الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التضامن، في اللا تضامن و في ما يمكن أن يكون بينهما

عادل كوننار

2015 / 11 / 20
العولمة وتطورات العالم المعاصر


"على الإنسانية أن تضع حدا للحرب، و إلا فإن الحرب سوف تضع حدا للإنسانية" هذه العبارة الصادرة عن الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي ربما تعبر أكثر من أي وقت مضى عن واقع الحال في عالم اليوم، و ما الهجمات التي عرفتها باريس مؤخرا سوى تأكيد لذلك.

و لئن كانت الغالبية العامة عربيا، قد انساقت في تعاطيها مع الحدث نحو فكرتين بارزتين، لم تخرجا من جانب، عن شجب و استنكار ما حدث و التضامن المطلق مع فرنسا و مع ضحاياها، المنظور إليهم كضحايا للإرهاب باسم الدين، في حين من جانب اخر كان التضامن على استحياء أو الشجب مشروطا بأن يسبقه شجب اخر لما يعانيه بشر آخرون في مناطق أخرى من العالم.
هكذا كان الانقسام عندنا كما هو الحال في كل مرة مسبوغا بنكهة الإيديولوجيا و بغياب حس تحليلي موضوعي، أصحاب التضامن المطلق مع فرنسا في غالبيتهم من ذوي التوجه الإيديولوجي "الحداثي" المعادي لكل ما هو إسلامي، و الذين يكفيهم أن يتعرفوا على هوية الجناة حتى يأخذ الاستنكار لديهم شكلا مطلقا من الاصطفاف في الطرف المقابل، في تفاعل مفتقد لأي نظرة متوازنة، أما أصحاب التضامن المستحيي أو المشروط هم في غالبيتهم من ذوي التوجه الإسلاموي الذي لم يتخلص بعد من مبدأ الحقيقة المطلقة الذي يعتبر غير الملسمين و بخاصة الغرب كفارا، مصيرهم إلى جهنم و بئس المصير، فيصير قتلهم -وفقا لهذا المنطق- و إن في جزء قصي من أعماقهم جهادا في سبيل الله.
هكذا نغدو و في الحالتين متخذين لمواقف انتقائية بعيدة عن الموضوعية، حين نتضامن نتضامن بحسب هوية الجناة، و حين نحجم عن التضامن فبحسب هوية الضحايا.

و الواقع أننا لو أردنا أن نكون متبصرين دون خلفية إيديولوجية، فسنجد ربما أن الحادث يندرج ضمن مواجهة ليست الإيديولوجيا الثقافية و الدينية سوى غطاء لها، في حين أن محركها الأساس هو إيديولوجيا المصالح السياسية و الاقتصادية، ففرنسا و هي تتجه بطائراتها الحربية بعيدا عن أراضيها لتقصف داعش داخل الأراض السورية، طمعا في تحقيق أهداف جيو-استراتيجية بالمنطقة، فإنها بذلك تكون قد أعطت لذاك التنظيم الحق في الرد عليها، و حادث باريس يدخل في إطار هذا الرد بغض النظر عن أي حكم أخلاقي، فهذه هي الحرب التي تجعل اللعب بكل الأوراق مباحا.

أما أن ننظر لحادث باريس الأخير نفس نظرتنا لحادث شارلي ايبدو فهو لعمري الخلط الذي ليس بعده خلط، لأن عملية الأخوان كواشي و من كان معهما كانت تستهدف مجلة تنشر رسومات اعتبرت عدائية و مستفزة للمسلمين، فكان الرد بتصفية طاقم تحرير المجلة، هنا المواجهة فكرية إيديولوجية انتهت نهاية درامية، فموقف أصحاب المجلة مهما بلغت درجة استفزازه سيبقى في إطار حرية التعبير، و الرد عليه لا يمكن سوى أن يكون مجرما لأنه استعاض عن الرد تعبيرا بالرد اعتداءا بالقتل، في حين أن حادث الباطاكلون فهو و إن كان اعتداء بالقتل و ضد أناس أبرياء تماما فإنه يجد تسويغا له في كون الدولة الفرنسية كانت مبادرة بالهجوم، و بالتالي مشرعنة للرد، الذي و إن كان مستنكرا في حق القتلى فهو يبقى "مبررا" في حق الدولة.

في السنوات الأخيرة أخذت كلمة "الإرهاب" شكلا غامضا هلاميا لكثرة ما استخدمت في كل النزاعات و من قبل الكل ضد الكل، و كل ذلك في سبيل تسويغ المواقف و شرعنتها، و في مثل هذا قال تيري إيجلتون في كتابه : "الحاجة إلى الخصوم واضحة بما يكفي في السياسة المعاصرة: فإذا كان السوفيات قد كفوا عن لعب دور الآخر على المسرح الغربي، فيمكن للمسلمين عندئذ أن يكونوا بدلاء جاهزين. ويبدو أن الغرب يحتاج إلى أن يواصل استدعاء البعبع إلى الوجود متى يشاء"

و هكذا يصبح خلق الخصم ثم شيطنته ذريعة إعلامية فعالة على طريق تحقيق المصالح المتوخاة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما مبرّرات تكوين ائتلاف لمناهضة التعذيب؟


.. ليبيا: ما سبب إجلاء 119 طالب لجوء إلى إيطاليا؟ • فرانس 24




.. بريطانيا: ما حقيقة احتمال ترحيل مهاجرين جزائريين إلى رواندا؟


.. تونس: ما سبب توقيف شريفة الرياحي رئيسة جمعية -تونس أرض اللجو




.. هل استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي لفض اعتصامات الطلاب الداعمة