الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية -دروز بلغراد حكاية حنا يعقوب- صرخة تاريخ مؤلم

منير ابراهيم تايه

2015 / 11 / 20
الادب والفن


قراءة في رواية
دروز بلغراد - حكاية حنا يعقوب
صرخة تاريخ مؤلم
الأدب أفكار الأذكياء ومشاعرهم مكتوبة بأسلوب يلذ للقارىء.. مما يبعث الأستمتاع حين يتحول بائع البيض إلى سجين والسجين إلى حر في لعبة قدرية .
مواضيع اجتماعية وسياسية وفكرية برؤية كونية في مفارقة الواقع عبر التاريخ في رواية زمنية متنوعة في فصولها العجيبة بمهارة راو محترف متخف يمتلك براعة لم يخف الهواء الاصفر ولا الحرب ولا الحدود في ايقاع يمتلك القارىء في احداث وصلت للذروة ينقلنا ربيع جابر في روايته "دروز بلغراد او قصة حنا يعقوب"...

الرواية تلفت الانتباه بدءا بالعنوان المزدوج (دروز بلغراد ـ حكاية حنا يعقوب) والمتناقض في ذات الوقت "الدروز والمسيحي"
تفاصيل لم اشعر معها بالملل بل جعلتني اتسابق مع حنا لأنتقل عبر الزمن في براعة فكرية حسية تحليلية لأستبق الأحداث واتنبأ بماذا سيحدث لحنا يعقوب.
ماذا يحدث حين يتواجد انسان ما في المكان والزمان الخطأ؟؟ حين تكون في أحداث لم تكن سبب فيها في يوم من الأيام .. لكن الاقدار جاءت بك الى تلك الأحداث لتضيع سنوات عمرك متنقلا بين السجون ..
المؤلف استمد قصته من التاريخ ، ومن التاريخ اللبناني تحديدا. واقعة نفي 550 درزيا من جبل لبنان إلى طرابلس الغرب وبلغراد في عام 1860 بعد المواجهات بين الدروز والمسيحيين ، ثم وبخط موازي يحكي قصة حنا بائع البيض المسيحي الذي وضعه حظه العاثر في المكان الخطأ وبالتوقيت الخطأ .
حنا يعقوب، مسيحي بسيط يبيع البيض المسلوق.. خين يقرر الحاكم العثماني نفي 550 درزي إلى بلغراد عقابا لهم على جرائمهم ضد المسيحيين. أحد الدروز اصحاب النفوذ يرشو الحاكم ليعفو عن واحد من أبنائه الخمسه الذين سيشملهم النفي، ويقدم للحاكم كل ما يملك من مال. يقبل الحاكم الرشوة، ولكن يتحتم على الجنود الأتراك ضمان شخص إضافي بديلا عن الدرزي الذي طاله العفو.
صباح النفي، وأثناء تجوال حنا يعقوب الاعتيادي حول الميناء ومناداته لبيع البيض المسلوق، يفاوضه ضباط أتراك على أن يركب في السفينة عوضا عن الدرزي المعفو عنه لضمان اكتمال العدد، ولأن القنصل الفرنسي، ذا السطوة وفق اتفاقات تدخل القنصليات لحماية الأقليات في أواخر عهد الدولة العثمانية، سيأتي بنفسه ليتأكد من عدد من سيتم نفيهم.
ولم يتح له الضباط الأتراك مجالا للتردد فيجد حنا يعقوب نفسه في قلب السفينة، مقيدا وواحدا من المنفيين، بين قوم يعاقبون لأنهم قتلوا مسيحيين من طائفته. يطلق صرخة ليسمعه القنصل الفرنسي: "أنا حنا يعقوب المسيحي"، فينتبه القنصل ويطلب ترجمة ما قاله حنا، فينقل المترجم التركي الصرخة كالآتي: "أنا الذي قتلت حنا يعقوب المسيحي"! لتبدأ رحلة العذاب الطويل لحنا والتي ستستمر 12 عاما. ويترك خلفه هيلانة زوجته الصغيرة، وابنته بربارة ذات الشهور القليلة.
وصار اسمه سليمان عز الدين غفار .. على مدار اثنتي عشرة سنة من السجن في مدينة بلغراد وفي سجون مدن ومناطق بلقانية مثل سجون الهرسك وكوسوفو والجبل الاسود وبلغاريا.
الظروف الصعبة هذه تفعل ما لم تستطع أيام الحرية فعله في التقريب بين المسيحي والدرزي . الأخوة الخمسة يولون حنا عناية واهتماما وكأنه فعلا اخاهم الخامس، يلمح لنا أحيانا بأن ذلك منطلق إحساسهم بالذنب تجاه هذا البريء خصوصا حين يربطون بين كل مصيبة تقع على رؤوسهم بأنها ثمن لظلمهم لحنا واستغلاله .
تنوعت مسارات السرد مشحونة بدلالات معبرة عن ظروف حياتية قاسية في أقبية طينية مظلمة ، دارت فيها عجلة الزمان برتابة تتكرر فيها أحوال السجناء الصعبة يوما بعد يوم مثقلة بالامراض والبرد والجوع والإهانات والاعمال اليدوية الشاقة، مارس مع المحابيس الأعمال الشاقة المطلوبة منهم : شق الطرق ، بناء الجدران والأسوار، قطف المحاصيل .. تساقطوا مع الأيام واحدا تلو الاخر ، نجا حنا يعقوب وحده ، هرب من سجنه ، لكن العسكر طاردوه وساقوه الى السجن ثانية ، ثم هرب بعد ذلك عندما احترق المكان الذي سجن فيه و في نهاية المطاف التقى بالمصادفة مع قافلة الحج الشامي او ما كان يسمى بـ"المحمل الشامي" حجاج كانوا في طريقهم الى مكة انضم لهم وانتقل معهم من مكان الى اخر في فضاءات اّهلة باجناس مختلفة من الناس ، وأخيرا قادته الدروب الى دمشق.. "ومن هناك فشخة الى جبلكم" ثم واخيرا في عتمة المساء يصل بيروت مرتعدا: هذه هيلانه.. انا في البيت.. حضن زوجته وابنته وبكى.. شهق وملأ رئتيه بالهواء..
الرواية ليست حكاية حنا يعقوب تحديدا، حكاية حنا يعقوب هي عامل الوصل بين حكايات متعددة تشكل نسيج الرواية، تتداخل في تشكيلة روائية جميلة نجح الكاتب في نقلنا لجو الرواية بأشخاصها، ولغتهم، وعاداتهم الشعبية، وجغرافيتهم، وتفاصيل طعامهم وشرابهم وملبسهم، وربما اقنعنا في بعض الاحيان أن ما حدث قد وقع بالفعل، حتى ولو لم تكن هناك حاجة لمراجعة مصادر معلوماته في نهاية الرواية، وليست الحكاية حكاية (البطل) حنا يعقوب، حنا ليس بطلا ولا شجاعا بالفطرة، ولا صاحب موهبة استثنائية، وليس له من ميزة تجعله بطلا، هو فقط يتنقل من صفحة الى صفحة محملا بالحكايات والأحداث، مظلوم يتوه ظلمه تماما في مجموع المظلومين من جمهور الدولة العثمانية، ولغة ربيع جابر نجحت في إعادة خلق زمن دروز بلغراد في طبخة مضبوطة بلا تفاصيل زائدة تبعدك عن متعة المعايشة..
ان رواية " دروز بلغراد – حكاية حنا يعقوب " لا تعتبر إضافة للروايات التاريخية الكبرى، فهي مجرد واحدة من السرديات التاريخية العادية فالرواية التاريخية تقوم على تعريف الناس بالماضي ، ولذا لابد لمؤلف الرواية التاريخية من الإلمام بظروف وأحداث الزمن الذي تجري فيه...
ولكن المؤكد ان تجربة حنا يعقوب تتقاطع مع تجربة هنري شاريير في رواية "الفراشة" (بابيون)، التي لا تغيب عنّا وقائعها كما سردتها الرواية/ التجربة الإنسانيّة، أو الفيلم السينمائي المقتبس عنها. لكن رواية ربيع جابر تنهض بذاتها..
ربيع جابر يكتب مستحضرا الأمل من واقع هذا التاريخ المؤلم، لأنه يؤمن بما يقول.."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس