الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجمات باريس .. الشريك المُغيَّب

محمد عبعوب

2015 / 11 / 15
الارهاب, الحرب والسلام


بداية نعبر و بكل ما تحمله عبارات التنديد والادانة والاستنكار عن استهجاننا وإدانتنا لما اقترفته عصابات ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية الآثمة المجرمة البربرية في حق أبرياء عزل بمسرح وبملعب باريس الجمعة الماضية حيث كان هؤلاء الضحايا ينشدون لحظات من السعادة والترفيه عن النفس، وإذا بصناع الموت من إرهابيي الإسلام السياسي يزهقون أرواحهم بكل برودة أعصاب وإصرار وبحرص شديد على إزهاق أرواح اكبر عدد ممن صادفوهم في تلك الأماكن، وهم يرفعون شعارات لا تمت بأية صلة لما يقومون به لا من قريب ولا من بعيد..
في الوقت نفسه نؤكد أن مثل هذه الأعمال ومشاهد القتل البربرية الهمجية التي فارقتها البشرية منذ أزيد من خمسة قرون ،و لا تمت بأية صلة لأي دين أو قيم إنسانية، وأحدث فصولها ما جرى في باريس مؤخرا وما يجري في فلسطين المحتلة منذ عقود، هذه المشاهد مجتمعة توجد أطرافا أخرى لها دور في تأجيجها وهي اليوم مغيبة ولا يتم حتى مجرد التلميح أو الإشارة لها، وهي تتمثل في سياسات ممنهجة تنفذها الحكومات الغربية تعمل على تكريس الفقر والتخلف والاضطراب في منطقة الحزام الإسلامي، لا زالت متواصلة منذ أزيد من قرن حارمة شعوب هذه المنطقة من فرص تاريخية للنهوض والتقدم والاستقلال الحقيقي واللحاق بركب التحضر..
نعم إن وقع هذه الجريمة على النفوس مؤلم ويبعث الرعب ويثير التساؤل عما إذا كانت هناك أسباب جوهرية تستدعي ارتكاب مثل هذه المجازر في حق أبرياء لا تربطهم أي صلة عداء او كراهية بتلك الشعارات التي رددها القتلة.. نعم أي ذنب ارتكبه سيد أو سيدة تجلس في مسرح او ملعب كرة حتى يتم إزهاق أرواحهم هكذا في لحظات بدون أي تمحيص او تثبت من الهويات ؛ هذا افترضنا أن القتلة يستهدفون أشخاص معينين او هويات معينة؟! أليس الجريمة في هكذا حالة و بهكذا موصفات هي جريمة ضد الإنسانية جمعاء ولا تفرق بين ضحاياها؟!!
لقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي مسؤوليته عن الجريمة بكل فخر معتقدا أنه ينتقم لمسلمين يقتلون في أكثر من بلد على أرضهم، وهي هنا بقدر ما هي جريمة في حق هؤلاء الأبرياء فهي أيضا جريمة في حق كل المسلمين حيثما كانوا، وضد الإسلام كقيمة ، ذلك أن ما سترسخه هذه الجريمة وما سبقها من جرائم مروعة تتخذ من الإسلام غطاء لها، في ذاكرة الإنسانية من انطباعات وأحكام خاطئة على هذا الدين وأتباعه ليس من السهل تصحيحها ، وسيبقى الإسلام والمسلمون عبر أجيال قادمة عنوانا للإرهاب رغم ما تبذله مؤسسات صناعة الرأي المتنورة والمعتدلة في العالم الإسلامي من جهود لتصحيح هذه الانطباعات والأحكام التي ساهم هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية المتلطية بالإسلام في زرعها في وعي العالم..
ومن خلال متابعتنا للأخبار والتحليلات عبر القنوات الفضائية التي واكبت هذه الجريمة منذ البداية، كان الإسلام والمسلمين على رأس كل التصريحات والتحليلات الرسمية والإعلامية كمسئول عن هذه الجريمة ، واقتصر المعلقون والمحللون على استدعاء حوادث التاريخ الدامية القديمة والحديثة والمعاصرة التي كان للإسلام كهوية علاقة بها في محاولة لتثبيت أركان الجريمة على هذا الدين والإيحاء للمشاهد والقارئ عبر العالم بأن جذور الجريمة ومنشأها ينبع من الإسلام كدين، وبالتالي يجب أن يوضع هذا الدين في قفص الاتهام والعمل على تخليص البشرية منه.. ويغفل هؤلاء الساسة والمحللون والمفكرون وهم يندمجون في مارثون إلباس تهمة الإرهاب للإسلام كدين، يغفلون عن شريك مهم في هذه الجريمة يتجسد في سياسات الغرب المناوئة لأي محاولة نهوض إسلامية، ولم يخطر ببالهم التساؤل عما إذا كانت هناك أسباب أخرى ساهمت في ظهور هذه الموجة من الإجرام إلى جانب الأسباب المتعلقة بالقراءة السلفية الخاطئة لهذا الدين..
لم تهتم الطبقة السياسية والفكرية و وسائل الإعلام الغربية بالبحث عن الأسباب التي دفعت بشباب في ربيع العمر إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة والتضحية بأرواحهم لاقترافها؟!! هل يعقل أن هؤلاء الشباب وعددهم حسب التصريحات الرسمية ثمانية كلهم مجانين معبئون بالحقد على الإنسانية بدون سبب ويندفعون هكذا وبكل برودة أعصاب لقتل أبرياء؟ ألا توجد أسباب جوهرية جعلت الأمر يلتبس عليهم ويندفعوا للتورط في ارتكاب هذه الجريمة؟ هل أيدي ساسة أوروبا والغرب بريئة من هذه الجريمة؟ وهل هم أبرياء من الدماء التي تسيل منذ أزيد من قرن في مختلف البلدان العربية والإسلامية؟ هل ما تعانيه بلدان العالم الإسلامي من حروب وتدمير ممنهج لبنياتها المتهالكة وإفقار لمجتمعاتها وتدمير وتبديد لمواردها البشرية والطبيعية والاقتصادية ببعيد عن دوائر صنع السياسات في الغرب؟ ألا تنتج كل هذه السياسات المنتهكة لحقوق المسلمين والعرب على مدى قرابة القرنين من الزمن و تتواصل حتى اليوم بكل إصرار وتسد أمامنا كل أبواب الخروج من أزماتنا ، ألا تنتج لنا مثل هذه التوجهات الإجرامية التي لا تختلف في نتائجها عما تنتجه سياسات الغرب تجاهنا؟
حريا بقادة الغرب وصناع سياساته أن يقفوا اليوم وبكل شجاعة ويجيبوا على هذه التساؤلات، وأن يصححوا مواقفهم ويراجعوا حساباتهم في التعامل مع العالم النامي بما فيه العالم الإسلامي ، وأن يلجموا شركاتهم المتوحشة التي أصبحت تقتات على دماء الشعوب بعد استنفذت مواردها الاقتصادية، وان يفكوا ارتباطهم بالحركة النازية الصهيونية التي تقودهم وتقود العالم كله الى حافة الدمار تحت شعارات جوفاء مستقاة من الغيب ، وألا تغرهم ترساناتهم النووية وأسلحة الدمار الشامل التي أثبتت عدم جدواها في محاربة هكذا ظواهر إرهابية تتغذى بالحقد والكراهية الناتجة عن سياسات الغرب المعادية لحق الشعوب في التنمية والتقدم وامتلاك أسباب الحياة الكريمة.
إن ما جرى في باريس الجمعة الماضية وما جرى في أكثر من بلد غربي خلال العقود الماضية من أعمال إرهابية يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان، حتما لا تتم بمنأى عن سياسات الغرب ، بل هي إضافة إلى أنها تستقي دوافعها من فهم خاطئ للإسلام كدين فهي أيضا تعد نتاجا طبيعيا لسياسات أوروبا وأمريكا المتآمرة على أية محاولة للتحرر والخروج من دائرة الهيمنة والتبعية والخنوع تخوضها شعوب المنطقة . إن جريمة باريس يجب أن تكون مناسبة للغرب لمساءلة الذات ومحاسبتها ، وتصحيح كل الأخطاء وفتح صفحة جديدة في التعامل مع قضايا العالم الإسلامي بكل حياد وتعاون والأخذ بيد قواه الحية في محاربة ظاهرة الإرهاب واجتثاث مسبباتها وتقديم كل الدعم من أجل إقامة دول حقيقية تتخذ من الديمقراطية منهاجا لها وتقدس حرية الإنسان وحقوقه كافة التي نصت عليها التشريعات الدولية، والتوقف عن سياسة الكيل بمكيالين والتآمر على طموحات هذه الشعوب خدمة للصهيونية ومؤسساتها الإرهابية التي تمارس إرهابا يفوق في مخاطره ونتائجه على مستقبل الإنسانية، ما رأيناه في باريس قبل يومين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم تنصف القضية
نيسان سمو الهوزي ( 2015 / 11 / 15 - 20:52 )
سيدي الكريم لا اعتقد قد أنصفت الموضوع !!
الغرب والرأسمالية وتلاعباتها لا تبرر ان تقتل ابرياء ليسوا لهم علاقة في السياسة ولا حتى المذهب وقد يعانون أنفسهم من تلك السياسة !!
الموضوع اكبر وأعمق من ذلك فهو مزروع وموجود ويتم تدريسه كل يوم في المدارس الوهابية وغيرها من الدول المارقة !!
اذا كنت تبحث عن الحقيقة فعليك ان تبحث المنبع الذي ينبع منه هذا الحدث وان لا تربطه بالسياسة العالمية لانها واضحة ومعروفة ولا تبرر الجريمة ... تحية طيبة


2 - انه لايبرر سيد نيسان
عبد الحكيم عثمان ( 2015 / 11 / 15 - 22:22 )
بعد التحية سيد نيسان متى تكف عن الاستناج الخاطي سبق وان اتهمتني في مقال لي سابق بأني ابرر للارهاب وها انت تتهم الكاتب ايضا بأنه يبرر للارهاب- اننا لانبرر للارهاب ولكن نحاول ان نجد اسباب لهذا الارهاب- فعلا تدخل الدول الغربية في شؤون البلاد العربية والاسلامية احد اسباب ظهور الارهاب ضدهم- قرار النقض الفيتو التي تستخدمه امريكا ضد حصول الفلسطنين على حقهم المشروعه سلميا في حصولهم على دولة مجاورة لدولة اسرائيل التغاضي عن جرائم اسرائيل سبب في ظهور الارهاب ضد هذه الدول الانقلابات الكثيرة في دول المنطقة التلاعب باسعار البترول دعم الانظمة الدكتاتورية في اكثر من بلد عربي- كل هذه من اسباب ظهور الارهاب ضد هذه الدول نحن لانبرر ولكن نسعى لبيان اسباب تفشي الارهاب من اجل محاربته فتعلم ان الحل العسكري لايكفي لهزيمة الارهاب ولك التحية


3 - اخي عبدالحكيم
نيسان سمو ( 2015 / 11 / 16 - 07:32 )
شنو وين ما اروح تطلعني !!!! اخي أنا لا اختلف معك في موضوع الغرب وتلاعباته ومصالحه وهي مشاريع واضحة ومحاربتها او صدها او التخلص منها واجب وانا انادي بذلك منذ القرن التاسع عشر !! ولكن هذا لا يبرر ان تقتل ابرياء بطرق غريبة ووحشية لم يسبق لها ! فما علاقة نساء واطفال السنجار اليزيديين مثلا بإسرائيل ! ماعلاقة المصليين في الجوامع والحسينيات الاسلاميةوالكناءس الفقيرة حتى يتم تفخيخها ! ماعلاقة القبض وخطف الآلاف من العمال الفقراء ونحرهم من اجل التلذذ بالدم !
التلذذ بمشهد الدم هو شيء ومقاومة الاستعمار والغرب شيء اخر ! الغرب يحاول ان يتدخل هنا وهناك من اجل مصالح اقتصادية وهي تدخلات تكون اكثر من حقيرة في مرات كثيرة ولكن هذا لا يبرر ان اقتل مصليين في الجامع او حسينية لأنهم سنه او شيعة وهم لا يعلمون ولا دخل لهم بما يحصل في العالم السفلي ! ماعلاقة العمال المصريين او الاثيوبيين او العراقيين او غيرهم من الأبرياء يتم نحرهم على الهواء مباشرة بما تقوم به اسرائيل !
هل تبرر قتل الأبرياء لان سياسة الغرب غير عادلة !
اننا نقتل بَعضُنَا البعض اكثر مما نقتل من الغرب بالاف المرات !
اعلم بان الموضوع شاءك .


4 - سوف اطلعلك حتى تغير استنتاجك
عبد الحكيم عثمان ( 2015 / 11 / 16 - 09:53 )
اخي نيسان بعد التحية اكررها للمرة الالف لانقبل بماتفعله داعش والمليشيات بقتل الامنين في دور العبادة من اي ديانة كانت
وعندما نتتقد الغرب وسياسته لانبرر مايفعله الارهاب ولك كما يقال نضع الحروف على النقط ونحدد اسباب ظهور الارهاب لااكثر وسوف استمر اطلعلك الى ان تعود ذالك نيسان سمو الهوزي الذي عرفته منصف حيادي لماح
لك التحية


5 - لم نختلف
محمد عبعوب ( 2015 / 11 / 16 - 10:02 )
المعلقان الكريمان حتما لا نختلف فيما يتعلق بدور التنظيمات المتطرفة في هذه الظاهرة.. لكن هذا لا يبرئ اطرافا اخرى لها علاقة يمكن رصدها بوضوح فيما يتعلق بهذه الظاهرة المقيتة أيا كان مقترفها.. الارهاب كريه ومرفوض في كل الديانات والقيم الانسانية.. وما يجري وان كان له علاقة .. بالدين فهو نتاج لفهم خاطئ للدين

اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة