الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ستيبان كوندوروشكين حيٌّ من جديد – 1 –

عماد الدين رائف

2015 / 11 / 23
الادب والفن



ما إن تنتهي من قراءة القصة الأولى من كتاب "قصص سورية" للكاتب الروسي ستيبان سيميونوفيتش كوندوروشكين، حتى يجول سؤال وحيد في خاطرك: من هو هذا الرجل؟ وما الذي كان يفعله لخمس سنوات في لبنان الشرقي أو ما كان يعرف بـ"أنتي ليبان".. تلك السلسلة الجبلية التي تفصل أعاليها اليوم بين سوريا ولبنان.
من هو؟
سؤال تصعب الإجابة عليه فوراً، فقد اختفى من الوجود أثناء الحرب الأهلية الروسية، التي تلت الثورة البلشفية، واختفت كل كتبه، ودراساته، وتحقيقاته الصحافية الاستقصائية، ودراساته، وحتى جريدته التي رأس تحريرها... وطمست سيرة حياته ولم تجمع في كتاب.. بل خسر جريدته وحياته بشكل مأسوي في تلك الحرب، ولم يسمع عنه شيء بعدها. وذلك ببساطة لكونه كاتباً لاحزبياً في زمن الحزبية المطلقة، في زمن غياب المسافات الفاصلة، والأدلجة المباشرة لكل شيء.
القصة الأولى في المجموعة القصصية المؤلفة من جزئين، تحمل عنوان "حرابة"، وتبدأ أحداثها من مدينة صور، أو تيروس القديمة، حيث يقرر الكاتب السفر نحو دمشق على جواده، فيضيع مع مرافقه المحلي في شعب الجبال والوهاد بين اللبنانين، جنوب نيحا.. إلا أن الأحداث الرئيسة للقصة تدور في حوران، ما يعكس إلمام كوندوروشكين بجغرافيا سوريا الطبيعية من غور الأردن إلى كليوسيريا. ويظهر ذلك جلياً في جميع قصصه. إلا أن الجغرافيا ليست سوى أحد العناصر المتداخلة مع سلاسة السرد، وتمازجه بين الحاضر والماضي، تزيّنه بأشعار بدوية مع إضافات مشوقة لقارئ روسي لم يقرأ عن تلك الأصقاع سوى مذكرات الحجاج والرحالة، إلى جانب المادة الجافة للبعثات العلمية من جغرافية وأثرية وانثروبولوجية.
القصة التي تحمل اسم فتاة بدوية، والتي تصدّرت الجزء الأول من "قصص سورية"، لم تكن الأولى في الترتيب الزمني. فبين العامين 1902 و1906 كان ستيبان كوندروشكين قد نشر قصصه في المجلة الشهرية "روسكويه بوغاتستفو" (الغنى الروسي)، التي كانت تصدر في العاصمة الروسية سان بطرسبورغ. وهي مجلة أدبية علمية صدرت في العاصمة بين العامين 1876 و1918. تلك القصص أرسلها كوندوروشكين من سوريا تباعاً إلى ناشر المجلة فلاديمير غلاكتيونوفيتش كورولينكو (1853-1912)، وهو كاتب روسي من أصول أوكرانية بولونية، صحافي وناشر. نشط في مراحل روسيا القيصرية والحرب الأهلية الروسية. وكان كورولينكو هو من شجع كوندوروشكين على كتابة هذا النمط من القصص التي تنطلق من الواقع، لترسم بورتريهات للأماكن والأشخاص بلغة أدبية جميلة. وعملياً، هو من شق أمام الكاتب الشاب الطريق نحو مهنة الكتابة والصحافة الاستقصائية، وربما بشكل غير مباشر الطريق نحو النهاية المأسوية للكاتب.
وقد منح فلاديمير كورولينكو تلك المجموعة القصصية اسم "من الترحال في سوريا"، حيث كان ظهر هذا العنوان قصص نشرت لكوندوروشكين في المجلة في أيلول/ سبتمبر وكانون الأول/ديسمبر 1902. والملاحظة الجديرة بالاهتمام، أن الدفعة الأولى من القصص خريف ذلك العام احتلت حيزاً وسط المجلة السميكة، أما الدفعة الثانية في الشتاء فتصدرت العدد، ما يشير بشكل واضح إلى اعتراف الناشر بمتانة المادة الأدبية التي ينشرها، فيقدم الكاتب الشاب على كتّابه المخضرمين.
لكن كوندوروشكين قرر أن يعيد طباعة عدد من قصصه في مجموعة قصصية في جزئين منحها اسم "قصص سورية"، وأرسلها إلى إحدى دور النشر الشهيرة في العاصمة، "زنانيه" (المعرفة). وهي دار نشر أنشئت سنة 1898، ضمن التيار الماركسي لنشر الأدب العلمي المادي، وقد انتقل إليها في العام 1900 الكاتب الماركسي الكبير ماكسيم غوركي، الذي اعتبر بعد ثورة أكتوبر مؤسس المدرسة الواقعية الاشتراكية المجسدة للنظرة الماركسية إلى الأدب.
لا بد أن غوركي المتابع عن كثب لكل ما ينشر في المجلات الأدبية، لا سيما المادية منها، كان قد قرأ مجموعة "من الترحال في سوريا" قبل أن يتقدم كوندوروشكين بمخطوطه إلى دار النشر، التي عهدت إلى غوركي بالبت بأمر نشره. فهو مدح الكاتب الشاب من جهة، ويسّر أمر تزيين الكتابين برسوم وزخارف الفنان الروسي الكبير يفغيني يفغينوفيتش لانسري (1875-1946) وهو رسام جورجي زينت رسوماته وزخرفاته عدداً كبيراً من الكتب في الحقبتين القيصرية والسوفياتية. حاز في حياته على لقب فنان الشعب الروسي سنة 1945، وقبل ذاك على لقب فنان جورجيا الإشتراكية السوفياتية سنة 1933، كما فاز بجائزة ستالين من الدرجة الثانية خلال الحرب الوطنية العظمى سنة 1943.
وهكذا طبع الجزء الأول من "قصص سورية" في العام 1908، ليليه الجزء الثاني في العام 1910، فحظي القارئ في العاصمة الروسية برؤية بلادنا وناسها بلغة أدبية قصصية عبر كلمات كوندوروشكين ولوحات لانسري، من البادية إلى دمشق، ومن حرمون إلى راشيا، وشبعا، ومشغرة، وطرابلس الشام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية