الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الفنان في ظروف الحرب والصّراع

هاشم تايه

2015 / 11 / 10
الادب والفن


عن الفنان في ظروف الحرب والصّراع
• في الوضع العراقي، هل الفنان يعكس وضع البلد سياسياً، فكريّاً، اجتماعيا؟
• ماذا نستطيع ان نتعلم عن الفن من الفنان الذي يعيش بين الحرب والعنف؟
• هل الفن ممكن ان يكون اداة فعالة للمقاومة؟
ثلاثة أسئلة، حول دور الفنان في زمن الحرب والصّراع، عرضتها مؤسسة ثقافية عراقيّة. الأسئلة، ثلاثتها، تعكس إيماناً بأن الفنان لا يمكن أن يغضّ البَصَر عن صور الموت والدمار والانتهاكات حيث تُرَى نتيجة الحروب والصراعات. إن موقفه اللامبالي منها، لن يُوصف بأقل من أنه موقف لا إنسانيّ. إنّ فناناً سلبيّاً لا تحرّكه أهوال الحروب، ومعاناة ضحاياها، ولا تهزه آلام البشر سوف يكون آثماً بمعنى ما.
الحرب، في النهاية، فعلٌ مدمر للحضارة، هكذا كانت، وهكذا ستكون، وبما أنّ الفن هو أحد العناصر الحيويّة في أية حضارة، فمن باب أولى أن يقف الفنان، قبل غيره، ضدّ الحرب، لأنها تستهدف، من بين ما تستهدف فنّه وحضارته. إنّ سلام الفنان وأمنه- وهما ضروريان له لكي يبدع، لا يمكن أن ينفصلا عن سلام الآخرين وأمنهم. ما هو الفنان إذا لم يكن قادراً على التضامن الإنساني مع بشرٍ مثله تحطّم الحروب آمالهم في الحياة، والحرية، والسلام؟
أيعني الموقف الإيجابي الذي يدين صانعي الحروب أن يقوم الفنان بتلفيق خطاب إدانة تقريري مباشر يتسم بالسطحية والسّذاجة، أم يعني تقديمه صورة فنية بشروط جمالية؟
هل يمكننا أن نوافق فناناً يرى أنّ مجرّد إعراضه عن تناول الحرب في أعماله هو بمثابة رفض، وإدانة لها بطريقة ما؟ يكفيه- يقول- أن يعيش وينتج أعمالاً فنيّة في زمن الحرب، وتحت مناخها. أيعني موقفه هذا حياداً حيث لا يمكن تقبّل الحياد؟
(1)
الفنان أوّلاً وأخيراً خالق صورة فنيّة بمنطق جمالي، وبلغة الفن الخاصّة التي هي ليست لغة سياسي، ولا لغة مفكّر تنظيري، ولا لغة باحث اجتماعي، فلهؤلاء الثلاثة خطابهم الذي يفترض فيه أن يكون موضوعياً، يعكس تصوّراً يتفاوت اقتراباً، أو ابتعاداً عن الواقع والحقيقة. في حين الفنان كائن ذو رؤية جمالية خاصّة، كائن منفعل، وفي أي تماسٍ له مع أوضاع سياسية أو اجتماعية في بلده، أو في العالم، فإنّه يبني استبصاراً ذاتياً، أو رؤية فنية خاصّة به لهذه الأوضاع، وهذه الرؤية تتلون أوّلاً بالتأثير العميق الذي يطبعُهُ حدثٌ ما في وجدانه، مختلطاً بمشاعره، وأحاسيسه، وتتحقق ثانياً، إبداعياً، بشكل جمالي يعكس أسلوب الفنان في التصرّف بمادته ومعالجتها بإجراء فني ينبع من تجربته... ولا بدّ من القول إنّ الحكم للصورة التي ينتجها الفنان، أو عليها سيكون بمعيار جمالي.
الفنان يتعامل مع ما تُخلّفه الأحداث من تأثيرات، وما ينطبع من آثارها في الذاكرة. وما هو سياسي، أو فكري، أو اجتماعي من الأوضاع تتكيّف عناصر منه داخل الفن، وهذه العناصر تطيع إرادة الخلق لدى الفنان، متحولة إلى مادة مرنة قابلة للتطويع الجمالي، وإعادة الإنتاج. سأشير، بهذا الخصوص، إلى أعمال الفنان العراقي الراحل محمّد مهر الدين الذي أنتج أعمالاً فنيّة تناولت قضايا ذوات أبعاد سياسية فكرية اجتماعية، كقضايا الاحتلال لبلدنا، والعولمة، والديمقراطية الفارغة من محتواها، وما جرى في سجن أبي غريب من انتهاكات حقوق إنسان، والإرهاب وجرائمه. إنّ كلّ هذه القضايا تمّ تطويعها فنيّاً، في أعماله، بعد أن قام بتحويلها إلى خلاصات، أو إشارات استجابت لفعل الرسم، ثم انتظمت في بناء شكلي جمالي مصمّم بحذق.
أعتقد أنه ليس من الصحيح إقامة جدران عازلة بين السياسي، والفكري، والاجتماعي من الأوضاع. فلكل مجال من هذه المجالات أبعاد في المجال الآخر.
بعض فنانينا كان أقرب إلى إنتاج وثائق في تناوله صدمات الحرب، ونحتْ أعمال فنانين آخرين منحىً احتجاجياً للإدانة الصّارخة المباشرة، في حين وُظِّفَتْ أهوال العنف والصراع في أعمال سواهم توظيفاً جمالياً برؤية عالية التعبير، وببلاغة الفن. هذه المستويات من التناول تتضامن فيما بينها لتمثيل حجم الردّ الفني المطلوب وطبيعته.
لكن هل استطعنا، إلى الآن، إنتاج جورنيكاتنا؟
(2)
الفن يمنحنا الأمل، ويقول لنا بلغته غير المباشرة، إن الحياة ستنتصر... الفن يقوّي فينا إصرارنا على الحياة، ويعزّز إحساسنا بالجمال، ويعمّق وعينا بما يدور حوالينا.. إنه يخاطب إرادة الحياة فينا، كما يخاطب عشقنا للجمال... وأمام لوحة فنيّة نحن نشعر أننا موحّدون بمشاعرنا، ووجداناتنا، وإنسانيتنا التي تتعرض للتهديد والخطر... ومن الفنان الذي ينتج أعمالاً فنية تدين الحرب والعنف بمستوى عالٍ من التعبير الجمالي نتعلم كيف علينا أن نتخذ موقفاً حازماً بمواجهة ما نتعرض له من تهديد لوجودنا... إنه يُرينا كم أن الحرب عمل تدميري بالغ البشاعة، لا بدّ لنا من مقاومته، إذا كان وجودنا يعنينا...
الفنان الذي ينتج أعمالاً تدين العنف والحرب هو بالنتيجة فنان شجاع لا يخاف عواقب فنه عليه، ونحن نتعلّم منه أن نكون شجعاناً مثله، وبمستوى مسؤوليته وموقفه في الإدانة والاحتجاج والمقاومة.
(3)
هناك فنون تتسم بقدرتها، بسبب طبيعتها الخاصة، على الاستجابة السريعة للأحداث العاصفة، ويمكن لمستوى مباشر من خطابها ولغتها بما فيه من مجال للإدانة والاحتجاج، أن يحضر بين جمهور واسع، وأن يقوم بشحن هذا الجمهور انفعالياً، وتعبئته، وتعزيز شعوره الجمعي بالخطر، وتوجيهه ليتبنى موقفاً إيجابياً، ليكون في النهاية على استعداد للتحوّل إلى جمهور مقاوم ينخرط في أعمال متنوعة في مواجهة عدو ما. ومن بين هذه الفنون شكل من الشعر الخطابي ذي النبرة المنبرية الذي يستصرخ الإرادة العامّة، ويثير الحماسة، ويشحذ الهمم، وكذلك فن الملصق السياسي بلغته التحريضيّة المباشرة الذي يمكن إنتاج أعماله بكميات كبيرة، وتعليق نماذج منها في الميادين والسّاحات العامة. وهناك المسرح المقاوم الذي يمكن لعروضه البسيطة الحضور حتى في الشوارع بين جمهور عريض. والأمر نفسه ينطبق على الغناء، وفن الكاريكاتير، والتصوير الفوتوغرافي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية -شو يا قشطة- تصور واقع مؤلم لظاهرة التحرش في لبنان |


.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا




.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق


.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م




.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |