الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرماة العشرة ... قصة قصيرة

صلاح زنكنه

2015 / 11 / 5
الادب والفن


دعاني صديقي الرسام الى معرض تشكيلي جديد اقامته فنانة شابة وصفها بالموهوبة جدا وذات حس مأساوي
وما ان دخلت واياه قاعة العرض حتى شعرت شعورا غريبا وكأنني قد شاهدت هذه اللوحات من قبل او شاركت في رسمها وهي تتوهج في ذاكرتي
لوحات ذات ثيمة مشتركةوكأنها لوحة واحدة بزوايا مختلفة وتنويعات عديدة
ثمة رجل امام فرقة اعدامات تارة يستغيث وتارة يصرخ وتارة يتحدى وتسعة رجال يصوبون بنادقهم الافاعي نحو رجل على هيئة شجرة نحو سرب طيور نحو غزالات مذعورة نحو جبل وقرية وبيت وفي كل اللوحات دائما تسعة جنود تسعة أقنعة خمسة بروكا واربعة وقوفا
يطلقون الرصاص صوب المسيح صوب الأرانب والقبج والفراشات صوب الأججنة في الأرحام
أنتابني أحساس من الشجن واللوعة والأسى وأنا أتأمل اللوحات بألوانها القاتمة التي تشي بالمرارة والفقدان والموت
وراحت ذاكرتي تسترجع كشريط سينمي المشهد المروع والبشع الذي شهدته أثناء خدمتي العسكرية في القاطع الشمالي يوم ابلغ آمر اللواء آمر الفوج الذي ابلغ آمر السرية الذي ابلغ آمر الفصيل الذي ابلغني بالحصور فورا بالعدة ةالعتاد
ذهبت الى مقر السربة وهناك صرنا ثلاثة جنود بتجهيزاتنا الكاملة حسب الأوامر وتوجهنا الى مقر الفوج ومن الفوج انطلقنا خمسة جنود الى مقر اللواء وفي اللواء اكتمل عددنا عشرة رماة الرماة العشرة الأوائل كما كانوا يسموننا
أجتمع بنا آمر اللواء وقال
صعدنا الى سيارة الأيفا العسكرية ذات الجادر الخاكي وانطلقت بنا الى حيث الواجب الوطني وبعد ان قطعت بنا مسافة جدطويلة توقفت وترجلنا منها الواحد تلو الاخر ورأينا على بعد امتار منا سيارة واز قيادة وسيارة اسعاف وضابط برتبة نقيب ضخم الجثة يرتدي بدلة قوات خاصة مرقطة واثنين من الانضباط العسكري ورجل دين يعتمر عمامة خضراء ويحمل قرآنا في يمينه وثمة وتد مغروز في الارض وثمة ريح وثمة رهبة وثمة توجسات
قال النائب الضابط الذي رافقنا من اللواء قفوا هنا ولا تتحركوا وقفنا ولم نتحرك كنا نرقب ونترقب
ادى النائب الضابط التحية لضابط القوات الخاصة قال الضابط _
_هل انتم جاهزون ؟
قال النائب الضابط _جاهزون سيدي
أومأ الضابط للانضباط _أنزلوه
أنزلا الانضباطان رجلا في الثلاثين من العمر معصوب العينين موثق اليدين واوثقاه الى الوتد وهو يردد بشجن ثمة اسماء ....شيماء ...شيرن .....شيلان ....أحبكم
قال احدنا _هذه اسماء بناته .. قال ىلااخر _خطية
امرنا النائب الضابط زاجرا _أنه
صمتنا وراح الضابط قوات خاصة يقرأ بعض الفقرات من السجل الذي بين يديه
بناء على ...استنادا الى .....وفق المادة ....حسب الفقرة ....حكمت المحكمة العسكرية الخاصة بالاعدام رميا بالرصاص على الخائن الجبان بشار عبدالله بشار لتعاونه مع العصاة المخربين
شيماء شيرين شيلان احبكم
واعتمادا على كتاب قيادة الفرقة المرقم ....والمؤرخ ....والمعطوف على كتاب قيادة الفيلق المرقم...والمؤرخ....وتنفيذا لكتاب الاستخبارات العسكرية للمنطقة الشمالية المرقم والمؤرخ ووفق الصلاحيات المخولة لنا تقرر اعدام الخائن الجبان النقيب بشار عبدالله بشار .......شيماء......رميا بالرصاص ....شيرين ...في الساعة .....شيلان ....من اليوم ..من الشهر...من السنة...احبكم
وبعد ان تلى الرجل المعمم بعض الآيات توجه النائب الضابط نحونا واوعز _استعد استعددنا تنكب سلاح تنكبنا ثم اشار الى خمسة منا بالتقدم خطوتين تقدموا خطوتين
_أبرك بركوا ..صوب ..صوبوا ..انا فقط لم اصوب صرخ بي صوب سلمان ..ولم اصوب
تقدم الضابط قوات خاصة نحوي وقف قبالتي وكلمني
_ ما بك؟أنت ترتعش؟ هل انت خائف؟
قلت _لا أستطيع ان اقتل
قال_لكنك لا تقتل وانما تؤدي واجبا
قلت_لااستطيع
صفعني بكفه الكبيرة الخشنة واسقطني ارضا وراح يدوسني ببسطاله وشتمني
جبان متخاذل جبان ثم نادى على الانضباط
-خذوه وارموه في السيارة جبان متخاذل
وضعوني في حوض السيارة ووضعت رأسي بين ذراعي ورحت ابكي بحرقة واسى وصوت النائب الضابط يرن رنينا صاخبا في أذني
صوب... تأهب....واحد... اثنان ..أرم
انهمر الرصاص واخترق الجسد المشدود على الوتد واختلط دوي الاطلاقات مع صدى كلمات الرجل ش.. ما.. لا... ن ..وخيم الصمت رفعت راسي ودعوت الله ان يكون هذا حلما كابوسا بيد انني رأيت النقيب قوات خاصة يقف بالقرب من الرجل المجندل شاهرا مسدسه واطلق اطلاقة على رأسه حينذاك لم اعد ارى لم اعد اسمع لم اعد أعي اي شىء اي شىء
وبقيت لاكثر من شهر محجوزا في سجن استخبارات الفرقة بتهمة عدم تنفيذ الأوامر حتى جاءني ملازم شاب واخبرني ان اجمع أغراضي لغرض اطلاق سراحي وحدثني بلهجة ودية _انا متعاطف معك انت رجل شهم قالوا انك شاعر
قلت_انا اكتب الشعر
قال_الشعراء رقيقون رومانسيون لا يصلحون للحياة العسكرية ....ثم استدرك_الحق معك كان الرجل بريئا
سألته _اي رجل تقصد؟
قال_النقيب بشار
قلت _ولماذا اعدموه ؟
قال _ثمة خطأ وشاية تقرير كاذب ........................................................................................................................................................................................
_هل أعجبتك اللوحات؟ا
كنت صافنا ساهما أتأمل اللوحات وأستذكر تفاصيل مشهد الاعدام حين سألني صديقي الرسام فسألته بدوري عن أسم الرسامة
_أسمها شيرين بشار تعال اعرفك بها
وسحبني من ذراعي وقدمني لها
_هذا صديقي الشاعر سلمان
وقبل ات تتفوه سالتها
_هل أنت أبنة النقيب بشار عبدالله ؟
أجابت بدهشة
_أجل كيف عرفت ؟
قلت _أنا الرامي العاشر الذي أختفى من لوحاتك
شهقت _يا آلاهي لقد حدثوني عنك كثيرا
وثمة دموع رقراقة تلألأت في عينيها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قصة جميلة
جمال حكمت عبيد ( 2015 / 11 / 15 - 18:23 )
تحية اعجاب.. نص جميل بسيط لكنه عميق في صورته

اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان فضيل يتحدث عن جديد أعماله في صباح العر


.. الجزائر تقرر توسيع تدريس اللغة الإنجليزية إلى الصف الخامس ال




.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا