الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشرة مدرسيّة ,أم -خمسين ألف- ؟

طلال الصالحي

2015 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كنت من بين من رثي حال العراق وحال عاصمته من ضمور بصري يكاد يوصلها للعمى معماريًّا ولونيًّا وبيئيًّا بعدما كان نموذج عالمي ككتلة من انسجام متوارث على أيدي مهندسون معماريّون مثقّفون بأشراط الحداثة المتّصلة بالجذور ,منهم عالميّون ..فمع الأسف ,وبدعم ممّن تسلّطوا على مقدّرات البلد المتوارثة ,وببركات المشروع الأميركي في "خصْيَنة العالم" فقد العراق على أيديهم قيمه الرصينة الفنّيّة في بلد ابتكر أهلوه الأوّلون أولى إرهاصات الفنون بأشكالها الكتابة الصوريّة لغاية "الأوت لاين" ووظّفها ,فالعاصمة بغداد تتعرّض اليوم للنحر بسكّين الحكم الديني السياسي المختلّ في عصر من أولى شروط ولوجه ,هي الفنون والعلوم ,فقذفوها وراء ظهورهم وسط نهريه العظيمين في لاحقة "هولاكيّة" غير مسبوقة ,من التخريب ,بعد أن كنت بغداد بالذات ,الائتمان عليها "مختبر" أو غرفة امتحان ثقافيّة وفنّيّة ,من النوع المخيف والمرعب ,يتهيّب دخولها كلّ من عزم شغل منصب أمينًا لها ..وبغداد قامة العلم وفقه الأبجديّة الفنّيّة للحياة ,بشواهد بسيطة نجت من عاتيات الزمن يتوضّح ذلك, لأثرها العميق في النفس ..هي أمّ منائر العلم ومساجد بحث مستمرّ عن الذات تليق بوحي متخيّل يهبط من السماء ..وهي أنظف بلاد العالم ,يشهد عليها سكّانها الثلاثون مليونًا زمن العبّاسيين برصافتها وحدها فقط, ألف حمّام ..بغداد ألواح الرخام والآجر و"الفشقي" و"الفرشي" وخشب "الجاوي" والصاج ,هي أرض "السندباد والسجّادة الطائرة ..بلاد البلّورة المسحورة تنقل بالصوت وبالصورة ..باب افتح يا سمسم ..تلك وغيرها ألهبت خيال العالم وعلى أساس "أفكارها" انطلقت لغة العلوم والتكنولوجيا وما وصل العالم إليه.. رسخت في ذاكر العالم.. فالألمان مثلًا ..عندما يذكر اسم بغداد أمام النخبة منهم تهتزّ مشاعرهم أكثر ممّا تهتزّ لذكر باريس ..فبغداد على صفحات "ورق الترمة" ذهبيّ الطابع والتأثير البصري نقش القصّاصون والورّاقين أحلامهم البغداديّة ومع ترف "البغددة" , بالملايين أغطسهنّ هولاكو بما حملنه بين مطويّاتهنّ من أثقال المداد, معبرًا للهاربين من سيوف التتار ما بين الرصافة و"الجسر" إن حرّ النحر .. ما أن وقع بصري على العملة العراقيّة الجديدة فئة "خمسين ألف" ,ولِهت بأضعاف ما ولهت له يوم اختزل العراق بشخص صدّام بعملة البلد الورقيّة رغم أنّ جميع ما أنشأ في عهد نظامه يتمتّع به لصوص العراق اليوم ساسة وقادة ومتنفّذين محسوبة على الدكتاتور الراحل.. عزّيت نفسي بعدها لما أوصلنا الحكم الديني السياسي إليه بعد أ لامست أصابع سحره العفن عملة البلد الورقيّة ,قلت: "الجماعة حائرون كما يبدو ,فاعتمدوا على أنفسهم في التصرّف بالبلد بعد أن ظنّوا أنّ الله تركهم بمنتصف الطريق وأشبعهم بصقًا "فهموها هكذا" عندما فاضت العاصمة بمياه الربّ ..وسبب انهيار معنويّاتهم واضح على العملة النقديّة الأخيرة وعلى ساحات بغداد وحدائقها العامّة الّتي احتكروها جعلوا دخولها ب"أربعة يورو" أو ما يعادل, ولكلّ فرد!, وبحيلة شرعيّة! بعدما كانت مجّانيّة .. يبدو كان يدور في تصوّر هؤلاء عندما كانت تجتمع بهم أولبرايت "لتحرير العراق من الاستعمار الإنكليزي" يتصوّرون ما أن يصلوا للسلطة حتّى تعمل أحلامهم تتطبّق واقعًا على الأرض تلقائيًّا وب"البركة" دون الحاجة لاستخدام العقل "ذلك قبل تزويرهم الشهادات والعلوم المعرفيّة بقيادة فيلسوف العصر" قبل أن يصطدموا بجدران الحقيقة حين أخذوا يحاولون نطحها بالتزوير.. فبالتسبيح وبصلوات الاستسقاء وبالتمائم والصدح بالعزاء في الشوارع والأزقّة بالمكروفونات ليل نهار "وبالركض" من مسافات تصل أحيانًا من الصين شرقًا ولغاية الاندلس مرورًا بكربلاء, غربًا, وبالنوافل وبالأدعية وبكثرة التردّد على مكّة ,حجّ وعمرة ,وذلك: "لردّ الجميل لله على ومساعدته لهم للوصول للسلطة" ,طبعًا بأموال الشعب.. وسينصلح حال العراقيّين بظنونهم وهم في اجتماع قمّ وشقلاوة "كأخوة كرد وعرب وأحزاب شيعيّة وسنّيّة", وسيشبع الجياع وستنتهي البطالة وسيشفى المرضى وستعمّ النظافة "بقدرة الله" وستنتشر العطور الفوّاحة في سماء العراق وشوارعه وسيهابه الأعداء وسيخجل وسيستحي على حالهم المنظّفون في دول الجوار وسيكون للعراقي بريق ذاتي يلمع لوحده وأحيانًا يشتعل وينطفئ كالنشرة الضوئيّة ,وهو يعبر الحدود لدول أخرى "وصلها بالفعل وتؤدّى له التحيّة الآن" كما وعدوه! ,وستعمل مصانعه جميعًا وبأحسن ممّا كان ..وسيعود الدينار بثلاثة دولارات ونصف الدولار.. بين "البطّة" و "البيتنجانة" ينحصر الإبداع الفنّي بين طيّات ذهن هؤلاء ..وكأنّهم يعترفون أنّ أشكالهم هم وصورهم أشياء تافهة ,هي أيضًا إلى زوال وليست فقط موروث بغداد..
18.11.2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في