الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش يغزو فرنسا

بدر الدين شنن

2015 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تحاول الأوساط الإعلامية والسياسية الفرنسية والأوربية ، أن تؤكد على أن الاعتداء الإرهابي الباريسي ، ليلة الجمعة 13 / 11 الجاري ، الذي راح ضحيته المئات بين قتيل ومصاب ، وأثار رعباً غير مسبوق في فرنسا و أوربا ، يشكل نقطة تحول في السياسة الدولية ، تماثل نقطة التحول التي أحدثها اعتداء " القاعدة " الإرهابي ، على برجي التجارة العالمية في نيويورك في 16 / 9 2001 . ومن المؤشرات الأولى لهذا التحول ، بالنسبة لفرنسا ، إعلان الرئيس الفرنسي فرانوا هولاند " أن الاعتداء الإرهاب الباريسي ، هو إعلان " داعش " الحرب على فرنسا ، وإعلانه هو حالة الطوارئ ، لخوض هذه الحرب ضد " داعش " وتدميره .
كما تحاول هذه الأوساط ، تضخيم الحدث الباريسي . وأبرز ما جاء في هذا الصدد ، هو تصريح الرئيس الأميركي " أوباما " عند لقائه الرئيس التركي " أردو غان " في أنطاليا ، " أن السماء اسودت نتيجة سفك الدم الأوربي " .

مع كل التضامن مع الشعب الفرنسي ، والاستنكار الشديد للاعتداء الإرهابي المتوحش ، ومع التعاطف الإنساني العميق مع ضحايا هذه الاعتداء ، فإن من مصلحة الشعب الفرنسي والشعوب الأوربية ، والشعوب العربية ، التي يستبيحها الإرهاب الدولي ، بدعم الدول الغربية الإرهابية ومنها فرنسا ، أن ’تقرأ بتأن وعمق وبإحساس من المسؤولية ، ما يصدر من تقييمات وتصريحات رسمية ثأرية منفعلة ، تتجه دون ريب ، لتوظيف الحدث الباريسي المفجع ، في غير صالح الشعب الفرنسي ، والشعوب الأخرى ، لاسيما الشعب السوري الأكثر ابتلاء بوحشية الإرهاب على امتداد السنوات الخمس الماضية ، فقد أعلن رئيس وزراء فرنسا أن التدبير والتخطيط للاعتداء الإرهابي على فرنسا قد جرى في سوريا ، وأقدمت السلطات الفرنسية على توجيه ضربات جوية فورية على مواقع " داعش " في الرقة ، وأعلن الرئيس الفرنسي أن فرنسا ستكثف ضرباتها في سوريا . في وقت تعلن بلجيكا أن التخطيط للاعتداء الإرهابي الباريسي وتشكيل قيادته قد جرى في بلجيكا وقدمت أسماء وصور لتوضيح ذلك .

بيد أنه لا يخفى على المتابع للسياسة الفرنسية الشرق أوسطية التي تتسم بالتدخل العدواني الداعم للإرهاب ، والسورية تحديداً ، أن ردود الفع الفرنسية الرسمية المنفعلة ، على اعتداء " داعش " الباريسي ، هي عملية تمويه على ممارساتها السيئة الفاشلة في الأزمة السورية ، وفي عمليات التغيير الغربية القسرية في المشرق العربي وشمال إفريقيا .
لقد كان السيد " هولاند " شخصياً عراب صفقات السلاح بين المملكة السعودية ودول الخليج الداعمة للإرهاب .. وبين الاحتكارات الفرنسية المنتجة للأسلحة . وهو شخصياً كان يعلن إرسال السلاح إلى المنظمات الإرهابية ، التي كان يصفها " بالمعارضة المعتدلة " ، والتي كانت إحدى وسائل وصول السلاح الفرنسي إلى " داعش " . وكان يتبنى ، ومعه وزير خارجيته " فابيوس " الأنشطة المعارضة السورية ، لتوتير وتأزيم الصراعات في الشأن السوري علناً . وأمر طيرانه الحربي منذ شهر بقصف مواقع سورية بترولية بزعم أنها لإضعاف " داعش " مالياً بالتنسيق مع أميركا وليس مع الحكومة السورية ، ليكون للشركات الفرنسية نصيب في عقود إعادة الإعمار لاحقاً .
وكان يبذل الجهد الكبير ، لئلا يتم التوصل إلى اتفاق إيراني دولي حول مشروع إيران النووي ، لتظل أوضاع الشرق الأوسط متوترة .. وبحاجة للسلاح .. وللتدخل في مصائرها .

في هذا المناخ الإرهابي المتوتر المتصاعد ، حاول السيد " هولاند " أن يكون فارس المتغيرات الرابح في الشرق الأوسط . وذلك على حساب دماء شعوب المنطقة . . وباستهتار لما قد تستفيد من لعبته الجماعات الإرهابية وفي مقدمها " داعش " .
وفي هذا المناخ نما وكبر " داعش " . ووجد " أبوبكر البغدادي " نفسه ، الرجل الأقوى إقليمياً .. وعالمياً . ولم لا إن دولته تحتل مساحات من العراق وسوريا هي أكبر من مساحة بريطانيا العظمى . وبحوزته حقول بترول واسعة يستطيع بعوائدها أن يبني دولة عظمى . وينظر إلى الآفاق الإسلامية ، من أندونيسيا إلى المغرب الغربي ، فيجد أكثر من مليار مسلم يشكلون محيطه الحيوي الدولي ، وبعد وقت ليس ببعيد ، ستبايعه .. غصباً أو طواعية .. بغداد والشام وعمان ومكة المكرمة وجاكارتا .

وما بين السيد "هولاند " الزاحف ليحصل على الاعتراف بدوره مميز له في الشرق الأوسط ، عبر الصفقات ، والمساومات ، والمؤامرات ، لتأمين مصالح الاحتكارات الفرنسية .. وبين أبو بكر البغدادي .. " أمير المؤمنين " وخليفة المسلمين في القرن الواحد والعشرين ، الذي يتوهم أن الولاء له سيطاول المشرقين .. تدور معركة تحد غير معلنة ، منذ أن تم إعلان إقامة " الدولة الإسلامية " . ما عدل في سياق تجاذباتها ، هو التراجع المتلاحق لقوى " داعش " وغيره من الجماعات الإرهابية ، أما ضربات الجيش السوري ، وضربات الطيران الروسي . فكان لابد " لداعش " من تسجيل نقاط قوة في الواقع الميداني الأضعف ، فكان اختيار أوربا ، وباريس بالذات ، ليسجل فيها نقطة القوة التعويضية الداعشية . وعلى الأرجح ستعقبها تسجيلات نقاط قوة أخرى في فرنسا وعلى المستوى الأوربي .

ولذلك عندما يماثل سياسيو فرنسيون وغربيون الاعتداء الباريسي ، بالاعتداء " النيويوركي " 2001 ، فإن هذا يعني أنهم سيقومون بنفس الهجمة التي قامت بها أميركا على العالم بعد العدوان الإرهابي في نيويورك ، إزاء أفغانستان ، وبنفس إجراءات ما سميت الحرب على الإرهاب .. أميركياً .. وعالمياً .. وما جرت بعده من عدوان على العراق ، وبعده انتشار العدوان الواسع باسم " الربيع العربي " .
ولا يحتاج الأمر لكثير من التفكير ، ليعرف أن الهدف هو سوريا. إن خطاب السيد " هولاند " في البرلمان الفرنسي في 16 / 11 الجاري ، وما تضمنه من التوجه لإجراء تعديل الدستور والقانون في فرنسا ، لمواجهة حرب الإرهاب ، ومن العزم على تكثيف الضربات في سوريا هو البداية فرنسياً . وقد أعلنها أيضاً رئيس الوزراء البريطاني " كاميرون " من جهته بقوله " إذا تعرضت مصالحنا للخطر فسوف نتحرك في سوريا ونخبر البرلمان فيما يعد " وكرر الرئيس الأميركي " أوباما " الإعلان عن أنه أرسل قوات أميركية لسوريا ، لتحسين التنسيق ضد الإرهاب " .

ومن خلال هذا الاستهداف الذي يستبيح سوريا ، ويهدد السلام والاستقرار الإقليمي والدولي بذريعة الرد على الاعتداء الإرهابي الباريسي ، والانتقام من " داعش " والقضاء عليه ، من خلال السيطرة على سوريا ، والتلاعب السياسي بكيانها السياسي ومصيرها ، قياساً على تجربة التدخل الأميركي في أفغانستان ، يتبدى الغباء السياسي والغربي ، وذلك لعدم مطابقة الوقائع والذرائع والقياس بين سوريا وأفغانستان ، وأهمها اختلاف دور الحضور الروسي في أفغانستان وسوريا ، وقدرة الجيش السوري على القتال بعقيدة عسكرية وطنية عالية وعميقة المستوى ، وغياب الخلفية الدينية المتخلفة الواسعة الحاضنة لهكذا هجمة غربية في المجتمع السوري ، ولعدم استطاعة مثل هذه الهجمة على سوريا أن توقف الهجمات الإرهابية في أوربا وخارجها بل هي مرشحة للتزايد بأوسوأ مما نتج عن التدخل في أفغانستان ، لأن قوى الإرهاب الآن لها جذور اجتماعية وبنيوية في المجتمعات الأوربية تضم متطرفين من أصول عربية وإسلامية وأوربية .

ولذلك .. مع رسوخ تعاطفنا الكبير مع المئات من ضحايا اعتداء باريس .. لن ننسى أن الحكومة الفرنسية تتحمل مسؤولية دعم وتسليح الدول والجماعات الإرهابية المتوحشة ، التي قتلت مئات الآلاف من شعبنا في سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان ..
ونتمنى أن يتمكن الشعب الفرنسي ، من وضع حد لهذه الممارسات الحكومية والرئاسية الفرنسية ، التي دعمت الإرهاب ضد الشعب السوري ، وتدخلت بفظاظة في شؤونه الداخلية ، وكأنه لازال تحت الانتداب الاستعماري الفرنسي ، تلك الممارسات المتعارضة مع مبادئ الحرية العزيزة على الشعب الفرنسي وعلينا جميعاً ، وأن يساعد على إعادة السلام والأمان والاستقرار لسوريا وللشرق الأوسط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة