الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجري وراء الحلول السياسية في زمن الحرب

بدر الدين شنن

2015 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


إن مقولة الاستراتيجي الألماني فون كلاوفيتز " أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى " ، المجمع عليها سياسياً وتاريخياً ، تعني أن الحرب تحتوي السياسة وتوظفها في المجهود الحربي ، وأن العسكريين حين تشتعل الحرب ، هم الذين يكتبون بسلاحهم ، تاريخ بلادهم السياسي .

وحسب المعطيات المتأتية عن الحروب ، التي جرت في بلدان العالم المختلفة ، فإن العسكر في زمن الحرب ، هم سادة النقاش .. وسادة القرار .. وكلمتهم هي العليا ، في أي جدل يثار ، حول أوضاع البلاد بعامة ، وحول استحقاقات الحرب بخاصة ، وحول دور السياسة والساسة ، الذي تتطلبه حالة الحرب ، التي تتعرض لها البلاد . وبدون ذلك تتعرض القضية التي يقاتل الوطن من أجلها .. بجيشه .. وقدراته .. إلى الفشل والهزيمة . إذ أن الساسة بشكل عام ، في مختلف الظروف ، هم عشاق كلام ، وبيان ، وتصاريح ، وحوارات ، وتجاذبات ، بحثاً عن أقرب السبل للوصول إلى غاياتهم .. ولاسيما الوصول إلى السلطة . فيما العسكريون بشكل عام ، الذين يرتبط مصير الوطن بقرارهم وسلاحهم ، لا وقت عندهم للسرد السياسي ، وتداول الطروحات والمصطلحات . كل وقتهم في الحرب هو ، للحشد ، والتعبئة ، والسلاح ، وكسب المعارك في الميادين المشتعلة .. وكسب الحرب .

أي أن المصلحة الوطنية العليا في ظروف الحرب تقتصي ، تجاوز الانقسامات ، والخلافات ، السياسية والأيديولوجية ، وخاصة الصراعات الصدامية ، في المرحلة الماضية ، التي انتهت مبرراتها بانتهاء تلك المرحلة ، مع الطرف الحاكم بوضعه الجديد المشارك الرئيس ، في مقاومة حرب الإرهاب الدولي . وحصر الحوار والنقاش السياسي ، في أوساط الطبقة السياسية الوطنية ، داخل الحكم وخارجه ، في كيف ينبغي أن توحد الصفوف الوطنية ، وتوفر الطاقات والقدرات ، لمساندة القوات المسلحة .. مادياً ومعنوياً . بمعنى وضع كل آليات الكلام والبلاغة السياسية ، في خدمة استحقاقات الحرب ، وأن يكرس العقل السياسي لخدمة السلاح الوطني المقاتل .

وعلى ذلك ، فإن كلا طرفي الانقسام في الطبقة السياسية ، مدعوان إلى تجاوز كل الخلافات والتجاذبات السياسية المفوتة ، والصدامات العبثية والقهرية المؤسفة ، وإلى التلاقي والعمل المشترك ، للدفاع عن الوطن ، ليصبح الوطن كله في خندق واحد .. في مواجهة العدو والعدوان .
إن ما تقدم هو رؤية مبدئية مبسطة للمعايير الوطنية ، في بلد فرضت عليه الحرب . لعلها تضيء ما تكتبه المعارضة والسلطة في سوريا ، في صفحات تاريخ سوريا السياسي المعاصر .

* * *

نتيجة تدخل الدول الاستعمارية بأشكال مختلفة في سوريا بعد الاستقلال ، ونتيجة التجاذبات الدولية في الصراع على سوريا ، لم يتح للطبقة السياسية السورية أن تتشكل متجانسة ، مبنية غلى ثوابت وطنية وديمقراطية واجتماعية تلبي احتياجات الوطن والمجتمع القائمة والمتنامية . بل تشكلت منذ بدايات العهد الوطني في أواسط الأربعينات ، منقسمة ، محكومة بسيطرة البرجوازية النامية والملاك العقاريين ، ومتعددة الطروحات الأيديولوجية المتنافرة .. الماركسية .. والإسلامية .. والقومية السورية .. ثم القومية العربية

