الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليسوا عليا و ليسوا معاوية : آليات الإنهاك في صراع النهضة و نداء تونس

محمد محسن عامر

2015 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



عند التنقيب في التاريخ العربي الإسلامي المركب و المشوش الذي حدد الواقع العربي و شكل الوعي الجمعي العام و كون المرجعيات السياسية الكبرى , يجب العودة إلى لحظة تأسيسية عميقة التأثير هي قلب التاريخ الإسلامي , لحظة صهر كل العناصر الإسلامية من الميتا تاريخ و الدنيوي و الروحي و السياسي و القبلي في بوتقة واحدة ثم تفجرت لتنتج التاريخ العربي اللاحق . لحظة الفتنة الكبرى موضع الجدل الإسلامي الأول و اللاحق و الأم الاولى للمدارس الكلامية و المذاهب الدينية و الصانعة للإسلام , و الحدث الذي مازال صدى سجالاته يسمع في تاريخنا العربي المعاصر المكتض بالصراعات و التفككات الكبرى.
في ردهات هذا الصراع السياسي و المؤلدج بامتياز جمعت كل العناصر , منطق قرابات الدم و الخلافات التاريخية القديمة و صراع القبائل و عداوتها الغابرة و طموح السلطة الجياش لتغطى بمرجعية الدين . فمثلما قاتل علي بن أبي طالب بعنوان ديني هو حقه في الخلافة نظرا لقرابته الدموية بالنبي محمد التقف معاوية ابن أبي سفيان حق القصاص للخليفة الشهيد عثمان بن عفان نزولا عن النص القرآني المطالب بالقصاص . هكذا ارتج كل العام القديم تحت أقدام أكثر من مائتي ألف رجل في أكبر تجمع يشهده العالم القديم في مواجهة قلبت موازين العالم القديم و شكلت مستقبله اللاحق . ليست الفتنة الكبرى صراعا بسيطا محدودا بين رجلين قويين كما شكلته المرويات الشعبية , بل كانت على العكس من ذلك خلافا شديد التعقيد وظفت له كل قدرات التكتيك السياسي و خطط إدارة الصراعات الكبرى . نعم لا نماري في القول حين نزعم أن ذلك الخلاف الإسلامي الإسلامي الكبير مازال يتشكل من جديد في أليات إدارة الصراعات السياسية المعاصرة بين فرقاء الحكم و الطامحين للسلطة .
ما وصلنا من التاريخ من أبي مخنف حتى المسعودي و غيرهم يخبرنا أمرا عجيبا , أن معاوية ابن أبي سفيان لم يكن كما صوره المخيال العربي داهية استعمل الحيلة أمام رجل روحاني و صادق فوصل بذلك للسلطة وسط تصفيق غوغائي من جمهور مبهور بالحيلة . إنما كان أكثر تعقيدا و حبكة , لقد وعى معاوية موازين القوى جيدا و عرف بذكاء شديد إدارتها حتى وصل بعد عامين من الفتنة الكبرى إلى السلطة . لقد مارس تكتيكا رائعا هو مواجهة الخصم سلبيا , أي دفعه للتفكك الداخلي تحت وقع تناقضاته الداخلية الخانقة . علي بن أبي طالب واجه منذ حادثة الاغتيال حتى صفين مرورا بالجمل وضعا مرتبكا مليئا بالخصوم . بينما امسك معاوية رسول البيعة عندها و ضل يترقب وجد علي بن أبي طالب مأزقا قاتلا ما فتئ يزداد اتساعا و تناقضا .وجد علي نفسه في مواجهة دامية مع أجزاء جوهرية في الجسد الإسلامية طلحة و الزبير و أم المزمين انتهت بمزيد تعميق الشرق في بنية المجتمع الإسلامي . من جهة أخرى كان جسد جيش علي يحوي لغما متفجرا أنه كان يتكون في صوته المشحونة أدلجة و صميمة من قتلة عثمان أنفسهم دون قدرته على حسم الصراع معهم ليجد نفسه في الأخير في مواجهة الامر الواقع في حروراء ليكون القاتل و المقتول من نفس الجيش . في هذا ضل معاوية سلبيا مترقبا مستغلا تفكك الخصم , لم يقدم نفسه في الأطوار الكبرى للفتنة بديلا عن علي بالتالي خصما قد توحد ضده كل الجهود فيسقط . راهن معاوية على التماسك الداخلي و التأهب الدائم مع مناوشة العدو في أطرافه في مصر مثلا و شحن كل بور الرفض لعي بهدوء و صمت. هكذا انتهت الأزمة بعد سنوات بتكوين سلالة الامويين و غرق المجتمع الإسلامي في لجج المحاججات و الكلام و الأيديولوجيا و العنف .
في نداء تونس الحزب الليبيرالي الكبير الشاب الشيخ في آن تقبع كوفة و بصرة الحاميتنان الكبيرتان المشكلة للحزب . فكما كانت البصرة و الكوفة مواقع تجميع كبرى للمقاتلين المعدين للمشاركة في حروب الفتح في اكبر تجمعات مقاتلين في قلب العالم القديم وجد قلبان شديدي التناقض في نداء تونس , تجمع يلقب بالشق اليساري و يحوي وجوه عريقة الانتماء للحركة اليسارية و خاصة التيار الوطني الديمقراطي الماركسي بزعامة محسن مرزوق قديم الولاء للمرجعية اليسارية و قلب اخر مشكل من بقايا حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم قبل الثورة يجتمع على أيدولوجيا ولائية للحزب الحاكم و من الجرحى من سقوطهم من السلطة و امتيازاتها لصاحل حركة النهضة بعد انتخابات 23 أكتوبر. كانت الفتنة القائمة بين أقطاب النظام القائم تتمحور حول الإمتيازات , صعود حركة النهضة الإسلامية في تونس جاء ليخلق مشهد سياسيا نعم و لكن الأهم كان بداية تشكيل مشهد اجتماعي ينزع عن المهيمنين الإقتصاديين الكلاسيكيين سلطتهم و يخلق شريحة جديدة مهيمنة و متنفذة في السلطة . هذا ما حدث مع نهاية حقبة جاهلية الحزب الواحد و الطبقة المسيطرة المتجانسة الواحدة . هذا التشكل و تناقضاته جعل الشرائح المهيمنة القديمة في موقع الخطر و الإبتزاز و السقوط . هذا ما جعلها تجتمع بكل ما فيها من تشويش تحت يافطة سياسية هي نداء تونس من أجل توحد الأمر الواقع للعودة للسلطة و نجحت . لقد نجحت مستفيدة لرفض المجتمع التونسي العريق في عادته العلمانية تجاه مد ديني قروسطي لم يواري هوية بنودنه السوداء. كانت ثلاث سنوات كافية لتسعير نار الفتنة بين المهيمنين و لتجعل حركة النهضة في مواجهة معطى إقليمي خانق ووضع داخلي مهتز أن تقبل بتقاسم السلطة مع النظام القديم , بل و لتمرّ بأنه نفسه حزب التجمع إلى أنه أخطر من السلفيين إلى اعتباره حزب سياسيا ديمقراطي و حليفا يستحق الثقة , بل و أنه من نفس المنشأ الفكري و السياسي أي أنهم يغودون لنفس جذر فكر النهضة العربي الذي كان رائده الثعالي في تونس.
الإسلاميون في مواجهة نداى تونس يجثمون جثوم الأسود و يراوغون مراوغة الثعالب. التكتيك الأنحج بالنسبة إليهم هو دفع الخصم في مواجهة سلبية لا يظهرون فيها في موقع النقيض بل الحليف و يجعلون الخصم يتفتت بتناقظاته الداخلية . هذا ما فعله معاوية بن أبي سفيان في مواجهته مع علي , لم يطلب منذ بداية الفتنة السلطة لنفسه بل ترك عليا يئن تحت ضربات جبهة من الداخل منذ الجمل و حاروراء وصولا لصفين دفف علي لتلقي الطعن من مكوني قلب جيشه و خلافته حتى وصل لفقدان شرعيته الميتاتاريخية و الدنيوية في آن . حركة النهضة عبرت في العلن عن حياد تجاه أزمة نداء تونس , حياد مشوب بمراقبة دائمة للخصم و انحياز يظهر يوما بعد يوم لشق مقابل شق .
وجد في نداء تونس قراء جدد متشبثون بحتمية البقاء على الشرعية شرعية امانة مرزوق , غير بريئين من تهمة الولاء الأيديولوجي لليسار و بصريون جدد موجعون من هزيمة سقوط حزبهم الأم التجمع الدستوري الديمقراطي في الثورة و سطوة غرباء على حزبهم إبان عملية الرسكلة المرهقة التي صنعت نداء تونس و كوفيون جدد على حياد مشوب بالشك تجاه المتخالفين غير قادرين على حسم أمرهم , و لكنهم في الاخير مجبرون على الإنسياق وراء دراما الأحادث الجارفة داخل الحزب .
الباجي قايد السبسي الذي يشكل بطريقة ماتريخية وبطولية باعتباره لحظة حلول لبورقيبة و ما يختزنه من رمزية الإستقلال و بناء الدولة الحديث مطالب بالمحافظة على هذا التحالف الهش الذي نجح بطريقة مذهلة في تكوينه مطالب بمواجهة هذه التيارات و توحيدها أما عدو صلب داخليا واضح الرؤى خبير بفنون التلاعب مع الخصوم و الوثوب في اللحظة المناسبة.
ما يحدث في تونس فتنة كبرى بين شقين للنظام توظف فيها كل الخطط و المؤامرات من أجل الوصول للسلطة . 32 نائبا الذين يعبرون عن الوجه اليساري للحزب كما كان متوقع خسرت المعركة و خلقت شقا كبيرا داخل نداء تونس جعله يتراجع عن كونه الحزب الأغلبي , الأب الروحي للحزب فشل بكاريزماه أن يوقف هذا الشق في السد و منع انهيار هذا التحالف الغريب الذي يحويه الحزب. في المقابل حركة النهضة بهذا التكتيك نجحت في دفع الحزب لأن يأكل نفسه و أن يتفتت لتجد الطريق معبدا من جديد لأخذ السلطة في صحن من فضة . لعب فيها الكبار أدوار المتصارعين في الفتنة الكبرى و تبنوا تكتيكاتهم و عاشوا كل الوقائع و لكنهم في الأخير ليسوا معاوية و ليسوا عليا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا