الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستثمار في صناعة الكوارث

منذر خدام

2015 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


الاستثمار في صناعة الكوارث
منذر خدام
عندما طرحت إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن إستراتيجية الفوضى الخلاقة، للانتقال بوضعية دول الشرق الأوسط من حالة الاستقرار إلى حالة التغيير، تساءل كثيرون كيف يمكن للفوضى أن تكون خلاقة؟!! و ما هي الأدوات التي سوف تستخدمها أمريكا لصنع هذه الفوضى؟!! وما هو شكل الأنظمة السياسية التي سوف تنجم عنها ، ومدى قابليتها للاستمرار في المحافظة على المصالح الأمريكية؟ أسئلة كثيرة كانت مدعاة للاستغراب في حينه، بل للاستهجان، خصوصا وأن الأنظمة السياسية العربية التي سوف تطالها الفوضى في مرحلة الأولى هي بمجملها أنظمة صديقة للولايات المتحدة الأمريكية!!
بعد نحو أكثر من خمس سنوات على بدء هذه الفوضى التي تعصف بأغلب الدول العربية صارت الصورة أوضح، وباتت الإجابات عن الأسئلة السابقة جاهزة. لقد شكل وجود أنظمة استبدادية شديدة المحافظة، وحكام مزمنون لا هم لهم سوى السلطة من جهة، إضافة إلى الإسلام السياسي المتعطش للسلطة، وخصوصاً المتطرف منه، وإنعاش الخطاب الطائفي وتفعليه في السياسة، إضافة إلى المال الخليجي، والخدمات اللوجسيتية لحلفاء أمريكا في المنطقة، والغطاء السياسي الذي أمنته أمريكا وحلفاؤها، أهم عناصر هذه الإستراتيجية. وتبقى الأدوات المباشرة في تنفيذها هي الحكام المستبدون، وقوى الإسلام السياسي المختلفة، والمتطرف منها على وجه الخصوص ،كل من جهته. وقد شكل غزو أمريكا للعراق في بداية عام 2003 وما تلاه من إسقاط الدولة العراقية ، وإنشاء نظام سياسي طائفي، ومن ثم لاحقاً تسليم العراق سياسياً لإيران، بداية تنفيذ هذه الإستراتيجية.
بطبيعة الحال ما كان لأمريكا أن تقدم على تطبيق هكذا سياسة في منطقة تعد المصدر الرئيس للطاقة العالمية لولا أنها كانت واثقة من أن هذه الفوضى لن تؤثر على الاقتصاد العالمي الذي يحظى لدى أمريكا بالاهتمام الأول والرئيس. وبالفعل فقد كانت أمريكا عشية بدء حصول الفوضى قد وصلت إلى مرحلة متقدمة في إنتاج النفط الصخري بحيث تستطيع تأمين استقرار الأسواق هذا من جهة. ومن جهة ثانية، لم تكن الدول العربية المنتجة للنفط مستهدفة في هذه الإستراتيجية بصورة مباشرة ، على الأٌقل في المرحلة الأولى من تطبيقها، كما بينت مجريات الأحداث ، بل الاستفادة من إمكانياتها المالية والنفطية لتأجيج الفوضى، وبالتالي استنزافها بما يخدم، في المحصلة ،إنعاش الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
من غير المنطقي القول أن حرق البوعزيزي لنفسه في تونس، وما نتج عنه من إشعال لهيب تمرد مجتمعي واسع ضد نظام بن علي، الحليف لأمريكا، أدى في النهاية إلى إسقاطه، كان جزءا معدا مسبقا في إستراتيجية أمريكا للفوضى "الخلاقة"، وفي الوقت ذاته، من غير المنطقي أيضا القبول بفكرة أن ما جرى في تونس لاحقا كان عملية داخلية صرفة. الصحيح أنه ما إن بدأت حركة التمرد المجتمعي في تونس، حتى بدأت تتدخل فيها قوى عديدة عربية، وغير عربية، كعوامل مؤثرة ومساعدة على تحويل التمرد إلى انتفاضة جماهيرية واسعة لإسقاط نظام بن على والانتقال إلى نظام مغاير، عنوانه العريض الشعب يريد. إن حكمة القوى السياسية التونسية، وفي مقدمتها حركة النهضة التونسية، ووجود جيش وقوى أمنية تونسية وطنية، وعدم سماحهم للقوى الخارجية بالتدخل في مجريات الأحداث لحرفها عن مسارها السلمي كانت من العوامل الحاسمة في تجنب كارثة كانت محتملة في تونس. وعلى كل حال، ما لم تفلح قوى الفوضى "الخلاقة" بحصوله في تونس خلال عملية الانتقال السياسي، ثمة خشية حقيقية من حصوله نتيجة حداثة التجربة الديمقراطية في تونس، وبالتالي عدم وجود تقاليد ديمقراطية مستقرة، مستفيدة من تنامي ظاهرة الإرهاب، والوضع الاقتصادي التونسي المأزوم.
ما ينطبق على تونس ينطبق على مصر. هنا أيضا استطاع الشعب المصري، وقواه السياسية الوطنية، والجيش المصري الوطني، تجنيب مصر الفوضى التي كانت ملحوظة لها بحسب مصادر دبلوماسية، وإعلامية مختلفة. لكن احتمال الفوضى الذي كان يخيم على مصر في عهد مرسي على شكل صراع داخلي مع المسيحيين، أو تورط في صراعات إقليمية ، بدأ يأخذ مسار أخر( خطة ب) وذلك هن طريق إضعاف الاقتصاد المصري، وتنشيط ظاهرة الإرهاب.
أما في ليبيا وسورية واليمن فقد لوحظ فيها الحضور الكثيف لعوامل الفوضى "الخلاقة" الخارجية والداخلية منذ البداية، مما تسبب في إشعال حروب أهلية تسببت في ليبيا واليمن بتدمير الدولة، أما في سورية فتسببت في تدمير الشعب والبني التحتية والعمرانية للدولة. ولولا التدخل الروسي السريع والكثيف ربما لسقطت الدولة أيضاً.
لكن ما هي مصلحة أمريكا وحلفاؤها الغربيون في كل ذلك؟! في الواقع تجني أمريكا وحلفاؤها عدة مكاسب، منها ما هو مباشر، ومنها ما هو ممتد في المدى البعيد. بداية فهي ضمنت أمن إسرائيل بصورة مباشرة وعلى امتداد المدى البعيد، وذلك من جراء تحطيم الجيوش العربية التي يمكن أن تشكل تهديدا لها، وتمزيق تماسك النسيج المجتمعي الداخلي للدول التي حصلت فيها الفوضى من جراء إنعاش البنى الأهلية، ما قبل الوطنية، وخصوصا الطائفية منها، مما يهدد بخلق كيانات طائفية غير مستقرة، ومتصارعة فيما بينها. ومن المكاسب المباشرة أيضا والمهمة العائدات الاقتصادية الهائلة التي سوف تدرها الفوضى على اقتصاديات الدول الغربية، والتي تقدر بما يزيد عن الألف مليار دولار تكاليف الهدم وإعادة الإعمار والتسليح وغيرها.
ويبقى السؤال ما هو "الخلاق" في هذه الفوضى؟ على المدى البعيد نسبيا يمكن افتراض أن أسس النظام السياسي المستبد قد بدأت تتحطم من جراء عملية الانتقال إلى أنظمة سياسية ديمقراطية. لكن مهندسو الفوضى "الخلاقة" سوف يدفعون، في الأغلب الأعم، باتجاه تأسيسها على أسس طائفية وإقوامية مستفيدين من ضعف الهويات الوطنية، وبذلك يضمنون في المدى البعيد استمرار تحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية الإستراتيجية. باختصار إنه التخطيط السياسي الاستراتيجي الذي يستثمر في صناعة الكوارث؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يغيّر استخدام أوكرانيا أسلحة أمريكية داخل أراضي روسيا الم


.. مسؤول أوكراني: قتيل وأضرار في عدة مباني إثر هجوم صاروخي روسي




.. ما مستقبلُ نتنياهو بعد الإعلان الأميركي عن مقترح الصفقة؟| #ا


.. وضع -خطير- في جنوب لبنان.. قصف إسرائيلي مكثف على البلدات الح




.. جريدة -معاريف-: الجيش الإسرائيلي يدرس 3 خطط بخصوص -محور فيلا