فقط في مرحلة ( 1954 - 1958 ) تلاقت بثبات ووضوح مصالح الكثير من القوى والفئات السورية ، حول أهمية العمل الوطني المشترك ، عندما لاح خطر مشروع " الهلال الخصيب " وبعده إقامة " حلف بغداد " الاستعماريين ، على الاستقلال والمصير الوطني . وشكلت تحالف " التجمع القومي البرلماني " الذي ضم ، حزب البعث العربي الاشتراكي ، والحزب الوطني ، والحزب الشيوعي ، وكتل وشخصيات برلمانية مستقلة . وقد حقق هذا التحالف انتصارات كبيرة ، تتمثل ، بالحفاظ على الوطن وحماية استقلاله من الضياع ، كسر الحصار الذي فرضه حلف بغداد الاستعماري ، وبإقامة دولة الوحدة القومية " الجمهورية العربية المتحدة " مع مصر 1958 .

أسوأ ما تعرضت له الطبقة السياسية السورية من تجاذبات ، وانقسامات ، جرى بدءاً من أواخر القرن الماضي ، وذلك بعد انتهاء مرحلة المعسكرين في الميزان الدولي ، وسيطرة الإمبريالية الأميركية على القطبية الدولية ، وانتشار أفكار ، صراع الحضارات ، ونهاية التاريخ ، وطروحات العولمة القسرية اللاإنسانية . فقد حدث انجراف وانحدار للفكر الديمقراطي ، والقومي ، والوطني التحرري ، وجرت محاولات حثيثة لوأد الفكر الاشتراكي ، وتسويغ الموالاة بدون خجل لسادة العالم الجديد المتأمرك .

وقد تجلى هذا الانجراف والانحدار بصورة أكثر تصاعداً وإيذاء، مع انطلاقة ما سمي " الربيع العربي " 2011 ، الذي تم تجهيزه وطرحه ليكون ، كما عشناه .. وشفناه .. إعصاراً مدمراً لكياناتنا الوطنية ، ولقيمنا ، ولاستعبادنا ، على أيدي الدول الإرهابية وأدواتها المجموعات المرتزقة التكفيرية المتوحشة ، ولإدخالنا في صراعات دموية ، فاقدة لأي فرصة للحوار الوطني والتسامح ، داخل الطبقة السياسية في الوطن الواحد . ، ولتحويل العداء في عقيدتنا الوطنية ، من العداء للمشروع الصهيوني ، والدول الإمبريالية الطامعة بأرضنا وثرواتنا ، إلى العداء ضد الآخر في الوطن ، الذي لا يقبل الخضوع لأحكام غزوات ولصوصية وتوحش أدوات هذا الربيع الكافر بالحضارات والقيم الإنسانية .
ما أدى إلى نشوء حالة سياسية متعارضة مع المتطلبات الوطنية المبدئية ، تتمثل باستمرار الانقسام الوطني ، واستمرار معالة صراع ( معارضة / نظام ) في زمن الحرب ، تمخض عنه انقسام ، في أوساط ما اتفق على تسميها معارضة ، إلى قسمين : معارضة خارجية ، معظمها يعمل تحت السقف الدولي المعولم ، ويقف في خندق دول الإرهاب الدولي . ومعارضة داخلية تعمل تحت السقف الوطني وصعوباته ، ومعظمها ما يزال يمارس سياسة معارضة على خلفية مسوغات وأهداف ما قبل 2011 .

من هنا يمكن فهم استعصاء وحدة " المعارضة السورية " ، وفهم لماذا الإصرار على مواصلة المعارضة في زمن الحرب . وبالتالي فهم استعصاء وحد الطبقة السياسية .. فيما استحقاقات الحرب والعدوان على الوطن ، تتطلب بذل كل الجهود ، وبأقصى السرعة ، ليس من أجل حل سياسي يقوم على مكافأة المعارضة وإرضائها بمستوى معين من المشاركة بالسلطة ، ومكافأة طرف الحكم بدعم انتظره طويلاً ، وإنما من أجل العمل الوطني المشترك على كل المستويات .

* * *

ماذا يعني الحل السياسي .. بين من .. ومن .. وفي أية ظروف ؟ ..
هناك حل سياسي لخلاف له طابع سياسي ، بين أطراف الطبقة السياسية ، داخل الحكم وخارجه ، هو على الأغلب ، حول نصوص دستورية ، أو سيادة القانون ، أو الحريات العامة ، أو تداول السلطة . ويتخذ هذا الحل مساره تحت سقف الوطن بين طرفي الخلاف ، ويحمل طابعاً قانونياً أو ديمقراطياً . وهذا الحل للخلافات السورية ـ السورية ، اعتمده " التجمع الوطني الديمقراطي المعارض 1979 " .
وهناك حل سياسي لصراع دموي بين طرفين .. دولتين .. حيث يكون الصراع حول أرض، أو مصادر مياه ، متنازع عليها ، أو يكون صراعاً ثأرياً .. أو توسعياً . يجري التعامل بينهما حوله عبر السلاح والحرب ، وذلك للتوصل إلى اتفاق .. وسلام .. وقواسم مشتركة .

الحرب الجارية في سوريا ليست حرباً بين " المعارضة " والدولة السورية . وإنما هي حرب بين الدولة السورية ، وبين الدول والمجموعات الإرهابية . ولوقف هذه الحرب تجري بين وقت وآخر مفاوضات .. بين عدوين تناحريين . والمعارضة هنا ليست طرفاً فيها . وعملية الجمع بين قوى " معارضة " والدول والمجموعات الإرهابية ، لاستعراض القوى وتحسين الأوراق في اللقاءات والحوارات مع الطرف الآخر الحاكم ، يسيء للمعارضة إجمالاً ، ويحملها مسؤولية الجرائم الدموية والتدمير وكل ما ينتج عن الحرب ، ويبعدها عن الحوار كقوى وطنية . وتخسر الدور الرئيس الذي تطمح إليه في أي حوار سياسي .

وهكذا يتضح الاختلاف بين حلين سياسيين مطروحين للتداول والحوار . حل تنشده " المعارضة " وهو يتضمن تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات تحت السقف الدولي ، ’تجري تعديلات دستورية ، و انتخابات برلمانية ورئاسية ، بمعنى زحزحة السلطة الراهنة وتجريدها من صلاحية القرار والسلطة . وحل ثان تشاركي تحت السقف الوطني ، تعرضه الحكومة ، يتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية أو موسعة ، تضم ممثلين " للمعارضة السلمية " ’تشرف على التعديلات الدستورية ،’تجري انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة أو بوقتها .

وإزاء الفراغ المتأتي عن استعصاء الحل السياسي المطابق لحاجات الحرب والسلم وإعادة البناء ، وتزايد المخاطر المحدقة بالبلاد ، الناتجة عن فوز حزب " أرود غان " المعادي لسوريا في الانتخابات البرلمانية التركية ، وعن التدخل الأميركي العسكري المباشر في الحرب السورية وتقديم الدعم العسكري " الاستشاري " لقوى إرهابية فوق الأراضي السورية والمرشح للتوسع بزعم المساعدة ضد " داعش " ، ورفع مستوى القوى الجوية الأميركية الهجومي في قاعدة " إنجرليك " الأميركية في تركيا ، وطرح انتقادات شبه إنذارية أميركية للسياسة الروسية الجديدة وخاصة في سوريا ، وارتفاع منسوب التصعيد في الحرب السورية ، الذي سينعكس مزيداً من الدماء والدمار .

إزاء ذلك ، إن الشعب السوري بانتظار اختراق سياسي في الحوارات واللقاءات إن في فيينا ، أو جنيف ، أوموسكو ، يؤدي إلى حل توافقي ، وفق صيغة توحد الشعب ، وتعزز قواه وقدراته في حربه الجهنمية ، التي فرضتها عليه دول ومجموعات الإرهاب الدولي .
إن الشعب الموحد القوي ، هو القادر على حماية ذاته الوطنية وأرضه .. والقادر بقوة على مواجهة الأعداء مهما كانوا أقوياء .. وهو الضامن لمواصلة دعم الصديق .. وصبر الصامدين .. وآمال المتفائلين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس يقول إن إسرائيل ألحقت الهزيمة بح


.. وزير الدفاع الإسرائيلي يؤكد هزيمة حزب الله.. ماذا يعني ذلك؟




.. مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة: أكثر من 300 ألف إنسان يعيش


.. أسامة حمدان: جرائم القتل ضد شعبنا ستبقى وصمة عار في وجه الدا




.. حرب وفقر وبطالة.. اللبنانيون يواجهون شقاء النزوح ونقص الدواء