الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة المعونة الأمريكية للسودان - وجب دق ناقوس الخطر

نجاة طلحة
(Najat Talha)

2015 / 11 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عودة المعونة الأمريكية
وجب دق ناقوس الخطر
"مشاورات بين نظام البشير وواشنطن لإعادة برنامج المعونة الأمريكية للسودان بصورة شاملة" هو خبر صادم ويحمل أكثر من دلالة تستوجب المواجهة والتصدي. طلب الحكومة من واشنطن إعادة برنامج المعونة الأمريكية بصورة شاملة لا يعني سوى فتح مجال البلد كاملاً أمام المخابرات الأمريكية، فبرنامج هذه المعونة سيئة الصيت معروف بأنه زراع المخابرات الأمريكية الطولى وغطاء عملياتها في بلدان العالم الثالث. إنها حصان طروادة الذي يتم من خلاله تجنيد العملاء ودعم الحركات المناوئة للأنظمة الوطنية ومحاربة وتقويض أي مد ديمقراطي يستهدف القضاء على الأنظمة الديكتاتورية، ويهدد مصالح الرأسمالية الأمريكية. هذا الدور لعبته وكالات المعونة الأمريكية في أمريكا اللاتينية فكانت هي الداعم الأول لكل الإنقلابات العسكرية التي جرت في المنطقة ثم تقديم المساندة للحكومات التي إنبثقت عن تلك الإنقلابات وضرب أي مقاومة ديمقراطية.
تجربة السودان مع المعونة الأمريكية ليست خافية علي التاريخ، والشعب السوداني يعي تماماً ما يعنيه برنامج المعونة الأمريكية وعياً متفرداً، فقد رفضها في بواكير سنوات إستقلاله مما إضطر جهاز المخابرات الأمريكية أن يدعم الإنقلاب على الديمقراطية، وقد لعب دوراً أساسياً في إنجاح إنقلاب 17 نوفمبر 1958 لتمرير قبول المعونة الأمريكية.
هذا العرض من الحكومة هو مساومة بديهية بوضع البلد تحت تصرف المخابرت الأمريكية ومبادلة السيادة الوطنية برضى الحكومة الأمركية ودعمها وانهاء العقوبات وفك الحظر الاقتصادي بعد أن ضاق الحال بحكومة "الإنقاذ" واستنفذت كل وسائل التسول في المنطقة العربية، وبعد أن باعت كل ما طالته يدها من الأراضي السودانية ثم بيع اللآلاف من أبناء الشعب من الجيش والقاؤهم في أتون الحرب اليمنية مقابل الدعم المالي، والآن تقدم كامل الفضاء السوداني هدية للمخابرات الأمريكية. إذ لم تتردد حكومة "الإنقاذ" المرة تلو الأخرى في عرضها لدعم السياسات الأمركية، لكن دون أي إستجابة من واشنطن، بل إستمرت الأخيرة في وضع السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب وتمديد العقوبات. من الواضح أن "الانقاذ" قد قررت أن ترمي آخر سهامها وتمد عرضها لأقصى مدى ممكن علها تظفر بالرضى الأمريكي. العرض ليس كما يبدو أنه طلب للمساعدة المباشرة عبر المعونة الأمريكية بل هو مساومة واضحة لاعادة السودان لما كان عليه الحال في العهد المايوي كمركز لعمليات المخابرات الأمريكية في المنطقة، تماماً كما كان عليه الحال أيام حكومة نميري، وذلك مقابل إنهاء المقاطعة وفك العزلة الإقتصادية.
لولا الخلاف الذي وسم العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها من منظمات الإسلام السياسي في الفترة الماضية لكان النظام الديكتاتوري في السودان يتقدم صفوف العمالة للرأسمالية الامريكية فهو يفوق كل الديكتاتوريات في وضع أولويات زبانيته في المقدمة، وعدم إكتراثه بمصالح البلد والشعب.
هذا النظام لم يتوانى في االتنكر لحلفائه وبيعهم بما تيسر ليضمن بقائه. فبعد تشدقه بقيادة الجهاد تحول الموقف 180 درجة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، من الهجوم المحموم علي أمريكا، على شاكلة أمريكا قد دنى عذابها، الي حليف يتهافت للمساعدة في محاربة الإرهاب. ومن تَصدرالنظام للإسلام السياسي وإعلانه بان الإنقاذ جاءت لإعادة دولة الخلافة الإسلامية، تبدل موقفها رأساً على عقب، وسارعت الحكومة في إبرام إتفاق مع واشنطن لم تُكشف تفاصيله، ولكن أهم ما سُرب منه أن الخرطوم سلمت المخابرات الأمريكية شفاهةً كل ملفاتها الإستخباراتية عن تنظيم القاعدة كما وضعت مطارات البلد وفضاءه تحت تصرف الحكومة الأمريكية. وإعلان النظام الحرب علي حلفاء بل شركاء الأمس القريب.
حكومة الولايات المتحدة لا تريد السودان ديمقراطياً، وليس إدعائها الدفاع عن الديمقراطية سوى فريه تستخدمها الرأسمالية الأمريكية ستاراً لتدخلاتها في بلدان العالم الثالث ونهب ثرواته. وللسودان تجربة واضحة في هذا الصدد في التاريخ القريب. تجاهل الحكومة الأمريكية للمعارضة وعزلها الكامل لها كان واضحاً إبان رعايتها للمحادثات بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية. وما يجدر الاشارة له أن الإتفاق لم يقدم حلاُ مقتصراً علي إنهاء حرب الجنوب، بل كان إتفاقاً شاملاً تضمن نظام الحكم في السودان بما في ذلك دستوراً إنتقالياً وحكومة إنتقالية، فكان من الطبيعي، وبوجود أطراف أخرى في الصراع أن يكون لها مكان في المفاوضات ودور في صياغة الاتفاق وإقراره. تم هذا العزل كي يجيئ الإتفاق مفصلاً حيث لا يتخلله أي مجال للتغيير الحقيقي أوإنتقال البلد لمرحلة ديمقراطية حقيقية. الولايات المتحدة كانت تريد حكومتين ضعيفتين في الشمال والجنوب كي تضمن هذا الموقع الاستراتيجي لنفوذها في أفريقيا ومدخلاً آمناً لمخططاتها في المنطقة. وهي تعي تماماً أن الخلاف بينها والحكام في الخرطوم هو مرحلة طارئة، فأرضية التوجه الرأسمالي هي القاعدة الثابتة في علاقتها مع النظام في الخرطوم ومع الإسلام السياسي عموماً، وقد تنتهي سحابة الصيف هذه بينها وأنظمته ومنظماته حول العالم حيث المصلحة المشتركة هي الفيصل. وهو وقبل كل شيء صنيعتها التي قد تعود للحظيرة في أي لحظة إذا تبدلت الظروف.
تاريخ المعونة الامريكية لا يخفى على أحد وهو وسيلة الرأسملية الامريكية في السبطرة على الشعوب، قد إستخدمته الرأسمالية الأمريكية بالمساعدة من الرأسمالية المحلية في أمريكا اللاتينية، لذلك كان الهدف الأول أمام حركات التحول نحوالإشتراكية في تلك البلدان هو التخلص من برنامج المعونة الأمريكية، أذ أن دوره كاد أن يكون معلناً في ضرب الثورات والإطاحة بالحكومات الثورية وإستبدالها بأنظمة عميلة، ومساندة الأنظمة الديكتاتورية الراعية لمصالح الرأسمالية الأمريكية، والداعمة لجشع الرأسمالية المحلية في الإستئثار بالثروات.
حكومة "الإنقاذ" لا يمكن أن تدعي جهلها بحقيقة المعونة الأمريكية والبينة واضحة وضوح الشمس لأنه لايمكن لهذه الحكومة أن تطلب المعونة من بلد يقاطعها تجاريا ويفرض عليها حظراً إقتصادياُ، وعندما تقاطع الولايات المتحدة بلداً تجاريا وتحظره إقتصاديا فهذا لا يقتصر على التعامل مع القطاعات الإقتصادية والمؤسسات التجارية الامريكية وحدها إنما يمتد ليشمل مناطق النفوذ الأمريكي في العالم وهو يعني وجود إستثنآت قليلة. أهم ما في هذه المقاطعة هو سلطة الولايات المتحدة علي المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فطلب المعونة لا يستقيم عقلاً وموقف الحكومة الأمريكية الواضح من حكومة الخرطوم إذ به قفزة فوق واقع العلاقات بين الحكومتين ولا يحمل سوى معنىً واحداً هو المساومة. لذلك وجب دق ناقوس الخطر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال