الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية لأربعة أفلام روائية قصيرة في مهرجان لندن للفيلم الكردي

عدنان حسين أحمد

2015 / 11 / 21
الادب والفن


يعوِّل مهرجان لندن للفيلم الكردي كثيرًا على مسابقة يلماز غونَي للأفلام القصيرة فهو الأب الروحي للسينما الكردية في الأقاليم الأربعة الموزَّعة بين تركيا وإيران والعراق وسوريا. ونظرًا لأهمية هذه المسابقة الوحيدة فإن القائمين على المهرجان ينتقون كل عام لجنة تحكيم تتألف غالباً من خمس شخصيات سينمائية لها بصمات واضحة في الإخراج والإنتاج والتمثيل والنقد السينمائي وما إلى ذلك. وقد تألفت لجنة هذا العام من الممثلة والمخرجة جوليا ساكو، والكاتبة لورا إيفرز جونز، والمخرج بري إبراهيم، والكاتبة والمنتجة شلير موردكوي، إضافة إلى الباحثة والناقدة السينمائية سونجم كُوجر.
ونظرًا للترشيق الكبير الذي شهدته الدورة التاسعة للمهرجان فإن عدد الأفلام المتنافسة على جائزة يلماز غونَي للأفلام قصيرة قد بلغت عشرة أفلام فقط الأمر الذي يتيح لأعضاء لجنة التحكيم المزيد من الوقت لمشاهدة هذه الأفلام والتمعّن فيها بغية إسناد الجوائز إلى الأفلام التي تستحق الفوز عن جدارة.
على مدار اليومين الثاني والثالث من المهرجان شاهدنا أربعة أفلام قصيرة وهي "صيّاد سيئ" للمخرج العراقي سهيم عمر خليفة، و "سبعُ حَجَرات" للمخرجة الإيرانية فاطمة داستمارد، و "الآن الرجل" للمخرج الإيراني إيرَج محمدي رزيني، و "آيس كريم" للمخرج التركي سيرهات كاراسلان.
يتوفر كل فيلم من الأفلام الأربعة المُشار إليها سلفًا على لمسة فنية محددة. ففيلم "صيّاد سيئ" للمخرج سهيم عمر خليفة ينطوي على أكثر من مفارقة تبدأ بعنوان الفيلم وتنتهي بالخاتمة التي رسمها المخرج المعروف بذكائه السينمائي وبمهارته الفنية. لعل السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن المُشاهد هو: هل أن الصيّاد سيئ فعلاً مع أنه عاد بأرنب وطائر حجل؟ أم أن ابنة الراعي، الضحية المُغتصَبه، هي التي اصطادته حينما زعمت أمام العائلتين بأنه هو الذي انتهك عِرضها في الغابة علمًا بأنه أنقذها مما لا تُحمَد عقباه فلربما يقْدِم المُغتصِب على قتلها كي يطمس آثار جريمته نهائيًا، لكن الضحية ينطبق عليها القول المأثور "اتقِ شرّ مَنْ أحسنت إليه" فلقد أنقذها الصياد باهوز من احتمال الموت على يد الجاني، كما ساعدها في خياطة ما تمزَّق من ثوبها لكنه ترك الخيط كدليلٍ دامغ ضده الأمر الذي سوف يُضعف موقفه مساءً حينما تأتي عائلة الضحية وتدعي أنه اغتصبها، وانتهك شرفها، وأنها تمنحه ثلاثة أيام فقط لحسم أمره والزواج منها لأنه ما من أحد يتزوج من فتاة مُنتهَكة العِرض، ولا شرف لها ضمن العادات والتقاليد المتعارف عليها في القرى الكردية. لقد انشده باهوز أمام إدعّاء هذه الضحية التي كان يتوقع منها أنها جاءت مع والدها كي تقدّم له الشكر والعرفان لكنه فوجئ بإدعائها الكاذب الذي أسقطهُ في دائرة الذهول بحيث لم يستطع أن يتفوّه ببنت شَفَة وهو يتلقى الإهانات من أفراد أسرته لأن صمته المُطبِق يوحى لهم بأنه قد ارتكب هذه الجريمة التي يستنكرها أبناء المجتمع الريفي على وجه التحديد ويضع الجاني أمام حلّين أحلاهما مرّ، إما الزواج بالضحية أو القتل الذي تبيحه الأعراف القروية.
لابد من الإشارة إلى أن المخرج المبدع سهيم خليفة قد حصد العديد من الجوائز عن مجمل أفلامه تقريبًا ومن بينها "أرض الأبطال" و "ميسي بغداد" و "صيّاد سيئ" الذي يتنافس بقوة مع بقية الأفلام التسعة في المشارِكة في مسابقة يلماز غوني للأفلام القصيرة.
لا يشكِّل فيلم "الحَجَرات السبع" للمخرجة الإيرانية فاطمة داستمارد خطرًا على بقية المتنافسين لأنه ينطوي على نَفَس تقريري واضح، كما أن القصة السينمائية برمتها تقوم على عنصر المصادفة، فلو لم يخطئ برهان في إصابة الحَجَرات السبع المُصطفّة بعضها فوق بعض ويذهب لجلب الكرة التي تدحرجت إلى أسفل الجبل ثم جرفها النهر بعيدًا لكان عِداد الأموات أيضًا شأنه شأن دياكو وآران وبقية الأطفال الذين تعرضوا للقصف الكيمياوي من قِبل الطائرة التي كانت تحوم في السماء ولا تستثني، على ما يبدو، الأهداف المدنية أو الأطفال الذين وجدوا ضالتهم في هذه اللعبة التي لا تخلو من متعة، ومرح، وتزجية للوقت. تجدر الإشارة إلى أن داستمار قد تألقت في فيلم "صمت المستنقعات" ويبدو أن حظها في الفوز لن يكون كبيرًا في هذه المسابقة.
