الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد تقرير ميليس النظام السوري في عنق الزجاجة

سحر حويجة

2005 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


انعقدت إرادة النظام السوري، ومؤسساته المختلفة العسكرية ، والسياسية ، والتشريعية، والقانونية ، ترافقت مع صخب شعبي ، على رفض ما جاء في تقرير ميليس ، وشن حملة مهنية عليه، لدرجة أن رجل بسيط في سوريا يستطيع أن ينتقد ويرفض تقرير ميليس على المستوى القانوني، فيما يتعلق بالشبهات التي تحوم حول الجهاز الأمني السوري، وعلاقته بجريمة اغتيال الحريري، ورفض الاستنتاجات التي انتهى إليها التقرير، بما يتعلق بتورط، أشخاص من النظام الأمني في سوريا في الجريمة، على اعتبار إن هكذا جريمة لا يمكن أن تحصل بدون معرفة الأجهزة الأمنية السورية اللبنانية، جاء الرد السوري على هذا الاستنتاج، إذاً المخابرات الأمريكية تتحمل مسؤولية أحداث 11 أيلول الخ…، ولكن في هذه القراءة السطحية المجتزأة ، للتقرير، لم يشر أحداً منهم ، أن الجهاز الأمني اللبناني ، متمثلاً بأربعة ضباط هم رهن الاعتقال، بناء على تهمة، تورطهم بالجريمة، بسبب التخطيط والاشتراك، لم يتقدم أحد للدفاع عنهم، حتى المحامين المكلفين بالدفاع عنهم، وكان على النظام السوري ، وفقاً للرد السوري السابق ذكره ، أن يدافع عن براءتهم لأن هذا الاستنتاج يطال الجهازين معاً، أي لا يعقل أن تقوم الأجهزة اللبنانية بهذه الجريمة ، دون علم الجهاز الأمني السوري، هذه القضية ، كانت من أسباب التحقيق، الذي تم مع المرحوم غازي كنعان، حول كيفية العلاقة التي كانت قائمة بين الجهاز الأمني السوري ، واللبناني، الذي أكد كما غيره من رؤوس النظام ، على استقلال تام للجهاز الأمني اللبناني ، عن شقيقه السوري، خلافاً لمئات الوقائع ، حتى الموجودة في الأرشيف الإعلامي ، التي تؤكد عن التنسيق والتعاون، الكامل على الصعيد الأمني، تمتد من تفكيك شبكات إرهابية، إلى حوادث تفريق مظاهرات و اعتقالات ، إضافة إلى إن الوجود ا لسوري في اللبنان، ارتبط بتحقيق الاستقرار والأمن ، ناهيك عما يقال من تعيين الضباط ، وغيرهم من المسؤولين، في مختلف الإدارات اللبنانية، من قبل المخابرات السورية.
يظهر في قراءة التقرير ، إن التحقيق توصل ، إلى كشف وقائع في غاية الأهمية ، عن الوقائع السابقة، والمرافقة واللاحقة المتعلقة بالجريمة، وأيضاً التحضير للجريمة ، و كيفية تنفيذ الجريمة ، أي تم كشف ألغاز الجريمة بما يتعلق بمسرح الجريمة، وأشخاصها المتعلق بالشق اللبناني ، مدعوم بالأدلة، ومئات الشهود، و كشف الاتصالات التي تدعم ذلك، ولكن على ما يبدو ، إن لغز من هم أصحاب القرار الحقيقي في اتخاذ قرار الجريمة، و العقل الرئيسي المخطط للجريمة ، لم تكتمل الصورة ويلفها الغموض، إن القاضي ميليس استند في بناء قناعته وفق الوقائع المتوفرة لديه، والتي اعتبرها كافية، واختلف بذلك مع تفسير النظام السوري الذي يريد أدلة دامغة ، وبين الأدلة الكافية ، والدامغة، يظهر تعارض آخر في المواقف، مع إن التفسير القانوني الجزائي، يكفي وجود الأدلة الكافية ، التي يمكن أن يبني عليها القاضي قراره الظني، أو الشبهة .
استند التقرير على وقائع يستبعد ارتباطها المباشر بالجريمة، وهي الأدلة والشهود ، حول تهديد الرئيس ا لسوري للحريري ، من أجل دفعه للموافقة على قرار التمديد للرئيس لحود، وكان إنكار أكثر من طرف من النظام لهذه الواقعة، المدعومة بالأدلة والشهود، ليست في صالح النظام، لأن واقعة التمديد أصبحت وراء الحدث، بعد موافقة كتلة الحريري على التمديد، وقد اتخذ القرار في الجريمة بعد ذلك ، وإن الدوافع السياسية للجريمة مرتبطة بالقرار ، 1559 الذي أعقب التمديد، هدفها مواجهة القرار، الذي دعي إلى الانسحاب السوري من اللبنان، وعدم التدخل في شؤونه، وكان واضحاً أن النظام السوري ، أو أطراف أساسية منه، كانت رافضة للقرار القاضي بالانسحاب من لبنان، ترافق مع مماطلة ومحاولة لكسب الوقت، والمساومة في مقابل الخروج من اللبنان، راهن النظام السوري في حينه، على العامل الداخلي اللبناني للبقاء في اللبنان، عبر سلطة لبنانية تمنح شرعية للوجود السوري ، أو على الأقل تكون امتداداً لنفوذه في لبنان في حال اضطر للإنسحاب، بالمقابل أيضاً أن السلطة اللبنانية القائمة، من الصعب عليها الاستمرار بدون دعم ومساندة النظام السوري ، وهكذا التقت إرادة الطرفان على تهيئة الشروط المناسبة، يهدف إلى تحقيق استقرار السلطة اللبنانية، واستمرار الهيمنة السورية، كان تحقيق ذلك يتطلب ، إضعاف المعارضين للوجود السوري، والمؤيدين للقرار 1559، فتم استخدام وسائل التشهير والحصار ، وصلت إلى استخدام العنف فالعنف وسيلة ، تخدم كلاً من السلطتين الأمنيتين السورية واللبنانية، أو أطراف منهما، فهي عملية إقصاء واستبعاد خصم من ناحية، ومن ناحية ثانية ، ضرب عامل الإستقرار الأمني ، وخلق حالة من الذعر والخوف في الأوساط اللبنانية، تساهم في تكريس السلطة القائمة ودعم الوجود السوري ،حيث أن الوجود السوري في اللبنان، اكتسب أهميته وشرعيته بقدرته على تحقيق الاستقرار والأمن في لبنان، وبناء الأجهزة المخصصة لهذا الغرض، هنا نصل إلى قضية أن سوريا هي المتضرر الأول ، من اغتيال الحريري، هذا صحيح، لكن السؤال كم من الممارسات والمواقف قامت بها الأنظمة العربية ومنها النظام السوري ، كانت ضد مصالحها؟ ألم يكن قرار التمديد للرئيس لحود ضد المصالح السورية، إن ما يحكم العقلية الأمنية من أي جنسية كانت، هو طابعها التآمري التي تقوم أولاً على السرية ، التي تقضي بإخفاء الحقيقة، إضافة إلى نظرتها الضيقة ، والآنية ، المرتبطة بالمصالح الخاصة، بعيداً عن الرؤية الشاملة ، والإحاطة بكل جوانب الموقف ، لذلك لا يمكنها أن تقدر الخسائر بدقة ، فلا يمكن لهذه الرؤية أن تتوقع حجم الرفض الشعبي الذي كسر حاجز الخوف فجأة ، ووجه أصابع الاتهام للسلطة الأمنية السورية واللبنانية، حيث عبر الشارع بوضوح عن مشاعر عدائية اتجاه الوجود السوري في اللبنان، ولم يتوقع الفعل التآمري القاصر، رد الفعل الدولي ، ولم يتوقع أبداً ، أن هناك محكمة دولية سوف تنعقد لكشف الجناة، فلو اقتصر الفعل على النتائج الأولية المتوقعة، وهي ذعر وخوف شعبي ، والحاجة لاستتباب الأمن والدعوة لاستمرار التواجد السوري في لبنان، وضرب أحد أركان المعارضة ضد سوريا والسلطة اللبنانية، كان يمكن القول أن هناك مصلحة حقيقية .
كان من اللافت أن هناك أسماء لمسؤولين سوريين ، تم سحبها من تقرير ميليس ، أثار هذا الموقف سجالاً وجدلاً، واحتجاجاً ، هل هذا خطأ تقني كما أدلى ميليس؟ لا أعتقد ذلك ، بل هي رسائل للمسؤولين السوريين ، تخدم التحقيق، كما سرب ميليس سابقاً وبدون مبرر بعض الأسماء المشبوهة، اللبنانية . الهدف من ذلك هو ضعضعة البيت السوري للنظام، الذي تماسك بمواجهة التحقيق، حيث تم وضع جملة من الأسماء تتعارض عادة في اتخاذ القرار في سوريا، مثل شقيق الرئيس وصهره، وظهر أن هناك تهم تشمل رؤوس في الجهاز الأمني وجزء من المسؤولين السياسيين تصل حتى الرأس ، هذه الرسالة تعبر، على أن هناك حقائق في حوزة لجنة التحقيق، ولكن بحاجة لمزيد من التحقيق، إضافة لذلك أقدمت اللجنة على قطع الطريق أمام النظام، عبر حرق ورقة غازي كنعان الذي دفن ودفن سره معه، حيث خرج من قائمة المشبوهين، على الرغم من إن الشبهات دارت حوله في مرحلة من مراحل التحقيق، واتخذ قرار تجميد أمواله، وهناك أدلة تثبت تورطه بجرائم فساد في لبنان.
المحصلة النهائية ، عبرت اللجنة عن عجزها في إجراء التحقيق مع أعمدة النظام، باستخدامهم أساليب الخداع، والتهرب وصل الأمر بهم لإنكار حقائق هي بديهية، مما ساهم بتعزيز شكوكها، هذا العجز دفع ميليس إلى الاستقواء بمجلس الأمن، في معرض ممارسته واجب ، تسليم التقرير لمجلس الأمن، فهو وخدمة لعمله في كشف الحقيقة ، يريد الضغط على النظام السوري، بهدف تسهيل مهمة لجنة التحقيق، حتى بدا موقف ميليس من وجهة نظر النظام السوري ، إنه متواطئ ، مع أطراف دولية، معادية لسوريا.
إن تسهيل مهمة لجنة التحقيق الدولية، والتعاون معها ، سيكون هدفاً لكل الأطراف التي يتألف منها مجلس الأمن، ولن يتم ذلك دون قرار اً ضاغطاً ، على النظام السوري، على الرغم من الاختلاف والتباين في طبيعة الضغوط وشمولها، بين دولة وأخرى، تبعاً لمصالحها ، التي تربطها بالنظام السوري، ومصالحها المتعلقة بالنظام الدولي الراهن، ولكن من الصعب على النظام السوري، أن يجد سنداً يتفق ورؤيته بأن سوريا تعاونت مع اللجنة إلى الحد الكافي، يمكن القول أن تسيس التحقيق سيتم في أروقة مجلس الأمن، الموقف الأمريكي، وكما هو متوقعاً ، جاء مبادراً وتصعيدياً، مع التلويح بأقصى العقوبات قرأت أمريكا في التقرير بداية النهاية للنظام السوري، حيث سيتم وضعه في عنق الزجاجة ، ليس من أجل تسهيل التحقيق فحسب، بل من أجل فرض إملاءات وشروط بدون مساومة، من خلاله عزله دولياً ، وإغراقه في مشاكله الخاصة ، حيث إن عمله سيتركز على كيفية الخروج من هذه الورطة بأقل الخسائر، وكان أول الغيث القرار بإقفال مكاتب الجهاد الإسلامي في دمشق، تلاقت المصلحة الفرنسية ، مع أمريكا وبريطانيا التي تعودنا على موقفها الداعم لأمريكا، أما الموقف الروسي والصيني الذي يتعارض مع الموقف الأمريكي والأوروبي ، ليست مستندة هي الأخرى إلى قراءة دقيقة خدمة للتحقيق ، بل تستند إلى المصالح الخاصة التي تربطهم بالنظام، وإلى معارضتهم للمشروع الأمريكي للهيمنة، لكن يبقى أن ليس هناك خلاف على ضرورة تعاون سوريا، مع التحقيق ، وتطبيق قرار مجلس الأمن الذي يقضي بذلك . وهذا شأن الدول العربية، التي سيقتصر دورها على أن تكون وسيطاً، بين النظام السوري والدول الكبرى، بل سيكون دورها الضغط على النظام السوري، من أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية.
في مواجهة التصعيد القائم في أروقة مجلس الأمن ضد ا لنظام السوري، وبهدف منع أو تخفيف إصدار قرار عقابي، لا تحمد عقباه بحق النظام السوري، أو سوريا، أعلن النظام السوري موافقته على التعاون الكامل، مع لجنة التحقيق الدولية ، محاولة منه لسد الذرائع قدر الإمكان. من خلال لقائه الرئيس مبارك. طالما أن النظام السوري ، وافق على التعاون، مع لجنة التحقيق الدولية، هذا يعني قبوله بالشروط التي تضعها اللجنة، المتعلقة بإجراءات التحقيق، في نفس الوقت يعني ذلك مسايرة المجتمع الدولي ، أما على الصعيد الداخلي، قد يترافق مبدأ التعاون، مع تصدع في البيت الداخلي للنظام السوري، على المستوى الأمني والعسكري، تبعاً لسير التحقيق، ومدى وجدية التعاون السوري ، أما بالنسبة لموقف النظام من المعارضة، سيكون غض الطرف، وعدم التصعيد ضد المعارضة.
وقد يكون الهدف من اتخاذ قرار التعاون، هو منع مجلس الأمن من اتخاذ قرار عقابي شديد اللهجة ضد سوريا، خاصة القرار الذي يقضي بتجميد أرصدة ، ومنع سفر، لمسؤولين موضع الشبهة، وهذا لا يعني إلا كسب الوقت، وهذا ما يدل عليه تشكيل لجنة قضائية خاصة، للتعاون مع التحقيق الدولي، والتحقيق اللبناني، لم تحدد مهامها بدقة ، هل هي لجنة تابعة للتحقيق الدولي، أي إحالة المشتبه بهم ،إليها بعد أن تنتهي لجنة التحقيق من هذه المهمة ، وهذا وضع مقبول ، أم إن صلاحياتها تتجاوز ذلك، أي أن تكون بديلاً للجنة التحقيق الدولي، في التحقيق مع الشهود أو المشبوهين، وإعطاء لجنة التحقيق الدولي ما توصلت إليه من معلومات. هذا لن يكون مقبول بالنسبة للمجتمع الدولي، ولا للجنة التحقيق الدولية، بل هذا تلبية لرغبة، وأوامر كبار المسؤولين موضع الشبهة، اللذين قد يرفضون المثول أمام لجنة التحقيق، بحجج مختلفة، قد يكون منها عدم الثقة بهذه اللجنة، وهو يعكس صراعاً بين أعمدة النظام، عن التعاون ، ومدى هذا التعاون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة