الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثقف السلطة

وردة بية

2015 / 11 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


آخر ما سمعته من جدل حول مثقف السلطة جاء على لسان الروائي الكبير المعروف عبد العزيز غرمول، واصفا فيه وزير الثقافة الحالي عز الدين ميهوبي - في صيغة الاتهام والازدراء - بمثقف السلطة .. واسترسل ليؤكد بأن الوزير هو من يقول عن نفسه بأنه كذلك..
النظرة الى مثقف السلطة في العالم الثالث وفي العوالم المتخلفة ، تعيدنا الى زمن الأعشى، الحطيئة، النابغة الذبياني وطرفة بن العبد ، عندما كان هؤلاء الشعراء وغيرهم (المثقفون آنذاك) يسمى من اختار منهم نهج مدح السلطان بـ " شعراء البلاط " ، يسترزقون من عطايا الملوك ويتقربون منهم زلفا ، ولا يقولون الشعر الا في حضرة السلطان ، في صورة بدائية لاقت آنذاك نقدا لاذعا من الطرف الآخر، واعتبروها بضاعة رخيصة تربط صاحبها بمنطق العبودية ، الى درجة يتقمص فيها الشاعر شخصية البهلوان وهو مسلوب الارادة ليحقق بها نشوة سيده..
هذه الصورة النمطية انتقلت مع مرور الزمن الى عصرنا الحالي ، وبرز في منظومتنا الثقافية الحديثة اتجاهان متعاكسان : اتجاه فكري سياسي متكامل يدعم السلطة ، وآخر ينتقدها ويعارضها من منطلق التعبير عن الارادة الشعبية والجماهيرية .. وتجوهر هذا الاختلاف بشكل كبير خلال المئة عام المنصرمة التي وقعت بها نكبة وانتكاسة العرب..
الشاعر الكبير نزار قباني اصطف ايديولوجيا نحو النزعة الثورية وقال في قصيدة شهيرة :
حربُ حزيرانَ انتهتْ
وحالُنا ـ والحمدُ للهِ ـ على أحسنِ ما يكونْ
كُتّابُنا على رصيفِ الفكرِ عاطلونْ
من مطبخِ السلطانِ يأكلونْ
بسيفهِ الطويلِ يضربونْ
كُتّابُنا ما مارسوا التفكيرَ من قرونْ
لم يُقتَلوا .. لم يُصلَبوا ..
لم يقِفوا على حدودِ الموتِ والجنونْ
كُتّابُنا يحيونَ في إجازةٍ ..
وخارجَ التاريخِ .. يسكنونْ ..
في عصرنا الحالي ، يرفض رجل السياسة أن يختطف منه المثقف الثوري السلطة ويأخذها الى وجهتها الحقيقية ، سلطة في خدمة الشعب قولا وفعلا ، وليس مجرد شعارات وبروباغاندا..ووصل أمر الاختلاف بينهما الى درجة أنه نقل عن أحد الساسة قوله: "حينما أسمع كلمة مثقف أتحسس مسدسي"..
واذن فالعلاقة بين الحاكم والمثقف الحقيقي ، تحكمهما علاقة مرتبكة ومتوترة منذ الأزل، ولكن أنصاف المثقفين والأدعياء دخلوا على الخط وخلقوا علاقة متجانسة يمكن من خلالها أن يقمع بها المثقف المنبطح مجتمعه بأداة السلطة المقموع بها هو ذاته.. ويؤكد فيصل دراج ذلك بقوله: "زمن المثقف المستبد يتواتر في لعبة مزدوجة يمثل فيها دور السيد ودور العبد معا"..
ولهذا نعتقد أن هذه العلاقة المتوترة التي خسر فيها المثقف مواقع كثيرة ، كانت ستعود بالفائدة على أمته لو فكر في كيفية التموقع لتحقيق أهداف كبيرة ، كما يرى المفكر الاسلامي جمال الدين الأفغاني ، لأن ابعاده أو بُعده عن السلطة خوفا من تهمة "الانبطاح" لا تحل المشكلة الأزلية ، فالمثقف الحقيقي هو من يقتحم السياسة ويتموقع ، ليقطع الطريق عن الدجالين والمرتزقة وليفرض من خلال وطنيته ورؤيته وفكره واقعا جديدا لصالح وطنه وأمته ..
الحل اذن ليس في الابعاد، ونحن نرى في عالمنا المتخلف كيف يستغل انصاف المثقفين والمشعوذين المواقع ليعيثوا في الأرض فسادا ، فهم من قال عنهم الأديب الكبير الماغوط : “مصيبة كبرى عندما لا يفرق السياسي بين الخيار الاستراتيجي والخيار باللبن.. عندها لن ترى أي فرق بين السُلطة والسَلَطة”...
فما أحوجنا اليوم لمعادلة يقوم فيها المثقف والحاكم بهدنة لمراجعة أخطاء الماضي .. من منطلق أن الحاكم يمثل سلطة تنفيذية ، والمثقف يمثل السلطة التنويرية التي هي عماد السلطات ، تقوم بعملية مسح للأرضية التي من المفترض أن يتموقع فيها الحاكم .. أرضية صلبة لاتؤثر فيها الزلازل ولا المطبات...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة