الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيسينجر ينعى النظام العالمي لاميركا

جورج حداد

2015 / 11 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


إعداد: جورج حداد*


بعد غزو نظام صدام حسين للكويت ثم شن الحرب عليه وطرده منها، طرح الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الاب فكرة "النظام العالمي الجديد" بقيادة اميركا. ولكن فيما بعد جاءت الاحداث المأساوية، بدءا باحداث 11 أيلول 2001 في اميركا، وحرب أفغانستان الأميركية، وحرب تدمير العراق في 2003، ثم ما يسمى "الربيع العربي"، وتمزيق ليبيا واليمن وسوريا، وحرب 2006 وتعطيل الحياة الدستورية في لبنان ووضعه على شفير الهاوية، وأخيرا لا آخر بروز الظاهرة الإرهابية الداعشية التي أعلنت عن اسقاط الطائرة المدنية الروسية في سيناء بحجة التدخل الروسي في سوريا، وقبل ان تكمل الصحافة الغربية الصفراء التعبير عن شماتتها بروسيا، حتى كانت الداعشية تضرب بوحشية في قلب العاصمة الفرنسية باريس، مهددة بتحويل فرنسا من دولة عظمى الى دولة مذعورة تستحق الرثاء. نقول: بعد كل ذلك، والآتي اعظم، يتبين كم كانت فكرة الاستئثار بإقامة "نظام عالمي" تديره اميركا، فكرة سطحية ومتسرعة.
وفي النصف الأول من السنة الجارية نشر هنري كيسينجر كتابه الجديد المعنون "النظام العالمي". وبهذه المناسبة كتب في 9 ايلول الماضي مقالا بهذا الخصوص في جريدة "وولستريت جورنال". وتناول في هذا المقال نظرته الى "النظام العالمي" كما تريده اميركا، على خلفية الاحداث الجارية اليوم في العالم عموما، بما في ذلك خصوصا في العالم العربي. ومعلوم ان هنري كيسينجر شغل منصب مستشار الامن القومي، ومنصب وزير الخارجية، لاميركا، في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. وهو يعتبر من كبار المفكرين والمخططين الستراتيجيين في اميركا والعالم الغربي، اذا لم يكن اكبرهم. وللمقارنة، فإن هنري كيسينجر وسبيغنيو بريجينسكي، الاول من خلال "يهوديته الاشكنازية ـ الخزرية" والثاني من خلال "كاثوليكيته البولونية"، يشتركان في الحقد الدفين على روسيا والمسيحية الشرقية خصوصا، وعلى الشعوب الشرقية عموما. ولكن بريجينسكي ينساق الى إخضاع افكاره لحقده. في حين ان كيسينجر يتميز في أنه ينجح غالبا في إخضاع حقده على روسيا والشرق وإخفاء هذا الحقد خلف افكاره، مما يساعده على اضفاء الطابع "الموضوعي" و"المحايد" على تلك الافكار.
وفي المقال المذكور عن "النظام العالمي" يخلص كيسينجر الى نعي نظام ارهاب الدولة العالمي لاميركا من خلال عرض فكرة رئيسية له وهي: ان هيمنة احد البلدان عسكريا في جزء معين من العالم، حتى وان بدت كإقرار وتوطيد للنظام العالمي كما تريده اميركا، فإنها يمكن ان تستثير ازمة في بقية اجزاء العالم.
وهو يقدم بعض الامثلة عما جرى مؤخرا في الساحة الدولية، تحت ضغط نزعة الهيمنة الاحادية لاميركا، فيقول: ان ليبيا هي في حالة حرب اهلية، وان الجيوش الاصولية في سوريا والعراق اعلنت انها تعمل على بناء الخلافة الاسلامية. اما ما يسميه كيسينجر "الدمقراطية الفتية" في افغانستان فيرى انها على شفير الشلل. ويضيف كيسينجر الى هذه المشكلات احتدام التوتر مع روسيا، واشكالية العلاقات (يقصد العلاقات الاميركية والغربية) المتناقضة مع الصين، وهي علاقات تتراوح بين "وعود التعاون" و"الاتهامات العلنية المتبادلة"، حسب تعبيره. وهو يستنتج ان "مفهوم النظام" (The concept of order)، الذي حدد طبيعة العصر الحديث، يوجد في أزمة.
وحسب رأيه فإن البحث عن النظام العالمي قد تحدد لزمن طويل، وبشكل استثنائي تقريبا، من قبل مفاهيم المجتمعات الغربية. وان الحقبة الممتدة بين سنة 1948 الى نهاية القرن الماضي سجلت مرحلة قصيرة في التاريخ الانساني، حيث كان يمكن الحديث عن ولادة نظام عالمي شامل، يتألف من مزيج (amalgam) من المثالية الاميركية والمفاهيم الاوروبية التقليدية حول فن طريقة الحكم (statesmanship) وتوازن القوى. ولكن كانت توجد اقاليم كبرى في العالم لم تكن ابدا تشارك في المفهوم الغربي للنظام، بل كانت تقتصر على التواؤم مع هذا المفهوم. وهذه التحفظات اصبحت الان واضحة، كما يقول كيسينجر. وهو يقدم مثالا على ذلك الازمة الاوكرانية والوضع في بحر الصين الجنوبي. ويقول إن النظام الذي اقامه الغرب يوجد في حالة تحول. فأولا، ان طبيعة الدولة ذاتها، التي تمثل الوحدة الشكلية الاساسية للحياة الدولية، تخضع للعديد من اشكال الضغط. فأوروبا تحاول ان تتجاوز الدولة وان تكوّن سياسة خارجية، مبنية بشكل رئيسي على القوة الناعمة. ولكن من المشكوك فيه ان تأكيدات الشرعية، المتفرعة من المفهوم حول الستراتيجية، يمكن لها ان تدعم وجود نظام عالمي. واوروبا لم تتحصل بعد على سمات الدولوية، مما يؤدي الى نشوء فراغ سلطوي على المستوى الداخلي وفقدان توازن القوى على حدودها. وفي الوقت ذاته فإن اجزاء من الشرق الادنى تتفكك الى كيانات دينية واتنية، تتصارع فيما بينها، والميليشيات الدينية، والسلطات التي تدعمها، تقوم بانتهاك الحدود والسيادة الدولوية حسب تقدير تلك الميليشيات والسلطات. وتتشكل عن ذلك ظاهرة الدول الفاشلة، غير القادرة على السيطرة على اراضيها الخاصة.
ان التحدي القائم في آسيا هو مغاير لما هو في اوروبا ـ فغالبية المبادئ حول توازن القوى هي غير مرتبطة بالمفهوم المتعارف عليه للشرعية، مما يؤدي الى اختلافات معينة، وتقريبا الى المجابهة. والمجابهة القائمة بين الاقتصاد العالمي والمؤسسات السياسية، التي تدير ظاهريا النظام العالمي، تضعف حاجة هذا النظام الى الشعور بكونه نظاما عالميا. ان النظام الاقتصادي اصبح معولما، في حين ان البنية السياسية للعالم لا تزال مؤسسة على الدول الوطنية.
ويتابع كيسينجر: ان الاقتصاد المعولم بطبيعته لا يأخذ بالاعتبار الحدود الوطنية. في حين ان السياسة الخارجية تدعم تلك الحدود، حتى حينما تسعى لان توائم الاهداف والمثل الوطنية مع النظام العالمي الذي تتناقض معه.
وهو يؤكد ان النظام العالمي يقف امام مفارقة: فنجاحه هو مرتبط بنجاح العولمة. ولكن عملية العولمة تنتج ردة فعل سياسية، تعمل في الغالب ضد مطامح النظام العالمي.
وكأحد الامثلة على فشل النظام العالمي الراهن يشير كيسينجر الى غياب آلية فعالة للقوى العظمى للتشاور وللتعاون المحتمل فيما بينها في ما يتعلق بأهم المشكلات. وربما يبدو هذا الرأي من قبل كيسينجر كانتقاد مستغرب مع وجود كثرة من المنتديات متعددة الاطراف، اكثر بكثير مما سبق ان وجد في فترات تاريخية سابقة. ولكن الواقع ان طبيعة هذه اللقاءات وكثرتها تعملان في غير صالح تكوين ستراتيجية واسعة النطاق. فهذه العملية لا تسمح في احسن الحالات بأكثر من مناقشة حول المسائل التاكتيكية، او شكل جديد للقاءات على مستوى عال كحدث تتلقفه وسائل الاتصال الاجتماعي. ويستنتج كيسينجر ان البنية المعاصرة للقواعد والمعايير الدولية، اذا أريد لها ان تكون مناسبة، فلا ينبغي ان يتم الاعلان عنها فقط في البيانات المشتركة، بل ينبغي تعميمها بوصفها تمثل قناعة مشتركة.
ويوضح كيسينجر: ان العقاب المتوجب على الفشل سيكون ليس حربا كبيرة الى حد ما بين الدول (مع ان هذا الاحتمال يبقى واردا في بعض الاقاليم)، بل سيكون في تصاعد مناطق النفوذ، لهذه الدولة او تلك، التي يجري تكوينها بواسطة بنى داخلية خصوصية واشكال مختلفة للحكم.
ان البحث المعاصر عن نظام عالمي سوف يتطلب وجود ستراتيجية ثابتة لتأسيس مفهوم هذا النظام في كل اطار من الاطر الاقليمية القائمة، ولربط هذه النظم الاقليمية بعضها ببعض. وهذه الاهداف لن تكون بالضرورة متوائمة فقط. فانتصار احدى الحركات الراديكالية يمكن ان يدخل النظام الى احد الاقاليم، ولكنه يمكن ان يضع الاساس للاضطرابات في جميع الاقاليم الاخرى. فهيمنة احد البلدان عسكريا في اقليم معين، حتى وان بدت أنها تدخل النظام، يمكن لها ان تستثير ازمة في بقية اجزاء العالم، كما يؤكد كيسينجر.
ويدعو كيسينجر الى تجسيد الهيمنة الاميركية من خلال إنشاء جبهة عالمية تقودها اميركا. وهو يخلص الى القول: اننا نأمل في ايجاد نظام عالمي مؤلف من دول ذات جدارة خاصة، يقوم فيها حكم تمثيلي، وتتعاون فيما بينها على المستوى الدولي بالتطابق مع القواعد المتفق عليها. وهذا الامل ينبغي ان يكون مصدر الهامنا.
واخيرا ينهي مقالته بالموعظة التالية: يتوجب على الولايات المتحدة الاميركية ان تفكر على مستويين متناقضين:
اولا ـ ضرورة انتصار المبادئ الشاملة.
وثانيا ـ ان هذا الانتصار ينبغي ان يقترن بالاعتراف بواقعية التاريخ، الثقافة ووجهات النظر المتعددة حول الامن في مختلف الاقاليم.
ويدخل كتاب كيسينجر ومقاله ضمن مفهومة "وشهد شاهد من اهله". وهذا احد البراهين ان الرأسمالية الامبريالية ستتخبط اكثر فأكثر في ازمتها العامة، ولن تستطيع تجديد نفسها، بل ستتآكل اكثر فأكثر.
واذا كان لا يلوح في الأفق حتى الان الحل الاشتراكي الجذري للازمة العامة للرأسمالية الامبريالية، بفضل خيانة غالبية القيادات الشيوعية الستالينية والنيوستالينية، فهذا لا يعني ابدا ان الرأسمالية الامبريالية لم تعد جثة عفنة تزداد عفنا على عفن، ولن تنفع معها "الوصفات السحرية" لخونة الفكر الاشتراكي العلمي، لا الوصفات الليبيرالية لفخري كريم وكريم مروة، ولا تخريفات فؤاد النمري حول "البرجوازية الوضيعة" و"العودة الى الإنتاج السلعي"، ولا حتى وصفة "الاشتراكية الصهيونية" ليعقوب الابراهامي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقوى تعليقات على كابلز وفيديو كليبات مع بدر صالح ????


.. خوارزميات الخداع | #وثائقيات_سكاي




.. من هي وحدة عزيز في حزب الله التي اغتالت إسرائيل قائدها؟


.. رئيس التيار الوطني الحر في لبنان: إسرائيل عاجزة عن دخول حرب




.. مراسلتنا: مقتل قائد -وحدة عزيز- في حزب الله باستهداف سيارته