الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل القطيعة مع ثقافة القمع والتصفيات الجسدية

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2015 / 11 / 10
حقوق الانسان


من أجل القطيعة مع ثقافة القمع والتصفيات الجسدية

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-
البريد الإلكتروني:[email protected]


يلاحظ الباحث في التراث الفكري الإسلامي اليوم بأن المسلمين لم يتطرقوا عبر تاريخهم خاصة في بداياته الأولى إلى إشكالية السلطة التي كانت سببا في تصفيات وسيلان دماء ودماء، خاصة أثناء وبعد الفتنة الكبرى، فقد أستسلم المسلمون الأوائل للملك العضوض وللصراعات الدائمة من أجل الاستحواذ على السلطة وإقامة دولة جديدة خاصة برجال السلطة الجدد، فكانت تسقط دول وتأتي دول أخرى مكانها بعد صراع دموي يذهب ضحيته الآلاف من أرواح البشر، ولم يحاول المسلمون قط إيجاد حل لهذه الإشكالية العويصة، بالرغم من أن القرآن الكريم قد أشار إلى أن أخطر أمر يمكن أن يهدد الإنسان في حياته وإستقراره هو الصراع حول السلطة أو مايسميه "الملك"؟، فلم ينتبه المسلمون إلى ما أخبرنا الله سبحانه وتعالى به في كتابه الكريم بأن إبليس لعنة الله عليه لم يستطع إغواء آدم عليه السلام بالأكل من الشجرة التي كانت سببا في خروجه من الجنة، إلا بعد أن أوهمه بأن قيامه بذلك ستؤدي به إلى الخلد والملك الذي لا يبلى، فلنتأمل الآيات الكريمة "فوسوس إليه الشيطان، قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى، فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما" [طه الآية 120-121]، فالملك هنا يقصد بها السلطة بشكلها الواسع السياسية والإقتصادية وغيرها، وإن الحديث عن إبداء سوءاتهما هي إشارة واضحة إلى أن الإنسان لا تظهر طبيعته وحقيقته الإجرامية والدموية واللاأخلاقية إلا أثناء الصراع على السلطة والملك، فيرتكب الجريمة تلو الأخرى بسببها، وهو نفس ماأشار إليه الفيلسوف الأنجليزي هوبز عن طبيعة الإنسان وبأنه ذئب لأخيه الإنسان، مما يتطلب في نظره حل مشكلة الصراع من أجل السلطة والنفوذ، إلا أن هوبز قال بتنازل الجميع إلى سلطة مطلقة تضبط الأمور وتحمي الجميعن لكن جاء مواطذنه جون لوك، فصحح المسألة بوضع أسس الديمقراطية الحديثة، ليستتبعه آخرون كجون جاك روسو بسيادة الأمة ومونتيسكيو بمبدأ فصل السلطات وغيرها من الأسس والآليات الديمقراطية التي أنتجها الفكرالغربي.
لكن يلاحظ الباحث في التراث الفقهي الإسلامي إنعدام ميكانيزمات ومؤسسات تضمن الحل السلمي للصراع حول السلطة، فبدل ذلك نجد أن أغلب الفقهاء أفتوا بعدم جـواز الثورة على السلطان حتى ولو كان ظالما ما دام يقيم الصلاة فيهم، لأن الثورة –في نظرهم- ستؤدي إلى فتنة كبرى، وقد كان بإمكان هؤلاء الفقهاء والمفكرين والفلاسفة التفكير في حل هذه الإشكالية والاجتهاد في إيجاد طريقة تضمن الحل السلمي لهذه الصراعات الموجودة في المجتمع خاصة الصراعات السياسية دون أن تسيل الدماء، لكن سبقتنا أوروبا التي مرت أيضا بنفس الصراعات الدموية بسبب السلطة، فحلوا المشكلة بإختراع آليات الديمقراطية بصفتها حلا سلميا لمختلف التناقظات والصراعات التي عرفتها مجتمعاتهم، ومنها مبدأ التداول السلمي على السلطة بواسطة الانتخاب الذي يعد الحل الأمثل للتناقض بين مبدأي حق الأمة في عزل السلطان من جهة وضرورة تجنب الفتنة الدموية من جهة أخرى.
لعل سيجيبنا البعض بأن الظروف آنذاك لم تسمح للمسلمين للتفكير في ذلك إستنادا على فكرة معروفة يرددها البعض، وهي أنه لايمكن محاسبة جيل سابق على عدم إنتاج أفكارا معينة لأن هناك ظروف تجعل أفكار بإمكانها الظهور وقضايا يستحيل التفكير فيها، لكن مايؤسف له أننا لازال الكثير منا يعيش بنفس الطروحات القديمة في القرن 21، ولازال عالمنا إلى حد اليوم يعرف صراعات حول السلطة بتصفية الخصوم والمخالفين لنا إما بالسجن أو القتل والتصفيات الجسدية، بل هي ثقافة موجودة في أعماقنا نحن المسلمين عامة، والجزائريين خاصة، وإلا كيف نفسر مختلف التصفيات التي عرفها المعارضون للنظام في الجزائر منذ1962، والتصفيات التي تعرض لها مثقفين وسياسيين على يد الإرهاب، كما عرفت الثورة تصفيات يندى لها الجبين لرجال من خيرة أبنائها بسبب صراعات حول السلطة والنفوذ.
لكن مايؤلم في كل هذا هو عندما نسمع لشخصيات تبرر القتل والتصفية، وإلا كيف نفسر تبرير دحو ولد قابلية تصفية الشهيد عبان رمضان لأنه خالف القيادة، فهل ذلك مبررا لتصفيته، فلو كان قالها ولد قابلية فعلا، فمعناه بإمكان ومسموح قتل جزء كبير جدا من الجزائريين اليوم لأنهم معارضون للسلطة التي هي بمثابة قيادة للبلد سواء أعترفنا بشرعيتها أو أعتبرناها قيادة فعلية فقط، فهذا أمر خطير، وقد تبرأ ولد قابلية من هذه المقولة وأعتبرها تحريفا، لكن مهما كان الأمر فمن المفروض أن نندد كلنا بما فيه الذي أجرى معه الحوار إن قالها فعلا، فمن المفروض أن ندافع كلنا عن الحريات والحق في الحياة للجميع دون إستثناء، فإن قالها ولد قابلية فعلا كان يجب أن يسأل مباشرة بعد مقولته: هل يجوز في نظرك تصفية شخص لأنه أختلف مع القيادة؟، لكن لما نتعجب من تصريحات وسلوكات كهذه، فقد سبقوه من قبل الكثير جدا، أفلم يصرح وزير داخلية سابق في 2001 عن مقتل التلميذ الثانوي قرماح محمد ماسنيسا في منطقة القبائل بأنه قتل لأنه "من أطفال شوارع"، وكأن يحق له قتل أيا كان دون أي سند قانوني، وكأننا نعيش في الغابة؟، ألم يصرح وزيرا للشؤون الدينية في تسعينيات الإرهاب مؤاخذا الإرهابيين على تصفية بعض الشخصيات بالقول لهم أنهم ليسو شيوعيين، فمعناه قد برر تصفية الإرهابيين لما يعتقدونهم أنهم شيوعيون، وقس على ذلك جواز التصفية الجسدية لكل ما يطلق في خطاب الإرهابيين "الائكيون والعلمانيون والفرانكوفليون" وغيرها من النعوت التي يبرر بها الإرهاب جرائمه، وذهب ضحية هذا الخطاب آلاف الجزائريين في التسعينيات، ولعلنا نجد في الطرف المقابل من يدعو لتصفية خصومهم أيضا تحت غطاءات ونعوت أخرى، وقد رأينا ذلك في العديد من الدول في العالم العربي والإسلامي.
ان تاريخنا مليء بهذه المظاهر سواء في الماضي أو الحاضر، فمأساتنا هي المدرسة التي نتلقى فيها ثقافة القتل والتصفية للمخالفين، فقد غرسنا في أبنائنا في المدارس فكرة أن الإختلافات هي فتنة بدل ما نقول لهم أن الإختلافات هي طبيعية، فكل الثورات وأمم الأرض تعرف تناقضات سياسية وأيديولوجية وثقافية وطبقية وغيرها، وهو ما ينطبق على الثورة الجزائرية، ومنها الأمة الجزائرية، ولو علمنا ذلك للطفل في المدرسة لكان المواطن عندما يسمع بتلك الإختلافات والصراعات التي ينقلها اليوم الفاعلون التاريخيون اليوم حول الثورة سيراها طبيعية ولايفاجأ، وقد كان من المفروض أن نقول للمواطن أنه ليس هناك أي عيب في الإختلافات، فهي طبيعية، لكن العيب وكل العيب لو تم حلها بالعنف والتصفيات بدل الحوار والأساليب الديمقراطية، لكن لم نعلم ذلك للمواطن، ورفضنا تعليم المواطن أن الإختلافات طبيعية وليست فتنة لآهداف سلطوية بحتة، فالإشارة إلى ذلك معناه سيؤدي إلى طرح مسألة حل هذه التناقضات، مما سيؤدي حتما إلى المطالبة بالديمقراطية كحل سلمي لكل التناقضات السياسية والثقافية والأيديولوجية والطبقية وغيرها من التناقضات التي تسود كل المجتمعات والأمم، لكن لم نعلم ذلك لأبنائنا وللمواطنين، لأن لو نعلمه ذلك سيؤدي إلى غرس للثقافة الديمقراطية المهددة لأحادية النظام، فغياب الثقافة الديمقراطية لدى الكثير منا سواء فاعلون تاريخيون أو سياسيون هو الذي جعلهم يخونون خصومهم إما بهدف الظهور على حسابهم أو لإعتقادهم انهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، فيجب علينا غرس الثقافة الديمقراطية في مدارسنا خاصة عند تدريسنا التاريخ، ومنه تاريخ الثورة اين يجب التطرق إلى التصفيات المتعددة، ونندد بها في دروسنا، ونصورها للتلميذ والطالب أنها أعمال مشينة، وينطبق نفس الأمر على كل الصراعات الدموية والتصفيات الجسدية والتعذيب والقمع سواء في تاريخنا الوطني أو الإسلامي أو العالم، فهذا أسلوب من أساليب التربية الديمقراطية التي تحتاجها مجتمعاتنا اليوم.

البروفسور رابح لونيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحيفة لومانيتيه: -لا وجود للجمهورية الفرنسية دون المهاجرين-


.. السلطات الجزائرية تدرس إمكانية إشراك المجتمع المدني كمراقب م




.. جلسة مفتوحة في مجلس الأمن لمناقشة الوضع الإنساني في غزة وإيج


.. أحداث قيصري.. اعتقال المئات بتركيا وفرض إجراءات أمنية إثر اع




.. المغرب.. المجلس الأعلى لحقوق الإنسان يصدر تقريره لعام 2023