الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولاية الفقيه رغم أنف الديمقراطية

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2005 / 10 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


وأخيرا صادقت الجمعية الوطنية العراقية على مسودة الدستور وأقرته. هذا الدستور يتضمن مواد وفقرات لا يمكن العمل بها في مجتمع عصري متحضر ، ليس بمعايير شيوعية ، بل حتى وفق معايير برجوازية.
وقد يتفهم المرء لماذا يكيل الرئيس الأمريكي بوش المديح والثناء لهذا الدستور ومن سنه وأقره. و من الطبيعي أن يقارن بوش هذا الدستور مع القوانين المعمول بها من قبل الأنظمة الديكتاتوريةوالعشائرية في الشرق الأوسط ، و يعتبره متقدما على قوانينها. ومن حق بوش أن يطالب العراقيين أن يفتخروا بهذه الوثيقة الرجعية المتخلفة والتي لا يمكن أن يتصور أحد أن يفكر بها مواطن أمريكي . فالرئيس الأمريكي يرى أن شعب العراق لا تليق به الحقوق والحريات التي يتمتع بها المواطن الغربي . فالعراقي مثلما يرى بوش و من على شاكلته من الأوساط الغربية المتسيدة ، تليق به قوانين قوانين البعث و العروبة والإسلام العفلقي ، وأعراف وتقاليد القبائل البالية و اللاإنسانية فحسب.

ويتبين من النظرة الأولى لهذا الدستور طابع الإسلام السياسي الطاغي عليه، وليست ثمة أي إشارة إلى أن الدولة العراقية ستلتزم بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان و الحقوق المدنية الأخرى ، وبالتالي لا يمكن أن يضمن حقوق النساء و الكثير من حقوق الإنسان.
ورد في البند الأول من المادة الثانية ، من الفصل الأول:
أولا: الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع.
أ- لا يجوز سن ّ قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.
ب _ لا يجوز سن ّ قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج _ لا يجوز سن ّ قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.

فالفقرات الثلاثة أ، و ب، وج لا تشكّل معادلة معا و لا توازنا، ولا تشكل الفقرتان أ ، و ب قيدا أو رقيبا على الفقرة أ لكي يمكن الوقوف بالاستناد إلى ب بوجه صدور قوانين معادية للحقوق وفق الفقرة أ .
وإنه لمهم للغاية مفهوم الديمقراطية التي صاروا يصورونها كالبلسم الشافي لكل مشكلات المجتمع السياسية وغير السياسية، إنها أداة عملية لضمان الأمن الداخلي الذي تفاقم فلتانا في العراق ، إذ أثبتت التجارب لعقود عديدة في أوروبا و دول عديدة في الشرق و الغرب ، أنها ، أي الديمقراطية لا تضمن الحريات بشكل حتمي. إنها شكل من أشكال الحكم ، و من أهم مقوماتها الانتخابات البرلمانية التي جرت في أي حال في العراق، و النظام البرلماني ، والفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. و في حالة العراق ووفق دستوره المصادق عليه من قبل الجمعية الوطنية يمكن سن ّ أي قانون لا إنساني يحد من حريات المواطن و حقوقه ، وبدون أن" يتعارض مع مبادئ الديمقراطية" ، طالما هناك ليس أي إلزام بالحكومة العراقية أن تلتزم بلائحة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المواثيق الدولية التي تضمن حقوق الطفل والنساء و الحيوانات والنبات.

كان حريا بمن سنّوا مسودة الدستور أن يؤكدوا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، إن كانوا حقا يبتغون ضمان الحريات الديمقراطية للمواطنين و حقوقهم الأساسية.
وإنه لو كانت تعاليم الإسلام هي المعمول بها في التشريع وسائدة و لا يمكن لأي قانون آخر أن يتعارض مع ثوابتها ، فلا يمكن الكلام عن الحريات. ففي هذه الحالة يكون التأكيد على حرية الدين والمعتقد ضربا من الأوهام ، فلا يمكن أن تضمن في ظل الإسلام السياسي كل الحريات ، الإسلامي الملتزم بتعاليم دينه لا يمكنه أن يقبل بالآخر المختلف عنه وخاصة إذا رآه مشركا ، أو ملحدا. فكم تتكرر تجربة المجازر والحرق وسمل العيون و التعذيب الجهنمي بحق ما سموهم بالزنادقة والملاحدة والمرتدين ، مثل الحلاج و السهر وردي و ابن المقفع , بشار بن برد وغيرهم.

لا تزال وسائل الإعلام الأمريكية و توابعها تتبجح أن قوات أمريكا جاءت إلى العراق لكي تأتي بالحريات والديمقراطية للعراقيين ، لكنها عمليا لم تعمل على شئ آخر سوى تقوية وترسيخ القوى القومية والطائفية و الظلامية ، ولم تكن الديمقراطية أصلا غايتها. فالديمقراطية اليوم باتت تتراجع في عقر دارها ، وأن البرجوازية الصناعية في الغرب ، من حين لآخر تنتهك الحريات داخل بلدانها ذاتها ، فأية ديمقراطية ستقدمها لمجتمعنا العراقي؟؟ !!

أي تناقض عجيب بين فقرتي أولا و ثانيا في المادة 43!!!

أولا: تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، ودعمها وتطويرها واستقلاليتها ، بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها، وينظم ذلك بقانون.

ما المقصود " بالأهداف المشروعة" سوى أن تكون مقبولة من قبل العشائر و القبائل و مساومة مع مبادئ القوى الظلامية؟
وقد ورد في الفقرة ثانيا من نفس المادة:

تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة، بما يساهم في تطوير المجتمع، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان.

لم يذكر كتبة الدستور شيئا عن قيم العشائر " الإنسانية" ، هل هي موقفها الإنساني جدا من المرأة والكصة بكصة ، و اعتبارها سلعة تباع وتشترى ، وتستخدم أداة في المساومات ، أم علاقات الغزو و هدر الدم و الفصل والانتقام ؟ وهل يمكن بناء مجتمع مدني بقيم عشائرية ، وخاصة عشائرنا؟ فالعشيرة هي مغتصب المرأة و عدوها الأول. ولا يمكن لبنية اجتماعية تحتفظ بالعشائرية وتغذيها أن تنجح في تجميع الشعب وفق مبادئ إنسانية وتقدمية من بين أشلاء ومزق الفسيفساء العشائري بعد تقوية العلاقات العشائرية. إن الزعيم العشائري لن يتنازل عن امتطاء ظهور أفراد عشيرته لصالح القائد السياسي المدني.

وإن تدخل العشائر في شؤون الحياة ، في كل صغيرة و كبيرة ، تعني فيما تعنيه استمرار العمل بقوانين العشائر التي أحياها النظام البعثي البائد ، و الالتزام بها ، للأهمية البالغة التي توليها القوى السياسية للعشائر و لقيمها المتخلفة و أعرافها اللاإنسانية ، كونها أصبحت عاملا أساسيا في كسب أية قوة أو كيان في العراق لحصة في السلطة و الحكم و النفوذ.
هكذا ، فالعشائرية ضرورية للنظم المتخلفة والرجعية والتي تجرد المرأة من حقوقها ، ولكي تتنصل من إجحافها بحق المرأة ، وأن لا تتلطخ يداها بدمها، لا بد لها أن تغض النظر عن الاستفحال العشائري على حساب القانون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في ظل


.. الانتخابات الفرنسية كيف تجرى.. وماذا سيحدث؟| #الظهيرة




.. استهدفهم الاحتلال بعد الإفراج عنهم.. انتشال جثامين 3 أسرى فل


.. حرب غزة.. ارتفاع عدد الشهداء منذ الفجر إلى 19




.. إطلاق 20 صاروخا من جنوب لبنان باتجاه الجليل الأدنى