الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحنة السورية والعدالة الدولية

طيب تيزيني

2015 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة ظاهرة راهنة لا يستطيع المراقب والباحث المدقق أن يتجاهلاها، وتتمثل في أن الحدث السوري أخذ في البروز بصفة كونه قد تحول إلى معيار غير مسبوق للعدالة الدولية. فكما هو معروف، بدأ الحدث المذكور قبل أربع سنوات ونصف السنة تقريباً. وظل منذ بدئه حتى مرور نصف عام متسماً بالسلمية والحضارية الهادئة، يطرح شعاراته وأهدافه وبرامجه بصيغ سلمية وعقلانية، وبكثير من الحكمة، ودون الإساءة السياسية أو الأخلاقية للأطراف الأخرى. وقد عبّر عن ذلك فعلاً بطرق حضارية راقية، حيث أعلن عن ضرورة الإصلاح الشامل للمجتمع السوري، بعد أن تحوّل إلى ساحة للاستبداد والفساد والإفساد، بحيث تحولت سوريا إلى «دولة فاشلة»، تقودها «قوى بوليسية» عمّمت آلياتها ومطامحها واستراتيجياتها، وذلك على نحو أنتجت فيه الهدف الأكبر، الذي وضعنا يدنا عليه، وهو المتمثل في المطلب التالي: يجب أن يُفسد من لم يُفسد بعد، بحيث يصبح الجميع فاسدين مُفسدين، ومُدانين تحت الطلب! وبهذا، فإن دولة القوى المذكورة ربما كانت أكثر فاعلية وشمولية من الأخرى التوتاليتارية.


لقد كان خروج جموع من الشعب السوري إلى الشارع لفتاً حكيماً للسلطة البوليسية ورأسها بضرورة القيام بحدود ما مقبولة من الإصلاح في الاقتصاد والسياسة والتعليم، إضافة إلى الحقل المالي ومعه نظام العمل مع تخفيف أعباء الدولة البوليسية، وغيره. وسأذكر مثالين اثنين، الأول مستمد من الحقل الماضي ويتمثل في مشهد جرى بثه، في حينه، عبر التلفزيون الرسمي، ويظهر بصيغة «قاعة طويلة مليئة بالعملة أو بالعملات»، يملكها أحدهم وكان موظفاً ذا شأن في مصلحة الجمارك! لقد قُدم ذلك المشهد ليستفز الفقراء والمفقرين والمذلين، ولم نعلم حتى الآن أن صاحب الشأن المذكور عُرض أمام محكمة أو أخرى. والمثال الثاني يتمثل في أن شعار نجاح الطلبة الجامعيين أصبح متمثلاً في المطلب التالي: ادفع، أو ارفع، ولم ينتبه المعنيون حالئذ أن قضية الإصلاح تعادل الحفاظ على سوريا مستقلة متقدمة حداثية. وأشرنا في حينه إلى ضرورة القيام بذلك اليوم وليس غداً، لأن الغد لا يحتمل ما مرّ عليه دون معالجة، بحيث يلتفت إلى ما جدّ من قضايا!

وللأسف العميق، العميق جداً، لجأ إلى العنف في وجه سوريا والسوريين، الذين يمثلون شعباً حضارياً ومتسامحاً بكل أطيافه وطوائفه، بقدر ما يمثل وريثاً شرعياً لأكثر من سبعة آلاف سنة من التطور بمختلف أطواره ومشكلاته: وأصبح القتال سيد الموقف، والدمار هو المشهد الشامل، والبؤس مأساة غير مسبوقة.

وقياساً على القول الشعبي العربي القائل إن «المال الحرام، يُعلّم الناس السرقة»، فقد راح آخرون في الخارج يتسابقون في التهام كل ما تطاله أيديهم وأسلحتهم وطائراتهم، ليصير الحال إلى مشهد لا نهاية له من الجنازات: كل فريق وكل دولة أو حزب هنا وهناك، الكل بدءاً بالولايات المتحدة «المرائية» مروراً بإيران وروسيا وبريطانيا، يسعون إلى «اكتشاف» مصالحهم في سوريا. وقد وصل البعض إلى القول إن الطريق إلى القدس يمر بالزبداني، أو حمص، أو دوما، أو اللاذقية، في حين أن من سلّط طائراته الوحشية عرف مسبقاً أنها تضرب أطفالاً ومسنين ونساءً، ولتهدم ما بقي من «الدولة السورية».

وتبدأ عملية المؤتمرات واللقاءات الدولية والمحلية، لتُضفي طابعاً عالمياً على القضية السورية، التي تظهر والحال هكذا كأنها قادمة من وراء «سور الصين العظيم» لا نراها ولا نملك أدوات وضوابط للإمساك بها، وهكذا، غابت وغُيّبت العدالة عن الأعين ولا سبيل إلى معالجتها. والحق، أن ذلك إنْ هو إلا سحْق لحق الشعوب في تقرير مصيرها. وهكذا تتحول «العدالة الدولية» شأناً متصلاً بهذا أو ذاك، ولكن دون سوريا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فرنسا تركع للدولار السعودي
شيخ صفوك ( 2015 / 11 / 17 - 11:38 )
استاذ سامي لقد انتهي وقت الكلام و بدا وقت الفعل لقد اعلنت دولة القذارة الحرب علي فرنسا قولا و فعلا ..وكذلك اعلن الرئيس الفرنسي بان فرنسا في حالة حرب مع داعش والجميع يعلم امكانات فرنسا العسكرية وترسانتها الكبيرة ..وكذلك يعلم الجميع اين تقع دولة الخلافة واين تقع حدودها سواء اعترف بها العالم ام لا فهي حقيقة واقعة لها علم وجيش و رئيس..الجواب قامت بعض الطائرات بقصف بعض الاهداف في مدينة رقة يا سلام ( اخاف صارت زحمة) اقسم لك عندما اسمع كلمة قصف الطائرات تصيبني حالة من الغثيان و التقيؤ..وانا هنا اسال لماذا اذا هاذا الجيش و ما هو دوره و ما فائدة هذه الترسانة الضخمة وما هو معنى كلمة اعلان الحرب علي الدولة الاسلامية.. كان يجب ان تقلع مئات الطائرات الفرنسية و تدك معاقل دولة القذارة وانا متاكد بان العالم و الشعب الفرنسي كله كان سيقف معهم لانهم في موقف الدفاع عن النفس ..ولكنهم ربما ينتظرون الضوء الاخضر من السعودية و قطر ..الكرة الان في ملعب الشعب الفرنسي عليه ان يتحرك و بسرعة لانه هو الوحيد الذي يدفع الثمن و سوف يدفع اكثر اذا بقي نائما مثل اهل الكهف

اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية