الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد محسن عامر: اليعقوبية الفرنسية في مواجهة سؤال تهرم حداثتها: من هي فرنسا الآن؟

محمد محسن عامر

2015 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


كتب المفكر وعالم الاجتماع الفرنسي إيمانوييل تود كتابه الشهير “من هوشارلي” الذي تحدث فيه عن الحقيقة تناقض موقف الفرنسيين تجاه الإرهاب بعد أحداث شارلي إيبدوالشهيرة. بين تود بالإحصاءات أن المسيرة المليونية ضد التطرف الإسلامي تكونت في مجملها من الشرائح العليا من المجتمع الفرنسي وفي مجموعها تنحدر من أوساط كاثوليكية محافظة خرجت تدافع عن علمانية فرنسا . بالتالي ما حدث في حقيقته الاجتماعية خوف من الشرائح العليا والوسطى على امتيازاتها الاجتماعية تجاه المهاجرين العرب والأفارقة.
كان إعدام ماكسميليان روبسبيار سنة 1794 إعلانا عن ميلاد فرنسا الحديثة , أي ميلاد المرجعية السياسية التي على ضوئها تم تعريف فرنسا والأمة الفرنسية كتعبير أيديولوجي مهيمن للمسيطرين الاجتماعيين الجدد في فرنسيا. هذه البنية الفكرية الجديدة التي أرستها الثورة الفرنسية ذات السمات والمبادئ الحضارية الجديدة التي وجدت في الفن والفكر والثقافة والسياسة ومجمل تعبيرات الوجود الإنسانية تقف الآن أمام مأزق إعادة تعريف نفسها. كي لا وتوالي الأزمات والأسئلة التاريخية تجعل فرنسا والفرنسيين مطالبين بطريقة ملحة للإجابة عنها.
أحداث القتل الدامي الذي ضرب فرنسا للمرة الثانية بطريقة أكثر دموية وتنظيم من سابقتها طرح على خلاف المأزق الأمني في مواجهة الإرهاب المتمدد إشكالين حضاريين لا يقلان أهمية عن السياسي. إشكال تعريف فرنسا لنفسها وموقفها تجاه مواطنيها العرب والأفارقة ومعضلة تعاطيها مع أزمات أنتجها الاستعمار الغربي الذي كانت فرنسا عضده وأزمات نهضتنا العربية التي عبرت عن تقيحاتها بهذا الإجرام المتوحش الإرهابي.
داعش هذه أومهما كان اسمها ليست إجراما خارجا من كهف في هيرات الأفغانية فقط , إنها نتاج عقم النهضة العربية ومعبراتها السياسية. فشل المشاريع الراديكالية وخصاء الليبرالية العربية هي التي قدمت الإسلاميين كبديل تجاه حالة التبعية والبؤس الاجتماعي. إننا الأن بصدد جني ثمار فشلنا في إيجاد مرجعية سياسية واجتماعية موحدة وعلمانية تجعلنا قادريين على تعريف أنفسنا كأمة موحدة مواطنية . إنها معضلة نعانيها منذ قرن, إشكالية الأمة والديمقراطية. هذه الأزمة الحضارية والسياسية التي يعاني منها الوطن العربي كان الاستعمار الغربي سببها الأساس. لقد هدمت مدافع نابيلون بونابارت أسوار عصر النهضة التي بدأت تترجم مع محمد علي , ثم أكملت موجة الاستعمار تفتيت البنية الاجتماعية وحولتها إلى ركام حضاري بنى عليه التطرف الديني ركائزه وأوجد منه شرعية تاريخية للوجود . وكيف لا والغرب الاستعماري ما فتئ أن ربط هذه به وحولها حدائه وامتدادا لهيمنته . لم ننسى أن الغرب هومن دعم أنظمة الاستبداد العربي من وهابيي الخليج حتى فاشيات المغرب العربي , ولم ننسى أيضا كيف ركز الاستعمار الغربي الأنظمة الدينية في الخليج ورعاها بل وخاض حروب الوكالة بالنيابة عنها , ولم ننسى أيضا ان الغرب هومن فرخ ودعم ومول التطرف الديني منذ وجود بريطانيا في مصر مع الإخوان المسلمين حتى دعم المقاتلين العرب في أفغانستان وتشبيه طالبان بالآباء المؤسسين لفرنسا . هكذا كان الغرب المسؤول الاول عن الانهيارات التي يشهدها العرب , بالتالي ما يصلاه هوإنتاج صرف وماركة مسجلة حصرية له .
يقبع في قلب فرنسا عدد ضخم من المهاجرين العرب المسلمين الذي يدخلون جيلهم الخامس وتحولوا بذلك لا إلى مهاجرين بل إلى فرنسيين من أصول عربية مسلمة. هذه الشريحة من المجتمع تختزن هويتها الثقافية التي هي امتداد لجذورها الثقافية والحضارية. الإشكال الفرنسي الحاصل أن فرنسا إلى الآن مازالت تعرف نفسها أنها فرنسا الفرنسيين بعقيدة سياسية علمانية يعقوبية متطرفة تجعلها في كل أزمة امام إشكال حضاري يدفعها لعدم الاعتراف بجزء منها وتعتبره جزأ غريبا .هؤلاء المكونون للجسد الفرنسي ليسوا عربا ولكنهم ليسوا فرنسيين , إنهم حالة تمازج ثقافي قام فيه التاريخ بفعله الحتمي .
في هذه التحولات الكبرى التي يشهدها العالم , وامام تغيرات المشهد الدولي أصبحت فرنسا مطالبة بتحوير مرجعيتها السياسية الدولتية . أي أي تعيد تعريف نفسها بما يجعلها تتصالح مع الوجه الثقافي الذي أصبح امرا واقعا وإلا , سيدفع فرنسيوها العرب إلى المجهول …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة