الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقادمية حالة حرب

رضا لاغة

2015 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


حين نحدّق في هذا الوضع ، بلا خلط ، علينا أن نعترف أن العقل الذي دهمته دموية الإرهاب الذي ضرب عميقا في لبنان و سوريا و العراق و ليبيا و فرنسا ...يعلن عبر تكاثر مذهل من العواطف المحمومة بأن تاريخنا ينوء بميراث ثقيل حافل بالقتل و الإبادة ، تاريخ صاعق عصيّ عن الفهم و الوصف. تضاريسه أشبه بنسق تدويني لعبثية القتل الذي يحدث بلبلة في بطن الإنسانية التي ترتجف من فضائحية بعض الشامتين . إن القتل المؤسّس يحيل إلى انقلاب أعمق يتطلّب إذابة و تفكيك رواسب الثقافة المتعاقبة التي تقطن في الكوناتوس بالمعنى السبينوزي للكلمة.
إن هذا التجاور المطلق بين الحرب و السلم ، بين الإرهاب و التسامح بين الحياة و الموت ــ رغم مأساويته ــ يظل مقيما في هذه المثالية النابعة من الكوناتوس بما ترمز إليه من رغبة في الوجود و الاستمرار في الحياة . إن هذا التمركز للإرهاب هو شكل من الانزياح الرهيب إلى رواسب أخرى مخفيّة في التاريخ و في بنية الذات البشرية . ربما بتعبير ريكور نتيجة الهشاشة التكوينيّة للذات الإنسانية ، أو ربما لأن الايتيقا لا تجد حيزا تتمظهر فيه أفضل من الموت و السعادة بتعبير عبد العزيز العيادي ، أو لأن السقوط في براثن الإرهاب هو وجه من اللامعقولية المتّحدة بالحضارة ، بالإنسان ...
يتعلّق الأمر إذن بهذا التكافل بين التاريخ و الإرهاب. ومع هذا فإن حديثنا عن الإرهاب لن يختتم أبدا . فإذا أردنا أن نتعقّب مراحله التاريخية و موطنه الأصلي الذي نبع منه كمنطلق لتكوين مقاربة نقدية لاقتضى ذلك تفنيد بعض المفترضات الخاطئة التي تجعل من الإرهاب شأنا متخصّصا للحضارة العربية الإسلامية. بحركة مائلة مجازفة غير بريئة نلمح لدى البعض جنوحا لوضع حضارتنا تحت طائلة الشك . و تكون المفارقة أن نغمس حضارتنا في بحر الإرهاب و ننسى اللحظة المنحطّة التي يتأسس فيها ضمن أنموذجية السادية الصهيونية و الغطرسة الأمريكية و بالأمس القريب الاستعمار الفرنسي نفسه في الجزائر و ليبيا و حاليا في سوريا .
ما نريد قوله علينا ألاّ نبحث عن منابع الإرهاب في بضع مشاهد منثورة في قلب حضارتنا بل يجب أن تستمدّ هذه القواعد المبدئية لإدانة الإرهاب من حضور مليء موجّه إلى الذات الإنسانية بكلمات لا تمحى: كن عادلا ، كن سمحا ، كن رحيما و لا تكن غشوما ظالما قاتلا...
إن الإرهاب منتظم الحضور في حضارتنا ، هذا أمر مؤكّد ، و ربما يكون تعبير عن فشل الأحزاب الليبرالية الذي فتح الطريق لحركات الإسلام السياسي الذي قدّم نفسه كبديل عن الممارسة الديمقراطية ؛ و لكن حذق الإرهاب في التسلل إلى بنيتنا لا يردّ إلى إسراف حضارتنا في التطرف كما قرأنا بعض الاتجاهات الحبيسة للنسق الثقافي الغربي. إن من يفهم التحدي الحقبوي للإرهاب على أنه من صميم حضارتنا و من ضلع ثقافتنا إنما يباشر بلا أدنى شك فعل ترميم الذاكرة المستبطنة للمركزية الثقافية كما نظّر لها رينان و لا يدعنا ننتبه لشروط حيازة تنقية الرسم اللامنطقي الذي قام عليه تاريخ الإنسانية عموما.
بلغة فلسفية شاملة إننا بحاجة إلى عقل يعبّر عن نفسه عبر تجميد الرؤية المميّزة لأنموذج الغرب كبراديغم تفسيري لثقافة مثالية .
إن النظرة الاتهامية لثقافتنا كثقافة قوامها الإرهاب هي ثقافة موسمية تدمّر فكرة التثاقف و التصالح بين الهويات . علما أن تساؤلنا عن الإرهاب لا يمثّل ردة فعل على نظرة الآخر لنا لأننا نعترف وفق العقل النقدي الذي يشكّل مدخلا ممهّدا لمكافحة الإرهاب بأننا بحاجة لكي نبدأ التفكير و التشكك في مناهجنا، في نظمنا السياسية ...لا ريب أن هناك ألغاز خفيّة ماثلة في بنية العقل العربي الذي يحتاج إلى تفكيك و تشريح و مراجعة لمقصد أصالته التي تشوّشها حركات الإسلام السياسي التي تنسج ــ على عكس تعاليم الدين ــ خلقا في هيئة عفاريت مفصولة عن قيم الإيتيقا التي تنادي بعلوية الذات الإنسانية .
إننا نحقّق وعيا بخطورة الإرهاب و عرضه عاريا أمام نظائرنا متى كنّا في خدمة الإنسان كوحدة غير قابلة للفصل. تمتزج هنا مأساوية الإرهاب أينما حلّ بوصفه استعجال لإفناء البشرية بأسلوب غريب يقوم على انبثاق مؤسس للشر.
هذه اللحظة ينبغي أن نقرّر فيها أنه عندما يموت مواطن عربي في سوريا أو فلسطين أو البوسنة أو فرنسا ...فذلك ناقوس خطر لإنسانية مراقة هجرتها الرحمة و العدالة و التآزر. هذا ما يجب أن نقرّ به و نحترمه كسلوك أمّا أن تستيقظ معاني الإنسانية حينما يقع الإرهاب داخل تضاريس الغرب فحسب ، فاعلموا حينئذ أن قراءتنا للإرهاب ستكون تحايلا لثقافة ضد ثقافة أخرى.
إن مخطط الإنسانية اليوم يكمن في : كيف نتفادى الإرهاب الذي يفلت من قبضة رقابتنا رغم حذرنا و توجّسنا ؟ كيف يواصل مهمة العبث بأمن شعوبنا ؟
في الواقع إننا نغامر بضرب من الانزلاق غير الفعال لمكافحة إرهاب معولم لا يعترف بالحدود ، متماسك بشكل تناظري ، ممسرح لحماسة وهمية بطولية ، إرهاب التحامي مع الهدف ، يمر بجميع الصور ، يفلت من المحاجة العقلية ، طاقيّة غير متشكلة في العلن ، تباغت بترتيب استراتيجي ينتشر في كل الاتجاهات.نحن نتحاشى ضرباته المفزعة بوثبات تفتقر إلى وحدة التخطيط ، رؤية مشوّهة بانتظام لأنها غالبا ما تكون في شكل ردة فعل ، مدفوعة الأجر مغروسة في بنية وعي ليس له نظرة تخطيطية شاملة و قراراتها غالبا ما تكون ارتجاعية لا تقبض سوى على الأسباب السطحية للإرهاب التي تقيم في جنس الراوي : أنت إرهابي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت