الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنوثة والوجود

سعاد جبر

2005 / 10 / 31
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قراءة تحليلية نقدية في نص " المرأة التي تمشط شعرها " للكاتب د. خليل فاضل

يشكل نص " المرأة التي تمشط شعرها " إشراقات إبداعية في عوالم القصة القصيرة العربية ، بما يحمل من سمات إبداعية تجديدية في السبك القصصي ، ولغة الحوارات ، ورسم الشخوص في القص في إطار السياحة العميقة في الرمزية المعبرة ، فهو يشكل لحظة جزيئة كلية في اختزال اللحظات ، ويعكس فضاءاتها بنورانية على الصفحات ، في انسياب سردي يتسم بشفافية العرض وتتداخل فيه تماوجات تمتد بين المد والجزر في تشكيل لوحة الذات في لغة الأسقاطات اللامتناهية في عوالم المتضادات ، ويشكل ذلك النص مادة إبداعية في لغة الشيفرات السلوكية وآتون تفككها في تناثر الحروف على السطور ، فضلاً على انه مادة قصصية تتحقق فيها معادلة تكامل النص الأدبي المتشكلة من اتساق عمق الفكرة وتدفق المشاعر المرهفة وتالقات مسارات التصوير الفني المبدع في القص هذا من جهة ومن جهة أخرى تتحقق فيه معادلة الانعكاسات السيكولوجية في القص في إطار السياحة العميقة في أبعاد " الأنا " وانعكاساتها على الزمان والمكان في ظل معادلة " الأنا ، الآن ، هناك " وقلما يتوفر للناقد في نصوص القصة العربية المعاصرة مثل هذا التكامل الهرمي في التكوين البنيوي في القص ، إذ قد تتحقق بعض عناصر تلك المعادلتين لكن من النادر جدا توفرهما معاً في اتساق وتألق جمالي مبدع كما في هذا النص ـ الذي نحن بصدد دراسته هنا ـ
ويشكل النص مشهدا مقتطعاً من قاموس الحياة التي تتناثر أبجدياته في آفاق الزمان والمكان ، بحيث يتسم بتحقيق لغة الكل المنعكسة من أبجديات الجزء في تكوينه ، ويعبر من خلال مشاهدة الواقعية ـ التي تتناثر فيها تراكمات اللاشعور في ثنائية الصعود والهبوط معا ـ عن منظومة أسرار العوالم الكلية التي تغلف الحياة في رمزية تلك المشاهد الواقعية التي تتواكب أجنحتها لتخترق عوالم ما وراء الحقيقة القريبة البعيدة ، فالنص في دلالته الرمزية وتعرجات مسارات الذوات فيه هو ابعد من حالة مواجهة بين الذكورة المنهكة المجهدة المتذبذبة بين نداءات استفزاز اللاشعور فيها وبين لغة وجودها في الآن والأنوثة المتصاعدة العابرة إلى ما وراء لغة الصمت في تماهي اسقاطات ضوئية لامتناهية في لغة تأجيج ديناميكية . وما سبق ذكره هو ظلال صورة منعكسة لحورية الماء على صفحتها ولكنها في لغة مباشرة الجسد تحوي عوالم عميقة دفينة في لغة الدرر الخفية في مضمون أبجديات الحياة ولغة التغيير في العمر كله . الآتية لامحالة من مباشرة جسد تلك الحورية في تشكيل صفحة الحياة في بهجتها ونضارة نورانيتها في لغة التغيير في ظلال أبعاد السياحة العميقة في أغوار للنص
ففي الرؤية الجزئية لمسارات النص تبرز الأنوثة المقهورة في الداخل والتي تتدافع بؤر ضعفها فتشكل فيها ارتخاءات مترعة بهدوء ما قبل العاصفة ، فتشرق في مساحات تواصلها مع الأخر لسعات ثقافة الصمت ولغة المقهورين على ذاكرة جسده الغائبة الحاضرة ، فتغدو في لغة قوة جاذبة تقلقل كيانه الذكوري فيتماهي في ذبذباتها ، فلايشتعل فيه إلا طاقتها الحرارية دون بلوغ دوائر الوعي المحركة في عالم الجسد، وهذا حال تلك الذكورة تواليك معها ، وتغدو حالة المكاشفة في نكهة المفأجات عند خروج تلك الأنوثة للتو من عوالم تلك الذكورة ، وعند انحطاط مادة جسدها ونضارة تلك الأنوثة ؛ تتشكل الأبجديات بإشراقاتها بعد أمد من النحت على صخور تلك الذكورة المجمدة في عوالم اللاوعي من الحياة تحت أتون شكليات الحياة وروتينها المستعر واعرافها البالية ، وتبرز في النص الذكورة المنهكة التي تتكاتف عليها هالات القداسة الاجتماعية في التعبئة الذاتية بالقوة الموهومة ، وفي ظلال تسارع تماوجات تلك القوة الموهومة تتساقط عند بؤر لغة الوعي الأسقاطية والتي تستفز عوالم اللاشعور فيها ، فتغدو في لغة السقوط عن عرشها السرابي وتعشعش لغة التآكل على أطرافها المنسحبة من الحياة في ظلال أزيز تعبئة لامتناهية من لغة المجتمع المتواترة إنهاكاً وتعبيئة لاواعية ومداد زخم لأعراف مستهلكة تتداعي مع لغة الحقيقة ، فتعكس تداعياتها عليه بحكم قوانين الجذب الطبيعية فيغدو في رفاتها التي تتساقط يوما بعد يوم
أما مترتبات النص في ضوء الرؤية السيكولوجية للنص والتي تغوص غائرة في بطون دلالات النص في ظل لغة التصميم الكلي لهذا العمل الفني ، فإنها تغدو في عوالم اكثر جمالا واستكشافا لأدغال النص ، إذ تخترق أسرار "الأنا" واسقاطات " الآن وهناك " إلى عوالم لغة الوجود في أسرارها الكلية ، فتتشكل الأنوثة في النص في أثير انعكاسات مرآة الحياة في أسرارها المخبئة ، فتغدو تلك الأنوثة في عين الحياة ذاتها وفي توأمة مطلقة معها لا انفصام بينهما ، تحمل معها جسد الحراك في استمداد طاقة الوجود من تناثرات شمس الحقيقة عليها فتغدو اللسان الناطق بها ، وتدور مع نجومها في لغة الزمان وتحمل معها أفق الحياة الشاسع في شعرها المسدل على قلب الحقيقة وتغدو السكنات في مضمون اسمها " ليلي " الذي يشرق معه نهارات الحقيقة في سرمدية الخلود فضلا عن ظلال لغة عاشقة في تناثراته مع تراقصات حراك النجوم على افقها المتسع بلا حدود في لغة فضفاضة عذبة للعابرين بحراك نهم نشط عاشق على معابر انطلاقاتها في سماءات النضرة والجمال ،ولغة مرة في حلق الواقفين المهمشين في سمت جمعي عرفي جامد في كينونة روتينية على معابرها ، وهي تمضي في العمر وتحمل معها لغة المواجهة العابرة ولكن المرء يمضي بتلقائية عابرة دون تحريك لعوالم اللاشعور الساكنة فيه في رحلة التغيير المطلقة ، فتبرز في النص في ذلك الرجل الساكن الذي يلف جسده ثوب الكمال الكلي المغدق عليه من هوية المجتمع ، فلا يتعدى اثر تلك المواجهات المتكررة من مجرد ذبذبات فوضوية في أعماق اللاوعي الدفينية فيه ، وتتشكل منها قوة عشوائية فيها لغة الجنون المستعر من الداخل والتي تنكمش عند لغة الحياة ولكنها تصر أن تمضي في مجريات روتين مسارات الحياة التي تضج في فوضى المتضادات دون نتاج فاعل في تغيير الذات ، وهكذا تواليك تمضي في كهفيتها المطلقة وجمودها الحار البارد الهارب من لغة الحقيقة ، حتى تبلغ محطة النهايات في ذاكرة الجسد فيغدو كائناً هائماً على وجه الأرض في ذات أسمنتية لا تتحرك نحو الأفق وتعمل فيها ترسبات الجمود فعلها فيغدو على شطآن النهايات في انتظار إسدال الستار عن جسده في ظلمة الواقع المدلهم ، في حين تمضي الحياة في القها وجمالها ونضرة جسدها ، وتداعبنا دوما بذبذبات المواجهة والانطلاق لتحرك معاقل الجمود فينا وتبعث نشوة الحياة وحرارتها في ذاكرة أجسادنا ، لكنها لاتبقى جامدة عند رفات أجسادنا حتي نولد ، فهي تنفخ روحها وتمضي نهمة نشطة ، تاركة وراءها الأجساد المعطلة المتجهمة وقوفا في جمود أسمنتي ، فربما تنتظرنا بعض الوقت لكنها لا ولن تبيع ذاتها لأجساد معطلة كل الوقت ، وتنتظر منا أن ننال منها حظوة احترامها في حراك ذواتنا نحو آفاق التغيير ، هي لابد أن تغادر ديار المعطلين المظلمة إلى أنوار الوجود الساطعة بحاثة عن أجساد تعشق الحياة لتمضي بهم نشطة نهمة نحو معبر الحياة في نضرة الوجود ولغة التغيير السرمدية ، والحياة مفاجآت ومواقف ومواجهات ، تقتضي مواجهة الضعف بالانطلاق ولابد للأجساد المعطلة والرفات الملقاة على الطرقات أن تلتقي في لحظة المفاجآت برذاذ ماء الحياة من أجواء ندى جسدها ولا بد أن يخلق وجودنا في وجودها من جديد ، ولا بد أن تردد الحياة دوما ؛ ساحاولك مرة أخرى ، في لغة الوجود مرات تلو مرات ، لعلك تعي بذرة الوجود في ذاتك فترى الخواء المحيط بك ، فتلقي عنك نقاب سمومك التي تحيلك حالات وأد مستشرية في الوجود ، فتخلق فيك الحياة من جديد نحو آفاق التغيير ورؤية منسابة في الهدوء والجمال للوجود ، فتخرج من جدران الجسد وازقتها المظلمة إلى سماءات الحياة المشرقة فيعي ذاته التي تسكن جنباته ويعي هالات الوجود التي تحيط به ، فيناله بها نضارة الرؤية لذاكرة جسده ودقات ساعات " آنه " وجدران عوالم " الهناك " التي تأسره بجدرانها ، فيعي هويته من جديد وميلاد وجوده لكنها يقظة متأخرة في الاستنهاض عند عتبات انكسار لغة العمر ، وهنا يسدل النص أشرعته على حراك ذبذبات الوجود في الأنا الساكنة فيه واسقاطاتها على الآن وهناك في عمره ، فتحدث زخم فوضاه فيه ، ويسمع القارئ المتذوق دوي حراكها ، في النص كازعاجات صراخ طفل للتو ولد على وجه الحياة .
وانظلاقاً مما سبق تحليله في ظلال مختبر اللغة السيكولوجيه للنص ، تتشكل لنا تباعا تألقات الجمال في السبك القصصي للنص ، وابداعاته البهية في رمزية التعبير لمضمون الأنوثة التي تسكن أعماق النص في سماءات لغة الحقيقة وحالة التضاد في الذكورة التي يتعالى صوتها لكن في ظلال جسد جامد ، تتصارعه قوة منوعة من استفزاز اللاشعور و انكسارات الزمان و الظلال القاتمة لتغييبه الحقيقة في الفعل والإمكان ليغدو قطعة مجمدة في معبر الحياة ، تتآكل مع مر الزمان ، فتفوتها الحراك الديناميكي في التغيير والمضي في معابر الحياة والانطلاق ، فترتسم لنا وهي تنخر ذاتها بذاتها في جدرانها العتيقة ، لكنها عند النزع يشتد ساعدها من جديد في فوضى حراك ، يشدو الحفاظ على ما تبقى من روح صامدة في العروق تغالب واقعها وتبذل جهدها لتعلن الف أبجدياتها في تبصر لغة الواقع في عين نضرة مشرقة ، ترى الوجود لأول مرة في ذات المرآة العاكسة للحياة ، فيغدو الأفق في عينها في لغة جديدة ، وأبجديات جديدة في ذاكرة الجسد والمكان والزمان في سرمدية قاموس التغيير فيما نعي ولا نعي من الأشياء
ولايسعني في نهاية مطاف قراءتي التحليلية النقدية إلا أن أزجي تحايا الشكر والتقدير لمبدعنا د. خليل فاضل على متتاليات إبداعاته في الق شفافية عذوبتها ورسالتها الرمزية النورانية في الارتقاء المتحضر دوماً في أبعاد القصة العربية المعاصرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل