الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصوفية و السريالية، مساواة أدونيس الجائرة

عادل عبدالله

2015 / 11 / 19
الادب والفن




على وفق منهج لا صلة له بقواعد التاليف الاكاديمي، و من خلال شكل تلفتُ الانتباه طريقة ظهوره، نجد ذلك التلاحم الحميم بين عنوان كتاب " ادونيس " ومجمل تفاصيل متنه، حيث ثمة توافق حقيقي، الفةٌ وانتماء يصلح القول عند اجتماعهن : ان هذا العنوان (الصوفية و السريالية) وبطريقة تظاهرة عن طريق المتن، هو العلة الفعالة التي كان المتن حقا، معلولا اصيلا لها، بمعنى اخر ، ان كتاب ادونيس " الصوفية والسريانية " كمتن هو تمثيل وتجسيد يسمح بالقول : ان ما كان موجودا في ذلك (العنوان ) بالقوة تمكّن ادونيس - عن طريق متنه - من ان يجعله موجودا بالفعل مهما كلّف الأمر ذلك .
لكن، ماذا يقول هذا العنوان الصامت قبل ان يصبح متنا ؟ .. بل ماذا يقول متنُ الكتاب اصلا، وهل ان هذا الذي قيل في المتن هو كل ما يسمح هذا العنوان الكبير باخراجه ام ان ثمة اشياء مضمرة اخرى ،ما زال عنوان كتاب ادونيس - الصوفية والسريانية – متشبثا بها متذرعا بحجة ادونيس ذاتها - من ان هذا الذي قيل في متن الكتاب هو كل ما كان بوسع العنوان اظهاره وهو النص الكامل والمساواة العادلة المشرفة لكل ما يمكن ان يكون العنوان عليه؟
عنوان كتاب ادونيس هو " الصوفية والسريانية " و هما طرفان ، مفهومان ، في علاقة يجمع بينهما حرف العطف في اللغة – غير أن ادونيس اكرهنا على النظر الى كلمة عطف هنا بمعناها الاخلاقي الذي تكون كلمة عاطفة احد اشتقاقاته - بحيث ننظر الى قرابة المفهومين في المعنى، وهذا هو الذي سعى ادونيس الى البرهان عليه عبر متن الكتاب كله .
الصوفية والسريانية طرفا علاقة غير متناقضين فيها، لأن الجملة الاخيرة من مقدمة ادونيس لكتابه لا تسمح بمثل هذا التصور، مثلما لا يجتمع الطرفان في هذه العلاقة بسمة علّية سببية يستمد خلالها احدهما وجوده من وجود الاخر وباي مقدار ممكن : علة بمعلول او كل الى جزء ، اصل الى فرع او متأثر الى شيء مؤثر لأن مثل هذه الاشارات لا وجود لها.
اذن فثمة تساو من نوع ما، بين الصوفية والسريانية تساو يحق التساؤل عنه - تحت طائلة غموضه - عن فارق احدهما عن الاخر من حيث المكانة و النوع والمنزلة.
فالصوفية مذهب ديني، وفلسفة لاهوتية عريقة تستعمل الذوق والقلب والعاطفة هوى ووسيلة لعرفانها وهي طريقة سلوكية شائعة ومذهب كلي وجد و يمكن ان يوجد في الاديان كلها على الرغم من خصوصية وجوده في الشرق - بوجه عام - وفي الصيغة العربية الاسلامية - بوجه خاص ، التي تستمد شرعية نعتها من نوع العلاقة بين الله والانسان عمقها، صفائها ، وطريقة التعبير الوجداني الخلاق عنها .. اما السريانية فهي تيار ابداعي شعر - فني ، طريقة استبطانية للتعبير عن الذات ابداعيا، لكن من دون حلول او اتحاد او شطح في طريقة التعبير هذا، بل انها لتستند الى ما يمكن القول عنه بانه النقيض لأحدى مبادئ الصوفية، وهو ان : مبدأ السريانية هو تصوير العالم الداخلي للانسان بكل احلامه وقلقه وهواجسه ولا وعيه واحسب ان هذا الفعل يتطلب انكفاءا على الذات تاكيدا وحضورا طاغيا في نفسها من اجل تغطيةٍ و تصوير واخراج أمين لكل هذا الطارئ الذي فيها والذي كان التاكيد على وجودها وسيلة اخراجه، في حين أن العلاقة مع الذات في الصوفية نقيضة لهذه الحالة فهي تستدعي انكار الذات اولا والتخلص منها حسيا وافراغها من علاقتها مع الجسد والعالم والاخر الحسي، من اجل الاتحاد بالمتعالي الذي لا يقبل حضورها الا بالطريقة هذه، واحسب ان هذا المبدأ هو المتبع في تعاليم الصوفية كلها .. بدءا بنرفانا الهنود وانتهاء بحلقات الذكر الاسلامية فكيف غابت عن ادونيس مثل هذه الحقيقة المبدئية في علاقة المفهومين : الصوفية والريانية ؟
ثم أن الصوفية والسريانية مفهومان غير متساويين من حيث المنزلة والمكانة فثمة انزياح في القيمة الفكرية الروحية ونوع الحضور في الذات الانسانية لاحدهما على الاخر واذ لا يمكن لاحد ان يرضى - على وفق حكم موضوعي - بان تكون مكانة السريانية ومنزلتها - اكبر واعلى من مكانة الصوفية ومنزلتها اصبح التساؤل عن السبب في اجراء مثل هذه المقاربة بين المفهومين " من قبل شاعر عربي قريب من النفس الصوفي في ادائه الشعري والمعرفي " امرا ممكنا ومشروعا.
ما الذي يدعو ادونيس الى اجراء مثل هذا التساوي بين مفهومي الصوفية والسريانية، وهو نوع تساوٍ لا يمكن أن ينجز إلاّ بانزال المكانة الصوفية الى مكان ما، بحيث تبدو به شبيه او قريبة في حجمها من السريالية، في ذات الوقت الذي ترفع فيه السريانية الى مكان ما لكي تبدو به مساوية في حجمها لحجم الصوفية ؟
لاشك ان مثل هذا الفعل سيصبح امرا مقبولا، بل ومشرفا لصاحبه - ان كان يصدر عن شاعر او مفكر اوربي يريد الاعتزاز بما هو موجود في ثقافته كغربي - والاشارة هنا الى السريانية – فيسعى الى رفعها منزلة ما بحيث تبدو شبيه بالصوفية - كمفهوم ذي طبيعة شرقية ، عربية اسلامية : لكن الامر هنا حادث مع شاعر عربي يمتلك في ثقافته الانموذج الافضل - الصوفية - فيسعى الى مقارنتها بما هو ادنى منه مكانة ومنزلة وفي ثقافة اخرى - السريانية – فما الضرورة التي تستدعي مقارنة كهذه ، واقعة تعرض الذهب الى مقارنة جائرة مع النحاس ؟
لا نريد الغلو هنا في افتراض الاجابات عن اشئلة كهذه، لأن الاكتفاء بطرحها يحمل من الغنى الذاتي ما يستعاض به عن الاجابة، فضلا عن قدرته على توليد اسئلة جديدة ومن النوع ذاته، اعني : أ حقا يستطيع المرء ان يجري مقارنة من نوع ما ، بين النفري ، وابن عربي ، والبسطامي ، الشبلي ، والجنيد ، وبشر الحافي ، وذنون المصري ، من جهة وبين لوتريامون وبريتون وإيلوار وسوبو ودالي من جهة اخرى، احسب ان حاجة ما قضائية الطابع تدعونا الى القول .. ربما كان المستشرقان الغربيان " لويس ماسينون وكوربان " صاحبي فضل كبير في نشر الثقافة الصوفية والتأكيد على اهميتها في الفكر العربي وهي مزية و فضل حققاه لنفسيهما، فعل معرفي انساني يكشف عما يستحق الكشف عنه والتعامل معه بكل هذا التشريف والاجلال ، لكنه لا يستدعي ، ولا يتضمن، اية صيغة من صيغ " الدين " او اعتبارات ردّ الفضل " فهل اراد ادونيس ان يقول للفكر الغربي، بان هذه الفلسفة اللاهوتية العربية الاسلامية التي كانت على الدوام محل اعجابكم وقبلة انظاركم المعرفية ، ليست حكرا علينا وحدنا ، وليست ثقافتنا العربية الاسلامية هي الثقافة الانسانية الوحيدة التي بوسعها ان تنتج مثل هذه العلامات الفكرية المضيئة الخالدة، اذ يوجد في ثقافة الغرب ، وفي ابداعاته المعاصرة ما يشبه هذا النادر النفيس الذي لدينا، أي السريالية، وها انا - ادونيس الشاعر العربي الكبير - والمقرّب الى النفس الصوفي ، اعترف لكم بمثل هذا الامتلاك واعلن اكتشافه في ثقافتكم .. لكن هل توقف الامر عند حده المعرفي هذا؟ ام ان بقية ما، خاتمة من نوع اخر تؤكد الحدث بطريقة مغايرة ؟
في الفصل المخصص للنظر والتعامل مع رامبو الشاعر الفرنسي بوصفه صوفيا مشرقيا يستجمع ادونيس حججا وذرائع شتى لتسويغ قبول الاخر مثل هذه الحقيقة التي يبدو انها تقاوم الاذعان والرضوخ لفكرته، فمن ليّ الخطابات تارة ، مرورا بافتراض ما لا وجود له ، في شعر وحياة رامبو ، تارة أخرى، وانتهاء بتأويل اشياء لا يصلح النظر اليها مؤولة بهذه الطريقة من دون تعسف ، يحاول ادونيس اضفاء الصفة المشرقية الصوفية على انموذج حضور رامبو في الثقافة الغربية ، وهو امر كبير رائع و مبتكر لو تمكن ادونيس من انجازه على وفق الحقائق الموضوعية التي لا يصلح الاحتكام لغيرها.
لكن هل كان الامر متحققا بهذه الطريقة فعلا ؟ وهل كانت غاية ادونيس في بلوغ هذه الحقيقة تمضي من دون الاساءة الى احد ؟ هنا ساكتفي بطرح سؤال واحد، اذ يقلق مثل هذه القناعة المفترضة فانه ينقل الكلام الى طبقة اخرى . تسمح بهذا النوع من التساؤل استنادا الى الطريقة التي تم عرض المقال بها وعن طريق النقاط التالية:
1- في اداء اولي يمنح التصور بان ادونيس قد فرغ من اضفاء الصفة الصوفية المشرقية على نمط حضور رامبو في ثقافة الغرب والى الحد الذي ينبغي عنده النظر الى هذه الصفة كعلامة فارقة اولى لفكر وشعر رامبو، يحاول ادونيس في اداء ثان مقارنة عقلانية صوفية ديكارت الراسخة، بلا عقلانية صوفية مشرقية نخص رامبو، بل انه ليمضي ابعد من ذلك ليضع كوجيتو ديكارت " انا افكر اذن انا موجود " مقابل ما اسماه " الكوجيتو الرامبوي " الذي استمد ادونيس شرعية وجوده من مقولة رامبو " انا هي آخر " ثم ينتصر في اداء ثالث للاعقلانية رامبو ولـ " صوفيته ومشرقيته " على عقلانية مؤسسة الفكر الحديث " ديكارت " .
2- ان اضفاء ادونيس على رامبو صفتي الصوفي المشرقي ثم التعامل معه وفقهما يفترض حقيقة مفادها، ان هذه الصفات التي مُنحت لرامبو هي صفات مستعارة اليه مستنسخة ومشتقة عن اصل عربي صوفي مشرقي نجد نسخته الاصلية متمثلة بصوفية النفري، ابن عربي والبسطامي، فاذا اردنا لمقابلة ما ان تحدث بين عقلانية ديكارت كطرف ولا عقلانية صوفية كطرف اخر، فانما يقتضي السياق والحقيقة ان تكون المقارنة مأخوذة ممثلة لاكثر رموزها امتلاء، اعني كان على ادونيس ان يضع الرموز العربية الصوفية ابن عربي والنفري والبسطامي ... الخ . بوصفهم ممثلين للجانب اللاعقلاني الصوفي بالتقابل مع عقلانية ديكارت، ذلك لانهم يمثلون الكل، الاصل والمثال حين تمثل صوفية رامبو الجزء والصفة المستعارة التي لا تؤهله لموضع التقابل مع رسوخ عقلانية ديكارت، ام ان لادونيس رايا اخر في حقيقة هذه المسالة، اعني تصوره عدم اهلية هذه الرموز العربية لمقابلة فكر ديكارت؟
ان كان ادونيس يعتقد ذلك حقا، فانا على بينة من عدم مشاركة ديكارت له في هذا الاعتقاد لانه قد ورد عنه القول بصدد الغزّالي - من دون فضل منه في اعترافه هذا " ان منهج هذا الرجل قريب من منهجنا " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع