الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور وحق الجنسية والمحاولات العقيمة

حمزة الجواهري

2005 / 10 / 31
حقوق الانسان


إن الفقرة التي تتعلق بهذا الموضوع قد وردت بشكل لا يقبل أكثر من تفسير، فهي تنص على أن العرقي هو الذي ولد لأب عراقي أو لأم عراقية ( وينظم ذلك بقانون)، لكن ما كان يطمح له البعض هو أن يكون الدستور عبارة عن حلقة تكمل مسلسل البعث الشوفيني في العراق لا أن يكون دستورا لعراق ديمقراطي. ومادام الأمر ينظم بقانون كما هو وارد في الفقرة وفق آخر تعديل جرى عليها قبل الانتخابات بيوم، صار لزاما أن نقول كلمتنا في هذا الشأن.
من المعروف أن ملايين العراقيين من المعارضين لنظام البعث قد خرجوا من العراق خلال وبعد حملاته الإجرامية لتصفية المعارضة بشكل منظم، الحزب تلو الآخر، حتى انتهى النظام من هذه الأحزاب والتنظيمات في أواخر السبيعينات، ومن بقي من عناصرهم ولم يستطع الإفلات في وقته، جمع ما يستطيع جمعه من مال لكي تكون جاهزة عند الخروج في أول فرصة، وقد نجح الكثير منهم فعلا بالهرب من جحيم النظام. كان عدد الذين غادروا العراق آن ذاك قد وصل إلى ثلاثة ملايين، معظمهم من العزاب أو المتزوجين الذين تركوا زوجاتهم في الداخل وهربوا بجلودهم، أو زوجات تركن أزواجهن وهربن أيضا، الكثير منهم تزوج بأجنبية، وبعض النساء تزوجن من أجنبي في بلد المهجر القسري، وأنجبوا أطفالا، ليزداد العدد إلى أربعة ملايين، وربما خمسة ملايين، حوالي ربع هذا العدد هم من العراقيين إما من ناحية الأب أو من ناحية الأم، وأريد من الدستور أن يحرمهم من حق المواطنة العراقية تحث ضغوط قيل أنها تمثل رأي أهل السنة في العراق، وفي الواقع هي ضغطا من الواجهات البعثية التي صادرت حق هذا الطيف العراق وصارت تتحدث بالنيابة عنه عنوة تحت إرهاب عناصر البعث المسلحة التي نتشر في تلك المناطق وتسيطر عليها بالكامل.
قد نفهم أن يكون هذا المطلب يمثل فئة عنصرية تتعارض مبادئها وفق المفهوم الشوفيني العنصري بتلوث العرق، ولكن الغير مفهوم أن تأتي من مكون مذهبي ديني كما يدعي المتحدثون باسم هذا المكون، فهو الأمر الغير معقول، لأن الدين لا يتعارض مع اختلاط الشعوب عن طريق التزاوج! فلم نسمع بشيء من هذا القبيل عن الدين يوما ما! لكن لو تذكرنا سياسية البعث التي كانت تجبر العراقي على ترك زوجته الأجنبية، وتهجير اللامعين من أبناء الشعب، في الوقت الذي كانت به الحكومة تأتي بالعرب من جنسيات مختلفة لتزوجهم بالنساء العراقيات كسياسة ثابتة للنظام من أجل تغيير البنية السكانية في العراق، والغريب أن هذه الأعداد من العرب، هم وأبناءهم اليوم عراقيون، وتسيد الكثير منهم على أبناء البلد الأصليين أيام النظام المقبور.
اليوم وبظل سياسة إجتثاث البعث التي تعني اجتثاث ممارساته وفكره ورموزه وتنظيماته، لكن نجد كتاب الدستور استجابوا لضغوط البعثيين الذي إرتدوا الجلباب السني العربي وحاولوا تغيير الدستور بما يخدم برامج البعث الخسيسة.
أن معظم المعنيين بهذا الأمر هم من أبناء المعارضين للبعث، لأن خروجهم أصلا كان رفض البعث فكرا وسياسة ونظام وممارسات، وهكذا تربى أبناء هذه الفئة من العراقيين على كرههم للبعث، فهم بالنسبة للعراق الجديد يعتبرون المعادل الثقافي الذي يخلق التوازن بداخل البنية الاجتماعية العراقية التي ترك بها البعث ثقافته عبر سلطة دامت طويلا وتربى بظلها أكثر من أربعة أجيال.
إن هؤلاء العراقيين الذين يريدون لنا أن نسقط الجنسية العراقية عنهم، نسبتهم تزيد على خمسة بالماءة من الشعب العراقي في أقل تقدير، وهم على درجة عالية من حيث التعليم لأنهم جميعا درسوا في الغرب في مدارس راقية، واليوم يحمل الكثير منهم الشهادات العالية التي ينبغي أن تكون رافدا من روافد الثراء الحقيقي في العراق، الثروة البشرية المتعلمة، نعم، ربما لا نحتاج لهم هذه الأيام، لكن سرعان ما تكون الحاجة لهم ماسة جدا بعد أن تعود فعلا عجلة الإنتاج بالدوران بقوة من جديد. إن هذه الفئة من العراقيين لها ميزة عظيمة، وهي أنهم غير ملوثين بفكر البعث والأفكار الشوفينية بكل أشكالها، بل وكارهين لفكر البعث وتربوا فعلا على هذه الأفكار، فهم سوف يشكلون حجر الأساس للنظام الديمقراطي في العراق، لأن الدستور والقانون والبرلمان والقضاء وغيرها من مؤسسات الدولة الحديثة، جميعها لا تكفي أبدا في بناء نظام ديمقراطي على الأطلاق، لأن المهمة الأساسية بعد هذه المرحلة هي نقل قيم المجتمع المدني للعراق، لأن العراقي اليوم لا يعرف أصلا أن له حقوق مدنية، كونه بقي يرزح تحت نير الأنظمة الدكتاتورية مدة تزيد على خمسة عقود، وهذا يعني أن جميع الأجيال التي نراها في العراق لا تدرك أن لها حقوقا مدنية يجب أن تتمسك بها، وربما لا يعرفون ما هي الحقوق المدنية أصلا، أي حقهم بتكافئ الفرص والعمل والعلاج والسكن والضمان الأجتماعي والحقوق السياسية وغيرها الكثير الكثير من الحقوق التي ينبغي عليهم معرفتها وممارستها بشكل فعلي ضمن منظومة قيمية جديدة، تسمى قيم المجتمع المدني. إن هذه الفئة من العراقين الذين عاشوا وولدوا في الغرب بظل أنظمة ديمقراطية، يعرفون هذه القيم وباستطاعتهم نقلها للبلد، فهم يتعاملون معها بشكل تلقائي لأنها أصبحت من أهم أركان ثقافتهم وسلوكهم اليومي، ومن دون أن يفكروا بالأمر، وهذا ما نبحث عنه تحديدا في العراق الجديد، وهو يعتبر أهم الشروط الموضوعية التي على أساسها قيل أن العراق مهيأ لقبول النظام الديمقراطي، لأن بغير هذه الفئة لا يمكن اعتبار العراق مهيئا حقا لقبول النظام الديمقراطي.
ربما مازلنا نسمع أن القوى الظلامية والبعثيين والكثير ممن لا يجدون بالنظام الديمقراطي هو النظام الأمثل بالنسبة لهم، وعلى الرغم من اختلافهم بين بعضهم البعض، قد وقفوا صفا واحدا بوجه أي محاولة جادة لعودة هذه الفئة لبلدهم، لأنهم يدركون تماما أن هذه الفئة ستكون لهم ولممارساتهم بالمرصاد، حتى أننا نجد أن بعض الزعماء السياسيين الجدد يجاهر بمحاولاته لسد الطريق على عودة هؤلاء.
إن عدد العراقيين الذين مازالوا في المهجر يصل إلى خمسة ملايين، وهذا العدد يزيد على معظم مكونات المجتمع العراقي ويشكل نسبة عشرين بالماءة من أبناء الشعب، إن هذا العدد يحمل على عاتقه رسالة وهي نقل قيم المجتمع المدني لأن عددهم يعتبر بكل المقاييس هائل بالنسبة لمجموع السكان.
لذا يجب أن يكون في المرحلة القادمة برامج سياسية واقتصادية تهتم بهذه الفئة من العراقيين وتسهل عودتهم للوطن وتشجيعهم على العودة والمساهمة في بناء العراق، وهو على ما أعتقد مسؤولية الأحزاب التي تتنافس اليوم لدخول الانتخابات من أجل أن تأخذ دورها في العراق الجديد.
هناك جانب آخر للموضوع وهو تلك العناصر التي حملت الجنسية العراقية كنتيجة لسياسات النظام المقبور، هي الأخرى قد عالج أمرها الدستور بشكل واضح تماما، ربما أريد منه أن يكون محدود الأثر كما فهم الجميع، أي في المناطق الكوردية، لكن يجب أن يكون شاملا لكل أنحاء العراق وبشكل واضح، لأن سياسة النظام البعثي كانت تستند على قاعدة خلق الحروب من أجل تغيير البنية السكانية، لذا كان أبناء الجنوب يزجون بآتون الحرب وفي الخطوط الأمامية، وبذات الوقت يدفع النظام بملايين العرب إلى تلك المناطق ليحلوا محلهم. هذه الفئة اليوم تتمتع بالجنسية العراقية ولا ينبغي أن يستمر هذا الأمر، لأن استمراره هو إقرار بسياسة البعث لا سياسة اجتثاث البعث التي أقرها الدستور. بذات الوقت مازال العراقي في الخارج غير مسموح لأبنائه بالعودة للوطن، لأنهم حسب القوانين المرعية حاليا يعتبرون من غير العراقيين ويحتاجون إلى فيزة لدخول بلدهم، وربما من يمنحهم الفيزة هو العربي الذي أدخله النظام البعثي المقبور والذي يحمل اليوم الجنسية العراقية! أي مفارقة هذه! أن يحرم إبن البلد من جنسيته لأن أباه أو أمه من المعارضين للنظام المقبور! ويتمتع بالجنسية العراقية وثروات العراق من جاء وفق سياسة تغيير البنية الديموغرافية في العراق التي انتهجها البعث المقيت!!
هذه ليست مفارقة وحسب بل هي استهانة بكل نضال أبناء شعبنا الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل العراق ورفض الظلم والنظام البعثي الجائر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية