الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاميرة العاشقة.. ولادة بنت المستكفي

منير ابراهيم تايه

2015 / 11 / 22
الادب والفن


الاميرة العاشقة.. ولادة بنت المستكفي
ولادة بنت المستكفي وابن زيدون
البوح والكبرياء
الضعف والانكسار
عواطف جيّاشة
فى حضرتها نسي الوزير انه وزير ونسيت الاميرة انها اميرة
فأصبحا عاشقين وشاعرين.. ويفترقان بافعالهم وافعال الوشاة
ويظل مخزون الذاكرة الجمالية بماض من لحظات جميلة هو الديدن
والنبع الذى يغسل وحشة الفراق وأحزان الحاضر والبوح بالشعر
هي ولادة بنت المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر لدين الله الأموي، شاعرة أندلسية، من بيت الخلافة. وكانت واحدة في زمانها، المشار إليها في ذلك الوقت بسبب شعرها. وكانت تخالط الشعراء في زمانها وتجالسهم بل وتنافسهم أميرة عربية وشاعرة من بيت الخلافة الأموية في الأندلس، ابنة الخليفة المستكفي بالله الأموي. اشتهرت بالفصاحة والشعر، وكان لها مجلس مشهود في قرطبة يؤمه الأعيان والشعراء ليتحدثوا في شؤون الشعر والأدب بعد زوال الخلافة الأموية في الأندلس.
اشتهرت ببيتين شهيرين من الشعر قيل أنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها:
انا والله اصلح للمعالي**وامكن عاشقي من صحن خدي
وامشي مشيتي واتيه تيها**واعطي قبلتي من يشتهيها
ولادة هي الشاعرة العاشقة التي كان لها موقف واضح وصريح من الرجل الذي أحبــته وأعلنت ذلك فـي أشعارها وقصائدها، اللقاء الأول الذي جمع بين العاشقين كان في مدينـة قرطبة الأندلسـية تحت ظـــلال الأشجـار فأنشـب الحب سهامه في قلبيهـما وجعل أحدهمـا ملجأ الآخر وملاذه .. لكن القصة كان لها فصل آخر حزين اذ كان من أشد منافسي ابن زيــدون في حبها (ابو عامر بن عبدوس)و (ابن القلاسي) وقد هجاهما "ابن زيدون" بقصــائد لاذعة فانسحب على الفور "ابن القلاسي" ولكن ابن عبدوس غالى في التـودد إليها وأرسل لها برسالة يستميلها إليه فلما علم ابن زيدون" كتـب إليه رسالة على لسـان "ولادة" وهي المعروفة في المراجـع (( بالرسالة الهزلية )) التي سخر فيـها من ابن عبدوس وجعله أضحوكة على كل لسان مما جعله يفكر في المكيـدة له حتى حبك له من المؤمرات هو واتباعه
حفلت مراجع الادب بحكايات وقصص الغرام التي كانت بين ولاّدة وابن زيدون واشتهرا بقصة حب رائعة إلا أن هذا الغرام لم يدم طويلا لأسباب كثيرة إلا أن أرجحها هو ان ابن زيدون تعلق بجارية سوداء بارعة في الغناء ليثير غيرة ولاّدة فتعود اليه وأرجعت الرواية انفصال العاشقين للغيرة، وهي القصة الأقرب للواقع، حيث إن ابن زيدون شاب وشاعر ووزير، وكانت له بالضرورة تعاملاته التي تغضب ولادة وتجرح كبرياءها، مثل مغازلته بعض جواريها لإثارة غيرتها وقد عاتبت ولاّدة ابن زيدون قائلة:
لَو كنت تُنصفُ في الهوى ما بيننا**لم تهوَ جاريتي ولم تتخيّرِ
وَتركتَ غصناً مثمراً بجماله**وجنحتَ للغصنِ الذي لم يثمرِ
ولقد علمت بأنّني بدر السما**لَكن دهيت لشقوتي بالمشتري

وحاول ابن زيدون استدرار عطفها ببراعته الشعرية فأهداها نونيته الشهيرة والتي مطلعها
أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا،**وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا

ثم تعود تجتاحها الأشواق فتقول ما ينم عن حبها وشوقها لابن زيدون:
لحاظكم تجرحنا في الحشا**ولحظنا يجرحكم في الخدود
جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا**فما الذي أوجب جرح الصدود
وتقول بحنين مفرط إلى لياليها السالفة مع ابن زيدون:
ودّع الصبرَ محبّ ودّعك**ذائع مِن سرّه ما اِستودَعك
يقرع السن على أن لم يكن**زاد في تلك الخطى إذ شيّعك
يا أخا البدر سناء وسنى**حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم**بت أشكو قصر الليل معك
وعن الفراق ولوعة المشتاق تقول:
أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق**سبيلٌ فيشكو كلّ صبّ بما لقي
وَقد كنت أوقات التزاورِ في الشتا**أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ
فَكيفَ وقد أمسيت في حال قطعة**لَقد عجّل المقدور ما كنت أتّقي
تمرُّ الليالي لا أرى البين ينقضي**وَلا الصبر من رقّ التشوّق معتقي
سَقى اللَه أرضاً قد غدت لك منزلا**بكلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ
وهي التي شغفها حب ابن زيدون فكتبت إليه تعد بالزيارة بعد طول تمنع:
ترقب إذا جن الظلام زيارتي**فإني رأيت الليل أكتم للسرِّ
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح**وبالبدر لم يطلع، وبالنجم لم يسرِ
وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف كما ذكرت الكتب التي ترجمت لها ولم تتزوج قط.
قال عنها ابن بسّام: كانت وحيدة نساء زمانها حسن منظر وحلاوة مورد ومصدر وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المِصر، وملعبا لجياد النظر والنثر، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك الشعراء والكتّاب على حلاوة عشرتها..

وعن نظرة المستشرقين ترى د.غارولو عند حديثها عن ارتباط ولادة في شهرتها بابن زيدون ،وما حظيت به بسبب شعره من مكانة "أن قليل من الشاعرات العربيات من أولئك اللاتي يذكر شعرهنّ في مصادر العصور الوسطى،وهن كثيرات حظين بما تحظى به ولادة من شهرة، ولم تنل واحدة منهن من الاهتمام ما نالته الشاعرة الأندلسية ،والأميرة القرطبية،التي كانت مصدر إلهام لأفضل شعر كتب في العشق في الأندلس،وما نرى من قصائد ابن زيدون التي خلدتها بالرغم أنها كانت سببا في تعاسته،وألمه.
وترى أيضا"أن شهرة ولادة عبرت حدود الثقافة العربية؛لأن المرأة العربية عادة تتسم بالشح في إعطاء بيانات عنها ، وذكر معلومات عن حياتها،لأن ذلك لا يتفق مع حرمة المرأة ،وقدسية أسرارها،أما ولادة فقد عبرت حدود الثقافة العربية، ويدل على ذلك حضورها في المختارات الشعرية الخاصة بإبداع النساء،وقد تحولت في الغرب إلى نموذج للنساء تظهر من خلاله حياة بنات حواء في الأندلس.
وقد عاشت ولادة حتى بلغت الثمانين من العمر وتوفيت في قرطبة.
وإذا كانت كتب التراث الأندلسى ممثلة فى مؤلفيها من القدماء ، قد إكتفت بإيراد أخبار ولاّدة دون تحليل يُذكر لشخصيتها ومواقفها ، فإن المستشرقين والنقاد المعاصرين قد أسهبوا فى تحليل شخصية هذه الأميرة الأموية الأندلسية الشاعرة ، وتباينت رؤاهم فيها وفى عصرها ، ونجد إن د/ ماريا تيريسا غارولو تثير إشكالية مهمة فى قراءة القدماء للأخبار التى يوردونها عن النساء العربيات ، وتخص من بينهن ولادة فتقول: "عند تتبعنا لمصادر المعلومات عن ولادة وجدنا أنها لاتختلف عن مثيلاتها فى الأدب العربى فى العصر الوسيط عندما يُراد الحديث عن النساء ، لذلك فإن تلك الكتب لها نظام لا يختل عن ذكر النساء حيث تخصص لهن الصفحات الأخيرة ، ونجده فى معاجم الأندلسيين أو معاجم الشرقيين ، فصفحات ولادة وترجمتها تقع فى الصفحات الأخيرة ونموذجاً لذلك عن ابن بشكوال والضبى، وهنا تنعى د. غارولو على المصادر العربية التى تترجم للنساء عدم إهتمامها بتراجم النساء اللواتى تُخصص لهن الصفحات الأخيرة ، وتضرب مثالاً بترجمة ولادة التى أورد ابن بشكوال والضبى ترجمتها فى أواخر صفحات كتابيهما، ولا تكتفى بذلك بل تنقد هذه المصادر وطبيعة قراءتها لولادة من حيث إعتماد كل لاحق على سابقه حين تذكر: "أن كل ما نعرفه من سيرة ولادة مأخوذ من ابن بسام ، وابن بشكوال وما عداهما من الكتاب الذين تناولوا سيرة الشاعرة الأموية إنما يأخذون عنهما، أو يدمجون بين كليهما كما فعل ابن دحية فى "المطرب من أسرار أهل المغرب"، وبعضهم يأتى بمعلومات أخرى لكنها لا تخرج عما نعرفه "من كتاب الذخيرة لابن بسام"، وهو أول كتاب تحدث عن الشاعرة الأندلسية"، وقد انتقدت د. غارولو منهج ابن بسام فى الذخيرة، فيما يسوقه من أخبار ولادة بما يؤكد ما أشرنا إليه من قبل ونحن نسوق أخباره عنها شاكا مكثرا من كلمة "زعموا"، وفى ذلك تقول: "ولكننا لاحظنا فى كتاب ابن بسام أنه فى أكثر من مرة يورد ما يقوله عن ولادة ، ثم بعد ذلك إما أن يكذبه وإما يشكك فيه ، وأصدق مثالٍ على ذلك تناوله لتلك الأبيات التى (زعموا )، وما أكثر استخدام ابن بسام لقوله ( زعموا ) أنها خطتها على ثيابها ، وشهرة تلك الأبيات فى المصادر إلا أن ابن بشكوال لا يذكرها إنما ترجع إلى كونها خلاصة السيرة التى تدور حولها فهى تفتخر بنسبها العالى فى قولها:

أنا والله أصلح للمعالى**وأمشى مشيتى وأتيه تيها
وسلوكها الذى ينسبونه إليها وهو إستسلامها لمن يحبها حين تقول
وأمكن عاشقى من صحن خدي**وأعطى قبلتى من يشتهيها

ولا يفوتنا هنا أن نتذكر أن (هونرباش) علق على تلك الأبيات بأنها متناقضة، فكيف لسليلة الأمراء التى تتيه على كل البشر أن تبيع نفسها بثمن زهيد مثلما تذكر الأبيات.
وعن ارتباط ولادة فى شهرتها بابن زيدون، وما حظيت به بسبب شعره من مكانه تقول د. غارولو: "قليل من الشاعرات العربيات من أولئك اللاتى يذكر شعرهن فى مصادر العصور الوسطى، وهن كثيرات حظين بما تحظى به ولادة من شهرة، ولم تنل واحدة منهن من الاهتمام ما نالته الشاعرة الأندلسية والأميرة القرطبية التى كانت مصدر إلهام لأفضل شعر كتب فى موضوع العشق فى بلاد الأندلس تلكم هى قصائد ابن زيدون التى خلدتها رغم أنها كانت سببا فى ألمه وتعاسته"، وتلك مفارقة أخرى فى حيز الشهرة بين علمين يفوق أحدهما الآخر وهو ابن زيدون ، وترى د. غارولو أن شهرة ولادة عبرت حدود الثقافة العربية على الرغم مما ترى " أن معلوماتنا عن ولادة قليلة شأنها فى ذلك شأن كل نساء العرب اللاتى ذكرن فى مراجع الأدب ، وذلك لأن المرأة العربية عادة ما تتسم بالشح فى إعطاء بيانات عنها، وذكر معلومات عن حياتها لأن ذلك لا يتفق مع حرمة المرأة وقدسية أسرارها التى لا تخرج عن دائرة بيتها ورجلها، وإذا ما سمع صوتها فلا سُمع إلا من خلال الرجال، أما ولادة فقد عبرت حدود الثقافة العربية والدليل على ذلك حضورها فى المختارات الشعرية عند الحديث عن شعر النساء ، وفى الأعمال الإبداعية التى تُخصص لها ، وقد تحولت فى الغرب إلى نموذج للنساء تظهر من خلاله حياة بنات حواء فى الأندلس".
اخيرا.. ان ما أورده ابن القيم الجوزية في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي". وهو فقيه من تلاميذ شيخ الاسلام ابن تيمية. ولعله من اللافت أن الفقهاء الذين اشتهروا بالمحافظة والتزمت لم يسلموا من "غواية الحب" فألف بعضهم في الموضوع كتبا مستقلة اشتهر بعضها بطرافة التناول، كما هو الشأن بالنسبة إلى كتاب "طوق الحمامة" الذي ألفه فقيه أديب هو ابن حزم، وفي الكتاب محاولة لتفسير ظاهرة الحب واستقصاء لعلاماته وسرد لسير العاشقين وأهل الغرام، من دون أن ينسى المؤلف أن يورد أطرافا من سيرته سرد خلالها علاقته بالنساء ومعاناته في الحب. كما رصد العشاق من الكبراء وجلة القوم. ولا يعني هذا أن التأليف في موضوعة الحب كان دائما مرتبطا بالتقدير والاحتفاء عند الفقهاء ، فقد صنف بعضهم كتبا في التحذير من الانسياق وراء غواية الحب كما يكشف عن ذلك كتاب فقيه آخر هو ابن الجوزي، الذي وضع كتابا وسمه بعنوان يدل على غايته من تأليفه حيث أسماه "ذم الهوى".
لقد عاشت المرأة العربية قصة الحب باعتبارها عاطفة إنسانية سامية. وهناك بون شاسع جدا بين المرأة العربية العاشقة كما صورتها كتب الأدب العربي وبين صورتها في الفيديو كليبات التي تمطرنا بها الفضائيات كل يوم.
فما أجمل الحب الذي يجعل الإنسان نبضا يشعر ويحس ويتألم ويضحك ويبكي ،فتكون للحياة معنى ،فالحب حياة الشعوب ،وميسم شفائها.
كم تغير الذوق وكم تغيرت أحوال العشاق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي