الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصطلح - الحرب على الاٍرهاب - صناعة الخطاب وتفكيك المحتوى ؟

علي طالب الملا

2015 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


ما هي المفردات اللغوية والخطابية التي تتطابق مع ذلك مفردة "الإرهاب " الذي يحاربونه؟ ولماذا يطلبون تفويضا من شعوبهم لمحاربته ؟ مع أنهم لا يفعلون ذلك في مشاهد أخرى ؟ الذين قتلوا امس في باريس وقبلها بيروت ومع نكبة الطائرة الروسية و تواصل سخونة حمامات الدم في بغداد ولماذا لا يعتبرون العنف الذي يمارس تحت سلطاتهم إرهابا هو الأخر والذي يتمثل في صناعة سياسية " المزاج " الداخلي الذي يجهز لقابلية الاندماج مع الجهات المتطرفة دون اي تفكير او ترد بضرر او عطل القناعات التي تؤسس لسلم اهلي مهزوز. وان كانت تناقضات وأفعال الدول التي لا تُزال تدور في فلك كلاسيكية العمل المخابراتي وترك عولمة التواصل في الفضاء المفتوح الذي يتطلب العمل بمهنية الحداثة والتوسع في صد وضرب مكامن الاٍرهاب في عقر دارها ، وبعيدا عن التحليلات السياسية المتكررة والخطابات العقيمة والمعادة مع كل مشهد يتجدد فيه ما يسمى الحرب على الإرهاب ، الإشارة الى ان الظواهر اللغوية وظواهر التسمية والتاريخ ومعرفة وفهم ما يحدث فيما وراء اللغة، عبر تفكيك مرادفات السيادة وجوهر الهيمنة والآلة المفهومة والغير مفهومة للخطاب الدولي السائد. فإننا بإزاء شيء استحدث تاريخا. وما يستحدث تاريخا هو شيء جرى استشعاره بشكل فوري بوصفه حدثا عظيما فريدا، وهو شعور أقل عفوية مما يبدو، جرى إنشاؤه وصوغه وتشكيله عبر آلة تقنية –اجتماعية– سياسية كبيرة وكانت لغة الخطاب التي تعولم من خلالها، وهى التي صاغته وأنتجته عبر آلة معلوماتية منظمة. وجهاز المعلومات هذا بطبيعة الحال جهاز سياسي وتقنى واقتصادي. فكم من جرائم قتل جماعي شبه فوري لم يتم تسجيلها وتأويلها لم تكن جديرة بخلق حدث عظيم ولم تعط الجميع انطباعا بأنها كوارث لا تمحى. من ناحية أخرى بين الانطباع المسئول تجاه الحدث الذي تشكل إعلاميا والذي يقبل التأويل والتفكيك، أي هذا التقييم الخاص للشروط، والذي يحاول أن يجعلنا نؤمن بأن هناك حدثا عظيما جرى في 11 سبتمبر ، فالحدث يكمن قبل كل شيء في ألا أفهم وهو ما يؤدى حتما نحو استيعابه والتماثل معه والقدرة على تحديده وتأويله، والحدث الجدير بتسميته حدثا عظيما لا يتواجد إلا عندما تخور قوى هذا الاستيعاب أمام حد من الحدود التي تتمنع على الاستيعاب واستحالة التنبؤ به.. فهل يعتبر حدث 11سبتمبر حدثا لا سابق له؟ هل هو حدث لم يكن من الممكن التنبؤ به؟ هل هو حدث فريد حقا؟ إذا سلمنا بهذا التعريف للحدث، فعلى مستوى فرادة الحدث، لم يكن التنبؤ بأمر 11 سبتمبر أمرا مستحيلا ويمكننا الاستدلال بعملية أوكلاهما وتعرض البرجين من قبل لعملية تفجير بالمفرقعات ناهيك عن اعتداءات أخرى كثيرة ضد المصالح الأمريكية خارج الأراضي القومية الأمريكية. ما المقصود بكلمة الحدث العظيم؟

هل المقصود بالحدث العظيم عدد الضحايا؟ لا أحد أحصى عدد الضحايا بنفس الدقة في أماكن أخرى من العالم في حالات أخرى. بل إن الحقيقة التي تتعلق بأوربا والولايات المتحدة وإعلامهما أن حالات القتل الجماعية التي حدثت خارج الأراضي الأمريكية والأوربية كتلك التي حدثت في رواندا والعراق وفلسطين والتي قد يزيد عدد ضحاياها عن ضحايا الحادي عشر من سبتمبر(1) لا تؤدى إلى مثل هذه الاضطرابات التي أحدثها 11 سبتمبر.

هل كان المقصود بذلك هو نوع السلاح المستعمل؟ أي الطائرات التي تدمر مباني مكتظة بالمدنيين!! ربما لا يحتاج ذلك مثالا توضيحيا؛ فالحرب العالمية وقصف هيروشيما وناجازاكي ما زالا حاضرين في الأذهان.

يبدو أن التفكيك الكمي لم يتضمن مفاجآت متفردة تجعل مما حدث في 11 سبتمبر حدثا عظيما فريدا. لذلك يتطلب تفسيرات أخرى دالة وكيفية. قبل أن يبدأ محاولته لتفسير ما حدث كيفيا وضرورة التأكيد على حقيقة دامغة ترسم آفاق العالم منذ نهاية الحرب الباردة مفادها أن "الاستقرار النسبي والمؤقت لما اتفق على تسميته بالنظام العالمي يتوقف على ما يوحي به رصيد القوة العالمية من ثقة اقتصادية وعسكرية وإعلامية أو تقنية، وحتى على مستوى منطق الخطاب النظري: أي ما يتعلق بلغة القانون الدولي والدبلوماسي ومن ثم القانون الدولي نفسه حتى وإن كانت الولايات المتحدة أول من يخترقه".

لو نتحدث عن الخطاب السائد في المجال الدولي المعد من جمل رزينة مُشكلة من مُفردات الجريمة والحرب والإرهاب. تلك الجمل التي تزعم القدرة على التميز بين الحرب والإرهاب، بين الإرهاب الداخلي والإرهاب الدولي، بين إرهاب الدولة والإرهاب المستقل عنها.

اي الاختراق ينتهك أراضي دولة تقلد نفسها إضمارا دور المتسيد بين الدول ذات السيادة وذلك حتى من وجهة نظر أعدائها وبالذات منذ ما يسمى بـ«نهاية الحرب الباردة». وهذا الدور المفترض فيه مبدئيا أن يحافظ في النهاية على رصيد الثقة بشكل عام، على الرصيد بمعنى المعاملات المالية وبمعنى رصيد الثقة التي تضعها في اللغة وفي القوانين وفي المعاملات السياسية والدبلوماسية. ورصيد الثقة هذا الذي يشعر العالم بالحاجة إليه، حتى من قبل أولئك الذين يسعون إلى تدميره، تمتلكه امريكا . والولايات المتحدة تستطيع أن تجعل العالم يصدق على هذا التقييم المتسق لنفسها والذي يتيح لها تمثيل هذه الوحدة المزعومة للقوة والقانون معا، كما يتيح لها تمثيل القوة العظمى للقانون وخطابه.
وبالتالي فأن عنصر الصدمة وما يتعلق بالحدث الذي لا تنبثق آنيته من الماضي ولا من الآن التي أصبحت ماضيا، ولكن من الحاضر القادم. لذلك يجب التفكير في زمانية الصدمة. فإن حدث 11 سبتمبر لن يكون حدثا عظيما إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الصدمة التي أصابت الوعي واللاوعي لم تكن بسبب ما حدث، ولكنها أصابتنا بسبب المخاطر الغامضة التي يتوعدنا بها مستقبل أشد خطورة من الحرب الباردة نفسها.

تخيلوا لو أننا قلنا للأمريكيين وللعالم بأسره من خلال الأمريكيين إن ما حدث رغم كارثيته قد انتهى أخيرا وأننا لن نشهد أبدا حدوث نكبة بمثل هذه الجسامة أو أشد وطأة منها، وفي اعتقادي أننا كنا سنفرغ من الحزن والحداد في وقت غير طويل وكانت الأمور ستعود إلى نصابها الطبيعي ومجراها المعتاد.
الوسائل التي تستخدمها هذه القوة لمواجهة ما تمت تسميته بشكل مريب "الحرب على الإرهاب"، بما في ذلك جميع أشكال الحرب، تعمل جميعها على إحياء أسباب الخطر الذي تزعم القضاء عليه، وذلك في الأمدين القصير والطويل معا. فعدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في ساحات المعارك خارج أمريكا يمثل أضعاف عدد من لقوا حتفهم في أحداث سبتمبر.
إن مفهوم الإرهاب مفهوم مرتبك وليس له تعريف دقيق وان يميزة الشرط الأساسي للوجود السياسي ولممارسة القانون والسيادة؛ لكن من الذي يميزه عن التهديد الذي تستعمله الدولة لاحتكار العنف ؟ وما الذي يميز إرهاب الدولة عن الدفاع عن النفس؟ فجميع إرهابيي العالم يشيعون بأنهم يدافعون عن النفس ضد الإرهاب الذي تمارسه الدولة.
عندما يتحول الإرهاب إلى مصطلح متداول يطلقه كل فاعل على أعدائه، يصبح اتهام متبادل استفاد من الخلط والفوضى الذين واكبا استخدام المفهوم المذكور .
بصدد تشويش في الحقل الدلالي للكلمات والتعابير المستعملة، تشويش نرى فيه هيمنة قوى تتمكن في ظروف معينة من فرض تسمياتها ومن ثم تأويلها وبالتالي إضفاء الشرعية عليها؛ فمن ينسي من كان يطلق الألقاب "الأبطال المناضلين العظماء " الذين أمدتهم أمريكا بالسلاح والتدريب في الحرب السوفيتية الأفغانية قد صاروا بين عشية (1989-2001) وضحاها الخطر الأعظم الذي يهدد العالم ولابد من استئصاله!!
إن تلك الدلالة السائدة اليوم والتي نسحبها على كلمة الإرهاب إنما تهيمن في المجال العام عن طريق النفوذ التقني الاقتصادي للإعلام فكيف كان لـ 11 سبتمبر أن يكون دون أجهزة التلفزيون؟! فمع غياب رنين إعلامي قادر على تحويل حدث قتل آلاف الأشخاص في زمن وجيز إلى حدث استعراضي فإن الآثار النفسية والسياسية الناتجة عنه لهي أقل وطأة من تلك الآثار التي قد يسببها اغتيال شخص ما في بلد معين وثقافة معينة لديها جهاز إعلامي فائق القوة والبريق.
وهل من الضروري أن يكون الإرهاب هو إرهاب الموت فقط؟ وهل يعد ترك الأخر يموت، إرهابا، كما يحدث عندما نترك مئات الملايين من البشر يموت من الجوع والبرد والمرض؟
وعندما نتذكر أن التعبئة الإعلامية القصوى حول 11 سبتمبر كانت من المصلحة المشتركة لكل من قاموا بتنظيم العملية وكل أولئك الذين صمموا على إعلان الحرب على الإرهابيين باسم الضحايا. فقد كانت المصلحة مشتركة أفضل ما تكون عليه المشاركة بين الطرفين، فلم يقع الإرهاب الحقيقي إلا منذ اللحظة التي بدأ فيها عرض واستغلال أو إتاحة عرض واستغلال الصور التليفزيونية من قبل من كان هو الهدف نفسه.
وحتى التبدلات الجغرافية والسياسية لكل من الدوافع والمصالح الإستراتيجية الدبلوماسية التي تكثفت في أحداث 11 سبتمبر ومنها تقارب بوش مع بوتين وإطلاق يده في الشيشان وخلط الإرهاب الفلسطيني -على حد تعبيره- بالإرهاب الدولي لكي يستلزم مواجهة هو الأخر وهو ما نراه يتكرر حاليا في 2015 في المحاولات الحثيثة من قبل البعض لإقناع العالم بإدراج أعدائهم السياسيين على قائمة الإرهاب الدولي مؤكدين أنهم لا يواجهونهم بالإرهاب المضاد وإنما بتلك الحرب النظيفة على الإرهاب.
إن نهاية الحرب الباردة أدت لوجود معسكر واحد أو عدد من الدول ذات سيادة وذلك في مواجه قوى مجهولة خارجة على شكل الدولة في هيئة منظمات مسلحة تستطيع القيام بعمليات لا تندرج تحت اسم معين (لا حرب ولا إرهاب) ولا تحت اسم دولة قومية معينة بدوافع مختلفة عرقية أو دينية أو حتى اجتماعية اقتصادية. ولم تكن الولايات المتحدة الهدف الوحيد ولا حتى الهدف الرئيسي بعملية 11 سبتمبر بل يرتبط الأمر بخلق ظروف عسكرية ودبلوماسية من شأنها أن تنول من استقرار بعض البلدان العربية الموزعة بين رأى عام قوى مناهض لأمريكا والغرب وبين حاجة حكوماتها الغير ديمقراطية إلى الاستناد إلى تحالف دبلوماسي وعسكري مع الولايات المتحدة. وهنا نجد واحدا من المعطيات الإشكالية الناتجة مرة أخري من الحصانة الذاتية ،أي هذه التبادلات والتحالفات الإستراتيجية والبترولية مع الولايات المتحدة التي نصبت نفسها بطلا مدافعا عن حقوق الإنسان والديمقراطية مع أنظمة قمعية غير ديمقراطية تشكل أيضا عدوا وهدفا لمن يزعم أنهم يقودون الإرهاب الدولي ضد أمريكا وحلفائها. نعتقد بأن الإستراتيجية المتعارف عليها عند من يسمون بالإرهابيين ليست فقط تقويض العدو الرئيسي ولكن أيضا تقويض الأشد قربا من خلال مواجهة شبه داخلية وربما يمتد الأمر للحلفاء أنفسهم. وتلك نتيجة أخرى من عمليات الحصانة الذاتية التي رأيناها في جميع الحروب الأهلية وحروب التحرير حيث تؤدي المزايدة الحتمية في التنافس مع المؤيدين إلى الهجوم عليهم بشكل لا يقل ضراوة عن الهجوم على العدو الرئيسي. وهذا سبب يضاف إلى الأسباب التي تدفعنا إلى ألا نتعامل مع الإسلام أو كل ما يتعلق بالعالم الإسلامي باعتباره وحدة متناسقة. فالعالم الإسلامي ليس الآخر المطلق الذي لم يعد في وسع الغرب أن يفهمه، فهم تعلموا وتدربوا وتسلحوا على الطريقة الغربية وبأيدي الغرب الذي اخترع كلمة الإرهاب ويجب رصد التمايزات والاختلافات داخل العالم الإسلامي نفسه حيث تتنازعه الصراعات والتناقضات الجوهرية وهى تنساق هنا أيضا لعملية تدمير للذات أو بعبارة أخرى تنساق لعملية الحصانة الذاتية كما يحدث للغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم