الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مِن أجلِها لا تنم أيُّها الليلك

صبري هاشم

2015 / 11 / 16
الادب والفن


مِن أجلِها لا تنم أيُّها الليلك
***
1 ـ أنتِ والبحر
***

طَوِيْلاً لَا تَتأَمَلِي
هُوَ البَحْرُ نَحْوكِ يَأْتِي لَاهِثاً
وَتَحْت قَدَمَيْكِ يَظلُّ يَتضرّعُ
مراراً قلتُ لك
كُلّ العواصفِ سوف تَهْدَأُ حِيْن لقَدَمَيْكِ تُلامسُ
فلا تَحْزني
واغْمُري البَحْرَ شَيْئاً مِن نَدَاكِ
يا أنتِ
هو البحرُ
فلا تَصْهلِي بِوَجههِ
فَتَرتَعب في جوفِهِ الكائناتُ
ونَحو التِّيهِ خُذِي زَوْرَقي المجنونَ وَابْتَعِدي
ثمّ ارتحلي
فجَسَدُكِ المَشبوبُ صَارَ مُرْشِداً للسَفَائنِ
وتَوغّلي صوبَ الجنونِ
وأنا طويلاً استهوتْني الأمواجُ
طلبتُ مِن البحرِ يَأخذُني إليهِ
بأسفٍ أَخَذَني
فرأيتُ الحربَ تنضو خلفَ أستارِ الليلِ ثياباً
ثم إلى نهرِ الضّياعِ تنزلُ
به تغتسلُ
وكان النهرُ يجري وراءَ الكُثبانِ بآثامِهِ
كنتُ أسمعُ أنينَ النخلِ وصيحاتِ الجندِ
فطُلبَ إليَّ أنْ أجمعَ الأنينَ بخوذِ الضحايا وأُودعها الرمالَ
أصرخُ : أيها البحرُ بجَسَدي ابتعدْ
بِروحِيَ ارتحلْ
ولا تَخفْ قمراً برأسِ النخلِ يتنزّهُ ؟

***
2 ـ أنتِ والجنون
***

لا تَلْعني الجِدَارَ
حِيْن بكِ يَبْلُغُ الغَيْظُ مَبْلَغاً
ولَاْ تَدْخُلي ضَبَابي
فَيَأخِذكِ الضّياعُ
وأشْرقِي وَلَو مِن وَرَاء غِيَابٍ
ثمّ اعْلَمي أنَّ
خُطْوَةً لكِ اخْضَرّتْ في الطَّريْقِ
فلا تَترُكِي فِي صَدْرِ الأَرَائكِ حَسْرَةً
كيفَ لا
وقد ظَلَّ بكِ المكانُ مُشْرِقاً
يا امرأة
مِن وَرَاءِ الغَيْمِ
أطْلقِي أُغْنيّةَ المَدِينةِ
ولَا تَرْسُمي رُوحَكِ الخَضْراء فَوْق أَنِينِ المَوْجِ
فمِن وَرَاء شقٍّ برُوحِ الخَيْزُرَان
رأيتُ الجسدَ يلهثُ
وتِلْك الخَزَائنُ كانَتْ بانْتِظَارِكِ
فلا تَتْرُكي كنزاً لقطّاعِ الطّريقِ
ولا تتركي الوَرْدَةَ عَارِيَةً
ثمَّ على جَسَدِي اُكْتُبي
آخرَ السُّطورِ
كم مرّةٍ أوحيتُ إليكِ يا امرأة
كم مرّةٍ توسّلتُ إليكِ :
مِن أَجْلِ عُيونِ وَرْدَةٍ
لا تَقْطُفي وَرْدَةً
فتِلْك الأنغامُ النّاعِمَةُ
مِن جَسَدِ تلكَ الوَرْدَةِ تَخرجُ
أحْلُمِي مَا شِئتِ الآن يا صديقتي
فَرُوحُكِ مَعِي تَنامُ عَارِيَةً
وعليها تسهرُ تِلْكَ النَّوافذُ
التي إِلَيْها يَأْتِي البحرُ
بل كُلُّ البِحَارِ

***
3 ـ أنتِ والندى
***

أَمَامَ بِرْكةِ النَّدى لَا تَسْجدِي
وتَمَنّعي للمَرّةِ الأخِيْرةِ
فكوكبُ النّقَاءِ
دائماً فِي جِسْمِكِ يُشْرِقُ
وذَلك الصَدْرُ
تَحْت العَيوْنِ يَتَنَهّدُ
وأَنْتِ مِثْل طَائرٍ غَرِيبٍ
بِلا مَوْعِدٍ يَأْتِي
فاحْرِثِي الليلَ إنْ شئتِ والبَحْرَ
وَابْحَثِي في زرقةٍ مع موجِها تَماهى ثوبُكِ الشفّاف
يا أنتِ
اُتْرُكِي طَائِرَ الجَحِيْمِ
وَاتْبَعِيْني
كُونِي فِي الرُّؤيا وَحِيْدةً
وَاسْكنِي جَسَدِي
فَأَنا لِعَوْدتِكِ مازلتُ مُنْتَظِراً

***
4 ـ أنتِ والظلام
***

لَا وَقْتَ لدَيْنا للعُشْقِ و لا وَقْتَ لدَيْنا للهُيام
فافْتَحِي الأَبْوَابَ جَمِيْعَها
للرَجاءِ الذي سَوف يَأتي
ولا تُغادِري الليلةَ
فأنا لا أُحبُّ الظلامَ
وأنتِ تَعْلمين يا صديقتي
لَمْ يَبْقَ مِن جَبَلِ الحَنينِ الذي هَوَى مِن عَلى صَدْري وَتَحَطّمَ
سِوى قِطْعةٍ مِن حجَرٍ بحَجْمِ الكفِّ
ونحن بالليلِ نهتفُ :
أيُّها الليلُ فاقبلْ :
والليلُ يمتنعُ
فيما الطاولاتُ تتصبّرُ فارغةً
وبعدَ يأسٍ ، قلَبْنا المائدةَ
ومضى كلٌّ مِنّا في طريق
عندئذٍ فقط أدرَكَنا الليلُ
ثم غَشَانا
فصحْنا بصحبٍ كُنّا نتوهّمُهم :
غادرونا جميعاً قبلَ أنْ نُغادرَكُم
وبي صحتِ :
الآن
قفْ على قمةِ جبلٍ
واحملْ على كفّيكَ حَجَرين
انشرْ في المدى يديكَ
ثم انتظرْ بُرهةً
فعلى هامِها ستحطُّ بكلِ الحنانِ نسورُ
وأنتِ تَعرفين نحن في الظلامِ
وفي المَدى ثَمّة أفْعَى نَحْوَنا تَسعى
ثَمّة جسدٌ فوقَ الرِّمالِ
في الأحداقِ يسفُّ
ثَمّة فحيحٌ مُجنّحٌ يملأُ البريّةَ صخباً
ثَمّة أشباحٌ مِن وراءِ الفراغِ تطلُّ
ثَمّة أشياءٌ
وجنونٌ
ثَمّة نهرٌ بلا حَياءِ
يستقبلُ نسوةً عارياتٍ
ويظلُّ النهرُ مُسْتَمتعاً بالأجسادِ
والأجسادُ فوقَ الموجِ تَنهمرُ
فما ألذَّ الأجسادَ حين بالزغبِ تُلْهي الماءَ !
***
ورغبةُ الجسدِ متاعٌ للنهرِ
وفي هذا الليلِ
جسدٌ يتشهّى النهرَ
والماء يفرُّ حياءً
جسدٌ يبتلعُ النهرَ وبه يتسلّى
يا هذا الماءُ السابحُ فوق الأجسادِ
احذرْ مِن غرقٍ
***
يا أنتِ يا امرأةً في الظلامِ
إليكِ جِئتُ أعتذرُ أيتها الوردةُ الأُنثى
فأنا لستُ قادراً على الكتابةِ عن خَدّيكِ الجميلين
وعنِ النَّدى المُتوسدِ وَجْنَتيكِ
جئتُ اعتذرُ
فالموتُ في بلادي تَسَيّدَ الأمكنةَ
فكيف أُغلقُ البابَ
والمرايا مازالتْ في صورتي تُحدِّقُ ؟
***
هبطَ الطيرُ مُثقَلاً بالغمامِ وبالهدايا
هل رأيتِ مِن بين هَداياهُ
في عيدِ ميلادِكِ الليلةَ هديّةً مِني ؟
فأنا إليكِ حملتُ الجسورَ جميعَها
وقلتُ : هذي أواصرُ الصداقةِ فاعبرْي إنْ شئتِ
ولا تَتَمَنّعي
وإليكِ أدنيتُ السّفينةَ ثمَّ حملتُ إليها البحرَ
وطالبتُها بالسّفر
يا أنتِ
بفستانِكِ الأبيض هُبّي عليَّ ريحاً
تَقْتَلعني في هذا الليلِ
تعصفُ بنا حين تَطْربُ الموجَ أردافُ السَفيْنة
26 ـ 12 ـ 2013 ـ برلين
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد