الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة الشتاء والصيف ودوَامة العراق.

جعفر المهاجر

2015 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


رحلة الشتاء والصيف ودوَامة العراق.
جعفر المهاجر.
من واجب أية حكومة في العالم أن تسارع لدفع الأذى عن شعبها إذا تعرض لكارثة عامة كالفيضانات والزلازل والحرائق وغيرها من الكوارث التي تتعرض لها الشعوب. فما بال حكومة تدعي إنها منبثقة من الشعب وجاءت لخدمته.؟إن حكومة كهذه إذا أرادت أن تثبت مصداقيتها على صعيد الواقع لابد للشعب أن يلمس هذه المصداقية من خلال مضاعفة جهودها لحل مشاكل الوطن المتراكمة منذ عقود لتكون بمستوى المسؤولية والعهود التي قطعتها على نفسها.
وفي العراق الجديد توالت على الحكم خمس حكومات تجاوز عمرها أكثر من أثني عشر عاما بعد سقوط الصنم وكل حكومة حين تتكامل ويستلم أفرادها مسؤولياتهم يبدأون بلعن الحكومة السابقة ويرمون على كاهلها كل التراكمات التي ورثوها منها. وقد سمع الشعب خلال هذه الفترة الطويلة وفي عصر التكنولوجيا والتقدم العلمي أطنانا من وعود هذه الحكومات التي أطلق أفرادها الكثيرمن الوعود الخاوية التي لم تنتج غيرالآهات والدموع والآلام وهو يرى الشوارع البائسة والمليئة بالحفر والمطبات داخل المدن وخارجها ، وأكوام القمامة المتراكمة في كل مكان ، وانتشار الأمراض ، والبيئة الملوثة ، وتدهور المؤسسات الصحية وانقطاعات الكهرباء، وطفح المياه الثقيلة،وانعدام الماء الصالح للشرب في الكثير من مدن العراق وقصباته ، وتدهور الزراعة والصناعة والعملية ألتربوية وانتشار المحسوبية والمنسوبية في مفاصل الدولة على أساس الإنتماء الحزبي وغيرها من الأمور السلبية الكثيرة التي نخرت هيكل الدولة العراقية ، وظلت ماثلة للعيان في كل أنحاء العراق ولا تحتاج إلى دليل وجهد جهيد لمعرفتها رغم الموازنات الضخمة التي تخصص للخدمات في بداية كل عام بعد أن رأى المواطن العراقي بأم عينيه ذلك العدد الهائل من الصور واللافتات والجداريات التي رفعها كل من يطمح للوصول إلى الحكم على حساب الشعب ، وكيف كان يطلق صوته الجهوري في الفضائيات بأنه سخر نفسه وحياته لإنقاذ الشعب العراقي من محنته . وقد صرفت مبالغ كبيرة على هذه الدعايات الإنتخابية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات لو صرفت بأمانة على بعض الجوانب الخدمية لتغير وضع الخدمات السيئ إلى وضع أفضل بعد المعاناة الطويلة للشعب. لكن تلك الأموال المهدورة والوعود التي صاحبتها ذهبت مع أدراج الرياح ولم يجن الشعب من الشوك العنب .
ومرت السنين ثقيلة كئيبة يتخللها خيبة الأمل والإحباط التي رافقت نفس المواطن العراقي المتعب والمقهور حين كان يلمس ويشاهد على الأرض بكل وضوح وجلاء إن الأمور تسير نحو الأسوأ وإن من تولى المسؤولية أشخاص لايملكون الكفاءة ولا الخبرة في المجالات التي تسلموها على أساس المحاصصة التي أطلقوا عليها ظلما إسم (الديمقراطية التوافقية ) ولم تكن إلا بدعة إبتدعوها للوصول إلى غاياتهم الشخصية البعيدة عن هموم الشعب ومعاناته. ولم تكن لدى هؤلاء المسؤولين الشجاعة ليقولوا لشعبهم الذي أنتخبهم شكرا لك ياشعبنا إننا وجدنا أنفسنا دون مستوى المسؤولية التي كلفتنا بها وقد آن الأوان لكي نعترف بالحقيقة ونستريح ليحضوا باحترام شعبهم. بل كان أحدهم يكابر ويملك لسانا طويلا وحادا يستخدمه لقلب الحقائق. فركبوا رؤوسهم، وأخذتهم العزة بالإثم ، وتباهوا بقدراتهم الفائقة على التغيير لكي يبقوا في السلطة بأي ثمن بعد أن امتلأت جيوبهم من السحت الحرام، ولم يشبعوا من ذلك إلى اليوم الذي يقطع الله فيه أنفاسهم. وكأن الواقع المرير يقول لهم كفاكم نهبا أيها المسؤولون . ومن حق المواطن أن يطلق على هذه الطبقة الطفيلية من الحكام إسم دعاة الشعارات الخاوية بعد أن نهبت أموال العراق عن طريق حيتان الفساد المتغلغلة في السلطة، وتدهور حال البلد إلى أدنى حد وآستغلت داعش حالة التدهور والإنهيار وتلك الصراعات وتفشي الفساد فاحتلت ثلث مساحة العراق. وظلت البنية التحتية لهذا البلد الحضاري في أسوأ حالتها دون أن يمتد يد الإصلاح إليها في الوقت الذي وصل سعر البرميل الواحد من النفط الخام إلى 120 دولارا وخصصت موازنات ضخمة تقدر بـ 120 مليار دولار لكن حال العراق لم يتحسن في جميع المجالات نتيجة حكومات المحاصصة الطائفية والحزبية التي غزت كل مفصل من مفاصل الدولة وشملت فضائية الحكومة وصحفها التي تسارع إلى مصادرة أي مقال يعالج جانبا من مشاكل العراق مهما كانت جودته إذا لم يكن صاحبه متنفذا ومنتميا لحزب السلطة حتى إذا كان ركيكا مليئا بالأخطاء النحوية والإملائية . ووصلت المحاصصة إلى المؤسسات الثقافية ومجالات الرياضة وأخذ المراقبون السياسيون والإقتصاديون يضربون المثل بهذه المحاصصة التي أدت إلى إستشراء الفساد والفشل على نطاق واسع في مؤسسات الدولة العراقية.
ومع تصاعد الصراعات حول المكاسب والإمتيازات التي يسعى إليها هؤلاء الحكام الذين ينتمون إلى هذه الأحزاب والكتل التي قسمت العراق فيما بينها وسببت تدهور البنية التحتية إلى حد مخيف ، وسفك الإرهابيون القتلة أنهارا من دماء الأبرياء وهدمت آلاف البيوت والمراكز والمساجد والأسواق ولم يكن باستطاعة الحكومة الغارقة في توزيع الحصص على أفرادها وقف نزيف الدم المستمر، وظل نواب المناطق الغربية التي استباحت داعش مناطقهم يلقون الخطب الرنانة في مجلسهم لطردها، وحينما يعقد أيتام النظام الصدامي المقبور مؤتمرا تآمريا في الدوحة أو عمان أو إستانبول يسارعون كلمح البصر للإشتراك بها وبث شكواهم لرفاقهم ثم يرجعون إلى مواقعهم ليذرفوا دموع التماسيح على العراق. والحكومة تتفرج وكأن الأمر لايعنيها. وآحتدم غليان الغضب وطال أمد الصبر في نفوس الملايين التواقة إلى حياة أفضل بعد أن أغلق المسؤولون آذانهم ، وأغمضوا عيونهم عن الواقع المرير الذي ألم بالشعب العراقي وخاصة الطبقات الفقيرة والمحرومة منه ومنهم صغار الموظفين والكسبة. وعاش الشعب العراقي رحلتين رئيسيتين طويلتين من العذاب الذي يتعدى طاقة البشر دامت طوال هذه السنين العجاف. وما زالتا مستمرتين أولها رحلة العذاب الصيفية التي عنوانها الكهرباء والثانية رحلة العذاب الشتوية التي عنوانها فيضانات الأمطار. فمع تزايد درجات الحرارة التي وصلت الى أكثر من 50 درجة مئوية ظل الشعب يحترق تحت وطأتها في بداية كل صيف وخاصة المرضى والأطفال والشيوخ الذين ذهب الكثير منهم ضحية الحر اللاهب بعد أن وصل معدل تجهيز الطاقة ساعتان في اليوم في أكثر مناطق العراق والمواطن المغلوب على أمره لايعلم أين ذهبت أموال تلك المبالغ الضخمة المخصصة للكهرباء حيث كشف طارق صديق عضو لجنة النفط والطاقة البرلمانية إن 45 مليار دولار صرفت على الكهرباء خلال السنوات العشر الماضية وكشفت النائبة البرلمانية السابقة سوزان السعد إن الأموال التي صرفت على الكهرباء في العراق منذ عشر سنوات تعادل عشرة أضعاف ميزانية البحرين والكويت والإمارات وهي تكفي لشراء أصول شركة (جنرال إلكتريك) الضخمة بكل فروعها وخطوطها الإنتاجية. واكد العديد من الخبراء والمختصين إن المبالغ الخيالية التي صرفت على الكهرباء في العراق تدل دلالة قاطعة على وجود فساد مالي كبير في وزارة الكهرباء ادت الى هدر مليارات الدولارات، وطالبوا هيئة النزاهة والحكومة والبرلمان بتشكيل لجنة تحقيقية عليا لمعرفة أين ذهبت كل تلك الاموال.؟ وإلى متى ستظل أموال الشعب العراقي عرضة للسرقة من قبل أفراد في هذه الحكومات أصبحوا أقوى من الحكومة نفسها بما آمتلكوا من نفوذ ؟ لكن المسؤولين عن هذا القطاع ظلوا يكابرون ويتفاخرون غير مبالين ولا هيابين من غضب الحليم.
والحقيقة المرة تقول إن الحكومات التي تشكلت على اساس حزبي وطائفي، وغياب المهنية والكفاءة لدى المسؤولين، وضعف المراقبة والحساب لابد أن تكون نتيجتها الضعف المستمر في أجساد هذه الحكومات الذي ادى الى خلق الازمات على جميع المستويات ومن ضمنها التدهور الذي لايبدو له نهاية في الطاقة الكهربائية بعد أن بان زيف من آدعى إن العراق سيقوم بتصدير الفائض منها الى دول الجوار في نهاية.
وحين نكرر مطالبتنا المستمرة بمحاسبة المقصرين ورغم جفاف الحبر في أقلامنا لكثرة ماكتبنا وما كتب غيرنا عن الكهرباء ومآسيها في العراق . ومعرفتنا التامة أن لاحياة لمن تنادي من قبل هذه الحكومات إلا إن حبنا لوطننا ومقدار الألم الذي يعتصر قلوبنا هو الذي يدفعنا للكتابة عن أوضاع وطننا المأساوية التي سببتها هذه الحكومات المتعاقبة.
أما رحلة الشتاء فهي مع مياه الأمطار التي أغرقت مساحات واسعة من دور المواطنين في مدن وشوارع العاصمة التي تحولت إلى كابوس مرعب بعد أن دمرت هذه المياه البيوت الطينية البسيطة التي كان يأوي إليها فقراء العراق، وجرفت مخيمات اللاجئين ، وأغرقتها بالأوحال والمياه الملوثة الآسنة ، فنام في هذه الأوحال وعلى الأرصفة الآلاف من البشر ألبؤساء وتشرد من تشرد منهم مرة أخرى أمام مرأى الحكومة العراقية بعد أن فشلت لجنة اللاجئين في عملها وأسدل الستار عن استجواب رئيسها المقصر في البرلمان من قبل رفاقه في الفساد لتضاف أعدادا أخرى من اللاجئين والمشردين في وطنهم .وظهر التقصير الواضح من قبل السلطات المعنية بعد أن سمع المواطن وعودا كثيرة من المسؤولين بأنهم قد أعدوا العدة لموسم الأمطار قبل شهرين من حدوثها ، وقاموا بإصلاح التخسفات والإنسدادات في المجاري العامة. لكن ماجرى على أرض الواقع كان غير ذلك تماما وأثبت فشلهم وأكاذيبهم الكثيرة التي أخذت تزكم الأنوف. فأين يلجأ الناس التي أصابتهم هذه الكوارث في ظل حكومة ضعيفة مهزوزة رئيسها مقيد اليدين ولايشعر الكثير من أفرادها بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية نحو شعبهم.
لقد كتب العديد من الكتاب الوطنيين الذين يهمهم إستقرار العراق وآحتلال موقعه اللائق بين دول العالم عن السرقات والتقصير والإهمال وعدم الكفاءة والصراعات المستمرة التي ألحقت أفدح الأضرار بالشعب العراقي وكان قصدهم هو تشخيص مكمن الخلل وليس غير ذلك وكنت أحدهم لأنني أرى من واجب المسؤول أن لايبقى متقوقعا في مكتبه لأنه جاء الى المنصب عن طريق الشعب وعليه أن يكون خادما لشعبه وليس متعاليا عليه ينظر إليه من برجه العاجي بعيدا عن همومه وأوجاعه. وأن لايستمر في المسؤولية إذا رأى نفسه عاجزا عن القيام بها وإلا سيذهب غير مأسوف عليه وسيحكم عليه التأريخ والناس بالفشل في مهمته الأخلاقية والوطنية. وكل هذا لم يحدث. وكان المواطن العراقي يأمل من رئيس الحكومة أن يسعى فورا إلى تشكيل حكومة من المستقلين التكنوقراط، وكشف المفسدين على حقيقتهم بعد أن حصل على تفويض مطلق من المرجعية والشعب.لكن دعوات الإصلاح التي بشرت بها حكمة الدكتور حيدر العبادي عبارة عن زوبعة في فنجان ، وبدلا من إصلاحات جذرية طالب بها الشعب والمرجعية الدينية أصدرت الحكومة مايسمى قانون سلم الرواتب لتطارد الموظفين الصغار في لقمة عيشهم.!!! ومن الطبيعي أن تعجز هكذا حكومة يعيش رئيس وزرائها في قفص حديدي ويلجأ إلى الحلول الترقيعية ، ويقول له المفسدون الكبار إياك أن تخرج من هذا القفص بعد أن أصدر مجلس النواب العتيد أخيرا قرارا يقيد فيه المفسدون رئيس الوزراء تقييدا تاما بعد أن أيد في البداية الأمر قراراته الإصلاحية نتيجة للضغط الشعبي والمظاهرات التي خرجت تطالب بالإصلاح.
وحين نرى هؤلاء النواب المفسدون ينتقلون من فضائية إلى أخرى وهم يتفاخرون بوطنيتهم الملتهبة التي وصل صيتها إلى آخر بقعة في العالم نقول كان الله في عون الشعب العراقي من هذه النفوس التي جبلت على التسويف والإزدواجية وقلب الحقائق التي لم تعد تنطلي على الشعب الثائر على هذه الأوضاع لو استمرت هذه الدوامة على حالها.بعد أن ذاق الأمرين من حكومات لم يكن باستطاعتها أن تخطو خطوة واحدة نحو الأمام لإنقاذ العراق من محنته.
جعفر المهاجر.
5/11/2015م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نزوح 300 ألف من رفح.. واشتباكات ضارية بين القوات الإسرائيلية


.. لا تنسيق مع إسرائيل بمعبر رفح.. القاهرة تعتبر اتفاقية السلام




.. السير نحو المجهول.. مأساة تهجير جديدة تنتظر نازحي رفح الفلسط


.. الخلافات تشعل إسرائيل..غضب داخل الجيش الإسرائيلي من نتنياهو




.. موكب أمني لحماية المغنية الإسرائيلية -إيدن جولان-.. والسبب -