يُعتَبر فيلم "آيس كريم" للمخرج التركي سيرهات كاراسلان هو الأوفر حظًا ضمن هذه الأفلام الأربعة فلربما تحمل الأفلام الستة الأخرى مفاجآت لم نضعها في الحسبان. تنطوي قصة هذا الفيلم القصير على ثيمة محددة مفادها أن البائع الجوّال الذي يأتي بين أوان وآخر إلى القرية كي يقايض الأطفال بالآيس كريم مقابل بعض الحاجيات المنزلية مثل الحديد الخردة، واللدائن، والأحذية المطاطية، والبيض وما إلى ذلك. وبما أن الطفل روشهات يترقب مجيء البائع الجوال على أحرّ من الجمر لكنه لا يجد شيئًا يمكن أن تستغني عنه والدته فإنه يضطر لسرقة بيضتين ويتجه بهما صوب هدفه، وبينما هو يركض بسرعة يسقط أرضًا فتنكسر البيضتين لكنه يعاود الكرّة من جديد فتلاحقه أمه المتذمرة من سلوكه الوقح وحينما لا تجد في الأرض حجرًا تنزع حذاءها المطاطي وتقذفه به فينتبه روشهات في الحال إلى أن البائع يقايض الأحذية المطاطية بالآيس كريم فيلتقطه ويهرب بسرعة كي يلحق به ويحصل بالنتيجة على ما أراد لكن أمه تباغته من الخلف وتضربه فتسقط حاوية الآيس كريم المخروطية على الأرض. ثم تأخذه أمه لكي تحممه بطست في الفضاء المفتوح وعلى الرغم من الحرقة التي سببها الصابون لعينيه إلا أنه يعود مسرعًا ليأكل ما تبقى من علبة الآيس كريم الفارغة ويتجه صوب البحيرة ليسبح مع أقرانه الصغار بعد أن حقق رغبته الجامحة على الرغم من الصفعات التي تلقاها من والدته المتذمرة من مشاكساته وسلوكه الطفولي العابث. ربما تكمن أهمية الفيلم من الناحية البصرية في سرعة إيقاع الفيلم حيث لا يقتصر النشاط، وخفة الحركة على الأطفال الذين رأيناهم يلعبون كرة القدم أو يركضون صوب الدراجة النارية للبائع المتجول، وإنما لخفة حركة الأم أيضًا ونشاطها اللافت للانتباه. يلامس الفيلم في العديد من اللقطات والمَشاهِد المشاعر الإنسانية التي تتعاطف مع هذا الطفل الذي يريد أن يعثر على أي شيئ مقابل الحصول على الآيس كريم خصوصًا وأنه رأى جميع الأطفال وهم يتناولون الآيس كريم ويتلذذون به. أنجز سيرهات فيلمين سابقين وهما "الدراجة" و "موسى" وقد حصل على العديد من الجوائز في المهرجانات السينمائية التركية. ومن المرجح أن يخطف إحدى جوائز مهرجان لندن للفيلم الكردي لثيمة الحساسة، وخفّة إيقاعه، وتصويره المدهش الذي تكمن خلفه عين سينمائية محترفة.
ربما يكون الفيلم الرابع الذي يحمل عنوان "والآن الرجل" للمخرج الإيراني إيرَج محمدي رزيني هة الأكثر انطواءً على الخطاب البصري ذلك لأنه فيلم تحريك Animation ولا يحتوي على أي حوار الأمر الذي يضعنا أمام لغة بصرية تعتمد على منحى سريالي نتابع من خلاله حلم امرأة تتحول عيناها إلى طائر يبدأ رحلة في الزمان والمكان حيث يتواصل مع الوجوه والأجساد والقضايا التي تنمسخ متحولة إلى أشكال جديدة تثير مخلية المتلقي وتفتح ذهنية على أشياء مجازية كثيرة لا تخلو من البساطة والتعقيد في آنٍ معا. نتمنى على لجنة التحكيم أن لا تغمط حق هذا الفيلم التجريبي الذي يحتفي بلغة فنية لا تخفى على المُشاهد العادي فكيف بأعضاء لجنة التحكيم المتمرسين بهذه اللغة والعارفين بأسرارها. أنجز رزيني بضعة أفلام قصيرة نذكر منها "قي قو" Ghee Ghoo و"إخلاص العاشق" و "أغنية لبيستون".
ربما تحمل الأفلام الستة الأخرى مفاجآت تؤهلها للفوز على أكثر من صعيد مثل الحبكة القصصية، والمعالجة الفنية، وجمالية التصوير الذي ينطوي على لغة سينمائية مميزة تحقق للمتلقين متعة بصرية قد لا يجدونها إلاّ في الأفلام المُدهشة التي تتوفر على سوية فنية تتآزر فيها القصة مع البناء الفني، والصورة مع الصوت، والأداء مع المؤثرات السمعية والبصرية، وأخيرًا وليس آخرًا الضربة الفنية التي تعلق في ذهن المُشاهد لأطول مدة زمنية ممكنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا


.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح




.. انتظروا الموسم الرابع لمسابقة -فنى مبتكر- أكبر مسابقة في مصر