الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصامي

الحبيب الحجامي

2015 / 11 / 9
الادب والفن


قامته فارعة، هامته مرفوعة دائما، "كرشه" كبطن امرأة حامل في شهرها التاسع، أنفه أفطس، وشيب شعر حاجبيه يتطاول أكثر من اللازم فيكاد يصل إلى عينيه، كرت على أنوفنا رواح مسكه الزكية فخنقت المكان...
ألقى التحية على مسير "السيبير"، ثم جلس على الأريكة المخصصة للانتظار، ليرتاح ويتبادل أطراف الحديث مع صاحب المحل، قبل أن يلج العالم الافتراضي...
لم أكن أنصت لحديثهما، لكن حدة صوته وقهقهاته، جعلاني أنجر دونما رغبة مني لرذيلة التنصت، وعلى أية حال فكلامهما لم يحد عن المعتاد، كله كان مبتذلا من شائع المواضيع التي نستهلكها دون ملل أو كلل بالمقاهي، الكرة، السياسة، الشرق الاوسط، البوليزاريو، "باناشي من الكلام المجاني..."
لم يفوّت "الحاج العربي" الفرصة للحديث عن موجة التعري التي اجتاحت البلدة السعيدة، منذ أن صنع لنا الكفار، "الأنترنيت" و"النيميريك" و"الهواتف الذكية"، وكل هذه البدع المشيطنة... "بغاو يخربوا الموسلمين"
استوقفه صاحب السيبير قائلا:
- الأنترنيت؟ لا لا، ليسوا في حاجة لكل ذلك...أنت تبالغ يا حاج
- أنت ابن البارحة ولا تعلم شيئا ....وسوف تعلمك الأيام وتذكرني حينها...أجزم لك يا بني أن المسيح الدجال هو "التلفزة والأنترنيت"
قال كلمته تلك، نهض وهو "يكركر"، مازجا الجد بالهزل مرددا نفس الكلام ....
نفض جلبابه وتبث طربوشه الفاسي، على صلعته القاحلة، ثم دخل لنفس الحجرة التي كنت بداخلها، انزوى إلى ركنه المعتاد بالقرب من النافذة...
لا سلم علينا ولا هم يحزنون، كان مزهوا بنفسه حد الغرور، فهو ينتمي لأسرة من العرق الصافي المعفي من الحساب، - حسب أسطورة قديمة نسجها مجهول دون أن يوثقها- وقد لخصها واحد من أبناء عمومته، حين ألقي عليه القبض من طرف رجال الدرك، بتهمة السكر العلني... قال وهو لا يقوى على الانتصاب من فرط الثمالة:
- "نحن حفدة الولي الصالح، النبي شفيعنا، وما عْلينا حساب"...
وعلى أية حال، فأنا لا أستبعد هذه الفرضية، ففي بلدنا الحبيب للإعفاء وجوه كثيرة، معفيون من الحساب، معفيون من الضرائب، معفيون من الحقوق، وحتما ستجد لك اسما في واحدة من اللوائح الثلات...
صار الحاج العربي اليوم أحد كهنة القبة الأكثر وقارا، وحظوة بين أصفياء الضريح، خاصة بعد وفاة عمه، الذي كان يسهر على تدبير أمور الصندوق المخصص لوضع هبات وأعطيات الحجاج، ولا يجوز لواحد من مثل مقامه، أن يلقي بالتحية على واحد بمثلي وضاعتي... لدى يجب علي أن أستسيغ الأمر، وفوق ذلك من أنا ليلقي علي السلام وجيه من الأشراف، لست سوى زبون بئيس، تقشف أسبوعا كاملا ليوفر ثمن ساعة بئيسة بهذه الحجرة الديقة...أبحث عن معنى أحرك به عقارب زمني الآسن...
كان مضطرا لإبعاد المنضدة التي تحمل الحاسوب قليلا، حتى يتمكن من الجلوس دون أن يعرض بطنه البارز للضغط، وضع ثخانته على الكرسي بصعوبة، سمع صوت انكسار لشيء ما تحته...عدل جلسته، وضع سماعة الرأس على صلعته... حينها لم يعد يربطه بالسيبير سوى جسده الضخم، ظننته ينصت لموسيقى صوفية، فمسّه ورع سرى به خارج البلد، تماما كما حصل معي فقد فقدت السيطرة على الجهاز السحري، حتى نسيت الموضوع الذي جئت من أجله، وجدتني فاتحا عددا من الصفحات كلها لتحميل كتب، وبرامج وثائقية...
وفجأة تردد صوت غريب داخل الحجرة، اعتقدت للوهلة الأولى أنه أنين امرأة تتعرض للضرب بالخارج، لكن الصوت كان ينبعث من مكان أقرب من النافذة...
كنا أربعة زبائن داخل الحجرة، ولم تكن خامستنا امرأة، لذلك رمقني أحدهم باستغراب فانكرت عليه اتهامه، وتوجهت ببصري للحاج العربي الذي كان منغمسا، ذاهلا عن الدنيا، يحرك رأسه الكبير المغطى بالسماعة، يمينا وشمالا على ألحان تلك التأوهات الجنسية المثيرة، انتبهت إلى رأس سماعة الحاج فوجدته قد انفلت من مدخله بالحاسوب، دون أن ينتبه، الحقير ...
- قال أحدهم خارج الحجرة، "اللهم هذا منكر، آش هادشي"، آش هاد الفضايح"
انتبه الحاج متأخرا، لأمر السماعة، وأدرك أن الجميع كان يشاركه الفرجة، مد يده بارتباك نحو الفأرة ليطفئ الفأرة التي جعلته ينط بين المواقع الإباحية...
رمقه الزبائن بنظرة احتقار دون أن يعلقوا بكلمة، "فعلـّق" هو لكن بكعابه وليس بكلامه...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي