الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم أرتكب أي جريمة في باريس

احمد عسيلي

2015 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


ولدت عام 1981 ، بمعنى أني وعيت على العالم في جمهورية الرعب ، جمهورية أصبحت مطوبة بالكامل باسم عائلة الأسد ، سوريا الأسد .
عشت طفولتي و أنا حامل لصورة حافظ الأسد و مردد الأناشيد التي تمجده وتعظمه ، كنت أدرك منذ البداية أني انسان بلا قيمة ، و أن أي ابن ضابط أو مسؤول حكومي رفيع ، يستطيع محقي دون أن يهتز هذا العالم ، بل لن يهتز حتى الحي الذي أسكنه ، فالخوف و الجبن سمتنا جميعا .
أثناء دراستي بالثانوية ، تلقيت صفعة قوية على ظهري من مدرب العسكرية ، لأني لم أصفق بما فيه الكفاية لرمز الوطن ،
مشيت مئات الكيلومترات كالنعاج ، هاتفا باسم من أعاد لنا انسانيتنا ،
أمضيت دراستي كلها في مدارس كالسجون ، ألبس ثياب الجيش ، و أقص شعري كالجنود ، ألبس فقط الأحذية السوداء ، و لا مجال أبدا لمخالفة التعليمات العسكرية .
و حين بدأ الربيع العربيي ، حلمت أن أصبح انسانا كبقية البشر ، تأثرت كثيرا بصرخة ( انا انسان و مالي حيوان و هالناس كلها متلي ) فشاركت بشكل واعي أو غير واعي بالحراك السلمي ،
أمضيت سنة و نصف بعد الثورة في (الوطن ) سوريا ، لم أذق خلالها طعم النوم المريح ، كنت أخاف من كل مجند على الحاجز ، من كل طرقة باب ، من كل رنة هاتف من رقم لا أعرفه ،
كنت خائفا من الإعتقال ، من القذائف ، من المتفجرات ،
خائف من الموت تحت التعذيب ، أو الموت جوعا أو صعقا بالكهرباء ،
و حين تركت البلاد قاصدا مصر ، لم أكد أشعر ببعض الراحة في بلاد عرفت بحرية الإعلام نوعا ما ، حتى بدأت أحداث 30 يونيو ، و بدأ التضييق على السوريين ،
كنت خائفا من عدم تجديد إقامتي ، خائفا من رفض السفارة السورية تجديد جواز سفري ، خائفا من الإعتقال في بلاد لا يحكمها أي قانون ، و لا أي شريعة أو دستور ،
كنت خائفا من الحياة في مدينة قتل بها الطالب عمرو خلاف أمام جامعة الاسكندرية على مرأى و مسمع من الجميع ، و دون أي حساب ،
خائفا من كوني سوري لم أتقن يوما اللهجة المصرية رغم عشقي و محبتي لها ، فآثرت الصمت في كل التجمعات العامة .
و عندما فاقت الظروف طاقتي ، و أصبحت أعيش بلا أوراق إقامة و لا جواز سفر و لا أي مستقبل ، تركت البلاد مرة أخرى الى أرض الأنوار فرنسا .
فرنسا بلد الحريات و حقوق الانسان ، بلد الثقافة و الفنون .
لم تمض عدة أشهر على قدومي فرنسا حتى حدثت جريمة شارلي ايبدو ،
شخصيا لم أكن أعلم بوجود هذه الصحيفة أصلا ، لم أتابعها يوما و لم أكن أعلم حيثيات الجريمة ، لكنه الخوف مرة أخرى .
الخوف من عدم منحي الإقامة ، الخوف من الطرد ، الخوف من ردة فعل الناس ،
أعلم أن فرنسا ليست سوريا و ليست مصر ، ولن تقوم الدولة بردة فعل عشوائية كسوريا و مصر ، لكنه الخوف و الرعب الذي يشل كل تفكير .
لم أتلق في فرنسا إلا كل معاملة حسنة ، و لم أتأثر أبدا بجريمة شارلي ايبدو ، و كنت أشعر أنني انتهيت و الى الأبد من حقبة الخوف .
لكني الآن خائف من جديد .
خائف من أي تصرفات قد تطالني كسوري ، كأجنبي في بلد ليس لدي فيها
أي حماية أخرى الا الحماية التي تقدمها لي فرنسا .
لا مكان آخر أذهب إليه اذا ساءت معاملتي ، لا وطن لي أعود إليه مطمئنا ، لا أرض لي و لا بلد ممكن أن أجد فيها بعضا من الامان : الا فرنسا .
أنا لم أرتكب هذه الجريمة ، و لا أعرف من ارتبكها ، و أرفض أن ترتكب باسمي ، و سأرفض أن أتحمل أي وزر لها .
أنا لم أقتل يوما ، لم أسبب الاذى لأحد يوما .
عشت حياة كاملة بالخوف ، و أرفض أن أخاف مرة أخرى..... .
.
أعلم أني لست اسثتناء ، و أنا حالي كحال مئات الآلاف من السوريين و بقية الجنسيات التي تدفع ثمن فشلها الحضاري .
لكني شخصيا لن أخاف بعد اليوم .
طالما أنني أحترم الجميع و أقوم بكل واجباتي كإنسان و كطبيب ، فلن أخاف أبدا بعد اليوم في بلد الحريات فرنسا .
سأخلع عني قميص الخوف الذي اهترأ من طول فترة الإستعمال........
لا دخل لي في تفجيرات باريس ، و أنا مع محاكمة جميع من قام بالفعل ، جميع من فرح بالفعل ، جميع من يخطط للفعل.....
لكني لن أتعامل الى كفرد في بلد احترام الفرد.......لا دخل لي و لن أخاف بعد اليوم
لن أخاف
لن أخاف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة