الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افكار تقدمت بها (عدل) لمناقشتها ضمن التحالف المرتقب

سلطان الرفاعي

2005 / 10 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


1- من هو السوري؟ إنّ أكبر الأزمات في تاريخ السوريين المعاصر هي أنه لا يوجد تعريف " جامع مانع " للشخصيّة السوريّة. فالإسلاميّون يرون أن سوريّا مجرّد كيان صغير في عالم كبير يدعى " العالم الإسلامي "؛ في حين ارتأى القوميّون – وفرضوا رؤيتهم تلك منذ عام 1958 – مثل البعثيين والناصريين أن سوريّا جزء لا يتجزّأ من العالم العربي؛ أمّا القوميّون السوريّون فارتأوا أن سوريّا جزء غير منقسم من كيان موحّد أنطولوجيّاً اسمه الهلال الخصيب أو سوريّا الكبرى. من هنا، كان السوري، بسبب ضياعه بين الهويّات المتناقضة، الأكثر إحساساً بفقدان الانتماء والأكثر رغبة بالتخلّي عن هويته عند أوّل فرصة. إنّ الهويّة الإسلاميّة للسوري تعني، دون تردّد، سحب إحساس السوري غير المسلم، في سوريّا والمهجر، بانتمائه الوجودي إلى الكيان السوري؛ في حين أقصي تلقائيّاً كلّ من هو علماني ثقافيّاً عن تلك الهويّة؛ بغضّ النظر عن مشكلة الانتماءات المذهبيّة الداخل-إسلاميّة المتعدّدة في سوريّا ذاتها: ومسألة لمن ستكون اليد العليا في هذا التعريف بين تلك الطوائف. بالمقابل، فالهويّة القوميّة العربيّة تعني، ضمن أشياء كثيرة، استبعاد كلّ من هو غير عربي من تحت المظلّة العربيّة السوريّة، أو تناقضه منطقيّاً، كحال الأرمني السوري على سبيل المثال، حين يسأل عن هويته، فيجيب: عربي سوري! أمّا القوميّة السوريّة، التي تبدو الأكثر تماسكاً معرفيّاً على الأقل، بسبب طلائعيّة فكر المؤسس، أنطون سعادة، فقد واجهت منذ البداية هجمات غير عاديّة من قبل التيارات الأخرى، إضافة إلى اصطدامها بالواقع العام المرير في بلاد الهلال الخصيب: نمو الحركات الأصوليّة عند الجميع؛ تغلغل الفكر الإرهابي-الإقصائي من دول الجوار؛ التنامي غير المسبوق للنزعات الإقليميّة، خاصّة في لبنان، موطن المؤسّس... إلخ! إنّ تعريف " من هو السوري " أنطولوجيّاً مسألة غاية في الأهميّة، لأنه دون اتفاق يوافق عليه الجميع إلى حدّ ما حول هذا التعريف، ستبقى النتائج المنطقيّة المستمدّة منه أقرب إلى النقص، وسيبقى الصراع قائماً بين الأطراف غير المتوافقة في تعريف كهذا. إنّ تعريف " من هو السوري "، بالمقابل، لا يعني بأية حال رفض الإسلام أو العروبة أو إقصائهما كعنصرين بارزين في الهويّة السوريّة: لكنه أيضاً يعطي بقيّة العناصر حقّها على قدم المساواة مع السابقين. هذا التعريف يعني ضمناً إعادة النظر بكلّ شعاراتنا ونشيدنا الوطني بل واسم الدولة بالذات.
2- لا يختلف أحد، من معارضة أو موالاة، بأن الديمقراطيّة هي الشكل الوحيد المقبول لأي منظومة حكم سوريّة. لكن لا أحد يغامر في تحديد ملامح هذه الديمقراطيّة المأمولة. وللأسف، فإن العنصر المتداول الأوحد للإستهلاك الشعبي حول تعريف الديمقراطيّة هو " صناديق الاقتراع ". مع العلم أنّ صناديق الاقتراع هي الشكل الأقلّ أهميّة للديمقراطيّة كممارسة، خاصّة في بلد ما تزال أعرافه مغرقة في شموليتها، عند الجميع، والذي يفهم أن الديمقراطيّة هي استبداد الغالبيّة. إن الديمقراطيّة المعرفيّة، التي تعني حق المرء في اكتساب ما يشاء من معارف والتعبير عمّا يشاء من أفكار، بغضّ النظر عن التابوهات المتوارثة، أهم بما لا يقارن من ديمقراطيّة صناديق الاقتراع. فالديمقراطيّة المعرفيّة، ضمن أشياء أخرى كثيرة، هي التي تؤهّل المرء لأن يعي مسألة الديمقراطيّة السياسيّة، وتجعله بالتالي عنصراً بنّاء في وطن يطمح إلى الحريّة: لا إمّعة في يد هذا الشخص المسيطر أو ذاك. الديمقراطيّة المعرفيّة، ضمن أشياء أخرى كثيرة، تخلق في الإنسان الفرد وعي المسئوليّة، وتمنع في دواخله شعور الاستلاب. الديمقراطيّة السياسيّة، في معناها الحقيقي، بالمقابل، تختلف جذريّاً عمّا تعوّدنا تداوله شعبيّاً من مفاهيم: إنها لا تعني استبداد الغالبيّة على الإطلاق، بل تعني أوّلاً الدفاع عن حقوق الأقليّات والأفراد ضد أي شكل للاستبداد. – ديمقراطيّة السياسة لا تتناقض مع خصوصيّة الأقليّة، بل تدعمها وتساندها.
3- من الناحية الاقتصاديّة، فقد أثبت الاقتصاد الموجّه فشله إن في الداخل أو في الخارج. الاقتصاد الموجّه، فتح الباب على مصراعيه، بسبب نزع العامل الذاتي في تسيير دفّة العمل، أمام كافة أشكال الفساد. من هنا، وكي تخرج سوريا من أزمتها الاقتصاديّة، لا بد من خصخصة كافة المؤسّسات التي ما تزال تحت سيطرة الدولة، بما في ذلك الماء والكهرباء. اقتصاد السوق، بالمعنى الليبرالي للمصطلح، هو الحل الأنسب الأوحد للأزمة الاقتصاديّة الأخلاقيّة الطاحنة التي تعاني منها سوريا منذ زمن. بالمقابل، وكي نحمي الفرد من ترس الرأسماليّة الضروس، لا بدّ من إيجاد منطومة قوانين تحمي الإنسان من هذا الوحش: بدءاً بالقضايا الحقوق-إنسانيّة، وانتهاء بالضمان الاجتماعي وتفاصيل التعويضات وغيرها.
4- دينيّاً-اجتماعيّاً: من المتعارف عليه أن المجتمع السوري، كأي مجتمع مفتوح – معبر للشعوب المجاورة وغير المجاورة، مكوّن من تعدّديّة إثنيّة، دينيّة، طائفيّة، عشائريّة، مذهبيّة، ثقافيّة، أيديولوجيّة، طبقيّة، رعويّة-ريفيّة-حضريّة. لذلك لا يمكن لأي نظام حاكم أن يكون إلاّ حياديّاً تجاه المكوّنات المجتمعيّة للدولة السوريّة، فلا يمكن لعقيدة أو مذهب أو عشيرة أو طائفة السيطرة تحت أية راية كانت. من هنا، لا بدّ من إلغاء الإعلام الموجّه الرسمي، والسماح للإعلام الخاص أن يعبّر فئويّاً تحت راية القانون، الذي يكفل للجميع حقّ عدم التشويه أو الافتراء. من ناحية أخرى، فإنّ عقلنة الأعراف مسألة ذات أهميّة قصوى في الشأن الاجتماعي السوري، خاصّة إذا ما أدركنا أن هذا التوارث اللاعقلاني للأعراف يساهم في كثير من أزماتنا المستعصيّة على الحل، كالانهيار الاقتصادي الذي يشكّل النمو الديموغرافي غير المنضبط، المستند بدوره على لا عقلانيّة عرف، العنصر الأساس فيه.
5- إنهاء عسكرة المجتمع عبر السماح " الفعلي " لهيئات المجتمع المدني كي تلعب دورها الكامل في تطوير البنى المجتمعيّة للكيان السوري. لقد أثبتت المجتمعات المعسكرة فشلاً ذريعاً في تلبية الحاجات البشريّة الطبيعيّة، بغضّ النظر عن تنافيها المطلق مع الفطرة الإنسانيّة المائلة أصلاً إلى البحث عن الأمان بوسائل آمنة.
6- بالنسبة للعلاقات الخارجيّة، يفضّل لسوريّا براغماتيّاً أن تبحث عن مصلحتها الخاصّة، بغضّ النظر عن الشعارات. من هنا، فإن مصلحة سوريّا تقتضي محاولتها دخول الاتحاد الأوروبي، الذي بات على حدودها الشماليّة، بعد احتمال دخول تركيّا هذا الاتحاد. دخول سوريّا في الاتحاد الأوروبي يعني تغييراً شاملاً في البنيّة السياسيّة المجتمعيّة الأخلاقيّة لهذه الدولة. مع ذلك، فدخول سوريا الاتحاد الأوروبي لا يعني بأية حال انسحابها من جامعة الدول العربيّة، التي أثبتت أنها بلا جدوى ولا معنى عمليّاً؛ والأمر ذاته ينطبق على المؤتمر الإسلامي. باختصار، سوريّا بحاجة إلى جماعة متحضّرة تأخذ بيد هذا الشعب الذي يحمل كل بذور التحضّر الكامنة، لا إلى جماعات أكثر تخلّفاً من السوريين، تشدّ عجلة التحضّر السوريّة إلى الوراء. إقليميّاً، نرى أن التعاون السوري مع دول الجوار، بما فيها إسرائيل بعد إنهاء مسبّبّات الصراع السوري الإسرائيلي، قضيّة في غاية الأهميّة، لأن عالم القرن الحادي والعشرين صار يميل إلى التكتّلات، رغم بروز حالة نهوض قومي بعد سقوط الكتلة الاشتراكيّة. البراغماتيّة السياسيّة الاقتصاديّة غير الشعاراتيّة تعني قبل كلّ شيء استخدام كلّ السبل للوصول بسوريّا إلى مصاف الدول العصريّة. بالمقابل، لا بدّ من إعادة النظر بالمواقف الأخيرة من تركيّا ولواء الاسكندرون السوري، والمطالبة على الأقل بحق تقرير المصير عبر استفتاء دولي لسكّان اللواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رابعة الزيات تثير الجدل برا?يها الصريح حول الحرية الشخصية لل


.. مقتل هاشم صفي الدين.. هل يعجز حزب الله عن تأمين قياداته؟




.. قراءة عسكرية.. كيف يدير حزب الله معركته بعد سلسلة الاغتيالات


.. نشرة إيجاز - مصدر أمني للجزيرة: فقدان الاتصال بصفي الدين




.. صفارات الإنذار تدوي في حيفا مع إطلاق صواريخ من لبنان