الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ما وراء احداث باريس
هيثم بن محمد شطورو
2015 / 11 / 22مواضيع وابحاث سياسية
كيف لنا ان نـتعاطف مع محاربة اخواننا في القومية و الدين؟ الحقيقة ان الاسلام السياسي تمكن من شق اسفين كبير في ما يسمى وحدة القومية والدين و التاريخ و الارض. اليس الحديث اليوم عن امة اسلامية و عربية واحدة هو مجرد هراء؟ اليس الامر في حقيقـته الجوهرية عملية انـتـقال تاريخي هام على مستوى الواقع و الثـقافة و الرؤيا و المصالح السياسية و الاقـتصادية من القرون الوسطى الى الحداثة على المستوى العربي العالمي؟ اليس الامر بهذا الوضوح على المستوى العربي و عودة عالمية الى فلسفة التـنوير و العقلانية الحداثية القائمة على الصراع ضد المؤسسات الدينية و ضد منطق استغلال الانسان للإنسان الذي كرسته الرأسمالية و الامبريالية لتصل الامور الى نفس النـقطة مع الشعوب العربية التائـقـة الى النهضة الحضارية التحررية الإنسانية؟ ألم يكن القرن العشرون هو تـقاطع صراع القوى العربية الحداثية في صراعها ضد الاستعمار و تماهيها مع قيم التـنوير الاوربي في نفس الوقت، و في صراع داخلي مباشر مع قوى الرجعية الدينية و الاسلام السياسي المتحالف سرا مع القوى الاستعمارية و الرافض لمشروعها الحضاري التـنويري في نفس الوقت؟ اليست الاحداث اليوم تشهد قمة التـقاطع بـين القوى التـقـدمية و الشعوب العربـية نحو التحرر مع قوى الظلام الاسلامي في توازي و تـقاطع مباشر مع عملية الانـتـقال الدولي من سيطرة امريكية صهيونية الى احلال قوى جديدة هي روسيا و الصين و اوربا و ربما دولة عربـية ديمقراطية تـقدمية؟
هذه اللحظة التاريخية تـتـكـثـف اليوم اكثر فأكثر بعد الاحداث الارهابية في باريس يوم 13 نوفمبر 2015. فإلى حد هذه اللحظة افرزت تحولا فرنسيا استراتيجيا اكثر منه تكتيكي آني، و هو انضمام فرنسا الى روسيا في محاربة الارهاب الداعشي. من المؤكد ان حجة الحرب قوية جدا في كامل ارجاء اوربا. صحيح ان الابواق الاسلاموية بدأت تروج لمقولة الحرب الصليـبـية لان هذا الوصف يخدمها، و لكن الاغلبـية يعلمون ان وجود فرنسي اصلي بين المنـفـذين للعملية الارهابية و وجود جنسيات عالمية مختـلفة من شيشانيـين و اوربـيـين اصليـين بين الدواعش من شانه ان يجعل هذا التوصيف اضحوكة لقائلها و المروج لها، ناهيك عن فضيحة الاسلاميـين في حفظهم لأمن اسرائيل و تبضيعهم للدين الاسلامي و جعله مجرد مطية يركبونها لغاياتهم المنفعية الدنيوية.
الحقيقة المروعة ان المسلمين هم اكبر ضحايا هذا الارهاب مثلما كانوا ضحايا القنابل الامريكية و الصهيونية في العراق و فلسطين. الحقيقة المروعة الاخرى هو ان فرنسا تجر اوربا بأكملها خلفها. و ان كان لوصف الحرب الصليـبـية ضد المسلمين من معنى فهو فقط في اتجاه تـقديم التبرير الكافي لشق الحلف الاطلسي اذا تماهينا في النظر اليه بكونه حلفا صليـبـيا و ليس حلـفا امبرياليا.
فالنتيجة المباشرة للتحالف الفرنسي الروسي، الذي اعلن عنه الرئيس الروسي من مقر وزارة الدفاع في شكل امر الى قائد الاسطول البحري الروسي على الشواطئ السورية بالتعامل مع الاسطول الحربي الفرنسي القادم الى المنطقة تعامل الحليف، هو التساؤل عن مدى امكانية استمرار الحلف الاطلسي الامريكي الاوربي.
هل ستـنظم الولايات المتحدة الى هذا التحالف ام انها ستـقوم بدورها بإنشاء تحالف اخر يضم تركيا و دولا متخلفة اجتماعيا و علميا كالسعودية و الأردن؟ في هذه الحالة هل سيتم الصراع بين القطبين برغم الفوارق الشاسعة في القوى العسكرية و المالية ام المناورة و الاتـفاقات الوقتية بين الحين و الاخر. المهم ان انفصالا اوربـيا عن امريكا سيحدث اخيرا لان اوربا واعية تمام الوعي ان امريكا لا تـنظر اليها إلا كقارة عجوز و انه توجد تناقضات صارخة بين الكيان الاوربي ثـقافيا و حضاريا و اجتماعيا و بين الكيان الامريكي المتوحـش.
ان اوربا اليوم مقـتـنعة ان وجودها اصبح مهددا حضاريا و واقعيا. انها ستـفيق على الحقيقة القائلة ان امر نمو اوربا الحقيقي لا يكون راسخا إلا بنمو المنطقة العربـية. ان التمشي السابق مع الاجندة الامريكية ذات التوجه الصهيوني التفـتيتي للمنطقة اصبح من الواضح انه اكبر مهدد لأوربا نفسها، و بالتالي فان الصدمة الاوربية من الارهاب الاسلامي هو في عمقه تخوف من مسألة اكبر يشمل ضرورة التغيـير الاستراتيجي الكامل في التحالف. فالأجندة الامريكية هي اجندة الفوضى و الحروب الممتدة عبر البحر الابيض المتوسط في شماله و جنوبه و غربه و شرقا مع الامتداد و التوغل الداخلي اكثر فأكثر. و حين نـتحدث عن امريكا اليوم فهي عائلا مافيوية مجنونة. و يعرف الاوربيون انهم لا يمكن ان يستمروا اكثر في مجارات المجانين في جنونهم.
هناك دراسات اوربية عديدة قد ظهرت في السنوات الاخيرة. كلها تـنطلق من الارتباط الانعكاسي بين شمال البحر الابيض المتوسط و جنوبه. مجمل هذه الدراسات قامت بالتحليل و المقارنة. جلها يؤكد العلائق السياسية و السيكولوجية التاريخية بين الشعوب الاوربـية و الشعوب العربـية. و جل هذه الدراسات تدور حول معطى اساسي ان المنطقة العربية تمثل محور الصراعات العالمية في النفوذ و تـقاسمه، بل ان هناك من يرجع سقوط الاتحاد السوفياتي الى فشله في الدخول الى هذه المنطقة.
الشعوب العربية في غالبيتها الساحـقة تكره أمريكا و لكنها لا تكره اوربا برغم التاريخ الاستعماري الاوربي الذي تم تجاوزه نسبـيا، نظرا لكون الشعوب العربية برغم كل ما فيها من عاهات فإنها ذات عمق حضاري انساني و لها انشداد الى المعطى الحضاري المتمثـل في اوربا اليوم.
اما من ناحية روسيا فالشعوب العربـية لا تـكن اي حقـد تجاهها بما انها لم تكن في يوم من الايام قوى استعمارية او مثلت تهديدا خارجيا. هناك من ينعـق اليوم في اتجاه توصيفها بالتهديد الخارجي لكن نعيق البوم مكروه عند العرب. ما نعلمه تاريخيا ان صراعا عسكريا طويلا كان بين روسيا القيصرية و اسطنبول العثمانية حول منطقة القرم و البوسفور و دويلات اوربا الشرقية، اما مع العرب فلا يذكر التاريخ و المخزون الثـقافي العربي اي صراع مع روسيا. اضافة الى ذلك فان عديد الضباط العسكريـين في عـديد الجيوش العربية قـد تمدرسوا في الاكاديمية الروسية. زيادة على ذلك العلائق الثـقافية بين الادب الروسي و الايديولوجية الشيوعية و بين النخب الثـقافية و السياسية العربية و التي خلقت مناخا نخبويا عربيا متعاطفا في مجمله مع روسيا.
و التدخل الروسي في سوريا ينظر اليه عربيا بشكل عام حاسما ضد الهجمة الاسلاموية الرجعية الوهابية التي تريد قـتـل اللحظة النهضوية التحررية التـقـدمية الحضارية العربية. عند هذه النـقـطة بالذات يمكن لأوربا ان تلتـقي مع تـنويريتها في خط مضاد لامبرياليتها الاستعمارية التي تـتوج اليوم بالهجوم الداعشي الصهيوني على أمنها و مكـتـسباتها الحضارية و الثـقافـية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر