الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركيز وميليس رداً على عباس بيضون

مفيد عيسى أحمد

2005 / 10 / 31
الصحافة والاعلام


في مقالته ( تقرير ميليس ، قصة موت معلن ) المنشورة في عدد جريدة السفير تاريخ 28 / 10 / 2005 يسقط عباس بيضون تقرير ميليس على رواية غابرييل غارسيا ماركيز ( قصة موت معلن ) مبيناً التطابق بينهما في التواطؤ الجمعي إن لم نقل الاجتماعي على ارتكاب جريمة قتل و ذلك كون الحدث الذي قامت عليه الرواية و الحدث الذي قام عليه التقرير كان معروفين من قبل عدد كبير من الناس باستثناء سانتياغو نصار في الرواية و الحريري في تقرير ميليس .
يبدو واضحاً في سياق ما كتب بيضون أنه يتبنى كل ما ورد في تقرير ميليس كحقائق لا لبث فيها و على هذا الأساس يسقطها على الرواية و كأنها كانت نوعاً من التوقع أو التخييل الذي تحقق، هكذا دوماً الأحداث العظيمة سياسية وعلمية و اقتصادية تبدأ إرهاصاتها في مخيلة أحد الكتاب، أو أحد الأشخاص، ألم يتوقع جيل فيرن غزو القمر و الـ CIA مقتل شخصية لبنانية كبيرة نعيد ترتيب الأمر على إثرها في الشرق الأوسط و لبنان.
أهم ما يجمع سنتياغو نصار و رفيق الحريري هو أنهما لبنانيان، و لكن سانتياغو لبناني في أمريكا اللاتينية و الحريري لبناني في كل مكان، كان سانتياغو أهم الأشخاص في البلدة الذي يعيش فيها و كان الحريري من أهم الشخصيات في المنطقة.
سانتياغو خبر هول فاجعته لأنه لم يمت فوراً بل دخل إلى المنزل بعد تلقيه عدد كبير من الطعنات ليجيب على ذلك السؤال العبثي ماذا جرى لك بقوله :( لقد قتلوني أيتها الأم ويني ) أما الحريري فقد مات في لحظة خاطفة دون أن يدرك موته.
ماركيز على حد قوله في مقابلته مع إيلينو ميندوزا احتاج ثمانية عشر عاماً حتى انتهى من تلك الرواية القصيرة التي ابتدع فيها شكلاً جديداً للسرد و الذي يشبه المونتاج السينمائي، حيث تضافرت روايات الأشخاص و الذين يعتبرون شهوداً ليبينوا ما جرى في ذلك اليوم .
أما ميليس فقد بدأ التحقيق هو ولجنته منذ فترة وجيزة لينهي تقريراً ابتدع فيه أيضاً شكلاً آخر للتقارير الجنائية المهنية، حيث تضافرت أيضاً شهادات شهود لا يقلون إشكاليةً عن الشخصيات الروائية، ليبني على أساسها نصاً أبعد ما يكون عن الوقائع و أقرب إلى سرد رديء.
يصر بيضون على التشابه بين النصين مضموناً أي من ناحية الحدث المبيت والمعروف من قبل من يريد ارتكابه في تقرير ميليس و من قبل جميع من في البلدة في رواية ( قصة موت معلن ) لكن يبدو أن السيد بيضون تبنى إلى درجة كبيرة ما ورد في تقرير ميليس و هذا حال أغلب من كانوا ينتظرون أن يرد في ما ورد و كأنهم كانوا على علم بمضمونه‘ و هو ما يصف الأخرين به معترفاً أن ما كان ينتظرهم الرواية بتشويقها، كم وردت في تقرير ميليس.
نحن تنفق مع بيضون في فاجعية الحدث و لكن لا نتفق معه في النقطة التي رأى فيها تشابه بين الرواية والتقرير ألا و هي الإعلان لماذا ..؟
كان القتل معلناً في الرواية و كان كل من في البلدة يعرف بنية الأخوة فيكاريو قتل سنتاياغو نصار الذي يتشابه مع الحريري في سلطته ووجاهته و جاهه و غناه و لكن على مستوى البلدة التي يعيش فيها. لكن نجد من غير المعقول معرفة ذلك العدد الكبير من الأشخاص بالنية المبيتة لقتل الحريري و الحفاظ على هذا السر المغري من الافشاء.
لتناول التقرير، هل من الممكن أن تشترك كل الجهات التي ورد ذكرها في التقري في قتل الحريري، أكثر من أربع جهات، اتصالات هاتفية، سيارات، تهديدات، عدد كبير من الأشخاص، كيف يمكن ضبط النية لدى هؤلاء، و كيف للحرير ألا ينتبه لو حدث و سرب له أحدهم تلك النية الإجرامية.
يبدو غريباً أن يكتم التخطيط و التحضير و الخطوات التي أدت إلى قتل الحريري من قبل ذلك العديد من الجهات، و العدد الكبير من الأشخاص، و لو افترضنا أن ذلك تحقق من قبل هذه الجهات و الأشخاص أين كانت الجهات الاستخباراتية في لبنان، المخابرات الأمريكية و الموساد التي تجسست على المكالمات وأفادت ميليس كثيراً و سجلتها لكنها لم تكتشف ذلك المخطط الجهنمي، يبدو أن المخابرات الأمريكية و الاسرائيلية في تراجع ( شيء مطمن ) أو ان لديها رغبة في مقتل الحريري، اسألوا أي رئيس مخفر هل يمكن للتخطيط لجريمة بهذا الحجم أن يشترك بها عدد من الجهات و تبقى في طور التخطيط فترة لا بأس بها و في طي الكتمان،
لقد أصاب السيد بيضون في اعتبار ما حدث للحريري موتاً معلناً و لكن عليه أن يدير الاتجاه وأن يوسع الدائرة ربما لتشمل من يمتهنون دمه. ليس من الداخل فقط بل من الخارج الذين لم يذكرهم فهو كالتقرير اقتصر في ذلك على سورية.
يوسع بيضون الاتهام إلى مجتمع بأسره، بأخلاقياته المفككة، المتأتية من حالة إجتماعية و سياسية اقتصادية أرستها حالة الحرب إضافة إلى العوامل الخارجية التي يقتصر في ذكرها على سورية، لكنه يلقي اللوم الأكبر على منظومة الفساد للمجتمع اللبناني، و ذلك من خلال تعرية هذه المنظومة و هي محاولة للغور عميقاً فيما هو أبعد من الحدث الجرمي الذي كان ذروة ممارسات تلك المنظومة لكن أبداً لا يحضر في ذهنه من العوامل الخارجية سوى سورية و هو أمر غريب.
جانب آخر نتفق مع السيد بيضون فيه ألا و هو تشابه الرواية مع التقرير فيما يسمى الواقعية السحرية، و هي ما يبدو من خلالها أن ما يحدث مغرق في الواقعية إلى درجة تقارب السحر بجوانبه كلها، التقرير من الناحية السردية يمكن أن يكون واقعياً في حدود إمكانية حدوث ما روي، و لكن نختلف معه في اعتبار ما روي قد حدث فعلاً ، و هو ما كان يتوجب عليه التروي في تبنيه، خاصة و أنه ادعى قراءة السطور و ما بينها.
ماذا يعني بما بين السطور ربما لا يقصد تلك التفصيلات التي أهملها ميليس و الشهادات التي اجتزأها و منها اعتراف اسرائيل على لسان أحداً مسؤوليها أنها خططت و نفذت و أخرجت سورية من لبنان، نحن لا نتهم أحداً و لا نعرف من ارتكب تلك الجريمة النكراء، لكن لدينا نفس الهاجس في معرفة من قتل الحريري، لكن ليس شعراً و لا رواية أو عن طريق سيناريوهات مفككة.
أذكر السيد بيضون و هو أدرى، أن كل قراءة للنص إعادة خلق له، لكن يجب أن يقرأ الواقع من خلال حقائق معينة، وليس من تقارير لا تتعدى الانطباعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. كتيبات حول -التربية الجنسية- تثير موجة من الغضب • فرا


.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام المؤيد




.. بصفقة مع حركة حماس أو بدونها.. نتنياهو مصمم على اجتياح رفح و


.. شاهد ما قاله رياض منصور عن -إخراج الفلسطينيين- من رفح والضفة




.. نتنياهو يؤكد أن عملية رفح ستتم -باتفاق أو بدونه-