الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة السياسية والنظام السياسي العربي ..التوافق المفقود

مصطفى المغراوي

2015 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


إن الثقافة تطوِّرُها مجموعة من المفاهيم والقيم والمعارف التي يكتسبها الإنسان من الميراث التاريخي والحضاري، إضافة إلى الواقع الجغرافي ثم التركيب الاجتماعي وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي، دون أن ننسى المؤثرات الخارجية التي تشكل خبراته وانتماءاته المختلف. لهذا نجد أن كل مجتمع يتمتع بخصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين أفراده، ولا تخرج الثقافة السياسية عن هذه المنظومة الكبرى، لأنها جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع العامة المختلفة اختلافا متباينا من دولة لأخرى.
فالثقافة السياسية تتشكل من مجموعة من المعارف والآراء والاتجاهات السائدة في شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الشرعية والمشاركة ثم الولاء والانتماء. وقد تعني كذلك مجموع المعتقدات والموز والقيم المحدِّدة للطريقة التي ينظر بها مجتمع ما إلى الدور الحقيقي للحكومات والقوانين الضابطة له، والى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهذا يفيد أن هذه الثقافة تركز على منظومة من القيم والاتجاهات والقناعات الطويلة الأمد بخصوص ظواهر سلبية شتى، حيث ينقل كل مجتمع رموزه وقيمه وأعرافه إلى أفراده، ليُكوِّنوا جملة من التصورات حول الأدوار التي يقوم بها النظام السياسي بجميع مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، من أجل ضمان الحقوق و الالتزام بالواجبات.
وتفسر الظواهر والنشاطات السلوكية التي تنتمي غالبا للنظام السياسي أو التي لها طبيعة سياسية، شدة ارتباط الثقافة السياسية بعلم السياسة الذي ينظم العمل السياسي ويمنحه معنى، والذي يساعد كذلك على وضع القواعد الثابتة الحاكمة، لتصرفات الأفراد داخل نظام سياسي وَجب عليه أن يعترف بعدة ثقافات فرعية كثقافة الفلاحين وثقافة العمال وثقافة النخب الحاكمة المهيمنة على عدة مجالات، ومنها القطاعات الحيوية التي تحتل مركز الصدارة في اهتمامات أية دولة من دول العالم.
ومن هنا كان ضروريا أن تحتضن الثقافة السياسية كل ما يسود في المجتمع ، من قيم ومعتقدات تؤثر في السلوك السياسي للأفراد حُكّاما كانوا أو محكومين، متفاعلة بذلك مع التغيرات التي تطرأ على البنية المجتمعية من حين لآخر، لذا يلزم لزوما أن تتسم هذه الثقافة بالمرونة والتغير والتطور، دون الركون إلى السكون والثبات واللاحركة، لأن حجم التغير يُقاس بمدى التحول الذي يطرأ على الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ينضاف إلى ذلك مستوى وعي النخب الحاكمة بقضية التغير الثقافي، من خلال ترسيخ الشعور بالولاء الوطني والمواطنة المسؤولة، التي تدفع الفرد عموما للمشاركة في الحياة العامة، والمساهمة الطوعية في النهوض بالمجتمع المنتمي إليه، فهل نرى هذا النموذج المتقدم في عالمنا العربي؟
سؤال تبدو إجابته واضحة وتَحققه على أرضية الواقع أمر مستحيل حدوثه، وذلك راجع إلى غياب الإطار الفكري الفلسفي المتكامل، والذي من شأنه تفسير التاريخ وتحديد الأهداف والرؤى، وتسويغ المواقف والممارسات، إضافة إلى تغليب التوجه الفردي الذي يجنح إلى الإعلاء والرفع من شان الفرد، مقابل تهميش التوجه العام الذي يُحبِّذ العمل التعاوني المشترك بين المجالين الاجتماعي والاقتصادي ويؤمن بقيمته، لذا كان مُهِمّا تحديد إطار شامل لعمل سياسي، يضع نصب عينيه إنجاز حدود وفواصل مشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة، وبهذا يمكن التمييز بين الأشخاص المسموح لهم بالمشاركة في العملية السياسية من غيرهم، وكذا تحديد وظائف مختلف المؤسسات السياسية.
إن المعتقدات السياسية تنطلق من فكرة الإحساس بالولاء للوطن والشعور بالواجب الوطني، والانتماء للنظام السياسي المقبول بين عامة الناس وخاصتهم، لأن ذلك من شانه المساعدة على إضفاء الشرعية عليه، كما يساعد أيضا على بقائه واستمراريته، متخطيا جملة من الأزمات والمصاعب التي قد تواجهه حاضرا أو مستقبلا.
فالثقافة السياسية العربية تتسم بضعف المشاركة السياسية نظرا لسيطرة النخبة وشمولية النظام السياسي، إضافة إلى أن المشاركين في العملية السياسية ليست لديهم دراية كافية بأمور السياسة ودواليبها ، بل يتبعون سلوكات معينة في أوضاع معينة قد تنتهي بتكريس فكرة الذاتية ليس إلا.
فإذا كان المنطق يقتضي أن تتجه جهود الإنسان لتحقيق الحرية والكرامة والأمن لنفسه، فان المقياس الحقيقي لمدى التقدم البشري، يكمن في حجم المكاسب المتوفرة التي حققها هذا الإنسان لإقرار حقوقه وحرياته الأساسية، بالقدر التي تحظى فيه هذه الحريات وهذه الحقوق بنسبة كافية من الاحترام والتقدير. إذ كلما كان النظام السياسي حريصا على ضمان الحقوق الشخصية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والوطنية لأفراده، كلما اتجه المجتمع نحو التقدم الذي تنشده الشعوب، والذي يسعى إلى تحقيق الحد الأدنى من شروط الحياة الكريمة لكل الفئات، في ظل عالم يسوده النماء الازدهار والرخاء والاستقرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح