الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرحت بنظري في القبور ..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 9
الادب والفن


سرحت بنظري
في قبور بيض وجوهها تحيطها أزهارٌ ونوارُ، ونباتات تهزها الرياح وتهوي بها أنى تشاء ..
كنت جالسا هناك وحدي متأملا في ما صار إليه إخواني وأخواتي وأحبابي ..وقد كانوا بالأمس يمرحون ويضحكون ويلعبون والروح تدب فيهم، والحياة تملأهم والأماني تلحقهم والطموح يغمرهم ..
لكن يأبى القدر إلا أن يأتي على حين غرةٍ، ولا موعدٍ ولا اتفاقٍ مسبقِ ..يجيء بغتة فلا تدري أين تروح ولا أين تذهب ،لا بل ماذا ستقول حينها وماذا ستفعل ،وقلبك معلّق بالحياة والآمال ونفسك تتطلع دائما إلى كل آتٍ وقريبِ ، إلى غدٍ ليس بالبعيدِ يُنسيك ما قد لقيته من أيام عسيرة وعقوق أبناء، ومرض مزمن خبيث ..
ينسيك شقاءك وعناءك وأنت تحاول سداد أقساط بيتك أو بالأحرى سيارتك الفارهة التي كنت دائما تزهو بها أمام أنسابك وأصدقائك وتقول أنك اشتريتها بحرّ مالك ..
لتتفاخر بمتاع زائل وكنز منقضٍ غير دائم، في سبيل شهوة نفس ترفع بها معنوياتك وتقيم بها ذاتك المنكسرة المترهلة التي أنهكتها مصاعب الحضارة وعُقَد التطور العلمي والسباق اللامنتهي ..إلى متى وإلى أين ....؟
رأيت دارا منسيةً لونها أبيض كالثلج، لكن جوفها مليئ بأسرار ملوّنة رسمتها سيرة أهلها وسكانها الخالدون هناك إلى أجل مسمى..
هاذا قبر قديم تعدّى عمره عقودا من الزمن، وهذا آخر حديث لم يلبث أن يجف ماء ترابه بعد ..وهذا آخر قد حُفر للتو لاستقبال ساكنه الجديد ..
الكل متساوٍ مقامُهُ على سطح الروضة ، الجو هادئ والنهار ربيع والريح معتدل، ومن كان بالأمس يهرب من فلان ويبعد نفسه عن طريقه قد سكن الآن بجواره ، و حل قدّامه أو أمامه أو خلفه لكن بجنبه أو بجانبه، فالأرض واحدة والمكان واحد ...
أين صوتك يا من كنت بالأمس تصيح وتصرخ، أين سمعك يا من كنت بالأمس للأغاني تسمع بل تستمتع ، أين بصرك يا من صرفته في نظر حرام ، أين يدك الذي كنت تبطش بها ، ورجلك التي كنت تمشي بها ، أين أنت من هذا وما حل بك وما صار معك ...
أين رزقك وكنزك التي لم تكثرت من أين اكتسبته وفيم أنفقته ، فقد كان همك التحصيل بأي وجه كان ، فالغاية لا تبرر الوسيلة هنا ولا اعتراف بهذا ولا عذر لك اليوم..
أُعطِيت فرصة ماذا صنعت فيها ، وماذا قدمت لنفسك لتقيها من شرٍّ موعودٍ أنت من جنيت به عليها بظلمك وجهلك ،أو تجازيها بخير ما له من نفاذ ..
ألم نجعل له عينين؟ ولسانًا وشفتين؟ وهديناه النجدين؟
فأنت اخترت مصيرك بإرادتك ومشيئتك ، ولا عذر لك اليوم لأنه قد سبحت منك ورقة امتحانك وانتهى زمنك الذي حدد لك فانتظر عاقبتك ، فإما أن تكون من الناجحين المقبولين برحمة مولاك وإما أن تكون من المعذبين الخائبين ...نسأل الله حسن المنقلب والعاقبة..
هناك مساكن مثلى لا يختلف فيها أحد ، لكن في الأعماق وتحت الترى، عالما غيبيا لا يستطيع البصر أن يحيط به خُبرَا ،ولو حفر بنفسه ونقب عن كثب
وجاء بأحدث الأجهزة تصنتا ومراقبة ما استطاع أن يدرك من ذلك ولو شيئا يسيرا ..
"فلا دار للمرء يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها ، فمن بناها بخير طاب مسكنها ومن بناها بشر خاب بانيها "
فساكن ينعم بأنس جميل ورضى يفوق الرضى ويسأ أيان تقوم الساعة، وآخرَ يذوق من الأهوال أنكلَها ويقول ياليتني قدمت لحياتي وعملت خيرا لعلي أجزى بعد الموت بالحسن ..
فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولكن اجعلها قنطرة عبور آمنة توصلنا بها إلى محبتك ورضاك ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا