الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معلمنا الإنسان حسن صالح ورشان

قحطان محمد صالح الهيتي

2015 / 11 / 14
سيرة ذاتية


الوَرَشَانُ في اللغة: طائرٌ من الفصيلة الحماميّةِ، أَكبرُ قليلاً من الحمامة، وجمعه وِرْشان- بكسر الواو وسكون الراء - والوِرْشان في هيت: بيت من بيوت السلام، أنجب رجالا انتسبوا اليها واتخذوا من اسمها لقبا، واعتزوا بها، فافتخرت، وما زالت تفتخر وتعتز بهم.
-
ولد حسن صالح ورشان في هيت في يوم من أيام عام 1919 ودخل مدارسها وأكمل دراسته وتخرج من دار المعلمين الابتدائية، وعين معلما لأول مرة في 1 / 9 /1941 وكان تعينيه خارج مدينته، بعدها نقل الى هيت وباشر عمله معلما في مدرستها الابتدائية في 5/9 / 1945.
-
ولكونه رياضيا محبا للرياضة، ولعدم وجود مدرس متخصص بتدريس هذه المادة في متوسطة هيت للبنين نًسب للعمل في المتوسطة المذكورة ليتولى تدريس طلبتها الألعاب الرياضية كافة، فكان حَسَن عند حُسن ِظن من اختاره لهذه المهمة، حيث اثبت من خلال إخلاصه، جدارة كبيرة، تمثلت بإعداد نخبة طيبة من الرياضيين في اغلب الأنشطة الرياضية. واستمر في المدرسة المذكورة حتى بعد أن صارت ثانوية، وبعد أن عُينَ فيها تلميذه شاكر عون الدين -أول خريج هيتي يحمل شهادة جامعية في التربية الرياضية مدرسا فيها- واستمر بالعمل فيها الى نقل الى بغداد بناء على طلبه.
-
كان الطيب حسن معلمي في المتوسطة، طويل القائمة، نهابه احتراما لا خوفا رغم أن حركاته الرياضية وطوله الفارع يوحي لمن يقف أمامه بالخوف. تميز بتسريحة شعره (الگذله)، وبأناقته، لقد كان (أبو طارق) مثالا لكل المربيين في تربية طلبته كما كان مربٍ فاضل لأبنائه الذين كنا نتمنى أن نكون مثلهم في الفضيلة والأخلاق.
-
أكتب اليوم عن معلمي حسن، مستذكرا فضله على الحركة الرياضية في مدينة هيت كونه الرائد الرياضي الأول، الذي بذل كل ما يستطيع من جهود وخبرة ودارية؛ فأثبت لنا بالفعل لا بالقول إن الرياضة: حبٌ، وطاعةٌ، واحترام.
-
في خمسينات القرن الماضي، وما قبلها، لم تكن في هيت - سواء في المدارس أو في خارجها- من الألعاب الرياضية إلا الكرة الطائرة، وكرة السلة، وكرة المنضدة، وكانت الريشة لعبة البنات والمعلمات في مدرسة خديجة الكبرى، ولم تكن كرة القدم من الألعاب الشائعة في تلك السنين. وفي المدارس وخارجها كنا (نلعب) بعض العاب الساحة والميدان وبالأخص الطفر العريض والثلاثية والعالي والزانة برمح خشبي. وكانت السباحة في نهر الفرات صيفا سيدة الألعاب.
-
كان التنافس (شرسا) في لعبتي الطائرة والسلة بين مدرستي غازي(النضال) والهاشمية (الكفاح)، ولم يكن أمام الفتيان والشباب في حينه من الفرص إلا اللعب في ساحات المدارس، فالإمكانيات كانت محدودة في توفير الأحذية والملابس والمستلزمات الأخرى. لقد كان حلم الغالبية منهم هو الحصول على (كالة باتا) كحذاء رئيسٍ لأناقته لا للعب به، فمن كان يملكه يَتَحفّى ليلعب بدونه. ومن كان يجد الفرصة في عطلته المدرسية يعمل ليوفر ما يسد حاجاته عند مباشرته الدوام، ولا وقت لديه للرياضة.
-
في ظل هذا الواقع الرياضي المُحزن، كان هناك أمل في أن تنهض الحركة الرياضية في المدينة، وقد تحقق الحلم بجهود ابنها البار، ومعلم أبنائها حسن صالح ورشان؛ فبعد ثورة 14 / تموز /1958صار الاهتمام بالنشاط الرياضي في مدارس المدينة والقرى التابعة لها أكثر مما كان عليه قبل الثورة. وصار لزاما على مدارس الناحية كافة ان تقيم استعراضا رياضيا سنويا تشارك فيه جميع المدارس بألعاب الساحة والميدان وفي الألعاب السويدية فضلا عن النشاط الكشفي.
-
وحيث أن الأمر يستوجب توفر ملعب لمثل هذا الاستعراض الرياضي الكبير، وحيث لا يوجد في هيت مثل هذا الملعب؛ فقد تم اختيار (ساحة الاستعراض) في جزء من المساحة التي كانت تعرف بـ(السبخة) لكونها أرض سبخة بسبب الأملاح التي كانت تمر عبر وادي الدوارة بعد تصريف الماء من احواض مملحة هيت. وكانت الساحة منبسطة بسبب سيول مياه الأمطار التي كانت تنحدر عبر الوادي المذكور، وقد صارت تلك الساحة ملعبا للفرق الشعبية في المدينة في نهاية الستينات وبداية السبعينات. ولمن لم يعش ذلك الزمن فقد صارت الساحة اليوم جزءاً من الكراج الموحد والعلوة الشعبية.
-
لم يكن العمل سهلا، فهو بحاجة الى جهود كبيرة سيما أنه يعتمد على العمل اليدوي لعدم توفر الأليات اللازمة لذلك، ولكن الجهود الكبيرة، والرعاية المستمرة، والعمل الدؤوب والإشراف المباشر من قبل المعلم حسن صالح ورشان وبمشاركة الأستاذ شاكر عون الدين وجهود نخبة خيرة من المعلمين والطلبة تم تحديد ساحة الاستعراض، وتم إنشاء سياج لها من الأعمدة الخشبية والإسلاك الشائكة. وتم تخطيط دائرة الـ (400م) على وفق القياسات والأبعاد المقررة. كما حددت مواقف المدارس بمادة النورة التي كانت تشتهر بها المدينة. وزينت بوابة الساحة بالأعلام العراقية، ولافتات الترحيب بالضيوف وبالجماهير.
-
كل هذه الأعمال تجري بإشراف لجنة تحضيرية يرأسها مدير ثانوية هيت وتضم في عضويتها عددا من المعنيين بالشأن الرياضي وفي مقدمتهم المعلم حسن صالح ورشان، الذي كان دوره أشبه ما يكون بدور قائد فرقة عسكرية تقاتل من أجل النصر، ومن أجل أن يظهر الاستعراض (الهيتي) أجمل من استعراضات بقية الأقضية والنواحي، بل أجمل، وأكثر تنظيما من الاستعراض المركزي لمدارس اللواء كافة ؛فقد تظافرت جهود المعنيين بالأمر وجهود أبناء المدينة، وكانت المبادرة الرائعة لأصحاب المقاهي كافة بتقديم جميع (التخوت) والكراسي ونقلها بالسيارات الى ساحة الاستعراض بدون مقابل من أجل جلوس الزوار والمواطنين عليها ، أما مقصورة (الشرف) فقد كان المسرح الخشبي الذي صُنع بعد الثورة لاستخدامه بالمناسبات الوطنية والذي صنع بطريقة يمكن بها تفكيكه وإعادة تركيبة.
-
في أحد أيام ربيع سنة 1961 أقيم الاستعراض الرياضي الأول لمدارس ناحية هيت، وقد جرت العادة أن يقام الاستعراض الرياضي في نهاية آذار أو بداية نيسان من كل عام، ويتم في يومين متتالين، الأول يسمى التمهيدي(التسقيط) وفيه تجرى المسابقات بين جميع المتسابقين لاختيار أفضل ستة منهم للمشاركة في الاستعراض النهائي؛ فهو بمثابة المسابقات التأهيلية، وفي اليوم الثاني وهو يوم الاستعراض يحضر المتصرف ومدير تربية اللواء ومدير الشرطة وبعض كبار موظفي اللواء والناحية. وفي هذا الاستعراض كنت طالبا في الصف السادس الابتدائي في مدرسة النضال ضمن فريق كشافتها، وكان معلمنا في الرياضة المرحوم إسماعيل أمين گطه، مدير مدرستنا المرحوم جاسم محمد أمين.
-
لقد كان الاستعراض الرياضي في هيت في سنواته الأولى أشبه ما يكون بكرنفال فرح، فالكل -رجالا ونساء- يعملون بهمة وجد ونشاط، وتضحية وتفان ٍمن أجل أن ينجح الاستعراض. لقد كان يوم الاستعراض في هيت من الأيام التي مازالت تعيش في ذاكرتي وقلبي، ومن أجل هذا؛ فقد خلدت ذكر ثلاثة ممن كان لهم الدور المتميز فيه وهم: المرحوم حسن وقد عرفتم ما قدم، واستاذي المرحوم وائل مخلف بكر الذي كان مذيع الساحة و(جوكر) الألعاب، واستاذي شاكر عون الدين – أطال الله في عمره- فقلت فيهم يقصيدتي دار سعدى:
-
إن غرَّبَ الشوقُ عن قلبي ففي بَدني
عِشــــقٌ يُشـّــرقُ هيتــياً بمـا قَصَــدا
-
للثانويــة ِجـــاء َاليــــوم َيحْمــلـُنـــي
علـّي أرى عندها بعضَ الذي فــُقدا
-
وقفــتُ اسـألـُهــا عـــن سـادة وهبـوا
لنــــــا المعــارفَ زاداً والعلــومَ رِدا
-
عن شاكر ٍابن ِعون ِالدين ِعنْ حَسنٍ
عن ســاحةِ العَرْض ِفيها وائلٌ نَشَدا












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة


.. كأس أوروبا.. ما حظوظ المنتخبات الأربعة في الدور نصف النهائي؟




.. مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية يعقد في القاهرة


.. في ظل الحرب.. سيدة تحوّل منزلها في الجنوب اللبناني إلى مصنع




.. ما أبرز ما أوردته الصحافة الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية على