الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواتبهم بايديكم!

نادية محمود

2015 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يؤكد عمال النفط وعمال في قطاعات اخرى، ومنظماتهم العمالية في احتجاجاتهم هذه الايام ضد سلم الرواتب، بان الوقوف ضد عقود جولات التراخيص مع الشركات النفطية الاجنبية هو الحل في انهاء سياسة التقشف، حيث سيؤمن بقاء الاموال في ميزانية العراق بدلا من سرقتها من قبل الشركات الاجنبية. يعلل العمال ذلك بـ:

اولا: لم يكن لتلك الشركات ضرورة بالاساس، وان ما تستطيع استخراجه وتصديره بامكان الشركات العراقية القيام به. وان القرار الذي اتخذه الشهرستاني وزير النفط انذاك، جاء عن قلة ثقته بالكوادر العراقية على زيادة انتاج النفط، وانه كان عليه ان يحسن الظن بهم وبقدراتهم. خاصة وان كلفة الشركات العراقية هي فقط 1.5 دولار في حين ان الشركات الاجنبية تقاضي الحكومة العراقية ب 20 دولار عن كلفة استخراج نفس البرميل.

ثانيا: ان الحكومة العراقية تدفع الى تلك الشركات حوالي 21 مليار دولار في العام بدلا عن المصاريف التشغيلية والاستثمارية كرواتب وحمايات واكل ومواد عينية واحالات لشركات صديقة واتصالات ومصاريف شخصية. اضافة الى مصاريف اخرى تتحملها الدولة مثل النقل من محطة العزل الى المستودعات والضخ في منافذ التصدير، الامر الذي يزيد من التكاليف.

ثالثا: بعد انخفاض اسعار النفط ووصولها الى سعر 40 دولار،فان الدخل المتبقي عن سعر برميل النفط الواحد حاليا الذي يدخل الى ميزانية الدولة هو 20 دولار فقط، اما ال20 دولار الاخرى تدفع ككلف استخراج للنفط. لذا، يعبر العمال عن تذمرهم وسخطهم على هذه الشركات بالقول بان كل الشركات والعقود النفطية خسرت بعد انخفاض اسعار النفط في العالم، الا ارباح الشركات المتعاقد معها في العراق بقيت على حالها ولم تتأثر، بسبب ان العقود تنص على نسبة ارباح وتكاليف ثابتة بغض النظر عن سعر البيع.

رابعا: خطل التصور بان سيكون بمقدور العراق في 2020 تصدير 6.9 مليون برميل يوميا، حسبما تنص عليه العقود، حاليا ولا في الخمس سنوات القادمة لعدم وجود البنية التحتية لذلك على الخزن والتصريف.

من الواضح حين كانت اسعار النفط 100 دولار للبرميل الواحد، ومع تصدير العراق ل3.5 برميل يوميا لم يكن نصيب الجماهير في العراق غير انعدام الخدمات، وازمة الكهرباء، والبطالة، والكوليرا، والفيضانات. مقابل ذلك لم تتأثر قيد شعرة لا الرواتب والمصاريف الخيالية للطبقة الحاكمة في العراق ولم تتأثر ارباح الشركات الاجنبية في النفط باي شكل من الاشكال مع انخفاض اسعار النفط.

الا ان دخول رواتب 4 ملايين موظف وعامل حكومي تتعرض الى هجمة شرسة. ومع استمرار انخفاض اسعار النفط، ومع استمرار نهب الشركات، وبقاء مصاريف الطبقة الحاكمة كما هي، فان الازمة لن تمس كما هي الان، على حد تعبير احد عمال النفط " لحم الانسان في العراق" بل ستصل الى "عظمه".


الا ان المسالة كلها لا تكمن في سياسة التقشف التي يرى العمال انها حدثت بسبب عقود التراخيص، او انخفاض اسعار النفط ، بل بسياسة اقتصاد السوق التي يتبناها العراق الان وهي سياسة السوق الحر. فعلى امتداد هذه الاعوام سعى هذا التوجه الى ان يضع نفسه على الخريطة السياسية فمرة رفع دعم الدولة عن منتوجات النفط، ومرة اتخاذ خطوات باتجاه ايقاف البطاقة التموينية، والان تحديد سلم الرواتب. ان التيار المناصر لاقتصاد السوق والذي يمثله الشهرستاني وحزب الدعوة والعبادي ينادي بالدفع نحو الخصخصة وبيع القطاع الحكومي وتقليص دور الدولة في التدخل للاجابة على حاجات المواطنين، وترك المواطن بمواجهة السوق فيما اذا الاستجابة الى مطاليبه. من هنا تصبح سياسة التقشف تحصيل حاصل مع انخفاض اسعار النفط.

كما مرت اقتصاديات معظم ان لم يكن كل دول العالم منذ ثمانيات القرن المنصرم ومرت به البلدان العربية في الثمانينات، والتي شهدنا فيها مظاهرات الخبز في الاردن والمغرب وفي مصر فيما اطلق عليه بسياسات الانفتاح، حيث جرى بيع القطاع العام الى القطاع الخاص.واعتبر هذا النمط الاقتصادي من تقليص دور الدولة اقتصاديا، نافعا وضروريا لتقليص دورها السياسي ايضا، خاصة في دول تعاني من الديكتاتوريات. لذلك فان قرار الشهرستاني بفتح حقوق النفط لم يأتي لقلة ثقته بالعمال، بل هو ضمن توجه اوسع لفتح السوق العراقي امام الرأسمال العالمي.

لقد بدأت "حزمة " التحولات السياسية الديمقراطية في العراق منذ عام 2005، والمحاولات جارية الان لـ"تحرير" الاقتصاد. الان تكمن المسالة في الامر التالي:الى اي حد نتمكن من وضع ضغط على الحكومات، سواء كانت تسير على نهج رأسمالية الدولة او السوق الحر، حتى تستجيب للمطاليب.

ففي اخر المطاف،ان تلك الطبقة ستحسب الربح والخسارة في كل لحظة. ان كانت الاعتراضات ستكلفها وجودها، فانها لابد ان ترضخ للاصلاح. والذي لا يرضى بالاصلاح عليه ان يتوقع الثورة. لذلك حين ناشدت في مقالتي السابقة بان الاعتراضات الجماهيرية في ساحة التحرير وفي الساحات الاخرى عليها ان تتكاتف مع الحركة العمالية ومع نضال عمال النفط بالدرجة الاساس، فذلك لامر واضح ومعلوم هو ان الضرر الاقتصادي للحكومة سيدفعها الى التنازل عن بعض من مصالحها مقابل الحفاظ على موقعها ومكانتها. خاصة واخذا بنظر الاعتبار ان النفط هو الذي يشكل المصدر الاساسي لميزانية الدولة، فلابد وان تصغي الحكومة لمطاليب هذا القطاع. لقد كانت صيحة عمال النفط واضحة ودقيقة وطبقية: ان رواتبهم بايدينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحضر بوتين وكيم جونغ أون؟ | الأخبار


.. إسرائيل : أزمة ثقة بين القيادتين العسكرية والسياسية؟ • فرانس




.. عين حزب الله في سماء إسرائيل.. هل تستسلم تل أبيب أمام الخطر


.. رغم من جهود هوكشتاين.. التصعيد مستمر بين حزب الله وإسرائيل|#




.. بوتين وكيم.. يداً بيد لمواجهة الغرب! | #التاسعة