الطلب) نهارا و ليلا وهذا ما وضعه بحالة طوارئ من أجل تلبية الطلبات بسبب عدم وجود من يعاونه بعمله هذا.
-
لم يكن هدفه، ولم تكن غايته من فتح الصيدلية الربح المادي، فهو ليس بحاجة الى ذلك، كما أنه كثيرا ما كان يًعطي الدواء مجانا لمن ليست لديه القدرة على دفع ثمنها ، وفي أحيان كثيرة كان يبيع الدواء بالآجل وقد مسك بذلك سجلا ربما لم تسدد الكثير من الديون التي به حتى بعد اغلاق الصيدلية. ومع هذا فقد كان عونا للموظفين وبالأخص منهم المعلمين حيث كان يدفع رواتب المحتاجين منهم مقدما على أن يعيدوها له عند استلام الرواتب.
-
اقولها وربما سيقولها معي من عاصره ومن ذهب اليه طالبا للعلاج بأن ترحيبه وابتسامته الدائمة وحركته المحببة حين يلاقي زواره تكون نصف العلاج؛ فلقد كان مجرد اللقاء به دواءً وعلاجا.
-
لقد كان بسيطا في ملبسه زاهدا في أناقته مكتفيا بكوفيته وعقاله، و(دشداشته) البيضاء كقلبه، وكان متميزا في مشيته متواضعا لا يرفع رأسه إلا حين يلُقي التحية على من هُم في طريقه، مع ابتسامته المعهودة التي لم يتخلَ عنها في يوم من الأيام، وكان نبيلا في تعامله مع الفلاحين الذين عملوا في أراضيه وبساتينه. كما كان كريما محبا للخير لم يبخل على من طلب منه العون والمساعدة، ولن أكون مبالغا بحقه إذا ما قلت بأنه ممن ينطبق عليهم قول الشاعر زهير بن ابي سلمى:
-
تراه إذا مـــا جئتَــــهُ متهلـلاً
كأنك تُعطيه الذي أنتَ سائُله
-
لقد كان واعيا لمجريات الحياة، مدركا أن جيله غير جيل أبنائه، فأعطى لهم الحق في أن يعملوا ويفكروا بما يعتقدونه صحيحا، فاختاروا ما يتفق مع وعيهم من أفكار تحقق اهداف الكادحين والفقراء فدفع ثمن ذلك استشهاد اثنين من أبنائه هما ابنه البكر (نافع) وشقيقه(باسم) ودفع الآخرون رافع وخاشع وبديع وأحمد وخالد الثمن مطاردات واعتقالات، ولكنها لم ولن تثنيهم عن تحقيق الأهداف والغايات النبيلة التي ورثوها عن ابيهم.
-
توفي في هيت في عام 2009، رحم الله أبا نافع الذي كان نافعا للناس وسيظل أبناؤه من بعده نافعين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القط لاري حارس مكتب رئيس الوزراء في بريطانيا • فرانس 24


.. رئيس الوزراء البريطاني الجديد يبدأ زيارة إلى أجزاء المملكة ا




.. وجه فرنسا يتغير.. زلزال سياسي بعد اقتراب أقصى اليمين من الحك


.. هل يعاني نجوم إنجلترا مع ساوثغيت؟ ولماذا انهار الأتراك في ال




.. حزن يخيم على عائلة مقدسية أثناء هدم الاحتلال منزلهم