الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجه الآخر للإرهاب

فاتن نور

2015 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



مع الشعب الفرنسي ومع الأبرياء أينما استهدفوا..
وأسأل، ما الذي حققته الحرب ضد الإرهاب منذ أحداث سبتمبر 2001؟ وكيف لنا أن ندين الإرهاب في رقعة جغرافية وندعمه في أخرى في الوقت الذي نتحالف ضده؟ وهل تهويل مسألة الإرهاب وحصرها سببياً بأيديولوجيا فكرية معينة؛ ممكن أن يحجب الحقيقة الجليّة وهي أن السياسات الدولية والعالمية بدورها منتج آخر للتطرف والإرهاب؟

احتاج الإنسان الى المصطلحات والرموز لتثبيت المفاهيم المتفق عليها من قبل النخب المتخصصة، وتسهيل تبادل المعلومات وتوثيقها، فدأب على إنتاجها حتى كثرت وتراكمت وتنوعت بتنوع مجالاتها، فصار لها معاجم متخصصة للتعريف بها.
الإنسان يصنع المفردة، ويصنع المعنى. مثلما يصنع المصطلح، ويصنع المفهوم.
الوعي الجمعي عادة يستهلك هذه المصطلحات -مثلما يستهلك البضائع والسلع المنتجة بشراهة- وقبل التعرف على جودتها وضرورتها الفعلية لتأمين وجهاً من وجوه الحقيقة.
نحن اليوم نتداول بكثرة وعلى مدار الساعة مفردة "الإرهاب" التي ذاع صيتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فما معنى هذا المفردة وما العلامة الفارقة بينها وبين "الحرب"؟
هناك ثمة تقبل للحرب، وتفهم لأسبابها ومبرراتها أكبر من تقبل الإرهاب؛ مع أن حجم الخسائر البشرية والمادية والتبعات في حالة الحرب أكبر غالباً؛ فكيف نعرِّف الإرهاب وكيف نعرِّف الحرب؟

كل التعريفات الاصطلاحية التي مررت بها لهاتين المفردتين، لا تعجبني؛ فهي وكأنها موضوعة للتعبئة الاستهلاكية؛ لذلك تجاوزتها. أحاول هنا أن أضع تعريفات غير تقليدية.
الحرب: هي فشل الإنسان في إتباع السبل العقلانية المسالمة لتحقيق مصالحه وطموحاته، وفشله في حل أزماته وخلافاته مع الآخر حلاً سلمياً. والعودة الى سبل الغاب والوحشية في التعامل. هذا على مستوى إنسان الجماعة المنظمة ضمن رقعة محددة جغرافياً ومعترف بها عالمياً (أي دولة بالمفهوم الحديث).
الإرهاب: هو فشل الإنسان في إتباع السبل العقلانية المسالمة لتحقيق مصالحه وطموحاته، وفشله في حل أزماته وخلافاته مع الآخر حلاً سلمياً، والعودة الى سبل الغاب والوحشية في التعامل. هذا على مستوى إنسان الجماعة المبعثرة التي ليس لها رقعة جغرافية محددة وغير معترف بها عالمياً، أو على مستوى أناس فرادى ضمن جماعات منظمة.

القاسم المشترك من منطلق هذين التعريفين الغريبين لحد ما؛ هو "الفشل"..
فشل العقل في أنسنة الإنسان واللجوء الى مسالك الفطرة البدائية والصراع الدموي من أجل البقاء. بل واستثمار العقل العلمي بما ينتجه من علوم وتكنولوجيا لتأصيل فشل العقل السياسي وعجزه عن الارتقاء الى أنسنة حقيقية للذات؛ وذلك عبر تسخيره لدعم النوازع الوحشية بحرفية حداثوية.

أما الفرق بين التعريفين؛ فهي مفاهيم وضعية تلقينية ترسَّخت في الوعي الجمعي؛ فأصبح "مقتل" عشرات الملايين من البشر الأبرياء يبدو كنتيجة طبيعية أو حتمية لحروب عالمية عظمى، وليس لإرهاب عالمي بشع بكل المستويات.
لم ندرس في المدارس، ولم نقرأ في الكتب عن عمليتين أرهابيتين عالميتين، بل درسنا وقرأنا عن حربين عالميتين عظيمتين؛ لأنها حدثت بين جماعات بشرية منظمة على رقع جغرافية ترفع أعلاماً رسمية صارخة. وهذه الجماعات شرَّعت لنفسها الصراع الدموي والقتل الجماعي، وكل وسائل الترهيب والتعنيف والتدخل الوصائي في شؤون الآخر، وسنَّت لنفسها ضوابط وقوانين شقّت مفهوم الحرب في الوعي الجمعي الى مفهومين؛ حرب شرعية وحرب غير شرعية. أما الجماعات التي لا تمتلك نفس المؤهلات لممارسة العنف الدموي وخوض الحروب فمحظور عليها ممارسة مثل هذا النشاط السياسي الفتاك الذي سيحتسب إرهاباً إذا مورس.

ربما ما أريد قوله هنا هو أن الحرب؛ أي حرب، هي الوجه الآخر للإرهاب، أو هي الإرهاب المقنّع بسلطات رسمية ومواثيق. ولا معنى للحرب ضد الإرهاب بمعزل عن مسبباته المتداخلة والمعقدة؛ فالحروب التي تفكُّك الدول، تنخرها من الداخل وتهجّر شعوبها وتسلب خيراتها؛ هي في حد ذاتها إرهاب مُرخَّص مُنتج للإرهاب غير المرخص. ولن تحقق الحرب ضد الإرهاب النتائج المرجوة إلا إذا كانت حرباً شاملة ضد كل أنواع "العنف المسلح" أيا كانت صوره وغاياته، ومهما كانت صفته أو تصنيفاته الاصطلاحية وأينما وجد على كوكب الأرض. فالحرب عنف مسلح، ولا تختلف عن الإرهاب من حيث تبعاتها المأساوية بصفتها ممارسة وحشية ناشزة لتحقيق غاية ما.
الحرب إرهاب والإرهاب حرب؛ وكلاهما ممارسة غير إنسانية ولا تصلح للتعبير عن سياسة دولية أو سياسة فئوية للجماعات والأفراد. وجادة الصواب لتعامل الجنس البشري مع نفسه تكون بنظري؛ خارج هذا الثالوث الاصطلاحي؛ حرب شرعية، حرب غير شرعية، إرهاب. وهو ثالوث غير منضبط من حيث المفهوم والممارسة على أرض الواقع، فالممارسات السياسية لهذا الثالوث عقيمة الجدوى وغارقة في الانتقائية والازدواجية التي تؤجج المزيد من أعمال العنف وشغب التطرّف وشغف الحروب.

فاتن نور
Sat 14, 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في