الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرّبابنة

صبري هاشم

2015 / 11 / 10
الادب والفن


**
الرّبابنة
**
هَبّتْ علينا بعدَ طولِ رحلةٍ ريحٌ ما خبرناها
كُنّا في عرضِ اليمِّ
نوشِمُ بِدررِ الكلامِ أبدانَ أشرعةٍ
ونتخذُ مِنِ النَّورسِ العاشقِ دليلاً نحو المقاصدِ
ومِن فوقِنا آياتٌ تتنزّلُ
فتحتربُ آلهةٌ
ثمَّ تَغيّرَ الحالُ وهَبّتْ علينا أجناسُ الأعاصيرِ
جَلَبَتْ مَعَها طوائفَ الوحشِ
وشيئاً مِن مَراثيها
ونحن في العراءِ صرْنا عُراةً
إلاّ مِن بعضِ غِلالةٍ تَنَفّسَتْ
فوقَ نسيجِ زُهدِها رئةُ الأيامِ
نستقبلُ ما تجودُ به علينا السّماءُ
حتى وإنْ ارتبكتْ في الطَّريقِ إلينا الرعودُ
فاحذرْ مِن دخولِ الِّريحِ
إنْ أردتَ مُجابهةً
**
"... لم نَجْمعْ مِن حَشْوِ أوراقِنا التي التهمتْها الحروبُ
غيرَ كلامٍ ظلَّ معطوبَ الجوانب ..."
"... ونحن مَن استبدَّ بغربتِهم البحرُ
وأوعزَ للطيرِ بالرحيلِ فارتَحَلَ ..."
**
إذاً أين نحن الآن مِن دلمون ؟
وأين نحن الآن مِن بلادِ اللُبانِ والبخور ؟
وكم نبتعدُ منذُ الآن عن رائحةِ الأبْنوس
وعن سواحلَ تُجاهرُ في مودَتِها ؟
مليون ميلٍ بحريٍّ يستيقظُ في صوارينا
ويهزُّها بقوّةِ جبّارٍ أصابَهُ مسٌّ
حتّى هَبّتْ علينا أجناسُ الأعاصيرِ
فلم تُبقِ مِن سفينتِنا سوى رفسةِ هالكٍ
فاترُكي ـ طوعاً ـ حيزوماً يئنُّ بوجهِ الرِّيحِ حَيْرَةً
وأترُكي جسدَ السفينةِ
ثمَّ غادري البحرَ غيرَ آسفةٍ
هو ذا الشراعُ أوعزَ للريحِ أنْ تُخليَ المكانَ
وتُغادرَ أشواقَها
ونحن بنا عبثَ الموجُ
وضيَّعْنا نحوَ بلادِ الأغاريدِ طريقاً
البحرُ سرّحَ حورياتِه
ومِنهُنَّ لم تَعُدْ نادلٌ كي تُعطِّرَ ضفائرَ الموجِ
فاترُكي دَفّةَ السّفينةِ
غيرَ راغبةٍ
وارحَلي خائبةً صوبَ مُحيطِكِ الضَّبابي
أو فانتعِشي ما شئتِ في هذا الليلِ
حتى تَسموَ نفسُكِ مِن شبقٍ
فهذا الليلُ ليس ضنيناً

**
"... خطئي أنْ أستعيرَ معنىً لجملةٍ ضاقَ بها الأفقُ ..."
"... وتهلهلتْ عبارةٌ كنتُ أجمعُ أطرافاً لها متراميةَ الشجونِ ..."
" ... فما أشقاني أيُّها الصّمتُ المُدججُ بالقولِ !
وما أتعسني أيتُها البلاغة !..."
**
انقشعَ المدى وعنّا ابتعدتْ أعاصيرُ
ثمَّ هدأتْ في النّفوسِ العواصفُ
وصرْنا ما بينَ البريّةِ والبحرِ
نتنقّلُ ما بينَ خمّاراتِ الموانئِ بحثاً عن كأسِنا الضائعة
وننتظرُ مِنها تهويمةً قد تأتي مع الفجرِ
أو يأخذُها ضجيجُ بحّارةٍ
عادوا بعدَ غيابٍ طويل
نتنسّمُ رائحةَ بناتِ الليلِ
وما تَضوّعَ مِن عُذوبةِ عطرِ أجسادِهُنَّ
نُزهرُ مثلَهُنَّ كلمّا أصابَنا بللٌ
ونَنحَنِي لمشهدِ وردةٍ تهتزُّ مع النّسيمِ دلالاً
وقيلَ لنا في السّرِّ :
على أبوابِ الموانئِ لا ينبتُ الياسمين
مُنذُ أنْ نُحِرَتْ ياسمينةٌ فوق أرضِ مِن بلادِ الشامِ
ومُنذُ أعوامٍ انتظرْنا ـ دون جدوى ـ شجراً على قارعةِ الطريقِ
كان يَرْشِقُنا بنفحةٍ مِن عطرِهِ كلّما به مررنا
هنالك حيثُ تقيمُ الشرفاتُ مأدُبةً للطيورِ المُهاجرة
هنالك انتظرْنا طويلاً
دون جدوى
حتى أُريقتْ مِن بين أيدينا أكؤسُ النبيذِ الأخيرة
وانتظرنا
وانتظرنا
فيما الميناءُ يخذلُهُ الهذيانُ
ونحن مازلنا ننتظرُ تهويمةَ كأسٍ ضائعة

5 ـ 11 ـ 2015 برلين / الشارتيهْ


***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??