الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات التركية،هزيمة المنتصرين

مصطفى بالي

2015 / 11 / 6
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التركية في السابع من حزيران المنصرم،كان واضحا أن المركب التركي يتهادى تحت وطأة عواصف قد تودي به،وينهي دور تركيا البوليسي ضمن منظومة حلف النيتو الذي يدير تركيا فعليا،برداء ديمقراطي وهمي لا علاقة له بحقيقة هذا النظام،وتاريخ (التعددية) منذ تأسيس الجمهورية،ومن ثم انضمام تركيا لحلف النيتو حافل بتجارب تم إجهاضها لمجرد أن نتائجها شكلت خطرا على السكة المرسومة لنظام الدولة في هذا البلد،والانقلابات العسكرية (الحمراء و البيضاء على حد سواء)شاهدة أن لعبة التصويت ما هي سوى ذر للرماد في العيون.
قبل الانتخابات المذكورة كانت هناك حرب إعلامية شعواء بين حزب العدالة و التنمية الذي يقوده السيد رجب طيب أردوغان و بين حليفه التاريخي(ومعلمه)رجل الدين التركي،فتح الله غولان،صاحب النفوذ المالي و الإعلامي الكبير،والذي يتخذ من ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة مقرا لإقامته(وهي مفارقة لكل ذي بصيرة).هذه الحرب كادت أنتودي بالأول،قبل أن ينهي المهمة الموكلة له من قبل الغلاديو(الدولة الخفية)،التي تدير دفة الحكم والمرتبطة مباشرة بحلف النيتو،لكن الملفت هذه المرة ،(ودون أن يلاحظ أحدا ذلك)هو غياب الآلة الإعلامية لغولان و غيابه تماما (وكأنه فص ملح وذاب).
بمجرد إعلان النتائج السابقة و ظهور حزب الشعوب الديمقراطية كقوة برلمانية،أنهت مشروع العدالة و التنمية الطامح لتغيير الدستور في تركيا،ومن ثم التصدع في المؤسسة العسكرية الذي أعقب إعلان الرئيس التركي الحرب على حزب العمال الكردستاني و إنهاء عملية السلام،تحرك الغلاديو الأطلسي لإجهاض تلك الانتخابات و إعادة الأمور إلى نصابها،و التمهيد لانتخابات مبكرة يعيد أردوغان و حزبه إلى سدة الحكم مهما كان الثمن(فالرجل ما زال موضع رهان إدارة الفوضى الخلاقة) ولذلك تم أخذ التدابير الاحتياطية لمنع تشكيل حكومة ائتلافية من خلال اشتراط العدالة و التنمية في مشاوراته مع الأحزاب التركية إجراء التعديل الدستوري كشرط أساسي للدخول في تشكيلة ائتلافية و هو ما تعترض عليه الأحزاب التركية بشدة.

بهدف ضمان عودة العدالة و التنمية إلى سدة الحكم و (بمشيئة الناخب التركي) فقد بدأت الآلة الإعلامية التركية عملها من خلال العزف على الوتر الأمني و الاقتصادي،بالتوازي مع الخطوات التي أعلنتها حكومة تصريف الأعمال و رئاسة الجمهورية،ليكون الإعلام التركي(المعروف عنه بولائه لجهاز الاستخبارات التركية)آلة التجييش الشعبوي ضد مشروع السلام،والتغيير الديمقراطي الذي يقوده السيد عبدالله أوجلان من سجنه الانفرادي في جزيرة إيمرالي،فقد أعلنت الدولة التركية الحرب على الشعب الكردي في المدن التركية فتم محاصرة المدن و البلدات،ومنع المنظمات المهتمة بالسلام أو بحقوق الإنسان من الوصول إلى المناطق الكردية،وتحت غطاء تكتيم إعلامي تم قصف المدن بالأسلحة الثقيلة و تنفيذ عمليات القتل الممنهج و بث الرعب في النفوس من خلال التمثيل بالجثث و سحلها في الشوارع،حيث تناقلت وسائل الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي صور تمثيل الجنود الاتراك بجثمان فتاة كردية،وكذلك مشهد سحل جثة الشاب الكردي في مدينة شرناخ،وبالتوازي كان حزب العمال الكردستاني قد أعلن إنهاء الهدنة و تمسك بحقه في الدفاع عن النفس،فتوالت توابيت الجنود و الضباط الأتراك إلى المدن التركية،وساد جو من عدم الاستقرار في مختلف المدن التركية،بالإضافة لذلك موجة التفجيرات التي استهدفت الحملات الانتخابية لحزب الشعوب الديمقراطية في مختلف المدن التركية،أمام هذا الوضع خرج السيد رجب طيب أردوغان بتصريحه التهديدي للناخب التركي قائلا(لو حصلنا على أربعمئة مقعد في البرلمان لما حدث كل هذا)و كأنه يقول للناخب التركي،في المرة القادة عليك أن تكون حذرا و تمنحنا صوتك،وإلا فانتظر جثمان قريب لك في الجيش،أو انتظر الانهيار الاقتصادي.
إذن و الحال هذه فالانتخابات المبكرة كان الغاية و الهدف منها تجريد حزب الشعوب الديمقراطية من النسبة المتأرجحة من الأصوات التي حصل عليها و ليس بالضرورة تجريده من مجمل جمهوره و قاعدته الشعبية و هو ما نجحت فيه العدالة و التنمية ،والغاية منها هو قطع العامل الزمني لمنع تحول هذه النسبة المتأرجحة إلى جزء أصيل من الكتلة الأساسية الأصيلة لهذا الحزب.
منذ 7 حزيران تفرغ أردوغان و فريقه لدراسة هذه الأصوات التي ذهبت إلى الشعوب الديمقراطية،و وضع الخطة المناسبة لاستعادتها إلى حظيرته.
هذه النسبة المتأرجحة تتميزبالتذبذب و التردد وبناء عليه عمل أردوغان على ثلاث مناحي،الأولى:ضخ الأموال مستغلا طبيعتها الارتزاقية،عن طريق العائلات و العشائر المعروفة تاريخيا بولائها للدولة،الثاني:استخدام لغة التهديد و بث الفوضى في المدن و الأرياف كتطبيق لمقولته إن لم أكن على سدة الحكم فابشروا بالفوضى،و ضمن هذا الإطار تهديد المصالح التجارية .الثالث:دعم تيار مرتبط مباشرة بأردوغان متمثلا بالحزب الديمقراطي الكردستاني ومناصري السيد مسعود البرزاني و إفساح المجال لهم للظهور العلني في الإعلام لرفع شعارات قوموية كردية بالضد تماما من شعارات حزب الشعوب الديمقراطية و إيهام الناخب الكردي القروي بأن هؤلاء لديهم مشروع قومي و تاليا انسحاب هذا التيار من الانتخابات لصالح أردوغان علنا.
في الجانب التركي:خاطب و دغدغ مشاعر القوميين الأتراك مناصري حزب الحركة القومية و تأكيده لهم أنه أكثر قومية من حركتهم من خلال الممارسة العملية وليس في الجانب الشعاراتي،و استمال قسما كبيرا منهم تمثل بـ 39 نائبا،جدير بالذكر أن حزب الحركة القومية حزب قوموي تركي ذو طابع فاشي يدعو علنا للقضاء على الكرد،ودعا زعيمه دولت باخجلي في أكثر من مناسبة إلى محاربة الكرد و رفض مشروع السلام معهم
ولاستمالة هؤلاء القوميين الاتراك أعلن أردوغان الحرب على الكرد و ألغى مشروع السلام و أطلق تصريحات نارية لكي يؤكد لهم أنه أكثر قومية من حركتهم

إجرائيا لجأ حزب العدالة و التنمية و من خلفه مؤسسة الدولة و الاستخبارات إلى مجموعة من الإجراءات لضمان فوز أكيد في الجولة الانتخابية المبكرة من خلال،اعتقال الكوادر النشطة لحزب الشعوب الديمقراطية،وكذلك اعتقال رؤساء البلديات الكردية المنتخبون من الشعب الكردي،وتسخير كل مؤسسات الدولة بما فيها موقع رئاسة الجمهورية(مخالفة الدستور) للدعاية الانتخابية،و منع ظهور مرشحي حزب الشعوب الديمقراطية على وسائل الإعلام الحكومية،بالإضافة لذلك تحريك القومويين الاتراك و تحريضهم للقيام بتظاهرات انتقامية ضد حزب الشعوب الديمقراطية،مما أدى إلى إحراق أكثر من مئة و ثمانون مقرا لهذا الحزب في مختلف المدن التركية ذات الأغلبية التركية،وقبل بدء الانتخابات خرج السيد داوود اوغلو بتصريحه المريب عندما قال(داعش ناكرة للجميل)،مما دعى بالكثير من الأوساط التركية للتساؤل عن الجميل الذي قدمه داوود أوغلو لداعش،وماهية الرد الذي يريده الرجل من داعش

وبنظرة معمقة في الانتخابات التركية و مآلاتها المستقبلية نستطيع القول أن حزب الشعوب الديمقراطية خسر النسبة المتأرجحة للناخب التركي و التي تجلت في 21 مقعدا برلمانيا و لم يخسر المعركة الانتخابية و كسب الرهان كقوة جماهيرية منظمة لا يمكن تجاوزها في تركيا،واستطاع حزب العدالة و التنمية العودة إلى سدة الحكم كترجيح لحلف النيتو الذي يبدو أنه يرجح خيارات الحرب في مستقبل تركيا و لليس خيارات السلام و التحول الديمقراطي،وهو ما ستكشف عنه قادمات الأيام من خلال الدعوة المبكرة للتعديل الدستوري التي وجهها السيد داوود أوغلو إلى الأحزاب،وهذا التعديل باعتقادي ستكون بداية فتح نافورة الدم في تركيا و نقطة الصفر لحرب لا تبق و لا تذر.
بالنتيجة،حزب العدالة و التنمية فاز في هذه المعركة بمقاييسه السلطوية،وحزب الشعوب الديمقراطي فاز بخياراته الديمقراطية،وتثبيت النسبة العالية لقاعدته الشعبية التي لا تتزحزح،وكأن لسان حال كلا الحزبين يردد مقولة ديستويفسكي في رهانه(هنيئا لكل منا انتصاره)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يشعل حزب الله جبهة الشمال بعد الغارة التي استهدفت مدنيين


.. الاحتلال يغتال مقاومين من كتيبة جنين ويعدم شابا ثالثا في قبا




.. بايدن يقول إنه لا يمكن التوصل لاتفاق قريب بين حماس وإسرائيل.


.. عقوبات على أكثر من 300 فرد وكيان بسبب توفير سلع وخدمات لروسي




.. ارتفاع عدد الشهداء جراء القصف الإسرائيلي المستمر على مدينة غ