الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للضرورة أحكامها اليوم في مصر...

طارق المهدوي

2015 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية





اقتضت طبيعة عملي الدبلوماسي السابق في مجالات الإعلام والاستعلام والمعلومات والتقديرات السياسية الخارجية تفاعلي الإيجابي الودي مع العديد من نظرائي الممثلين لمختلف بلدان العالم بما فيها تلك التي كانت بينها وبين مصر خصومة آنذاك، باستثناء وحيد هو إسرائيل كطلبي الشخصي الذي تسبب في حرماني من السفر إلى العواصم والمحافل الدولية ذات الوجود الإسرائيلي المباشر، ولعل نظرائي السابقين من الدبلوماسيين الممثلين لمختلف بلدان العالم الصديقة وغير الصديقة يذكرون نصائحي لهم أثناء جلساتنا المطولة حول أهمية نقلهم لكل المعلومات الصحيحة بكافة تقديراتها من جميع زواياها إلى الجهات المعنية بها فعلاً في بلدانهم خلال أقل وقت ممكن، مهما كان محتواها أو موقف الناقل أو رد فعل المتلقي تجاهها ليس فقط كالتزام مهني تخصصي بقاعدة علمية عامة وقيمة أخلاقية عميقة ولكن أيضاً كوسيلة عملية براجماتية لاستصدار قرارات جزئية تحمي مصالح شعوبهم القطرية ولكنها في مجموعها تحقق المصالح العليا للإنسانية، ولعل هؤلاء النظراء يذكرون أيضاً مدى صعوبة نقل معلوماتي بتقديراتها إلى "القاهرة" آنذاك نظراً لما كان المحيطون بالقيادات المصرية العليا يحملونه من كراهية شديدة لتدفق المعلومات والتقديرات في الاتجاهين بحرية خارجة عن سيطرتهم، لاسيما عقب فترة زمنية طويلة احتكر فيها أولئك المحيطون بالقيادات كل المعلومات والتقديرات فأساءوا استغلالها ضمن سياقات أخرى إما لتحصيل مكاسب مالية غير مشروعة أو لترجيح اتجاهات سياسية غير واقعية، ورغم أن معلوماتي السياسية بتقديراتها كانت قد عرقلت لعدة أعوام خطط أولئك المحيطين بالقيادات والرامية إلى تسللهم وانتشارهم سراً داخل الأروقة ثم تغلغلهم وتسلقهم تدريجياً حتى يتم تمكينهم من سحب البساط وصولاً لانقلابهم، إلا أنهم نجحوا مؤخراً في احتلال صدارة الصفوف الأولى ليشكلوا جيلاً جديداً من القيادات العليا في الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية، ثم سرعان ما انقسموا إلى فريقين متنازعين فيما بينهما حول توزيع السلطات والغنائم السابق لهما انتزاعها مجتمعين أو منفصلين من الشعب المصري صاحبها الحقيقي عبر ممارسات الفساد والاستبداد والتبعية للفريقين، وهما فريق الأجهزة العسكرية والسيادية والأمنية الحاكمة بتوابعها الانتهازيين والمنافقين من البيروقراطيين والتكنوقراطيين والثيوقراطيين وفريق التنظيمات الجهادية والإخوانية والسلفية المعارضة بتوابعها المتطرفين والإرهابيين، دون أن يفوت الفريقان معاقبتي شخصياً على سابق عرقلة معلوماتي وتقديراتي لخططهما الانقلابية السابقة عبر كافة المحاور العقابية التي شملت فيما شملته بعض المحاولات الفاشلة للتصفية والتقييد وعدة محاولات ناجحة للإنهاك والتشتيت، مع استمرار محاولاتهما الدائمة لتأمين خططهما المستقبلية السرية بمحاصرة وتطويق جميع المعلومات والتقديرات ذات الصلة سواء صدرت عني أو عن أمثالي حتى لو كانت تتضمن نصائح مفيدة لهما، بما أنتجه انتقامهما العبثي المتمثل في عدم الالتفات إلى المعلومات والتقديرات والنصائح المفيدة من مواصلة الانهيار العشوائي لكافة وظائف وأبنية الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية على نحو متسارع، يمكن أن يؤدي ما لم تحدث مفاجآت إيجابية سريعة إلى غرق السفينة المصرية بالفريقين معاً وبنا أجمعين في غضون الأسابيع القليلة القادمة، ولما كان بعض "نظرائي" السابقين الذين استفادوا من نصائحي أصبحوا الآن يحكمون بلدانهم التي أصبحت الآن بالنسبة للفريقين المتنازعين إما محل ثقة أو محل احتياج أو محل نفاق، فقد يكون مفيداً أن ينقل هؤلاء "النظراء" القدامى إلى أصدقائهم الجدد في الفريقين نصيحة عاجلة ممن يعلمون قيمة معلوماته وتقديراته مفادها أنه مازال يمكن تحاشي غرق السفينة "مؤقتاً" بالانحياز إلى أحد اختيارين لا ثالث لهما وهما:ــ
1) أن يعيد الفريق الحاكم إلى جميع المدنيين المصريين الحقيقيين من شيوعيين وليبراليين وقوميين وأنصارهم حرياتهم المقيدة وحقوقهم المسلوبة ومصالحهم المعطلة وقبل ذلك كله يتوقف عن قتلهم، ليس فقط لإظهار جدية ادعاءاته الخاصة بحرصه على إقامة دولة مدنية ولكن أيضاً ليستخدمهم كظهير سياسي وجماهيري الأمر الذي يسمح باستمرار طفو السفينة مع توقفها عن أية حركة في أي اتجاه دون أن تغرق.
2) أن يقبل الفريقان المتنازعان بإعادة توزيع حصص السلطات والغنائم السابق انتزاعها من الشعب المصري فيما بينهما على نحو منظم ومبرمج وممنهج يكفل عودة الفريق الإسلامي إلى سابق عهده كظهير سياسي وجماهيري لفريق الأجهزة، الأمر الذي يسمح باستمرار طفو السفينة مع تحركها للخلف دون أن تغرق لاسيماً وأن الشعب الغائب عن ذلك التوزيع لا تهمه حصص الفريقين بقدر ما تهمه استعادته لكل ما سبق أن انتزعاه منه.
ورغم بؤس هذين الاختيارين فإنني أنصح بهما على ضوء المتاح أمامي من معلومات وتقديرات أكثر بؤساً لطبيعة المرحلتين الراهنة والمقبلة في مصر، باعتبارهما البديلان الوحيدان لتأجيل غرق السفينة الوشيك ولو إلى حين ربما يستطيع المدنيون خلاله لملمة صفوفهم وقيادة السفينة المصرية نحو الأمام، ومع إدراكي لأن نصيحتي لا تنسجم ظاهرياً مع تاريخي الوطني الديمقراطي بأعماقه الاجتماعية سواء لطابعها العملي البراجماتي أو لتمريرها عبر قنوات غير مصرية أو لاستفادة الخصوم الأشرار منها، فإنني باعتباري أحد الرهائن المحشورين قهراً داخل جوف السفينة التي توشك خلال أسابيع قليلة على الغرق في قاع بحر الظلمات بمتاهاته الكابوسية أدركُ أيضاً أن للضرورة أحكام!!.
طارق المهدوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيلين ديون تكشف عن صراعها من أجل الحياة في وثائقي مؤثر


.. -هراء عبثي-.. شاهد رد فعل مؤرخ أمريكي على الديمقراطيين الذين




.. نيويورك تايمز: تجاهل البيت الأبيض لعمر الرئيس بايدن أثار الج


.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مسعود بزشكيان




.. بزشكيان يحصل على 42 % من أصوات الناخبين بينما حصل جليلي على